الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أربعةَ أشهرٍ أن يكونَ بين المسلمين، فيَنظرَ في أفعال المسلمين، فإن شاء أَسلمَ، وإن لم يشأ يَرجعْ إلى دار الحرب من غير أن يُلحقَهُ أحدٌ بضررٍ، فلبث بين المسلمين زمانًا، فرَزقَه الله الإِسلامَ قبلَ أن تَنقضيَ عِدَّةُ زوجته، فقرَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نكاحَهما.
* * *
6 - باب المُباشَرةِ
(باب المباشرة)
مِنَ الصِّحَاحِ:
2367 -
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: كانت اليهودُ تقولُ: إذا أتى الرجلُ امرأتَه من دُبرِها في قُبُلِها كانَ الولدُ أَحْوَلَ، فنزلَتْ:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} .
قوله: "إذا أتى الرجلُ امرأتَه من دُبرِها في قُبلِها"؛ يعني: يقف خلفَها ويُولج في فَرجها، لا في دُبرِها؛ فإنَّ الوطءَ في الدُّبُر مُحرَّمٌ في جميع الأديان.
قوله تعالى: {أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]؛ يعني: يجوز لكم مُجامَعةُ نسائكم كيف شئتُم؛ قائما، أو قاعدًا، أو مضطجعًا، أو من القُبُل إلى فَرجها، أو من خلفها إلى فَرجها، وعلى أيِّ حال شئتُم؛ بشرط أن يكونَ الإيلاجُ في الفَرج، لا في االدُّبُر، ولا في حال الحَيض.
* * *
2368 -
قال جابرٌ رضي الله عنه: كنا نعزِلُ والقرآنُ يَنْزِلُ، فبلغَ ذلكَ النَّبيَّ فلمْ يَنْهَنا.
قوله: "كنَّا نَعزلُ والقرآنُ يَنزلُ، فبلغ ذلك نبيَّ الله، فلم يَنهَنا"، (العَزْل): أن يُنزلَ الرجلُ منيَّه خارجَ الفَرج؛ يعني: لا يترك إنزالَ المني في الفَرج خشيةَ الولد؛ يعني: كنَّا نفَعلُ هذا الفعلَ في حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلم يَنهَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولم يَنزلْ في القرآن نهيٌ عمَّا فعلْنا؛ يعني: لو لم يكنْ جائزًا لَنهانا القرآنُ أو النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
قال مالك وأحمد: العَزلُ جائزٌ عن أَمَته، وأمَّا عن زوجتِه الحرَّةِ، فلا يجوز إلا بإذنها، وعن زوجتِه الأَمَةِ، فلا يجوز إلا بإذن سيدها.
وقال الشافعي: يجوز العَزلُ عن المملوكة، سواءٌ كانت تلك المملوكةُ مملوكتَه أو زوجتَه، وأمَّا عن الزوجة الحرَّة، فله فيه قولانِ.
* * *
2369 -
عن جابر رضي الله عنه: أنَّ رَجُلًا أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: إنَّ لي جاريةً هي خادمتُنا وأنا أَطوفُ عليها وأكَرَهُ أن تحمِلَ؟ فقال: "اعزِلْ عنها إن شئتَ، فإنه سَيَأتِيها ما قُدَّرَ لها"، فَلِبَث الرجلُ ثم أتاهُ فقال: إنَّ الجاريةَ قد حَبلَتْ، فقال:"قد أخبرتُكَ أنه سيأتِيها ما قُدِّرَ لها".
قوله: "وأنا أَطوفُ عليها"؛ أي: أُجامعُها.
قوله: "سيأتيها ما قُدِّر لها"؛ يعني: إنْ قدرَ الله تعالى لها حملًا [فـ]ـستَحملُ، سواءٌ عَزلتَ عنها أو لم تَعزلْ؛ فإنَّ العَزلَ لا يَمنعُ تقديرَ الله تعالى.
* * *
*
2370 -
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: خرجْنا معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في غزوةِ بني المُصْطَلِقِ فاصبنا سبيًا فاشتَهَيْنا النِّساءَ وأحببنا العزلَ، فكنا نعزِلُ
ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بينَ أَظهُرِنا قبلَ أن نسأَلَهُ، فسأَلْناهُ عن ذلكَ؟ فقال:"ما عليكم أن لا تَفْعَلُوا، ما مِن نَسَمَةٍ كائنةٍ إلى يومِ القيامةِ إلا وهي كائنةٌ".
