المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌16 - باب النفقات وحق المملوك - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٤

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌12 - كِتابُ النِّكَاحِ

- ‌2 - باب النَّظَرِ إلى المَخطوبةِ وبيانِ العَورات

- ‌3 - باب الوليَّ في النَّكاح واستِئذانِ المَرأةِ

- ‌4 - باب إعلانِ النكاحِ والخِطبةِ والشَّرطِ

- ‌5 - باب المُحرَّماتِ

- ‌6 - باب المُباشَرةِ

- ‌فصل

- ‌7 - باب الصَّداق

- ‌8 - باب الوَليمةِ

- ‌9 - باب القَسْمِ

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةٍ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتْقِ

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنُّذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاصِ

- ‌2 - باب الدَّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدَّةِ والسُّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كِتَابُ الحُدُودِ

- ‌2 - باب قَطْعِ السَّرِقَةِ

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدِّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التَّيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزق الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجهَادِ

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهاد

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارى

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجِزْيَةِ

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْءِ

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِحِ

- ‌2 - باب

- ‌3 - باب ما يحلُّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌16 - باب النفقات وحق المملوك

‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقِّ المَملوكِ

(باب النفقات وحق المملوك)

مِنَ الصِّحَاحِ:

2496 -

عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ هِندًا بنتَ عتبةَ قالت: يا رسولَ الله! إنَّ أَبا سُفيانَ رجلٌ شَحِيحٌ، وليسَ يُعطيني ما يَكفيني وولدي إلا ما أَخذتُ منه وهوَ لا يَعلم، فقال:"خُذي ما يَكفيكِ وولدَكِ بالمعروفِ".

قولها: "رجلٌ شَحيحٌ"، (الشَّحيح): فَعيل من (الشُّحِّ)، ومعناه: البخلُ مع حرصٍ، وذلك فيما كان عادةً لا عارضًا، كما قال الله تعالى:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: 128]؛ أي: خُلقت معه، ذكرَه الراغبُ رحمه الله في "مفرداته".

قوله: "خُذي ما يكفيك وولدَك بالمعروف"، (المعروف): ما يَعرفُه الشرعُ ويأمرُ به. شرح هذا الحديث مذكورٌ في (باب الشَّرِكة).

* * *

2497 -

وقال: "إذا أَعْطَى الله أحدَكم خيرًا فليَبدَأْ بنفسِه وأهلِ بيتِهِ".

قوله: "إذا أعطى الله أحدكم خيرًا، فَلْيبدأْ بنفسِهِ وأهلِ بيته"، الخير ها هنا: بمعنى المال؛ يعني: إذا رُزق أحدُكم مالًا، فَلْيَبدأ بالإنفاق على نفسه، وعلى مَن في نفقته من زوجته وأولاده وأبوَيه إذا كانا محتاجَين إليه، ثم على غيرهم.

* * *

ص: 136

2498 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "للمَمْلوكِ طَعامُه وكِسوتُه، ولا يُكلَّفُ مِن العملِ إلا ما يُطيقُ".

قوله: "للمملوك طعامُه وكسوتُه، ولا يُكلَّف من العمل إلا ما يُطيق"؛ يعني: يجب على السيد نفقةُ رقيقه خبزًا وإدامًا؛ قدرَ ما يكفيه من غالب قُوت مماليك ذلك البلد وغالب الإدام والكسوة، ويُكلِّفُه [من] العمل ما يُطيق؛ أي: لا يأمرُه من العمل والخدمة إلا ما يُطيقه على الدوام.

* * *

2499 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إخوانُكم خَوَلُكُم جَعلَهم الله تحتَ أيديكُم، فمن جَعلَ الله أخاهُ تحتَ يديهِ فليُطعِمْهُ مما يأكلُ، وليُلبسْهُ مما يلبَسُ، ولا يُكلِّفُهُ من العملِ ما يَغلِبُه، فإنْ كَلَّفَه ما يَغلِبُه فلْيُعِنْهُ عليهِ".

