الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - باب آدابِ السَّفَرِ
(باب آداب السفر)
مِنَ الصِّحاحِ:
2944 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلمُ النَّاسُ ما في الوَحْدَةِ ما أَعْلَمُ، ما سارَ راكِبٌ بليلٍ وَحْدَهُ".
"لو يَعْلَمُ الناسُ ما في الوَحْدَةِ ما أَعْلَمُ، ما سارَ راكبٌ بليلٍ وحدَه"؛ يعني: السيرُ بلا رفيقٍ فيه مَضرَّةٌ دنيوية ودينية.
أما الدنيوية: فهي أنه لا يكونُ معه من يعينُه في الحوائج.
وأما الدينية: فهي أنه لا يكونُ معه من يصلَّي معه الصلاةَ بالجماعة، فيُحْرَم من ثوابِ الجماعة.
روى هذا الحديثَ ابن عمر.
* * *
2945 -
وقال: "لا تَصْحَبُ الملائكةُ رُفْقةً فيها كلبٌ ولا جَرَسٌ".
قوله: "لا تصحبُ الملائكةُ رُفْقةً فيها كَلْبٌ ولا جَرَسٌ"، (الرُّفْقَةُ): العِيْرُ، وَجْهُ نهيِ استصحابِ الكلب؛ لكونه نَجِسًا، وينجسُ ما وَصَلَ إليه فمُه، أو شيءٌ من أعضائه الرَّطْبة، ووجهُ نهيِ تعليقِ الجَرَسِ بالدَّوابِّ ما ذُكِر.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
* * *
2946 -
وقال: "الجَرَسُ مَزاميرُ الشَّيطانِ".
قوله: "الجَرَسُ مزامير الشيطان"، (المزاميرُ): جمع مِزْمَار.
روى هذا الحديثَ أيضًا أبو هريرة.
* * *
2947 -
عن أبي بشيرٍ الأنصاريِّ: أنه كانَ مع رسولِ الله في بعضِ أسفارِهِ فأرسلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رسولًا: "لا يُبْقَيَنَّ في رقبةِ بعيرٍ قِلادةٌ مِن وَتَرٍ، أو قِلادةٌ إلا قُطِعَت".
قوله: "أو قلادة"، شَكَّ الراوي في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(قلادة من وتر)، أو قال:(قلادة) مطلقًا، ولم يَقُلْ:(مِن وَترٍ) أو غيره؟.
ولعلَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قِلَادة من وَتَر) على التعيين، ولكن أدخَلَ الراوي الشكَّ بأن المنهيَّ هو القلادة من وَتَر، أو القلادة التي فيها جَرَس؛ لأن القلادة التي لم تكن من وَتَر، ولم يكن فيها جَرَس لم يكنْ تعليقُها برقبة الدابَّةِ منهيًّا.
* * *
2948 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سافرْتُم في الخِصْبِ فأعطُوا الإبلَ حَظَّها مِن الأرضِ، وإذا سافرتُم في السَّنَةِ فأسرِعُوا عليها السَّيْرَ، وإذا عرَّسْتُم بالليلِ فاجتنِبُوا الطَّريقَ، فإنها طُرُقُ الدَّوابِّ ومَأوَى الهوامِّ بالليلِ".
وفي روايةٍ: "وإذا سافرتُم في السَّنةِ فبادِرُوا بها نِقْيَها".
قوله: "إذا سافرتم في الخِصبِ فأعطوا الإبلَ حقَّها"، (الخِصْبُ): كثرةُ العَلَف والطَّعام، والسَّنَةُ ضدُّه؛ يعني: إذا كان العَلَفُ في الطريق كثيرًا،
فأعطُوا الإبل حقَّها من السير؛ أي: لا تسيروا إلا بقدْرِ العادة، ولا تُسْرِعُوا الإبل كي لا يلحقَها مشقةٌ، وإذا سافرتم في زمان القحْطِ، ولم يكن في الطريق العَلَفُ، فأسْرِعُوها حتى تُلْحِقُوها إلى الماء والعَلَف قبلَ أن يَلْحَقَها جوعٌ وعطشٌ في الطريق، فتضعُفَ عن السير.