قوله: "بين أظهرنا"؛ أي: بيننا.
قوله: "ما من نَسَمة"؛ أي: ما من إنسانٍ؛ يعني: كلُّ إنسانٍ قدَّر الله تعالى أن يُوجدَ سيوجد، ولا يَمنعُه العَزلُ.
* * *
2371 -
وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قال: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن العَزْلِ، فقال:"ما مِن كلِّ الماءِ يكونُ الولدُ، وإذا أرادَ الله خلقَ شيءٍ لم يمنَعْه شيءٌ".
قوله: "ما مِن كلِّ الماء يكون الولد"؛ يعني: يجوز العَزلُ؛ لأنَّ العَزلَ لا يمنع حصولَ الولد الذي قدَّرَه الله تعالى.
* * *
2372 -
وعن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ: أنَّ رجلًا جاءَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أَعزِلُ عن امرأتي، فقال:"لِمَ تفعلُ ذلك؟ " قال: أُشفِقُ على ولدِها، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لو كان ذلكَ ضارًا ضَرَّ فارسَ والرومَ".
قوله: "أُشفق على ولدها"؛ يعني: امرأتي تُرضع ولدَها، وإني أخاف أنْ لو وطأتُها ولم أَعزلْ عنها لَحَملَتْ، وحينَئذٍ يَضرُّ الولدَ الإرضاعُ في حال الحَمل.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لو كان ذلك ضارًّا ضرَّ فارسَ والرُّومَ"؛ يعني: تُرضع نساءُ الفرس والروم أولادَهنَّ في حال الحَمل، فلو كان الإرضاعُ في حال الحَمل مُضرًّا، لأَضرَّ أولادَهنَّ.
وهذا إشارةٌ منه صلى الله عليه وسلم إلى جواز وطءِ النساء وتركِ العَزل عنهنَّ في
حال إرضاع الولد.
* * *
2373 -
وعن جُدامةَ بنتِ وَهْبٍ رضي الله عنها قالت: حَضَرتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في أناسٍ وهو يقولُ: "لقدْ هَمَمتُ أنْ أَنهَى عن الغِيلةِ، فنظرتُ في الرومِ وفارسَ فإذا هم يُغِيلُونَ أولادَهم، فلا يَضُرُّ أولادَهم"، ثم سألُوه عن العزلِ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ذلكَ الوَأْدُ الخَفيُّ".
قوله: "هَمَمتُ"؛ أي: عَزمتُ وقَصدتُ.
"الغِيلة" بكسر الغين المعجمة: اسمٌ من (أَغالت تُغِيلُ إغالةً)، و (أَغَيلَتْ تُغْيل إغيالاً): إذا أَرضعَتِ المرأةُ ولدَها في حال الحَمل، فهي مُغِيلٌ بغيرها، و (الغِيلة) بكسر الغين المعجمة: اسم ذلك الفعل؛ أي: اسم الإرضاع في حال الحمل.
قوله: "ذلك الوَأدْ الخَفِيِّ"، (الوأد): دفنُ حيًّ في القبر؛ يعني: العَزْلُ قتلُ نفسٍ بحيث لا تُرَى؛ يعني: إذا منع الرجلُ إنزالَ المنيَّ في الفَرج، فكأنه منع أن يُخلَقَ إنسانٌ، ومنعُ خلقِ إنسانٍ كإزالةِ الرُّوح من حيًّ وإفناءِ حيٍّ.
هذا يدلُّ على منع جواز العَزْل، وذلك دليلُ مَن لم يُجوِّزِ العَزْل.
وهذا الحديثُ عند مَن لم يُجوَّزِ العَزْل مُحكَمٌ ووعيدٌ على مَن فعلَ العَزْل، ومَن جوَّزَ يقول: إمَّا أن يكونَ هذا الحديثُ منسوخًا، أو تهديدًا؛ لبيان أنَّ الأَولى تركُ العَزْل.
* * *
2374 -
عن أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ رضي الله عنه: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ
أعظمَ الأمانةِ عندَ الله يومَ القيامةِ: الرَّجلُ يُفضي إلى امرأتِهِ وتُفضي إليه ثم يَنشُرُ سِرَّها".