قوله: "إخوانُكم جعلهم الله تحت أيديكم

" إلى آخره؛ يعني: مماليكُكم إخوانُكم؛ لكنْ جعلَهم الله محكومين لكم، فيجب عليكم أن تُطعموهم من جنس ما تأكلونه، وتُلبسونهم من جنس ما تلبسونه، ولا تُكلِّفوهم من الأعمال ما يَغلبهم، فإن كلفتُمُوهم ما يغلبُهم، فينبغي أن تُعينوهم عليه رعايةً لحقوقهم. هذا معنى ظاهر الحديث.

قال مُحيي السُّنَّة في "شرح السُّنَّة": هذا خطابٌ مع العرب الذين لَبُوسُ عامتِهم وأطعمتهم متقاربةٌ، يأكلون الجَشِبَ ويَلبَسون الخَشِنَ، فأمرَهم أن يُطعموا ويُلبسوا رقيقَهم ما يلبسون ويأكلون؛ فأمَّا مَن خالَفَ معاشَ السلف والعرب، فأكلَ رقيق الطعام، ولبسَ جيد الثياب، فلو واسَى رقيقَه كان أحسنَ، فإن لم يَفعلْ، فليس عليه لرقيقه إلا ما هو المعروف من نفقة رقيق بلده وكسوتهم.

ص: 137

قال في "الصِّحاح": طعام جَشِبٌ وجَشُوب - بالجيم - أي: غليظ.

قوله: "ولا يُكلِّفه من العمل ما يغلبه"، قال في "شرح السُّنَّة": يعني - والله أعلم -: لا يُكلِّفُه إلا ما يُطيق الدوامَ عليه، لا ما يُطيقُ يومًا أو يومين أو ثلاثةً، ثم يعجز، وجملةُ ذلك: ما لا يضرُّ ببدنه الضررَ البَينَ.

اعلمْ أنَّ لكلِّ واحدٍ من السيد والمملوك حقًّا على صاحبه؛ أمَّا حقُّ السيد على المملوك: فهو أن يَنقادَ لسيده، ويمتثلَ أمرَه في جميع الأوقات إلا أوقات الصلوات الخمس؛ فإنها حقُّ الله تعالى، وهو مُقدَّمٌ على حقِّ سيده، وأمَّا حقُّ المملوك على السيد: فهو أن يُطعمَه ويَكسوَه بالمعروف، ولا يُكلِّفَه من الأعمال ما لا يُطيق عليه، كما ذُكر قبلُ.

* * *

2500 -

وعن عبدِ الله بن عَمرٍو رضي الله عنهما: جاءه قَهْرَمانٌ له فقالَ: أَعطيتَ الرَّقيقَ قوتَهم؟ قال: لا، قال: فانطلِقْ فأَعطِهم فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "كَفَى بالمرءِ إثمًا أنْ يَحبسَ عَمَّن يملكُ قُوْتَه".

وفي روايةٍ: "كفى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضَيعَ مَن يَقُوتُ".

قوله: "وجاءه قَهرَمان له

" إلى آخره، (القَهْرَمان): الوكيل، كأنه مُعرَّبٌ، أو مأخوذٌ من (القهر)؛ لأنَّ الوكيلَ مقهورُ الأمر بالنسبة إلى مُوكِّله.

قوله: "كفى إثمًا أن تحبسَ عمَّن تملك قُوتَه"، (كفى): فعلٌ ماضٍ، وفاعله فيه مُضمَر فسَّره (إثمًا)؛ أي: كفى الإثم إثمًا حبسُك الطعام، و (أن) مع ما بعده: مبتدأ، و (كفى): خبرٌ مقدَّمٌ، مثل: بئس رجلًا زيد، أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أو (أن): فاعل (كفى)، و (إثمًا): نُصب على الحال أو التمييز؛ يعني: لو لم يكن لك إثمٌ إلا إثمَ منع القُوت عن المماليك والعِيال، أو تأخير

ص: 138

قُوتهم، لَكان يَكفيك ذلك الإثمُ؛ أي: لَكان ذلك الإثمُ عظيمًا.

* * *

2501 -

وقال: "إذا صَنعَ لأحدِكم خادِمُه طعامَه، ثم جاءَه بهِ، وقد وَليَ حرَّهُ ودُخانَه فَلْيُقعِدْه معَه، فَلْيأكلْ، فإنْ كانَ الطعامُ مشفُوهًا قليلًا فَلْيَضَعْ في يدِه منهُ أُكْلةً أو أُكُلَتَيْنِ".

