الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: جبران خليل جبران 1883-1931
شاعر وناثر ورسام وفيلسوف، لبناني الأصل، انصهرت في نفسه ثقافات شتى، فنطقت روحه بمعاني الإنسانية الشاملة، وتضافرت في ذاته سلسلة من التأثيرات صادفت روحًا مرهفة، وإنسانية متدفقة فأنتج أدبًا رائعًا هو أدب الحرية والثورة والتمرد والحزن والألم.
بلغت شهرته في الغرب مداها بعد ظهور كتابه "النبي" الذي رسم صوره بنفسه وبدت شهرته في الشرق بعد نشر كتابه "الروح الثائرة" الذي آثار سخط الكنيسة والدولة العثمانية. كان يعشق الطبيعة فيقول: "لو أن في العالم شجرة واحدة لحج إليها الناس من جميع الأمم".
نشر مقالات عديدة بجريدة "المهاجر" التي أسسها أمين الغريب في مدينة "بوسطن" الأمريكية، وأقام المعارض للوحاته، ونشر الكثير من كتبه، وغذى الصداقات في دنيا الفن والأدب، كما كتب في مجلة "الفنون" وجريدة "السائح" وغيرهما من الجرائد العربية في بلاد المهجر.
خلف جيران مؤلفات عديدة باللغتين: العربية والإنجليزية، يعنينا منها مجموعتين ضمتا العديد من مقالاته هما:"دمعة وابتسامة" و"العواصف" التي تعد مجموعة من المقالات الثائرة الجامحة، هزت -حين صدورها- الأوساط الأدبية في العالم العربي، ويكفي أن تقرأ مقالات "حفار القبور" و"العبودية" و"المليك المسجون" و"مات أهلي" لتدرك مدى تلك العواصف الهوجاء التي كانت تدور في رأس جبران، وتكاد تؤدي بطمأنينيته وسكينته.
أسلوب جبران:
لجبران أسلوب جديد وطريف ومبتكر في الكتابة العربية، يخالف المألوف مما جعل البعض يتهمونه بالغموض، ويعتمد على صور خيالية، ويجسد المعاني أشكالًا حية متحركة في أسلوب مجنح. وصفته "مي زيادة" فقالت:"يلخص الجملة والمعنى رسمًا على هامش القرطاس، أو يشرحه في صورة عجيبة" ويقول عنه صلاح لبكي: "تنكب عن المألوف من الجناس والمجاز، ومحاولة لتحميل الكلمات فوق ما تعودت جملة من المعاني، ولتجريدها من التفاهة والفضول" وأهم ما يميز أسلوب جبران ما يلي:
1-
يحلق في أجواء عليا من الخيال، تسمو به إلى الشعر المنثور.
2-
معرض زاخر بمقاطع مختلفة لا حد لها مثل ما جاء بمقاله "مساء العيد""قلت ومن أنت؟ قال وفي صوته هدير مياه غزيرة: أنا الثورة التي تقيم ما أقعدته الأمم، أنا العاصفة التي تقتلع الأنصاب التي أثبتها الخيال، أنا الذي جاء ليلقي في الأرض سيفًا لا سلامًا".
3-
يعتمد على العاطفة المتأججة، والمشاعر الملتهبة، كأنه يتقلب على جمرات نار.
4-
لا يقف عند لون واحد، فتراه متهكمًا وساخرًا حينًا، ولاذعًا ومتمردًا حينًا آخر، وجريئًا وصريحًا ومتجددًا حينًا ثالثًا.
5-
تتوفر فيه عناصر الجمال، وأسباب الجاذبية، وقد لخصها في كتابه "رمل وزبد":"إذا وجدت في نفسك ميلا للكتابة -ولا يعلم سر هذا الميل إلا القديسون- فلتكن فيك المعرفة والفن والسحر معرفة موسيقى الألفاظ، وفن البساطة والسذاجة، وسحر محقيه قرائك".
ونسوق إليك صورة بيانية من صور جبران المنبثة في كتبه التي أربت على العشرين، لكي تقف على أسلوبه في نثره المجنح. وصف مدينة "نيويورك" عندما يطلع الصباح فقال:"قد جاء الصباح وانبسطت فوق المنازل المكردسة أكف النهار الثقيلة، فأزيحت الستائر عن النوافذ، وانفتحت مصاريع الأبواب، فأتت الوجوه الكالحة والعيون المعروكة، وذهب التعساء إلى المعامل، وداخل أجسامهم يقطن الموت بجوار الحياة، وعلى ملامحهم المنقبضة قد بان ظل القنوط والخوف، كأنهم منقادون قهرًا إلى عراك هائل مهلك، ها قد غصت الشوارع بالمسرعين الطامعين، وامتلأ الفضاء من تلقلة الحديد، ودوي الدواليب، وعويل البخار، وأصبحت المدينة ساحة قتال، يصرع فيها القوي الضعيف، ويستأثر الفتى المظلوم بأتعاب الفقير المسكين".
وحسب جبران أن معظم أبناء العالم العربي احتذوا أسلوبه، وحاكوا عبارته على الرغم من بعده عنهم في مهجره البعيد، كا اجتذب أسلوبه الأنجليزية الناطقين بها، فأصبح علما في الادبيين: العربي والانجليزي، ويتمتع بمكان مميز ملحوظ.