روى هذا الحديثَ أبو هريرة.
قوله: "فبادروا بها نَقَبها"، (النَّقَبُ) - بفتح النون والقاف -: الطريقُ بين الجبلين، والمراد به ها هنا: مُطْلَقُ الطريق، تقديره: فبادروا بالإبل في نَقَبها؛ أي: في طريقها؛ يعني: إذا سافرتم في زمان قِلَّة العلفِ، فأسرعوا بالإبل في الطريق.
* * *
2949 -
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قال: بينما نحنُ في سفرٍ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاءَ رجلٌ على راحلةٍ فجعلَ يضرِبُ يَمينًا وشمالًا، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَن كانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فلْيَعُدْ بهِ على مَن لا ظَهْرَ لهُ، ومَن كانَ لهُ فَضْلُ زادٍ فلْيَعُدْ بهِ على مَن لا زادَ لهُ، قال: فذكرَ مِن أصنافِ المالِ حتى رأيْنا أنه لا حَقَّ لأحدٍ منا في فَضْلٍ".
قوله: "إذا جاء رجلٌ على راحلةٍ فجعلَ يضربُ يمينًا وشمالًا".
(جعل)؛ أي: طَفِقَ، (يَضْرِبُ)؛ أي: يمشي يمينًا ويسارًا؛ أي: يسقطُ من التعب؛ أي: كانت راحلتهُ ضعيفةً لم يقدر أن يركبَها، ويمشي راجلًا، ويسقطُ من الضعف.
ويحتملُ أن تكونَ راحلتُه قويةً، إلا أنها قد حملَ عليها زادَه وأقمشتَه، ولم يقدِرْ أن يركبَها من ثِقَلِ حَمْلِها، فطلبَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الجيش فَضْلَ ظَهْرٍ؛
أي: دابة زائدةً على حاجةِ صاحبها.
قوله: "فليَعُدْ به"، الباء للتعدية.
"لا ظَهْرَ"؛ أي: لا مركوبَ.
* * *
2950 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "السَّفَرُ قِطعةٌ مِن العذابِ، يمنعُ أحدَكم نومَهُ وطَعامَهُ، فإذا قَضَى نَهْمَتَهُ مِن وَجهِهِ فليُعجِّلْ إلى أهلِهِ".
قوله: "نَهْمَتَه"؛ أي: حاجتَه.
"من وجْهِه"؛ أي: من السفر الذي قَصَدَه.
قال الخطابي: هذا الحديثُ تحريضٌ على الإقامة وتَركِ السفر إذا لم تكنْ حاجةٌ إلى السفر؛ لأن في السفر فوتَ الجمعة والجماعات وقضاءِ الحقوقِ، ونقصانَ الصلاة من أربع ركعات إلى ركعتين.
روى هذا الحديث أبو هريرة.
* * *
2952 -
عن أنسٍ: أنه أَقبَلَ هو وأبو طلحةَ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةُ مُردِفَها على راحلتِه.
قوله: "مُرْدِفَها"، اسم فاعل مِنْ (أردف): إذا رَكَّبَ أحدًا خلفَه على دابَّته.
وهذا الحديث وأشباهُه يدلُّ على أنَّ الإرداف سُنَّةٌ؛ لأنَّ فيه تواضعًا، ويدلُّ على أن استصحابَ الزوجاتِ في السفر سُنَّةٌ.
* * *
2953 -
عن أنسٍ قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَطْرُقُ أهلَهُ، كانَ لا يدخلُ إلا غُدْوةً أو عَشِيَّةً.
قوله: "لا يَطْرُقُ"؛ أي: لا يجيء ليلًا، بل بالنهار في أوله وفي آخره قبل الغروب، وإنما يدخل نهارًا كي يبلغَ خبرُ مجيئهِ إلى الزوجاتِ؛ ليجْعَلْنَ على أنفسهنَّ نظافةً، كي لا تَنْفِرَ طباعُ أزواجهنَّ منهنَّ بترْكِ التنظيف.