وفي روايةٍ: "إنَّ مِنْ أَشَرِّ الناسِ عندَ الله منزِلةً يومَ القيامةِ".
"إنَّ أعظمَ الأمانة
…
" إلى آخره؛ يعني: أفعالُ الرجل وأقوالُه عند المرأة كأمانةٍ مُودَعةٍ عندها، فإنْ أَفشَتْ شيئًا مما كرهَه، فقد خانَتْ الأمانة، وكذلك أفعالُ المرأة وأقوالُها عند الرجل كأمانةٍ مُودَعةٍ عنده، فإنْ أَفشَى شيئًا مما كرهَتْه فقد خان.
وكذلك السِّرُّ الذي يجري بين شخصَين غيرِ الزوجَين ينبغي أن يَحفظَ كلُّ واحدٍ منهما سرَّ صاحبه.
* * *
2375 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: أُوحيَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ
…
} الآية، أَقْبلْ وأَدبر واتَّقِ الدُّبرَ والحَيْضَةَ.
قوله: "أَقبلْ وأَدبرْ"؛ يعني: يجوز لك أن تأتِيَ امرأتَك من قُبُلِها إلى فَرجِها، ومن خلفِها إلى فَرجِها أيضًا كما ذكرنا.
أراد بـ (الحَيضة): المُجامَعةَ في حال الحَيض.
* * *
2378 -
وقال: "إنَّ الذي يأتي امرأةً في دُبُرِها لا ينظرُ الله تعالى إليه".
2379 -
ويُروى: "لا ينظرُ الله إلى رجلٍ أَتَى رَجُلاً أو امرأةً في الدُّبرِ".
(إنَّ الذي يأتي امرأتَه في دُبُرِها لا يَنظرُ الله إليه)؛ يعني: لا يَنظرُ الله إليه بنظر الرحمة حتى يتوبَ، وهذا إنْ فعلَه بأجنبيةٍ حُكمُه حكمُ الزِّنا، وإنْ فعلَه
بامرأتِه أو أَمَتِه، فهو مُحرَّمٌ، ولكن لا يُجلَدُ ولا يُرجَمُ، ولكنْ يُعزَّرُ؛ لأنه وطءُ شُبهةٍ بثبوت حقَّه على المرأة، فهو كما إذا وَطِئ أحدٌ أَمَةً مشتركةً بينه وبين غيره.
رَوى هذا الحديثَ أبو هريرة رضي الله عنه.
* * *
2380 -
عن أسماءَ بنتِ يزيد قالت: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا تَقتُلوا أولادَكَم سِرًا فإنَّ الغَيْلَ يُدرِكُ الفارسَ فيُدَعْثِرُهُ".
قوله: "لا تقتلوا أولاكم سِرًّا؛ فإنَّ الغَيلَ يُدرك الفارسَ، فيُدَعثِرُه"، (الغَيْل) بفتح الغين المعجمة: اللَّبن الذي أَرضعَتْه المرأةُ ولدَها في حال الحَمل. (دَعثَرَ): إذا أَسقطَ وخرَّبَ؛ يعني: إذا حَملَتِ المرأةُ ولها لَبن يَفسد لَبنها في حال الحَمل، فإذا أَرضعَتِ الولدَ من ذلك اللَّبن يصير الولدُ ضعيفًا، وتقلُّ قوتُه.
ونهيُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإرضاع في حال الحمل؛ لأنه إضعافٌ للولد، وإضعافُ الولدِ كإهلاكِه، وهذا الإهلاكُ إهلاكٌ لا يَراه أحدٌ؛ فلهذا قال:(لا تقتلوا أولادكم سرًّا).
ويُحتمَل أنَّ هذا النهيَ يتوجَّهُ للرجال؛ يعني: لا تُجامِعُوا في حال الإرضاع؛ كي لا تَحملَ نساؤكم، فيُهلك الإرضاعُ في حال الحَمل أولادَكم.
فنَهَى في هذا الحديث عن الغَيْل، ولم يَنهَ عنه في حديث مُتقدِّمٍ في هذا الباب، والوجهُ أن نقول: هذا النهيُ نهيُ تنزيهٍ، لا نهي تحريمٍ.
* * *