قوله: "إذا صنع لأحدكم خادمُه طعامَه

" إلى آخره، (صنِعَ)؛ أي: فعلَ، يقال: صنعَ إليه معروفًا، وصنع به صنيعًا قبيحًا؛ أي: فعلَ، ذكره في "الصِّحاح".

قوله: "ولِي حرَّه"؛ أي: تولَّى وقرُبَ.

قوله: "فإن كان الطعامُ مشفوهًا قليلًا، فَلْيَضعْ في يده منه أُكلةً أو أُكلتَين"، قال في "شرح السُّنَّة": يُقال: (طعامٌ مشفوهٌ): إذا كثرُت عليه الأيدي، و (ماءٌ مشفوهٌ): كثيرٌ سائلوه، وأصل الكلمة مأخوذ من الشَّفة.

و (الأُكْلة) بضم الألف: اللُّقمة، و (الأَكْلة) بالفتح: المرة الواحدة من الأكل.

يعني: إذا طبخَ واحدٌ من خُدَّامكم طعامًا، ثم أتى به، وقد قاسَى الحرارةَ والدخانَ، فعليكم أن تُقعدوه معكم ليأكلَ، وإن كان الطعامُ قليلًا، فأعطوه لقمةً أو لقمتَين.

* * *

2502 -

وقال: "إنَّ العبدَ إذا نَصَحَ لسيدِه وأحسنَ عبادَةَ الله فلهُ أجرُهُ مَرَّتينِ"

ص: 139

قوله: "إن العبدَ إذا نصحَ لسيدِهِ، وأحسنَ عبادةَ الله، فله أجرُه مَرَّتين"، يُقال: نصحتُه ونصحتُ له، وزيادة اللام للمبالغة في نصيحة المَنصوح، ومعنى النصيحة: طلب الخير.

يعني: العبدُ إذا طلب الخيرَ لسيده، وامتثل أمرَه، وأحسن طاعةَ ربه، يستحقُّ الأجرَ مرتين؛ مرةً لطاعة ربه تعالى، والأخرى لطاعته لسيده.

* * *

2503 -

وقال: "نِعِمَّا للمَمْلوكِ أن يَتَوفَّاهُ الله يُحْسِنُ عبادَةَ ربه وطاعةَ سيدهِ نِعِمَّا لهُ".

قوله: "نِعمَّا للمملوك أن يتوفَّاه الله تعالى"، (توفَّاه الله)؛ أي: قبض روحَه، (ما) في (نعما): نكرةٌ غيرُ موصولةٍ ولا موصوفةٍ، و (نعم): فعل المدح، وفيه فاعله، و (ما): بمعنى (شيء)، نُصب على التمييز، و (أن يتوفَّاه): مخصوصٌ بالمدح، تقدير الكلام: نعم الشيء شيئًا للمملوك توفاه الله؛ يعني: نعم شيئًا وفاته في طاعة الله سبحانه، ثم في طاعة سيده؛ امتثالًا لأمر ربه تعالى.

* * *

2504 -

وقال: "أيُّما عبدٍ أَبَقَ فقد بَرِئَتْ منهُ الذِّمَّةُ".

قوله: "أيُّما عبدٍ أَبَقَ فقد برِئت منه الذمَّةُ"، (أَبَقَ يَأبقُ): إذا فرَّ، (الذمَّة): العَهد، (أيُّما): للشرط، مبتدأ، و (ما)؛ زائدةٌ للتأكيد، و (أبق): خبرُه لا صفةُ (عبد)؛ لأن المُضافَ إليه لا يُوصَف، ولأنَّ المبتدأ يبقى بلا خبرٍ، وما بعدَه جوابُ الشرط، و (أبق): ماضٍ لفظًا ومستقبلٌ مجزومٌ معنًى.

يعني: إن أبقَ إلى ديار الكفَّار وارتدَّ، فقد برِئت منه الذمَّةُ؛ أي: عهدُ

ص: 140

الإسلام، حتى يجوز قتلُه، وأن أبقَ إلى بلدٍ من بلاد الكفر - لا على نيَّة الارتداد -[فـ]ـلا يجوز قتلُه، بل قوله:(برِئت منه الذمَّةُ) معناه: التهديد والمبالغة في جوازِ ضربهِ.