* * *
2955 -
وعن جابرٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخلتَ ليلًا فلا تدخُلْ على أهلِكَ، حتى تَستحِدَّ المُغِيبَةُ، وتَمْتشِطَ الشَّعِثَةُ".
قوله: "فلا تَدْخُلْ أهلَك"؛ يعني: اِلْبَثْ في مسجدٍ حتى يبلغَ خبرُ مجيئك إلى الزوجات؛ ليجعلْنَ على أنفسهن نظافةً.
"حتى تَسْتَحِدَّ"؛ أي: تستعملَ الحديد؛ أي: تَحلِقَ العانةَ.
"المُغِيَبةُ"، - بضم الميم -: المرأةُ التي غابَ زوجُها.
"وتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ"؛ أي: تجعل رأسَها بالمِشْط، (الشَّعِثَةُ): المتفرَّقَةُ شَعْرِ الرأس.
* * *
2956 -
وعن جابرٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا قدِمَ المدينةَ نحرَ جَزُورًا أو بقَرةً.
قوله: "نَحَرَ جَزُورًا أو بقرة"؛ يعني: السنَّةُ لمن قَدِمَ من سفر أن يُضيفَ بقَدْرِ وُسْعِه.
* * *
2957 -
وعن كعبِ بن مالكٍ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يَقْدَمُ مِن سفرٍ إلا نهارًا في الضُّحى، فإذا قَدِمَ بَدَأَ بالمسجدِ فصلَّى فيهِ ركعتينِ، ثم جلسَ فيهِ للناسِ.
قوله: "جَلَسَ فيه للناس"؛ يعني: جَلَسَ في المسجد؛ ليزورَه الناسُ ويرَوه، ويفرحوا بقدومه، ويصلَ خبرُ مجيئه إلى أهل بيته، ثم يدخل بيتَه، وهذا سُنَّة.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2959 -
عن صَخْرٍ الغامِديِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ بارِكْ لأِمتي في بُكورِها"، وكانَ إذا بعثَ سريةً أو جيشًا بعثَهم مِن أوَّلِ النَّهارِ.
قوله: "اللهم باركْ لأُمَّتي في بُكُورها"، (المسافَرَةُ) سُنَّةٌ في أول النهار؛ أي: السفر للتجارة، وكان صخرٌ هذا يراعي هذه السُنَّةَ، وكان تاجرًا يبعَثُ مالَه في أولِ النهار إلى السَّفَر للتجارة، فكَثُرَ مالُه ببركة مراعاةِ السُّنَّة، ولأن دعاءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مقبولٌ لا مَحَالة.
* * *
2960 -
عن أنسٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالدُّلْجَةِ، فإنَّ الأرضَ تُطوَى باللَّيلِ".
قوله: "عليكم بالدُّلْجَة"؛ يعني: الْزَمُوا الدُّلْجَة، الدُّلجة - بضم الدال وسكون اللام - اسم مِن (أدْلَجَ القومُ) - بسكون الدال -: إذا ساروا أَوَّلَ الليل.
والدُّلْجَة أيضًا اسمٌ مِن (ادَّلَجُوا) بفتح الدال وتشديدها: إذا ساروا آخر
الليل، والمراد بالدُّلْجَة هنا: السيرُ آخرَ الليل؛ يعني: لا تَقْنَعُوا بالسير نهارًا، بل سِيرُوا آخرَ اللَّيلِ أيضًا.
"فإنَّ الأرضَ تُطْوَى بالليل"؛ أي: يَسْهُلُ السيرُ من الليل بحيث يَظُنُّ الماشي في الليل أنه سارَ قليلًا من المسافة، وقد سارَ مسافةً كثيرةً.
* * *
2961 -
وعن عمرو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "الرَّاكِبُ شيطانٌ، والرَّاكِبانِ شيطانانِ، والثلاثةُ رَكْبٌ".
قوله: "والراكب شيطان"؛ يعني: مشيُ الواحدِ منفردًا منهيٌّ، وكذلك مشيُ الاثنين، فإذا فعَل رجلٌ منهيًّا فقد أطاعَ الشيطانَ في فِعْلِ منهيًّ، فكلُّ مَنْ فَعلَ فعلًا على وِفْقَ أمرِ الشيطانِ، فكأنَّه شيطانٌ، فلهذا سمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيطانًا.
