الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسًا: فكري أباظة 1897-1979
وطني غيور، وصحافي مبدع، وسياسي لامع، ابتدع ولم يتبع، وابتكر ولم يقلد، كان له أسلوب فريد فرض نفسه على أهل القلم، وسما به بين جهابذة الكتابة وأئمة الفكر والسياسية من كتاب الصفحة الأولى، بدأ العمل الصحفي خلال دراسته بكلية الحقوق في جريدة "المؤيد" والأهرام، موقعًا على ما يكتب "عابر سبيل".
تجلت مواهبه الصحفية في المقالات التي كتبها بمجلة "الهلال" وصور فيها الملامح الشخصية لرجال السياسة حينذاك من أمثال: مصطفى النحاس وإسماعيل صدقي ومحمد محمود، وأحمد حسنين وغيرهم.
وتناولهم بقلمه اللاذع في عفة ودقة، ونزاهة واعتدال، ومنذ انتقل من الأهرام إلى مجلة "المصور" عند إنشائها 1926 لم يتخلف عن مقاله الأسبوعي، يحلل فيه السياسة الدولية وآثارها على مصر وقضيتها الوطنية، ويؤكد من خلاله أن مصر لم تحل قضيتها إلا بالاعتماد على نفسها؛ لأن الدول الكبرى تساوم من أجل مصالحها الخاصة.
أسلوب فكري أباظة:
جاءت مقالات فكري أباظة مفاجأة لأصحاب الأساليب السياسية؛ لأنه قاد بها مدرسة صحفية لا تتحزب في التفكير، على الرغم من أنه من الحزب الوطني، ومع ذلك فله ملامحه المميزة، وسماته الواضحة كما يلي:
1-
يتسم بالعفة والرقة والمرح والسخرية التي شاعت فيه للبناء لا للهدم، والتقويم لا للتجريح.
2-
يتميز بالبساطة المدعمة بالحقائق والوقائع والأرقام، وبروح سمح جميل.
3-
له شكل ومضمون مميز، ففي الشكل عني بالنقط وعلامات التعجب والاستفهام، وفي المضمون اهتم بتقديم الموضوع السياسي في إطار حينًا، وعاطفي حينًا آخر.
4-
يفيض صدقًا وعذوبة وحيوية، ويكشف عن خصوبة فكره، وتبدو من خلاله شخصيته النقادة الواعية.
5-
ضاحك حينًا، وباك حينًا آخر، يجذب النفوس، ويثير فيها أصداء بعيدة المدى كأنه وقع موسيقي يصغي إليه من يسمعه.
وهذا جزء من مقاله الحماسي الذي رد فيه على مقال بجريدة: "التيمس" اللندنية، أكبر الصحف الإنجليزية، التي زعمت فيه أن ثورة 1919 ثورة أفندية يريدون الوظائف، فأثبت العكس، موضحًا السيطرة الأجنبية قبيل الثورة، وأن طلاب الوظائف بمصرهم شباب الإنجليز لا المصريين فقال:
"خيل إلي أن التيمس تقترض ضمنًا أن عدد الإنجليز في الوظائف الكبيرة بمصر ضئيل، أو على الأقل لا يذكر بجانب المصريين، بحثت وبحثت حتى وصلت إلى نتيجة وقفت أمامها مذهولًا متحيرًا
…
في مكتبات الوزارة كتيب صغير، غير الكتيب الأصفر، حصرت فيه أسماء الموظفين المصريين والأجانب، حدقت في كتيب منهما، وأخذت أجمع وأطرح، 150 مصريون
…
أي: إن عدد الإنجليز ثلاثة أضعاف المصريين، وقد وفد علينا في هذين ليومين جيش جرار من شباب إنجليز زاحمنا حتى في أصغر وظائف مصرنا العزيزة".
"وصارت حكومتنا مع الوافدين على النصف الثاني من المبدأ المشهور: "أحرار في بلادنا، كرماء لضيوفنا" فألحقتهم بالوظائف الفنية وغير الفنية
…
وترتب على ذلك خروج عدد من الموظفين المصريين، التجئوا للمحاكم طالبين العدل، وكان دفاع الحكومة، ولا يزال يتلخص في كلمتين "رفتناه للاستغناء" ولو أنصفت لقالت:"رفتناه للاستبدال""1.
وجاء المقال مفاجأة لأصحاب الأساليب الصحفية السياسية، وأخذ يتردد في الأوساط والأندية، مما جعل "تقلا باشا" صاحب الأهرام، يبرق إليه، ويضمه لأسرة التحرير في يناير 1920، وأخذ يزود الأهرام بمقال أسبوعي متتابع.
بهذا المقال وغيره جعل فكري أباظة من قضية الوطن قضيته الأولى الذي يهتم بها فوقف في البرلمان المصري -مجلس الشعب- يدافع عن الحرية والاستقلال، وهاجم في كتاباته الانحراف الحزبي والاستغلال للجامعة المصرية، وتبنى مشاكل العمال والفلاحين، فاستحق أن يكون -بحق- فارس المعارضة في البرلمان المصري، وفارس القلم النبيل في عالم الصحافة في جو تسوده الجهامة والجو المضطرب الصاخب في كل مظهر من مظاهر الحياة اليومية إذ ذاك.
1 راجع: الأهرام، العدد الصادر في 5/ 12/ 1919.