* * *

2505 -

وقال: "أيُّما عبدٍ أَبَقَ من مواليهِ فقدْ كَفَرَ حتى يرجعَ إليهم".

قوله: "فقد كفر"؛ أي: ستر نعمةَ السيدِ عليه.

* * *

2506 -

وقال: "إذا أَبَقَ العبدُ لم تُقبَلْ له صلاةٌ".

قوله: "لم تُقبَل له صلاةٌ"؛ أي: لا يُقبَل كمالُ صلاته حتى يرجعَ إلى سيده.

* * *

2507 -

وقال: "مَن قَذَفَ مَملوكَهُ وهو بريءٌ مما قالَ، جُلِدَ يومَ القيامَةِ إلا أنْ يكونْ كما قال".

قوله: "مَن قذفَ مملوكَه وهو بريءٌ

" إلى آخره؛ يعني: إذا برِئ مملوكُه عما قذفَه سيدُه، جُلدَ سيدُه يومَ القيامة حدَّ القَذْف؛ إلا إذا كان السيدُ صادقًا في قذفه.

* * *

2509 -

عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه قال: كنتُ أَضرِبُ غلامًا لي فسمعتُ مِن خلفي صَوْتًا: اعلمْ أَبا مسعودٍ! لَلَّهُ أَقْدَرُ عليكَ منكَ عليهِ، فالتَفَتُّ

ص: 141

فإذا هوَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ يا رسولَ الله هوَ حُرٌّ لوجهِ الله فقالَ:"أَما لَو لَمْ تفعلْ للفَحَتْكَ النارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النارُ".

قوله: "لَلَّهُ أقدرُ عليكَ منكَ عليه"؛ يعني: قدرةُ الله سبحانه عليك أتمُّ وأبلغُ من قدرتك على عبدك.

(للهُ): مبتدأ، و (أقدرُ): خبرُه، و (عليك): متعلِّق بـ (أقدر) تعلُّقَ مفعولٍ به أيضًا، و (منك)؛ أي: من قدرتك، متعلِّقٌ أيضًا بـ (أقدر)؛ لأنه أفعل التفضيل، وهو في قوة فعلَين، يتعلَّقُ به حرفا جرٍّ، و (عليه): متعلِّق بقدرتك المُقدَّرَة بعد (مِن) في (منك) تعلُّقَ مفعولٍ به أيضًا، وإن كان المصدرُ لا يُحذَف ويبقى معمولُه، وإنما كان من جهة التقدير ذلك؛ لأنَّ المُقدَّرَ كالملفوظ.

قوله: "لفحتْكَ النارُ"؛ أي: أحرقتْك النارُ.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2510 -

عن عمروِ بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه:"أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجلٌ فقال: إنَّ لي مالًا وإنَّ والِدي يحتاجُ إلى مالي، فقال: "أنتَ ومالُكَ لوالِدِكَ، إنَّ أَولادَكم مِن أطيبِ كَسبكم، كُلوا مِن كسبِ أولادِكم".

قوله: "أنتَ ومالُكَ لوالدك"؛ يعني: أنتَ ومالُك ثابتانِ لوالدِك؛ لأنَّ والدَك أصلُ وجودِك، وأنتَ خُلقتَ من مائه، فحينَئذٍ وجودُك له، وإنما قال:(مالُك لوالدك)؛ لأنَّ والدَك إذا كان مُحتاجًا، تجب نفقتُه في مالِك قدرَ ما يكفيه، وكذا الإعفاف؛ فإذا كان بصددِ أن يكونَ له استحقاقٌ ما في مالِكِ يومًا من الأيام، صار المالُ كأنه له، فيكون عامًّا يريدُ به الخاصَّ.