وإنما كان مشيُ الواحدِ والاثنين منهيًّا؛ لأن الاثنين إذا سافرا، فربما يموتُ أحدُهما، فيَبْقَى واحدٌ، ولم يَقْدِر الواحدُ على القيام بتجهيز دَفْنِه من حَمْلِ الجنازة، والغُسْل، وحَفْرِ القبر، ووضعِ الَميتِ في القبر، ولو كانوا ثلاثةً وماتَ واحدٌ يبقى الاثنان، ويقدِرُ الاثنان على تجهيز دَفْنِ الميت، فلهذا سَيْرُ الثلاثة غيرُ منهيًّ، وسيرُ اثنين منهيٌّ.
قوله: "والثلاثة رَكْبٌ"، (الرَّكْبُ): جمعُ راكب؛ يعني: الثلاثةُ جماعةٌ، والجماعةُ محمودةٌ في الشرع.
* * *
2962 -
عن أبي سعيدٍ الخُدريَّ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كانَ ثلاثةٌ
في سَفَرٍ فليُؤمِّروا أحدَهم".
قوله: "فليؤمِّروا أحدَهم"؛ يعني: فلْيَجْعَلُوا أحدَهم أميرَهم؛ ليفعلِ الاثنان بأمر الأميرِ ما يفعلان، وكذلك كلُّ جماعةٍ ينبغي أن يكون أحدُهم أميرَهم، كيلا تختلفَ أفعالُهم وأقوالُهم.
* * *
2963 -
عن ابن عبَّاسٍ، عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"خيرُ الصَّحابةِ أربعةٌ، وخيرُ السَّرايا أربعُمائةٍ، وخيرُ الجيوشِ أربعةُ آلافٍ، ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفًا مِن قِلَّةٍ"، غريب.
قوله: "خيرُ الصحابة أربعةٌ"؛ يعني: خيرُ الرفقاءِ أربعةٌ؛ يعني: الرفقاءُ إذا كانوا أربعةً خيرٌ من أن يكونوا ثلاثةً؛ لأنهم إذا كانوا ثلاثةً ومَرِضَ أحدُهم فأراد أن يجعلَ أحدَ رفيقيه وصيَّ نفسِه لم يكن هنا من يَشْهَدُ بإيصائه إلا واحدٌ، وشهادةُ الواحدِ غيرُ كافيةٍ، ولو كانوا أربعةً ومَرِضَ أحدُهم وأرادَ أن يَجْعَلَ أحدَ رفقائه، وصيَّ نفسِه يكون مَنْ يَشْهدُ بإيصائه اثنين، وشهادةُ الاثنين كافيةٌ، ولأنَّ الجَمْعَ إذا كان أكثرَ يكون مُعاوَنةَ بعضهم بعضًا أكثرَ، وفضْلُ صلاة الجماعة أيضًا أكثر، فخمسةٌ خيرٌ من أربعة، وكذلك كلُّ جماعةٍ خيرٌ ممن أقلُّ منهم، ولم يكونوا خيرًا ممن فوقَهم.
* * *
2964 -
عن جابرٍ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتخلَّفُ في السَّيرِ، فيُزْجي الضَّعيفَ، ويُرْدِفُ، ويَدْعُو لهم.
قوله: "يتخلَّفُ"؛ أي: يتأخَّرُ، ويمشي خلفَ الجيش.
"ليُزْجِيَ"؛ أي: ليسُوقَ فيُعينَ مَنْ عَجَزَ وضَعُفَ عن السير من الجيش، هذا تواضعٌ ورحمةٌ منه على الخَلْق.
* * *
2965 -
عن أبي ثعلبةَ الخُشَنيِّ قال: كانَ النَّاسُ إذا نَزَلوا مَنزِلًا تَفَرَّقوا في الشِّعابِ والأوديةِ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إن تَفَرُّقَكُم في هذهِ الشِّعابِ والأوديةِ إنما ذلكم مِن الشَّيطانِ"، فلم ينزِلوا بعدَ ذلكَ منزِلًا إلا انضَمَّ بعضُهم إلى بعضٍ، حتى يقالَ: لو بُسِطَ عليهم ثوبٌ لعمَّهم.
