الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: عبد الحميد بن يحيى الكاتب 132هـ-750م
شخصية رائدة في الأدب العربي على الرغم من أنه فارسي الأصل، لكنه ولد في البيئة العربي الإسلامية، وأخذ من فيض الثقافة العربية حتى علت منزلته، وعظم قدره في السياسة والكتابة؛ لذا كان أبو جعفر المنصور يقول بعد أن أصبح خليفة:"غلبنا بنو مروان بثلاثة أشياء: بالحجاج وعبد الحميد بن يحيى والمؤذن البعلبكي"1.
تربع عبد الحميد على عرش الكتابة العربية؛ لبلاغته وحلو حديثه وسلامة تعبيره وحواره الذي يجري على لسانه عفو الخاطر، ومن أبلغ ما أوثر عنه من جمل قصار، منها قوله:"العلم شجرة ثمرتها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة"، ومن ثم أطلق الثعالبي عبارته المشهورة عليه فقال:"بدئت الكتابة بعبد الحميد، وانتهت بابن العميد"2.
رسائله:
ترك عبد الحميد رسائل في موضوعات مختلفة: سياسية وأدبية. منها رسالته التي كتبها على لسان مولاه مروان بن محمد لولي عهده ابنه
1 راجع: كتاب الوزراء والكتاب ص81 للجهشياري، طبعة الحلبي.
2 راجع: يتيمة الدهر جـ3 ص137.
عبد الله، حين أرسله لمحاربة الضحاك بن قيس الشيباني رأس الخوارج بالجزيرة 127هـ-745م، وهي تدور حول ما يجب أن تكون عليه أخلاقه في سيرته الخاصة، وعلاقاته مع أفراد حاشيته من القواد والموظفين، وتنظيم الجيوش من الناحيتين: المادية والحربية، وبهذا تعتبر مقالة في السياسة وتدبير الحاشية.
وله رسالة في الشطرنج، وأخرى في الصيد، دعا فيهما إلى الاقتصاد من ممارستهما والابتعاد عنهما، بعد أن شغلا الناس في بعض الأمصار، فانصرفوا عن القيام بأمور معاشهم، والرسالتان تقتربان من المقال الحديث من حيث: عرض الموضوع، وسهولة الأسلوب، والتنبيه على أمر يشغل الناس عن الكسب والعمل.
وله رسالة إلى الكتاب تضمنت مجموعة نظم وقواعد لآداب الكتابة، وتوجيهات تتعلق بأخلاقهم وشرف مهنتهم، وتحقيق رسالتهم النبيلة، وهي تشبه المقال النقدي الحديث لموضعها الحي، وأسلوبها السهل، وخصائصها الفنية، مما يجعلها أقرب إلى المقال منها إلى الرسالة، ومما جاء فيها:
"أما بعد، حفظكم الله يأهل صناعة الكتابة، وحاطكم ووفقكم وأرشدكم، فإن الله عز وجل جعل الناس بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومن بعد الملوك المكرمين -أصنافا، وإن كانوا في الخِلْقة سواء، وصرفهم1 في صنوف الصناعات، وضروب المحاولات إلى أسباب معاشهم، وأبواب رزقهم، فجعلكم معشر الكتاب في أشرف الجهات أهل الأدب والمروءات، والعلم والموازنة، بكم تنتظم للخلافة محاسنها، وتستقيم أمورها، وبنصائحكم يصلح الله للخلق سلطانهم، وتعمر بلدانهم، لا يستغني الملك عنكم، ولا يوجد كاف2 إلا منكم.
1 صرفهم: وجههم.
2 كاف: قادر على الأمر.
فموقعكم من الملوك موقع أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصاركم التي بها يبصرون، وألسنتهم التي بها ينطقون، وأيديهم التي بها يبطشون، فأمتعكم بما خصكم من فضل صناعتكم، ولا نزع ما أضفاه1 من الثقة عليكم
…
فتنافسوا يا معشر الكتاب في صنوف الآداب، وتفقهوا في الدين، وابدءوا بعلم كتاب الله عز وجل والفرائض، ثم العربية فإنها ثقاف2 ألسنتكم، ثمهم أجيدوا الخط فإنه حلية كتابتكم، وارووا الأشعار واعرفوا غريبها ومعانيها، وأيام العرب والعجم وأحاديثها وسيرها، فإن ذلك معين لكم على ما تسمو إليه هممكم، ولا تضيعوا النظر في الحساب، فإنه قوام كتاب الخراج، وارغبوا في أنفسكم عن المطامع سنيها ودنيها، وسفاسف الأمور ومحاقرها، فإنها مزلة للرقاب، مفسدة للكتاب، ونزهوا صناعتكم عن الدنايا، واربئوا بأنفسكم عن السعاية والنميمة وما فيه أهل الجهالات".
فقد وضح عبد الحميد في رسالته ما ينبغي أن يتحلى الكاتب به من صفات شاملة، وحين نمضي في قراءة الرسالة حتى نهايتها نشعر أنها مقال يتناول فكرة واحدة معينة، يرتكز الكاتب عليها، ويمارسها من جوانب عدة، وهذا ما يتطلبه المقال الحديث.
1 أضفاه: أسبغه.
2 الثقاف: ما يقوم به اللسان.