قوله: "إن أولادكم من أطيب كسبكم، كُلُوا من كسب أولادكم"؛ فإنه

ص: 142

حلال، و (أطيب): أفعل التفضيل من (الطِّيب)، وهو الحلال؛ يعني: أولادُكم من أحلِّ أكسابكم وأفضلِها، كُلُوا مما كسب أولادُكم، فإنه حلالٌّ لكم، وإنما سُمِّي الولدُ أطيبَ كسبٍ وأحلَّه؛ لأنه أصلُه والسببُ الظاهرُ، ولم يكنْ قبلَه لأحدٍ، بخلاف كلِّ الأموالِ؛ لأنها زائلةٌ منتقلةٌ؛ كانت للغير، وسوف تنتقل إلى آخر، والولدُ لم يملكْه أحدٌ قبلَه، ولا يُملَك أبدًا.

* * *

2511 -

وعن عمروِ بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رَجُلًا أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقيرٌ وليسَ لي شيءٌ، وَلي يتيمٌ، فقال:"كُلْ مِن مالِ يتيمِكَ غيرَ مُسرِفٍ، وَلا مُبادِرٍ، ولا مُتَأثِّلٍ".

قوله: "ولي يتيمٌ"، (اليتيم): الطفل الذي لا أبَ له؛ أي: ولي يتيمٌ في حجري؛ لأني وَصِيٌّ أو قيمٌ له.

قوله: "كُلْ من مال يتيمِكَ غيرَ مُسرِفٍ، ولا مُبادِرٍ، ولا مُتأثِّلٍ"، (المُسرِف): المُفرِط، (المُبادِر): السابق، (المُتأثِّل): اسم فاعل من (تأثَّل): إذا اتخذ شيئًا من أصل مالِهِ؛ يعني: يجوز لوصيِّ اليتيم أن يأكلَ من ماله إذا سعى فيه مقدارَ أجرةِ السعي إن كان محتاجًا، قال الله تعالى:{وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]؛ أي: قدرَ أجرة السعي.

(غير مُسرِف)؛ أي: غيرَ مُفرِط في الإنفاق على نفسه من ماله، (ولا مُبادِرٍ)؛ أي: مُسرِعٍ في أكل ماله مخافةَ أن يَبلغَ، فيَلزمَه تسليمه، قال الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6].

(ولا مُتأثِّلٍ)؛ أي: مُتَّخِذٍ أصلَ مالِهِ من مال اليتيم.

* * *

ص: 143

2512 -

عن أمِّ سلمَةَ: عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كانَ يقولُ في مرضه: "الصَّلاةَ وما مَلَكَت أَيْمانُكم".

قوله: "الصلاةَ، وما ملكَت أيمانُكم"، (الصلاةَ): نُصب بفعلٍ مُقدَّرٍ؛ أي: احفظوها وراعوها، (وما ملكت أيمانُكم): عُطف عليها.

وقيل: و (ما ملكت أيمانكم) عبارةٌ عن الزكاة، وإنما قال: أراد به الزكاةَ؛ لأنَّ القرآنَ والحديثَ إذا ذُكر فيهما الصلاةُ فالغالبُ أنه ذُكر بعدَها الزكاةُ، قال تعالى:{وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [التوبة: 71]، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، وفي الحديث:"وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج"، و"تُقيم الصلاةَ المكتوبةَ، وتُؤدِّي الزكاةَ المفروضةَ"؛ فقاسَ هذا المُبهَمَ بالمُعيَّنِ.

وقيل: عبارةٌ عن المماليك؛ وهو الأظهرُ، وإيرادُ هذا الحديث في هذا الباب دليلٌ على أنه أراد به المماليكَ، وذكرُه عَقيبَ الصلاة إشارةٌ إلى أنَّ حقوقَ المماليك واجبةٌ على السادات، كما أنَّ الصلاةَ واجبةٌ عليهم؛ بحيث لا سعةَ في تركها.

* * *

2513 -

وقال: "لا يدخلُ الجنَّةَ سَيئُ المَلَكَةِ".

قوله: "لا يدخلُ الجنةَ سيئُ المَلَكَة"، قال في "الصِّحاح": يُقال: ما في مِلْكِه شيءٌ، ومَلْكِه شيءٌ؛ أي: لا يملك شيئًا، وفيه لغة ثالثة: ما في مَلَكَته شيءٌ؛ بالتحريك، يقال: فلانٌ حسنُ المَلَكَة: إذا كان حسنَ الصنع إلى مماليكه.