قوله: "في الشعاب"، (الشِّعاب): جمع شِعْب بكسر الشين، وهو الفُسْحةُ بين الجَبَلين.
"والأوديةُ"، جمعُ الوادي، وهو مسيلٌ في الصحراء.
* * *
2966 -
وعن عبدِ الله بن مسعودٍ قال: كنا يومَ بدرٍ كلُّ ثلاثةٍ على بعيرٍ، فكانَ أبو لُبابَةَ وعلي بن أبي طالبٍ زَميلَيْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكانت إذا جاءَتْ عُقْبَةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالا: نحنُ نَمشي عنكَ، قال:"ما أنتما بأَقوَى منِّي، وما أنا بأغنَى عن الأجرِ منكما".
قوله: "زَمِيْلَيْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم".
(الزَّميلُ): المُزامِلُ، وهو الذي يركَبُ معك على دابةٍ واحدةٍ.
"عُقْبَةُ رسولِ الله"؛ أي: نَوْبةُ رسول الله في النزول عن الدابة.
"نمشي عنك"؛ أي: نمشي راجِلَين حتى لا تحتاج أنت إلى النزول؛ يعني: نحن نمشي راجِلَين في جميع الطريق لتركبَ في جميع الطريق.
قوله: "ما أنتما بأقوى مني"؛ أي: بأقوى مني على السَّير راجلًا، بل أنا أقوى.
قوله: "وما أنا بأغنى عن الأجر منكما"؛ يعني: أنتما تريدان أن تمشِيا راجلين لطلب الأجر، وأنا أيضًا أطلب الأجرَ بأن أنزِلَ وأُرْكِبَكُما على الدابة، وإنما قال هذا لتعليمِ الأمة طلبَ الأجر، وان كان طالبُ الأجرِ عالمًا أو زاهدًا، فإنَّ أحدًا لا يستغني عن الأجر؛ لأن الأجر مزيدُ درجاتِ النعيم، وكلُّ المؤمنين ليكونوا حريصين على مزيد درجات النعيم.
ألا ترى أن رسولَ الله مع عُلُوِّ شأنِه رغَّبَ أمته في أن يقولوا بعد الأذان: آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلةَ، كما ذكر في (باب الأذان).
* * *
2967 -
عن أبي هريرةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تَتَّخِذوا ظُهورَ دوابكم منابرَ، فإنَّ الله تعالى إنَّما سخَّرَها لكم لتُبلِّغَكم إلى بلدٍ لم تَكونوا بالِغِيهِ إلا بِشِقَّ الأنفُسِ، وجعلَ لكم الأرضَ، فعليها فاقضُوا حاجاتِكم".
قوله: "لا تتخذوا ظهورَ دوابكم منابرَ"؛ يعني: لا تركَبُوا على الدوابِّ إلا لحاجةٍ بأن تَلْحَقَكُم المشقةُ في السير راجلًا، ولا تجعلوا الدوابَّ مثل المنابرِ تركبونها من غير حاجة وضرورة كما هو عادةُ بعض الناس.
قوله: "إلي بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلا بِشِقِّ الأنفس"؛ يعني إلى بلدٍ بعيدٍ تلحَقُكُم المشقةُ بالذهاب إليه راجِلِين.
قوله: "وجعل لكم الأرضَ"؛ يعني: خلقَ لكم الأرضَ لتسْكُنوا فيها، وتَرَدَّدوا عليها كيف شئتم، ومتى شئتم فلا حرَج عليكم في التَّرَدُّدِ على الأرض بخلافِ ركوب الدوابِّ، فإنَّ ركوبَها بغير حاجة منهيٌّ.
قوله: "فعليها"؛ أي: فعلى الدوابِّ، "فاقْضُوا حاجاتِكم" من المسافرة راكِبين.
* * *
2968 -
قال أنسٌ: كنا إذا نَزَلْنا منزِلًا لا نُسبحُ حتى نَحُلَّ الرَّحالَ أي: لا نُصلِّي الضُّحى.
