الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: الحسن البصري 21-110ه
ـ
أكبر وعاظ عصره، عرف بالزهد والورع والتقوى والفصاحة والحكمة، ومن عباد الله الصالحين الذين تفقهوا في الدين، حتى قال الإمام الغزالي عنه:"كان الحسن البصري أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء، وأقربهم هديا من الصحابة"، وقال ثابت بن قرة:"ما أحسد هذه الأمة العربية إلا على ثلاثة أنفس: عمر بن الخطاب في سياسته وعدله، والجاحظ في فصاحته وبيانه، والحسن البصري في عدله وورعه".
عاصر الحسن البصري صراع الأمة عقب مقتل عثمان بن عفان، وتأثر بالأحداث التي ألمت بالمجتمع الإسلامي، وجابه القضايا الفكرية التي أثارها علماء الكلام إذ ذاك، وكان لأقواله وحِكَمِه ومواعظه أثر بالغ في ظهور الحركة الصوفية في الإسلام.
كان الحسن جريئا لا يخشى لومة لائم، ينقد خلفاء وعمال بني أمية، ويصفهم بالظلم والبغي سوى عمر بن عبد العزيز الذي أتاح الحرية والأمن والأمان للناس خلال حكمه القصير 99-101هـ، فهيأ للحسن وأمثاله جوا صالحا لنشر آرائهم في السياسة والحكم، وهي آراء مستمدة من روح الدين الحنيف الذي يعتمد على الشورى والعدالة، وترددت أصداء هذه الحرية فيما كتب الحسن البصري وبعث به إلى عمر بن عبد العزيز.
دينياته:
للحسن البصري رسائل وعظية جليلة، مبثوثة في كتب الأدب؛ كالبيان والتبيين للجاحظ، وعيون الأخبار لابن قتيبة، والعقد الفريد لابن عبد ربه، وهي رسائل تذكر بالبعث، وتخوف من الحساب، وتحض على التقوى، وتدعو لصالح الأعمال، وتنفر من الدنيا، وترغب في الآخرة.
لعبت رسائل الحسن الوعظية دورا هاما في حياة الناس الاجتماعية والسياسية، اعتمد فيها على الترغيب والترهيب حينا، والوعد الوعيد حينا آخر، وآثر خلالها الأسلوب الذي يخاطب الوجدان، ويناجي القلب،
ويغوص إلى أعماق النفس فيهزها بما يسرد من أمثلة، ويقدم من صور، ويعتمد على السجع، ويؤثر من ترادف، ويحرص عليه من اقتباس.
يعرض الحسن ما يعرض في صورة من الخوف الشديد من الجحيم، حتى كان القارئ يرى النار بعينيه، والناس واقفون على شفيرها، ثم يدعو للابتعاد عنها مخالفة أن يهووا فيها دون أن يشعروا، وأثناء ذلك يحثهم على التحلي بالفضائل، فاتحا باب الرجاء، بل أبواب المحبة الإلهية، وخير مقال على هذا اللون الوعظي رسالته التي كتبها إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز في صفة الإمام العادل، ومما جاء فيها:
"اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويزودها عن مراتع المهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحر والقر.. والإمام يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح، تصلح الجوانح بصلاحه، وتفسد بفساده.. فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدد المال، وشرد العيال، فأفقر أهله، وفرق ماله.. واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها الخبائث والفواحش، فكيف إذا آتاها من يليها؟! وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلتم من يقتص لهم؟!
واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده، وقلة أشياعك عنده، وأنصارك عليه، فتزود له ولما بعده من الفزع الأكبر، واعلم أن لك منزلا غير منزلك الذي أنت فيه، يطول فيه ثواؤك، ويفارقك أحباؤك، يسلمونك في قصره فريدا وحيدا، فتزود له ما يصحبك يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه.
والآن يا أمير المؤمنين وأنت في مهل قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل، لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهليين، ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين، فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمة، فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك".
والرسالة طويلة، تتميز بالأسلوب الوعظي الذي يقوم على تبصير الناس بأحوال دينهم وآخرتهم، وتنصح الحكام في رسم مبادئ الحكم كما ينبغي أن تكون. ولقد صرح معظم المؤرخين أن الرسالة وجدت مكانا رحبا لدى عمر بن عبد العزيز، فلم يستعمل سوى الثقة من العمال، واستن سننا جديدة في خلافته، ووضع مبادئ سياسية تقوم على مبدأ جوهري عام:"خطأ الوالي في العفو خير من تعديه إلى العقوبة".
وعلى الجملة تعد الرسالة من المقالات الاجتماعية والسياسية التي تهدف إلى بث المثل الأخلاقية الجيدة، وترسم مبادئ الحكم السليمة التي يرتضيها الدين الإسلامي السمح.