الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: محمد السباعي 1881-1931
أديب متعدد المواهب، كان كاتبًا وشاعرًا ومترجمًا وقاصا، اتخذ من السخرية والفكاهة فلسفة له في الحياة، تهون العسير، وتجلو صدأ العيش، وتذلل الصعب، كان يفيض من فكاهاته على كل من يقع عينه عليه حتى في مواقف الأسى، ومواقع الأسف، ومواضع النكباء، وأماكن الهول، ولذا انفرد بالظرف وطيب المعاشرة وحسن المراضاة، ولم يؤثر من الأصدقاء إلا الظريف القادر على النكتة.
ترك أثارًا عديدة قيمة، منها كتاب "أسمر" و"الصور" وقد تضمنا وصفًا لصور مختلفة من الحياة بأسلوب تهكمي لاذع، وكتاب "خواطر في الحياة والأدب" ترجم فيه مختارت من روائع الأدب العالمية، وقصة "الفيلسوف" وغيرها من آثاره الخالدة التي تبدو فيها روحه الفكهة وخياله الخصب.
أسلوب السباعي:
قال الدكتور طه حسين عنه في مقدمة روايته "الفيلسوف": "ما أعرف أحدًا صور حياة القاهريين من أوساط الناس بين الحربين في لغة عربية كأفصح ما تكون اللغة العربية، عامية أحيانًا كأشد ما تكون العامية إيغالًا في الشعبية، في غير تكلف ولا جهد كما صورها أديبنا الكبير، وما أعرف أحدًا سخر من وزارة المعارف وأساتذتها وطلابها ودكاترتها الذين يعودون من أوروبا دون أن يتعملوا شيئًا إلا الرقص والعبث والتملق والتهويش، وأخذ المرتبات الضخمة آخر الشهر على هذا كله، ما أعرف أحدا سخر من وزارة المعارف والمثقفين في تلك الأيام في هذه اللغة الرائعة المضطربة مع ذلك بين الفصحى والعامية، كما سخر أديبنا الكبير"1.
ومع ذلك فأهم ما يميز أسلوب محمد السباعي ما يلي:
1-
يتسم بالمرح مما يحبب المثقف العادي فيه، ويجذب المتخصص إليه.
2-
متأصل في فكره، ناصع في بيانه، جزل في كلماته، رقيع في تراكيبه.
3-
لا يخرج عن الأسلوب الساخر المعروف مع قوة ونصاعة، واستساغة وبيان.
4-
بعيد عن التكلف، ويعرب عن محصول وفير، ومع قدرة واقتدار، وجمال وجلال.
5-
الاهتمام بالموضوعات الحيوية المرتبطة باهتمامات المواطن اليومية.
6-
الصدق وعدم المبالغة، وتجنب الالتواء أو اللف أو الدوران.
7-
يتجسد بشكل واضح في القضايا الاجتماعية التي تتطلب اتخاذ الموقف الحاسم.
وهذا جزء من مقالة جاء فيه: "أيها البراع.. إني أتعلق بك كما يتعلق الغريق في كسر من حطام السفين، أنت ملجاي في ذلك العباب
1 راجع: قصة "الفيلسوف" جـ7 طبعة 1957.
الأحم، وعصمتي من ذلك التلف المحيط، أنت ضئيل، ولكنك صلب القناة فاحملني على متنك، ونجني من الغرق".
"إن لمصائب الدهر آفاعي أنيابها في الأحشاء، ولكن أذنابها تحت قدمي فلا جعلتك أيها اليراع سكينًا أعض به أذناب المصائب، كلما عضت في كبدي الأنياب
…
ليس في الكون ما يذلل أنوفنا ولا القضاء والقدر، أنا ليضربنا القضاء بصرفه، فنضربه باحتقارنا، وتأكل فينا النوائب، فلا نلقاها إلا بإعراض المزدري أو سورة المصاول، لقد كانت لنا جلسات لهو فبادت، ولو عادت لنا لبادت مرة أخرى فما قيمة متاع هو أخدع من وميض المومس، وأسرع زوالًا، لقد رأينا النعيم عارية، سريعة المسترد، ورأينا المقيم الدائم هو البلاء، فأصبحنا مع كرهنا للشفاء نحترم منه الثبات والمصارحة، وأصبحنا مع ميلنا للنعيم نزدري منه التلون".
ولخير للعاقل أن يصارحه البلاء من أن يبيت سخرته وضحكته. فأطرفينا يا نائيات الليالي، ستجدين عندنا فراك من الحمية والشعب الجاهلي، وزلزلي بنا ما استطعت، ولتثر فينا عواطفك حتى يحلها الوهن، ويميتها الكد، إنك ستقطعين قواك على جانبنا الوعر، كما تتفتت الأمواج الطاغية على الساحل الصخري".
"سنصبر على الدهر، إنما الصبر ظهر، سيركبه الإنسان طوعًا أو قسرًا. من لم يسل حسبة واصطبارا، سلا غما واضطرارا. الوجود عبء لا مناص من حمله
…
والحياة تدفع جذرها سواء في النفس الغنية الخصبة، وفي النفس اليابسة التربة، والعيش مرحلة يسكلها المرء، وأن أضحت خلاء قواه
…
وهل للعطشان في البلد القفر إلا العزاء والتجمل"1.
لمحمد السباعي فلسفة فريدة في الضحك والمرح والسخرية، عبر المازني عنها بقوله:"كان فيه فكاهة حلوة تهون العسير، وتذلك الصعب، وتجلو صدأ العيش، وهي التي يسرت له أن يكون ذلك الرجل العارف بالحياة الذي لا يعدله أحد في الظرف وحسن المراضاة وطيب المعاشرة فقد كان ضحوكًا أبدا"2.
1 راجع: السمر ص100-101.
2 المصدر السابق.