الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: سلامة موسى 1888-1958
قمة من قمم الثقافة، دبج العديد من المقالات السياسية والعلمية والاجتماعية والأدبية. جمع فيها بين عقلية العالم والأديب، نشر الأسلوب العلمي المهذب في مجلاتنا المصرية وصحفنا اليومية، سبق بأفكاره جيله بعشرات السنين، ونشط في ميادين الثقافة والصحافة والسياسة، فلفت الأنظار إليه لأرائه العلمية الجريئة.
اشتغل في تحرير مجلة الهلال 1923، وكتب في جريدة البلاغ معقل أقطاب الفكر والأدب إذ ذاك، وعمل بجريدة الجهاد التي كان يصدرها محمد توفيق دياب ثم أصدر "المجلة الجديدة" 1930 مزج فيها بين العلم والأدب والفن.
تأثر بالعديد من مفكري الغرب من أمثال العالم النفساني "سيجموند فرويد" و"دارون" صاحب نظرية النشوء والارتقاء، و"كارل ماركس" حامل لواء الاشتراكية، واتصل بكتاب العربية من أمثال: جورجي زيدان، وفرج أنطون، وساهم مع يعقوب صروف في تحرير صحيفة "اللواء"، وفيها تعرف على أمين المعلوف، ونشأت صداقة بينهما. وحضر مجالس
"مي زيادة" الأدبية، وله معها مساجلات أدبية رائعة، ومداعبات فكرية عذبة، كما اتصل بعبد الرحمن البرقوقي صاحب مجلة "البيان" وشارك في تحريرها زمنًا، وعمل مع أحمد لطفي السيد وطه حسين في جريدة "الجريدة".
أسلوب سلامة موسى:
منذ تولي تحرير مجلة "كل شيء الأسبوعية" خصها بمقالات افتتاحية في حجم الكارت بوستال، وعلق على كل مقال تعليقًا علميا، حتى عرف بأنه "الأديب العلمي" يمثل أسلوبه لون الثقافة الحقيقية التي يسهل هضمها على الجميع، مما جذب نحوه حوالي عشرة آلاف طالب ينتمون إلى مختلف الأحزاب، وعلى الرغم من ذلك فقد تميز أسلوبه بما يلي:
1-
مثال الأسلوب العلمي السليم، الذي يعرض المصطلحات العسيرة عرضًا واضحًا، لا لبس فيه، ولا غموض.
2-
يجمع أمانة المؤرخ وروعة أسلوب الأدب، في سهولة ويسر، ووضوح وجلاء، رغم إيثارة العبارة الموجزة، والأسلوب التلغرافي.
3-
مطعم بأراء جديدة، ودعوات تجديدية كبرى، تمتع العقول، وتجذب القلوب.
4-
يكشف عن وفرة محصوله، وخصوبة تفكيره، نتيجة لقراءاته العديدة، واطلاعاته العريضة على الكتب والمصادر القديمة والحديثة.
5-
تبرز من خلاله شخصيته، في كل ما سطر من خواطر، أو سجل من أفكار، أو دبج من مقالات.
6-
أثر اشتغاله بالصحافة، وقراءاته العلمية في أسلوبه، فذهب جماله، وهبطت قوة تعبيره إلى حد بعيد.
كتب سلامه موسى عن "الأدب للشعب" حدد فيه معنى الفن ورسالة الأديب؛ لأن المد الثوري الديمقراطي بلغ 1956 مرحلة هامة من التقدم فقال:
"حين أعرض لأحداث بلادنا فيما بين 1947-1957 أجدها على اختلاف بارز بين نصفيها، فالنصف الأول إلى العام 1952 كان انحداريا كاد يكون انهيارًا في السياسة والأخلاق. فقد ظهرت حركات رجعية أوشكت على إحالة بلادنا إلى جهنم، وأصبح الزعماء والساسة الذين كنا نحترمهم لكفاحهم متسلقين يرغبون في الوصول إلى القمم، وهي في الأغلب قمم الثراء والسلطان دون أي حساب للشعب، بل تجاوزت هذه الحال من تسميتهم أدباء وصحفيين ومؤلفين ويكتبون كما لو كانوا يكتبون إعلانات مأجورة في الصحف. أما النصف الثاني أي: من بداية الثورة في 23 يوليو 1952 إلى 1957 فيمثل نهضة الشعب، وهي نهضة إنشائية بنائية في جميع المرافق، ما زلنا ماضين في طريقها الذي لن يكون له آخر.
