الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: عبد القادر حمزة 1880-1941
كاتب حلو الحديث، يستحوذ على قارئه ويستولي على مشاعره، شديد الاعتزاز برأيه حتى لو أغضب أصدقاءه، بدأ حياته محاميًا، ثم انصرف إلى الصحافة، فأنشأ جريدة "الأهالي" 1910-1921 بالأسكندرية، تعبر عن أرائه وأفكاره، تضمنت مقالاته بها هجومًا عنيفًا على الأوضاع الشاذة في البلاد، وأدلى برأيه خلالها في جميع الأمور بصراحة واعتدال وواقعية ونزاهة في مجال السياسة، ولما شبت ثورة 1919 تحول من اعتداله إلى ثورة عارمة ضد الاحتلال، ونقل "الأهالي" إلى القاهرة قلب المعركة ومصدر الثورة، والتزم بمبادئ الثورة حتى عصف الطغيان بجريدته. ثم أنشأ "البلاغ" 1923-1930، وجعل شعارها قول سعد زغلول "الحق فوق القوة"، "والقوة فوق الحكومة". ودارت
مقالاته حول هذا المعنى، ولما رحل سعد ووقع خلفاءه معاهدة 1936 مع الإنجليز، كان أول صحفي يهاجم المعاهدة، فخسر صداقة الوفديين خلفاء سعد.
رغم عمله الصحفي فقد أرخ في التاريخ المصري بعد زيارته للأقصر 1923 لمشاهدة قبر توت عنخ آمون الذي اكتشفه الأثريان "كارتر" و"كارنارفون" ووقوفه على قبور وادي الملوك ومعبد الكرنك، منذ ذلك التاريخ وهو يهتم بدراسة التاريخ المصري القديم واللغة المصرية، فكان كتابه "على هامش التاريخ المصري" وصدره بمقدمة تدعو المصريين لتوثيق الصلات بين مصر القديمة والحديثة، ودافع عن الحضارة المصرية القديمة، وعالج قضايا هامة مثل: تاريخ المدنية المصرية، واهتداء المصريين إلى التقديم، وعقيدة الحساب والموت، فكان لكتابه ثقل ووزن في هذا المجال، مما حدا بحافظ محمود أن ينقل رأي محمد حسين هيكل عنه فيقول:"هذا جهد رجل لم يجلس على كراسي الأستاذية في الجامعة، لكني أتمنى أن يكون للذين يجلسون فوق الكرسي جهدًا مثله1".
أسلوب عبد القادر حمزة:
كتب عبد القادر حمزة مقالات عديدة تعكس نشاطه في مجال المجتمع والسياسة، لا سيما في الصحف التي انفرد بتحريرها وهي: الأهالي. والبلاغ والبلاغ الجديدة، وهو في جميع كتاباته عف اللسان، نزيه اللفظ، معتدل النقد، بعيد عن التعالي على القارئ، تميزه الصفات التالية:
1-
الإيجاز والتركيز -في أول حياته- فتراه يعالج أصول الموضوعات بأقل الكلمات، ولم يتجاوز مقاله عمودًا وبضعة أسطر، والميل إلى الإطناب -فيما بعد- عندما يناقش مسائل السياسة، وقضايا المجتمع.
2-
يختار كلماته اختيارًا يتفق مع أسلوبه الذي يتميز بالموضوعية والواقعية في المجالين: السياسي والاجتماعي.
1 راجع: مقالة بجريدة المساء بتاريخ 17/ 6/ 1961.
3-
يتسم بالهدوء والاتزان في إبداء الرأي، والاعتدال الذي يصل إلى حد الحذر الشديد، مع الحد في الكتابة، والنزاهة في اللفظ، والبعد عن الفحش في القول.
4-
الاستغناء -أحيانًا- عن المقدمات بسؤال يلفت نظر القارئ، مع التفكير المنطقي الذي لا يتقيد بألفاظ المناطقة.
