الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: المقال في الصحف المعاصرة
الفصل الأول: المقال وقضايا الفكر
مدخل
…
الباب الثالث: المقال في الصحف المعاصرة
الفصل الأول: المقال وقضايا الفكر
بوادر حرية الرأي:
جرت الأحداث بسرعة بعد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، ففي السودان ثورة المهدي، وفي الحجاز ثورة الوهابيين، وفي ليبيا ثورة السنوسى، وفي مصر الثورة العرابية، وكلها تحمل طابع الدعوات الفكرية، وتستهدف التحرر من الاستبداد، وبرز دور الرواد، فكان مجلس الإمام محمد عبده في مصر يضم المصريين والشاميين والعراقيين وغيرهم من أمثال: عبد العزيز جاويش، وولي الدين يكن، ورفيق العظمة، وعبد الرحمن الكواكبي، ورشيد رضا، وطاهر الجزائري وعبد المحسن الكاظمي يتذاكرون أحاديث الإمام في الشورى1.
وفي الشام كانت مدرسة حسين الجسر، وطاهر الجزائري، وفي العراق كانت مدرسة محمود شكري الألوسي، وكلها مدارس حرة للفكر. وكانت مبادئ الثورة الفرنسية تسود المشرق العربي، يقول أنيس المقدسي:"فليس بغريب أن بعض الشباب المثقفين حتى في أواخر القرن الماضي، وفي إبان العهد الحميدي يندفعون إلى الجهر بحب الحرية والمساواة كما فعل إلياس صالح2". ولعل في تفسير أديب إسحاق للحرية والمساواة ما يؤكد
1 راجع: تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده جـ2 ص192 رشيد رضا طبعة 25/ 1931.
2 راجع: الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث ص33-43.
تأثره بالثورة الفرنسية وآراء الفرنسيين، إذ اقتبس تعاريف "مونتين" و"منتسكو" و"جان جاك روسو1".
وأعنف كتاب نادى بالحرية هو "طبائع الاستبداد" للكواكبي، فقد وضح فيه أثر الاستبداد في فساد الأخلاق والدين والتربية، مبينًا طريق التخلص منه فيقول:"إن الأمة التي ضربت عليها الذلة والمسكنة حتى صارت كالبهائم لا تسأل قط عن الحرية، وقد تنقم على المستبد، ولكن طلبًا للانتقام من شخصه، لا طلبًا للخلاص من الاستبداد، فلا تستفيد شيئًا، إنما تستبدل مرضًا بمرض كمغص بصداع، إذا كانت الغاية مبهمة في الأول، فلا بد أن يقع الخلاف في الآخر، فيفسد العمل أيضًا، وينقلب إلى فتن صماء، وانقسام مهلك، ولذلك يجب تعيين الغاية بصراحة وإخلاص، وإشهارها بين الناس، والسعي في إقناعهم، واستخلاص رضاهم بها، بل حملهم على النداء بها، وطلبها من عند أنفسهم2".
وارتبطت مصر -حسب منطق الأحداث- بأوروبا صاحبة أكبر قدر من أسهم قناة السويس، مما ترتب عليه ظهور تيارات اجتماعية، وظواهر أدبية وسياسة في المجتمع المصري بواسطة من يذهبون لأوروبا أو يأتون منها، وشغلت الفكر -لأول مرة- مسائل مثل: رأى الدين في شرب الخمر ومشاهد الرقص والتمثيل، ولبس الزي الأوروبي، وحرية العقيدة والفكر، ومكانة المرأة في المجتمع، وموقف الدين من تعلم العلوم التطبيقية وغيرها، مما لا يستطيع الكثير إذ ذاك أن ينظر إليها نظرة بعيدة عن الدين، ودار حولها جدل ونقاش بين الكتاب والمفكرين وأصحاب المسارح، كانت ثمرته مقالات "حديث عيسى بن هشام" لمحمد المويلحي التي وضحت ما يجب أخذه أو تركه من الحضارة الأوروبية الوافدة.
ومع بوادر الحرب العالمية الأولى 1914 دخلت مصر مرحلة جديدة في صراعها مع الاحتلال وبدت واضحة في ثورة الشعب 1919 التي اقترنت بثورة
1 راجع: الدرر ص3-5 طبعة الإسكندرية 1886.
2 راجع: طبائع الاستبداد ص 172-177 الطبعة الأولى.
فكرية ازدهرت في ظل الدستور الذي كفل حرية التفكير باعتباره العنوان الصحيح على حضارة أي أمة من الأمم.
والمعروف أن مصر شهدت -خلال هذه الفترة- أحزابًا ثلاثة.
الحزب الوطني المحافظ الذي يحترم الدين ويتمسك بمبادئه، والحزب الوفدي الذي لم يصل إلى درجة الحزب الوطني في المحافظة، وحزب الأحرار الدستوريين الذي مال إلى التجديد والتحررح؛ لأن معظم أعضائه تعلموا في فرنسا، وأشربوا معاني الحرية التي جاءت بها ثورتها.
وخرجت بعض الصحف -السياسة- من نطاق الحزبية الضيق إلى آفاق أرحب من التجديد والتثقيف بمدرسة الشعب، وعمل فيها معظم محرري "الجريدة" من أمثال: الشيخ مصطفى عبد الرازق وعلي عبد الرازق وطه حسين ومحمد حسين هيكل وغيرهم من أشربوا روح الحرية، على أن أحمد لطفي السيد جعلها قاعدة لكل إنتاج فكري وإصلاح عام، ومن ثم بدت صحيفة "السياسة" مدرسة فكرية، لها اتجاهاتها ومثلها، تجمع الرواد والأنصار والمؤيدين، مما دفع صحف المعارضة إلى مهاجمة هذا الاتجاه مثل "الأخبار" لأمين الرافعي، و"المنار" للشيخ رشيد رضا، و"البلاغ" لعبد القادر حمزة.
وقادت "السياسة" النضال بين القديم والحديث في اللغة والأدب والدين، وصلته بالعلم والحكم على نظم البحث الحديثة التي تبدأ بالشك: وتنتهي باختيار المذهب الرائق، مما أحدث تطورًا في التيارات الفكرية والأدبية، ومفهوم الحرية والحياة الدستورية، مما حقق ثورة فكرية شاملة، تجلت في قضايا عدة أهمها:
1-
قضية المرأة. التي أثارها المرحوم قاسم أمين.
2-
كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق.
3-
كتاب "الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين.
4-
قضية "التبشير" وبطلها الدكتور محمد حسين هيكل.
فالي هذه القضايا، نقف على أسبابها، ونوضح جوانبها، وتبرر موقف الصحف والكتاب منها، ودور المقال فيها.