وأنا كذلك كبير التفائل بالمستقبل، وخاصة بعد هذا الاتفاق بيننا وبين الاتحاد السوفياتي في نوفمبر من 1957 على تصنيع بلادنا، هذا التصنيع الذي أمضيت أكثر من ثلاثين سنة وأنا أنادي به، ومتى انتشرت المصانع بيننا، فإن كثيرًا من أزماننا سيحل، بل هذه الأزمات تحل نفسها عندئذ بلا عمل إرادي من الحكومة، فإن التعطل سيزول، وخاصة تعطل المتعلمين، وسيأخذ الاتجاه العلمي مكان الاتجاه الأدبي، وستزول العقائد التي تعطل التطور النفسي للشعب والثقافة العلمية ستكون النتيجة للحضارة الصناعية، ثم تعود هذه الثقافة فتؤثر في هذه الحضارة ويستمر التفاءل بينهما"1.
ويتحدث عن تطوير الكائن الإنساني دون قتل للضعفاء والمرضى -كما نادى نيتشه- فقال: "إن الفلسفة الحديثة ترمي إلى تفسير الحياة بحب القوة وكره الضعف وتحسين الإنسانية بطريقة عملية خالية من كل سفسطة أساسها علم البيولوجية الحديث، الذي يوضح لنا العوامل التي رقت الحيوانات ويبين إمكان تطبيقها على الإنسان، فبهذه الفلسفة الجديدة نحسن الإنسانية الآتية بمنع كل ما فينا من العناصر الرديئة من الوصول إلى نسلنا. وأهم هذه العوامل هو تحررنا الاقتصادي بشكل
1 راجع: تربية سلامة موسى ص263.
يساوي فرصة العمل بين الأفراد، وهذه هي السوشيالية -أي: الاشتراكية- وتحريرنا الأدبي بشكل ينقرض فيه الدنيء الذي يعيش الآن بسلطة الواجبات الأدبية، ويبقى العالي الذي يرى في نفسه قانونًا لسلوكه، ولنذكر دائمًا أن الرحمة التي نحسن بها على الضعيف والمريض هي قسوة هائلة وجريمة فظيعة على الإنسانية القادمة؛ لأنها تخلد الصفات الرديئة في الشعوب، يجب أن تتقوى فينا غريزة الحياة إلى حد نكره فيه الضعف والمرض وكل منحط حتى في نفوسنا، صحيح أننا قتلنا الهنا ولكن لنحيي الإنسان"1.
كان سلامة موسى رائدًا متقدمًا في الكتابة، تناولت كتاباته مختلف مجالات المعرفة العديدة لحضارتنا القديمة والحديثة بالتسجيل والتحليل في بناء منطقي متناسق دائم التطور، ولقد حاول نفر من الدارسين ليكشفوا عن أفكار سلامة موسى فبذلوا جهودًا في سبيل الوقوف عليها من أمثال: فتحي خليل في "سلامة موسى وعصر القلق"، ومحمود الشرقاوي في كتابه "سلامة موسى المفكر والإنسان" وغالي شكري في كتابه "سلامة موسى وأزمة الضمير العربي" وهذا يدل على عطاء سلامة موسى للخصب، وأنه مفكر عملاق يخوض غمار الأفكار الصعبة وتسود نظرته الحياة والكون فيلفت الأنظار إليه.
1 راجع: مقدمة السوبر مان ص29.