الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسا: ابن قتيبة 213-276ه
ـ
هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة. يمثل ثقافة عصره خير تمثيل، فقد ألم بالثقافة العربية، ووقف على بعض الثقافات الأجنبية التي ظهرت في محيط الفكر حينئذ. ترك مؤلفات عديدة في شتى ألوان المعرفة من آداب ونقدولغة ونحو تاريخ وفلك وقراءات وحديث وفقه. وهي مؤلفات تكشف عن عقلية واعية منظمة مصقولة، خطت بالفكر المنسق خطوات واسعات نحو الكمال. والرواة يشيرون إلى ذلك فيقولون عنه أنه:"أحسن العلماء ترصيفا، وأجودهم تصنيفا"1. ولقد وصف بالفضل وغزارة المادة، فقال الأنباري: "كان ابن قتيبة فاضلا في اللغة والنحو والشعر، متفننا في العلوم، وله المصنفات المذكورة، والمؤلفات المشهورة"2. وقال السيوطي: "كان رأسا في العربية واللغة والأخبار وأيام الناس، ثقة دينا فاضلا"3، وقال القفطي عنه:"هو صاحب التصانيف الحسان في فنون العلم"4، ثم قال بعد ذلك بقليل:"وكان ثقة دينا فاضلا صادقا فيما يرويه، كثير التصانيف والتآليف".
آراؤه النقدية:
لابن قتيبة كتاب "الشعر والشعراء" وهو من أقوم الكتب وأجداها، ففيه نقد وأدب وتاريخ، وسجل قيم لعدد ضخم من الشعراء وأخبارهم، وشيء من أشعارهم منذ الجاهلية حتى منتصف القرن الثالث الهجري. ويعتبر من أعظم المصادر الأدبية لتراجم الشعراء، ومعرفة ملابسات بعض أشعارهم التي لا يستطيع باحث أن يغفلها. بدأه بمقدمة تضمنت مذهبا جديدا في تقويم الشعر والشعراء دون نظر إلى القائل، فخطا بالنقد خطوات واسعة نحو التحرر من التقاليد النقدية العتيقة، والانطلاق إلى ما له أثر فعال في النقد الأدبي.
وتعتبر مقدمة الكتاب -لما حوت من أمثلة حية- لبنة طيبة، وخطوة جريئة في أساس النقد الأدبي، نقلته من حال إلى حال.
1 راجع: مجلة المنار المجلد التاسع ص548 عن كتاب "التحديث بمناقب الحديث".
2 راجع: نزهة الألباب ص272.
3 راجع: بغية الوعاة ص291.
4 راجع: إنباه الرواة جـ2 ص143.
والأمثلة الحية التي تضمنتها مقدمة الكتاب، نماذج طيبة للمقال النقدي. ومما جاء في المقدمة لكتاب ابن قتيبة "الشعر والشعراء":
"ولست أسلك فيما ذكرت من شعر كل شاعر، مختارا له سبيل من قلد، إذ استحسن استحسان غيره، ولا نظرت إلى المتقدم منهم بعين الجلالة لتقدمه، ولا لمتأخر بعين الاحتقار لتأخره، بل نظرت بعين العدل إلى الفريقين، وأعطيت كلا حظه، ووفرت عليه حقه، فإني رأيت من علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدم قائله1، ويضعه في متخيره، ويرذل الشعر الرصين، ولا عيب له عنده إلا أنه قيل في زمانه، أو أنه رأى قائله. ولم يقصر الله العلم والشعر والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خص به قوما دون قوم، بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده في كل دهر، وجعل كل قديم حديثا في عصره، وكل شريف خارجيا في أوله، فقد كان جرير والفرزدق والأخطل وأمثالهم يعدون محدثين، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول:
لقد كثر هذا المحدث وحسن، حتى لقد هممت بروايته، ثم صار هؤلاء قدماء بعد العهد منهم، وكذلك يكون من بعدهم لمن بعدنا كالخريمي والعتابي والحسن بن هانئ وأشباههم. فكل من أتى بحسن من قول أو فعل ذكرناه له، وأثنينا به عليه. ولم يضعه عندنا تأخر قائله أو فاعله ولا حداثة سنه، كما أن الرديء إذا ورد علينا للمتقدم أو الشريف، لم يرفعه عندنا شرف صاحبه ولا تقدمه".
فقد كشف ابن قتيبة النقاب وأماط اللثام عن رأيه الشخصي، ونظرته الذاتية في الشعر والشعراء. ومثل هذا الرأي له قيمته ووزنه وثقله ودوره في المسائل الأدبية والفنية، ومن هنا اقترب في مقدمته من المقال النقدي، ودنا منه إلى حد كبير، لا ينكره إلا حاقد على الفكر العربي.
1 مثل ما روي عن ابن الأعرابي أنه كان يستحسن البيت أو الأبيات، فإذا قيل له: إنه لمحدث، رجع عن رأيه.