الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا: أحمد حسن الزيات 1885-1968
عملاق من عمالقة الأدب المعاصرين، وصاحب مدرسة نهل الأدباء والمتأديون من معينها بعد منتصف القرن الحالي. سطر العديد من المقالات في الدعوة إلى التحرير من قيود الماضي، والاهتمام بدراسة الأدب بطريقة منهجية منظمة، دون إهدار تراثنا الإسلامي العظيم، له مقالات ممتعة في الأدب والنقد والسياسة والاجتماع، عامرة بألوان الفكر النير، والرأي السديد، تفيض بإحساس دافق، وشعور متألق، وحماس هادر.
أسلوب الزيات:
يقوم أسلوب الزيات على البيان المنسق القائم على هندسة كلامية فريدة: الجملة تعادل الجملة، والكلمة تقابل الكلمة، والفقرة توازي الفقرة حتى يأتي الأسلوب لوحة بيانية تتقابل خطوطها، وتتعادل مساحاتها، وتتوازن ألوانها، وصف محمد يوسف نجم أسلوب الزيات فقال: "أسلوب الزيات يعتمد على الصنعة المحكمة
…
فهو ضفيرة منسقة من الألفاظ الموسيقية المجلجلة، أو قطعة من الفسيفساء أبدعتها يد فنان صناع، أو هو قالب جاهز يلبسها لكل فكرة، ويلقيها على كل موضوع، دون أن يحاول الخروج عن النسق المعتاد، أو السنة المقررة، ودون أن يعنى بتحوير القوالب وتهذيبه بحيث يلائم الشكل المطلوب1".
وعلى الرغم من اطلاع الزيات على روائع الغرب، فلم يفقد طابعه العربي، ونسق الأسلوب العالي الذي عرف به، ويتميز بالسمات التالية:
1-
الاهتمام ببعض المحسنات لتحقيق التناسق الصوتي كالسجع والجناس، وبعضها لتحقيق التناسق المعنوي كالمقابلة والطباق.
1 راجع: فن المقالة ص84-85 طبعة بيروت 1966.
2-
العناية بالحرف والكلمة، والمقطع عنايته بالجملة والعبارة والفقرة مما يجعل القارئ يحسن تنسيق عمله.
3-
الموازنة بين الكلمات والعبارات، فلا مكان لجزء دون مقابل له، فتكون عملًا جماليا، يقوم على التناسق والتعادل.
4-
العناية بالإطار العام، ورعاية جانب الشكل، حتى يتضاءل الزاد الفكري، ويتبعه المضمون في أكثر الأحيان، لكنها تبقى رغم ذلك باهرة بإشراق صياغتها، أخاذة بروعة بيانها.
وهذا جزء من مقاله "أوروبا والإسلام" نتعرف من خلاله على أهم سمات طريقة الزيات في الكتابة، وفيه يقول:"شيع الناس بالأمس عاما قالوا إنه نهاية حرب، واستقبلوا اليوم عامًا يقولون إنه بداية السلم، وما كانت تلك الحرب التي حسبوها انتهت، ولا هذه السلم التي زعموها ابتدأت إلا ظلمة أعقبتها عمى، وإلا ظلا ما سيعقبه دمار، حاربت الديمقراطية وحليفتها الشيوعية عدوتهما الدكتاتورية، وزعمتا للناس أن أولاهما تمثل الحرية والعدالة، وأخراهما تمثل الإخاء والمساواة، فالحرب بينهما وبين الدكتاتورية التي تمثل العلو في الأرض والتعصب للجنس، والتطلع إلى السعادة أنما هي حرب بين الخير والشر، وصراع بين الحق والباطل، ثم أكدوها هذا الزعم بميثاق خطوه على مياه "الأطلس". حتى وهم ضحايا القوة، وفرائس الاستعمار أن الملائكة والروح ينزلون في كل ليلة بالهدى والحق على روزفلت وتشرشل وستالين وأن الله قد عاد فأرسل هؤلاء الأنبياء الثلاثة في واشنطن ولندن وموسكو، ليدرءوا عن أرضه فساد الأبالسة الثلاثة في برلين وروما وطوكيو. ثم تمت المعجزة وصرع الجبارون، ووقف الأنبياء الثلاثة على رءوس الشياطين الثلاثة يضربون الأستار على العالم الموعود، وتطلعت شعوب الأرض إلى مشارق الحي في الوجوه القدسية، فإذا اللحى تتساقط، والقورن تنتأ، والمسابح تنفرط، والمسوح تنهتك، وإذا التسابيح والتراتيل عواء وزئير، والوعود والمواثيق خداع وتقرير، وإذا الديمقراطية والشيوعية والنازية والفاشية كلها ألفاظ تترادف على معنى واحد، وهو استعمار الشرق، واستعباد أهله! إذن برح الخفاء، وافتضح الرياء، وعادت أوروبا إلى الاختلاف والاتفاق على حساب العرب والإسلام1".
وأعم الزيات في أسلوبه بين الفكرة والصورة، فلا يطغى أحدهما على الآخر، وجمع في طريقته بين الصفات الأساسية للأسلوب الفني التي هي: الأصالة والوجازة والتلاؤم. ولا يختلف اثنان في أن الرجل رائد مدرسة وطريقه ينهل من معينها المتأديون، ويحاكيها الناشئون كي ترتقي أساليبهم وتسلم طرائقهم في التعبير والتصوير، وحينئذ يبلغون الجودة، ويصلون إلى حد الحذق والمهارة والإبداع.
1 انظر: مجلة الرسالة عدد 7 إبريل 1946.