5-
الاعتدال في استخدام الألفاظ الساخرة في عصر بلغت السخرية فيه غايتها في الأدب.
6-
السهولة والبعد عن الغرابة، مع التحرر من قيود الزينة البديعية.
7-
الإطالة في عناوين بعض المقالات، حتى ليخيل للقارئ أن عبارة كاملة من المقال تغني عنه.
ولقد جاء في مقاله "آفة المحسوبية" ما يلي: "نعت علينا إحدى الزميلات أننا نذكر المحسوبية والمحاسيب، ونمثل لذلك ونعقب عليه. وزعمت أن هذا لصغار وإسفاف في النقد، وإهمال للمسائل الكبيرة والسياسة العامة، والشئون الحيوية والمشروعات الخطيرة، وأننا نمعن في هذا الوجه السقيم من النقد والمعارضة إمعانًا يجعلهما مرزولين وجديرين بالإعراض والاشمئزار والنفور".
"وكلام الزميلة كله من هذا القبيل، ولكنا لا نظن بها إلا أن تدرك أن الوظائف أساس الحكم في البلاد، وأن مراعاة الحق والعدل والمساواة فيها يجب أن تقدم على كل أمر سواها، وأن الموظفين هم الآلة الحكومية وهم الذين يكون بهم العمل وعليهم المعول في هذه الشئون الخطيرة التي تذكرها الزميلة، وتطالبنا بقصر العناية عليها. ولكن الزميلة من شيعة الوزارة، فهي ترى أن واجبها نحوها، وأن حق الوزارة عليها أن تنصرها وتدافع عنها ظالمة أو مظلومة، أما نحن فمستقلون لا نعرف إلا حق الوطن، ولا نبالي بمن غضب أو بمن رضي إذا كان ما نقوله حقا، وما ندعو إليه هو الواجب: وهذا الفرق بيننا وبين الزميلة كان الله في عونها".
"ومن دواعي الأسف أن نحتاج في هذا الزمن أن نبين أن الوظائف
هي أساس الحكم في البلاد، وأن العناية بها ليست اشتغالًا بالتوافه بل بالأصل، وأن العمل على وقايتها من تغلغل الفساد فيها وقاية للدولة كلها في حاضرها ومستقبلها كذلك. وقد كنا نظن أن هذه من البداهة التي لا يحتاج المرء أن يكلف نفسه عناء شرحها وبيانها وإثباتها، ومع ذلك تحرينا في كلامنا عن هذه الأمور كلها الرفق الشديد والتلطف الشديد، فلم يجر قلمنا بما يثقل على النفس ويستنكره في السمع أو ينبو عن الذوق؛ لأن غايتنا هي الإصلاح لا الإيلام، وطريقتنا هي الإقناع لا الإيجاع، وليس في أسلوب التناول الذي نتوخاه ما يمكن أن يشكو منه أدق الناس إحساسًا وأرقهم شعورًا، إذ لا جفوة في العبارة، ولا عنف في اللفظ، ولا إغلاظ في القول، ولا شيء إلا الموضوع. ووجهة نظرنا فيه مبسوطة ومؤيدة بالحجج والبراهين، فأين سوء النية إذن، وفساد الطوية، وحب المعارضة للمعارضة1".
وعلى الجملة فإن عبد القادر حمزة كاتب سياسي من الطراز الأول، وصحفي موهوب ملك القدرة على الإثارة وحسن اختيار الخبر الذي يثير اهتمام الناس، ويشد اهتمامات الجماهير إلى ما جاد به خاطره، ودبجه يراعه، وسال على شبا قلمه، وصوره بيانه. ومن ثم تدرك السر في رواج صحيفة الأهالي -التي كان يحررها- رواجًا لم تعرفه صحيفة أخرى إذ ذاك.
1 راجع: البلاغ، العدد 4418 بتاريخ 15/ 1/ 1937.