الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: شكيب أرسلان 1869-1946
داعية من دعاة العروبة والإسلام، اهتم بتوثيق الروابط بينهما، وعفى بقضايا الإسلام والمسلمين بروح المسلم الذي منح يقظة الجنان وبراعة اللسان، سئل: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ فكتب مقالات -كتابًا بعد- تفيض بالغيرة على الإسلام والمسلمين، والحسرة على ما أصاب الدين من ضعف وعسف، حتى فقد المسلمون عزهم في حياتهم.
خلف آثارا ضخمة من المؤلفات، وتراثًا قيمًا من المقالات في موضوعات مختلفة، ومحاولات شتى بين جليل وضئيل، وقريب وبعيد، تنقل فيها بين مسائل السياسة والقومية والدين والأدب والنقد والاجتماع والمفاكهة والإخوانيات وغيرها.
أسلوب شكيب:
قلد شكيب أرباب النشر الفني، ونافس كبار الفحول، وجارى المشهورين في عصور الأدب، فاقترب منهم في الميدان، وتسنم ذرى الفصاحة، واستولى على عرش البيان، وأهم ما يميز أسلوبه ما يلي:
1-
يتسم بجمال السياق، وحسن البادرة، ولذة الموسيقى، وسحر الألوان، مما لا يقع إلا لأديب وصاف، وكاتب كبير.
2-
يبلغ الجودة في التعبير، والحسن في التصوير، والقوة في السبك، ولا يهبط عن المستوى الرفيع للفحول والمجيدين.
3-
يشتمل في سلاسة وعذوبة على ألفاظ وصور وتراكيب وأخيلة في وصف المشاهد ورسم الشخصيات.
4-
تسيطر عليه نزعة التأليف، ولذا تشابه أدبه الصحفي بأدبه التأليفي في كثير من الأحيان.
5-
يعبر عن واسع فهمه، ويجري في موضوعات مختلفة من أدب وتاريخ وفلسفة واجتماع.
6-
لا يقع فيه القارئ على تعقيد واضطراب، فعلا في الأفهام والجودة وارتفع لمنازل العباقرة من الكتاب.
وهذا نموذج لكتاباته يقول: "لم يبقَ من الإيمان إلا اسمه، ومن الإسلام إلا رسمه، ومن القرآن إلا الترنيم به، دون العمل بأوامره ونواهيه.. واليوم فقد المسلمون أو أكثرهم هذه الحماسة التي كانت عند آبائهم، وإنما تخلق بها أعداء الإسلام الذين لم يوصهم كتابهم بها، فنجد أجنادهم تتوارد على حياض المنايا سباقا، وتلتقي الأسنة والحراب عتاقًا"1.
ويتحدث عن التضحية في خدمة الوطن والأمم الإسلامية فيقول: "تريد حفظ استقلالها بدون مغاداة ولا تضحية، ولا بيع أنفس ولا مسابقة إلى الموت، ولا مجاهدة بالمال، وتطالب الله بالنصر على غير الشرط الذي اشترطه في النصر، فإن الله سبحانه يقول: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} ويقول: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} "2.
ويتحدث عن غزو الطليان لطرابلس الغرب بليبيا، ونشيد الشباب الإيطالي غداة الحرب:"يا أماه أتممي صلاتك ولا تبكي بل اضحكى وتأملي، ألا تعلمين أن إيطاليا تدعوني وأنا ذاهب إلى طرابلس فرحًا مسرورًا لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة، ولأحارب الديانة الإسلامية التي تجيز البنات الأبكار للسلطان، سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن، ليس بأهل للمجد من لم يمت إيطاليا حقًّا"3.
وعن قعود المسلمين عن نصرة المجاهدين بالأموال والأرواح يقول: "وأما خيانة المسلمين بعضهم لبعض وخذلان إخوانهم والتزلف للأجنبي،
1 راجع: لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟ ص16 طبعة 1939.
2 راجع: المصدر السابق ص18.
3 راجع: المصدر السابق ص32.
فقد بسط من أمره في الريف وفي فلسطين كجنود شرق الأردن ما يؤلم ويوجع. وسبب استئساد الأجنبي هو تبرع ابن الملة في مظاهرته وتحكمه".
ويجعل الموت لأجل الحياة بطولة وفداء فيقول: "وأما الموت الثاني فهو الموت لأجل استمرار الموت، وهو الذي يموته المسلمون في خدمة الدول التي استولت على بلادهم. وذلك أنهم يموتون حتى ينصروها على أعدائها، كما يموت المغربي مثلًا حتى تنتصر فرنسا على ألمانيا مثلًا، ويموت الهندي حتى تتغلب إنجلترا على أي عدو لها، ويموت التتري في سبيل ظفر الروسية، والحال أنه انتصار فرنسا على أعدائها تزداد في المغرب غطرسة وظلمًا وابتزازًا لأملاك المسلمين وهضمًا لحقوقهم"1.
ويرى أن سبب تأخر المسلمين هو الجهل والعلم الناقص وفساد الأخلاق وسكوت العلماء على الضلال والطغيان فيقول: "هذا والعامة المساكين مخدوعين بعظمة عمائم هؤلاء العلماء وعلمونا صبهم، يظنون فتياهم صحيحة وآراءهم موافقة للشريعة، والفساد بذلك يعظم، ومصالح الأمة تذهب، والإسلام يتقهقر، والعدو يعلو ويتميز.. حتى يجدون في كثير من المنعمين وسيلة إلى الخديعة والفساد"، وهو يقول:"فقد أضاع الإسلام جاحد وجامد". ويوضح أسباب انحطاط المسلمين -في نظره- فقدهم الثقة بأنفسهم فيقول: "وكأن المسلمين لم يوجدوا في الدنيا إلا عملة أو أكراة يشتغلون بأيديهم ولا يشتغلون بعقولهم"2.
ويلخص الكاتب علاء فارس جهاد شكيب أرسلان في سبيل الإسلام والمسلمين فيقول: "وحينئذ تتجلى عظمة شكيب، فقد جعل من نفسه علمًا تتجه إليه أنظار المسلمين في كل أنحاء الأرض، لقد أصبح مكتب التنفيذ لمؤتمر إسلامي غير موجود، ورئيس الديوان لخليفة إسلامي معدوم، ومكتب الاستعلام والإعلام عن كل قضية، وكل بلد للعرب والمسلمين فيها حق أو نصيب، ولكن جهاده الإسلامي العام لم ينسه أبدًا وطنه الخاص الذي هو بلاد الشام بكل أجزائها، بل إنه كان يخدم سوريا الكبرى بخدمته لقضايا المسلمين؛ إذ كان يكفي أن تتوجه منه رسائل وبرقيات لدنيا المسلمين، لكي تثور ضد فرنسا وبريطانيا والصهيونية، وتتوالى الاحتجاجات من كل جهة على أعمال الاستعمار والصهيونية في أراضي الشام1.
اهتم شكيب أرسلان في كتاباته بقضايا الإسلام والمسلمين واللغة والعروبة، وكلها تفيض غيرة على الدين وحسرة على ما حل بالمسلمين من تخلف وفتور، نتيجة للجهل وفساد الأخلاق، وسكوت العلماء على الطغيان، وقعود المسلمين عن نصرة المجاهدين، والتزلف للأجانب.
1 راجع المصدر السابق ص37.
2 راجع: لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟ ص145 طبعة 1939.