يعني: مَن أضاعَ حقوقَ المملوك، ولم يُراعِها، وأساء إليه، فلا يدخل الجنة، هذا تهديدٌ ووعيدٌ حتى لا يتركوا حقوق المماليك.

ص: 144

ويحتمل أن يريد: أنه لا يدخلُ الجنةَ حتى يقتصَّ ما ظلم.

* * *

2514 -

عن رافِع بن مَكِيثٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "حُسْنُ المَلَكَةِ يُمْنٌ، وسوءُ الخُلُقِ شُؤْمٌ، والصَّدقةُ تمنعُ مِيتةَ السوءِ، والبرُّ زيادةٌ للعُمُرِ".

قوله: "والصدقةُ تمنع مِيتةَ السوء"، (المِيتة) بكسر الميم: نوعٌ من الموت، كـ (الجِلْسَة) و (الرِّكْبَة)؛ يعني: حالة يموت عليها الإنسان.

يعني: الصدقةُ تدفع موتَ الفجأة، فإنه موتٌ سيئٌ؛ لأنَّ الشخصَ إذا أتاه الموتُ بغتةً لا يقدر على التوبةِ والاستحلالِ وردِّ المظالم والوصيةِ بذلك.

قوله: "والبرُّ زيادةٌ للعمر"، (البرُّ): الإحسان؛ يعني: الإحسانُ إلى الخلق يزيدُ في العمر، والزيادةُ في العمر يُحتمَل أن تكونَ محسوسةً علَّقَها الله سبحانه في الأزل: إنَّ عُمرَ فلانٍ كذا سَنةً، ولو أَحسنَ، زِيدَ عليه كذا سَنةً، كما أنه قدَّرَ إذا مرض؛ لو داوى لشُفي، وإلا فيموت.

ويُحتمَل أن يريد بالزيادة: البركة والخير في العمر؛ يعني: يُوفِّقُه في عمره لِمَا يَرضَى عنه من العمل.

وقيل: الذي بُورك له في عمره: يُوفَّق للتدارك في ساعةٍ ما لا يتداركُ سواه في سَنةٍ من عمرِهِ.

* * *

2515 -

وقال: "إذا ضربَ أحدُكم خادِمَه فذَكَرَ الله فليُمْسِك".

قوله: "فذكَّره الله فَلْيُمسِكْ"؛ يعني: إذا قال المضروب للضارب حالةَ الضرب: الله الله، فَلْيَتركِ الضربَ؛ عظمةً لذِكر الله سبحانه.

* * *

ص: 145

2516 -

وقال: "مَن فَرَّقَ بينَ والدةٍ وولدِها، فرَّقَ الله بينَهُ وبينَ أَحِبَّتِهِ يومَ القيامَةِ".

قوله: "مَن فرَّق بين والدة وولدها"؛ يعني: التفريقُ بيَن جاريةٍ وولدِها بالبيع والهِبَة قبلَ سبع سنين لا يجوزُ؛ لأنه تفريقٌ مُحرَّمٌ، فأفسدُ البيع والهِبة، كالتفريق بين الجارية وحملِها، وبعد سبع سنين قولانِ، الأظهرُ: أنه جائز.

* * *

2519 -

عن جابرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه يَسَّرَ الله حَتْفَهُ وأدخَلَهُ جَنَّتهُ: رِفْقٌ بالضَّعيفِ، وشَفَقَةٌ على الوالدينِ، والإحسانُ إلى المَمْلوكِ"، غريب.

قوله: "يسَّر الله حتْفَه"، (الحَتْف): الهلاك؛ يعني: يسَّر الله موتَه، وأزال عنه سكراتِه.

"الرِّفقُ": المداراة.

* * *

2521 -

عن عبدِ الله بن عُمرَ رضي الله عنهما قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ الله! كَمْ نعفو عن الخادِمِ؟ فَسَكَت، ثم أعادَ عليهِ الكلامَ فصمتَ، فلمَّا كانت الثالثةُ قال:"اُعفُوا عنه كلَّ يومٍ سبعينَ مرةً".

قوله: "كم نعفو عن الخادم؟ "، (كم) ها هنا: منصوبٌ على الظَّرف؛ أي: كم مرةً نعفو عن المماليك؟!

* * *

ص: 146