قوله: "حتى تُحَلَّ الرِّحالُ"؛ يعني حتى تُحَطَّ الأحمالُ عن ظهور الدوابِّ كي لا تتعبَ الدَّوابُّ بكون الحملِ على ظهورها، يعني: لا تشتغلْ بشيءٍ قبلَ حَطِّ الأحمال.
* * *
2969 -
عن بُرَيدَةَ قال: بينَما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمشي، إذ جاءَ رجلٌ معَهُ حمارٌ فقال: يا رسولَ الله! اركبْ، وتَأَخَّرَ الرجلُ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لا، أنتَ أَحَقُّ بصدرِ دابَّتِكَ إلا أنْ تجعلَهُ لي"، قال: قد جعلْتُه لكَ، فركِبَ.
قوله: "إلا أن تجعلَه لي"؛ يعني إلا أن تجعلَ صَدْرَ دابَّتِك لي، وترضى بركوب مُؤَخَّرِها، وإنما قال:(لا) أولًا ليعلِّمَه أن صَدْرَ دابته حقُّه، فإنه لم يقلْ صلى الله عليه وسلم: أنتَ أحق بصدر دابتك لظنَّ الرجل ومن سَمِعَ هذا الحديثَ أنَّ مَنْ هو أكبرُ وأعظمُ شأنًا أحقُّ بركوبِ صَدرِ الدابَّة مالكًا كان أو غيره، فبيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن المالكَ أحقُّ بركوب صدر دابته إلا أن يؤثر غيره بصدر دابته على نفسه، وصدر الدابة من ظهرها ما يلي عنقها.
* * *
2970 -
عن سعيدِ بن أبي هندٍ، عن أبي هُريرةَ قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تكونُ إبلٌ للشَّياطينِ، وبيوتٌ للشَّياطينِ، فأمَّا إبلُ الشَّياطينِ فقد رأيتُها، يخرُج أحدُكم بنجيباتٍ مَعَهُ قد أَسْمَنَها فلا يَعْلو بعيرًا منها، ويَمُرُّ بأَخيهِ قد انقطعَ بهِ فلا يحمِلُه، وأمَّا بيوتُ الشَّياطينِ فلم أَرَها" كان سعيدٌ يقولُ: لا أُراها إلا هذهِ الأقفاصَ التي تسترُ الناسَ بالدِّيباجِ.
قوله: "بنجيبات"، هي جمع نَجِيبةٍ، وهي الناقة المختارة؛ يعني: الدوابُّ إنما خلقها الله لينتفع بها بالركوب والحمل، فإذا كانت مع الرجل في الطريق نجيباتٌ ولم يركبها، ولم يحمل عليها مَن أَعْيَى في الطريق، ولم يحمل أقمشته عليها، فقد أطاع الشيطان في منع الانتفاع بدوابه، وإذا أطاع الشيطان في أمر دوابه فكأن دوابه للشيطان حتى أطاع ما يأمره الشيطان بترك الانتفاع بها.
قوله: "هذه الأقفاص"؛ يعني بـ (الأقفاص): الأحداج، وهي جمع حِدْج، وهي ما تجلس فيها النساء على ظهر الدابة شبه بيت، ويسمَّى: المِحَفَّة، ووجه كراهية ركوب المِحَفَّة لا لذاتها، بل لسترها بالديباج وغيره من الثياب الإبريسمية.
* * *
2971 -
عن سهلِ بن معاذٍ، عن أبيه، قال: غَزَوْنا معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فضَيَّقَ الناسُ المنازلَ وقطعُوا الطَّريقَ، فبعثَ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم مُنادِيًا يُنادي في النَّاسِ:"أنَّ مَن ضيَّقَ منزِلًا أو قطعَ طريقًا فلا جهادَ لهُ".
قوله: "فلا جهاد له"؛ أي: فلا كمالَ ثوابِ الجهاد له بإضراره الناس؛ لأنه إذا نزل في الطريق يمنع الناس من المرور، أو يضيقُ الطريق فيتضررون بالمرور، وإضرار الناس إثم.
* * *