الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادسًا: طه حسين 1889-1973
كاتب من الطراز الأول، جمع في أسلوبه بين موضوعية العلم وذاتية الفن. ويمتاز بتلون العبارة، وتنويع الصور والأفكار، مما ينفي الملل عن القارئ. برز نشاطه الأدبي منذ تولي تحرير الصفحة الأدبية بجريدة "السياسة" الأسبوعية فكان ينشر مقالًا ممتعًا في الشعر كل يوم أربعاء، ويلخص قصة من أدب الغرب كل يوم أحد، ويناقشها مناقشة أدبية، وكان محصول ذلك بحوثًا مبتكرة في طبيعة الأدب العربي، فثار أعلام الكتابة عليه، وبدأ احتدام الصراع بين زعماء القديم بقيادة الرافعي، وأنصار الجديد بزعامته، فكان بداية بعث أدبي جديد.
أسلوب طه حسين:
غلبت عليه العناية بالألفاظ والجمل، وتقديم المشاهد والصور المتعاقبة. "لا يهجم عليك برأيه فيلقيه إلقاء الآمر، وإنما يلقاك صديقًا لطيفًا، ثم يأخذ بيدك أو بعقلك وشعورك، ويدور معك مستقصيًا المقدمات، محللًا ناقدًا، يشركك معه في البحث حتى يسلمك الرأي ناضجًا ويلزمك به في حيطة واحتياط، ثم يتركك ويقف غير بعيد متحديًا لك أو ضاحكًا منك، وذلك في عبارات رقيقة عذبة أو قوية جزلة، فيها ترديد الجاحظ وتقسيمه، فإذا قص أو وصف أخذ عليك أقطار الحوادث والأشياء، ودخل في أعماق الشعور وجوانب النفوس مدققًا مقتضيًا، يخشى أن يفوته كل شيء ولا يخشى الملال من شيء، دقيق الشعور، صاف النفس، نبيل الجدل حاده، يسير مع خصمه بعقله حتى إذا أنس منه الغضب أو التوى تركه وانصرف1" أو هو كما قال محمد مندور: "أسلوب سمح تسلم الصفحة منه عند أول قراءة كل ما تملك، فلا تشعر بالحاجة إلى أن تعود تستوحيها جديدًا، ولكنك رغم ذلك تحمد للكاتب يسره، أسلوب واضح الموسيقى، يكشف في سهولة عن أصالته2".
لهذا كله سمى بعض الدارسين3 أسلوب طه حسين بأسلوب التصوير المتتابع وأهم ما يميزه عن غيره ما يلي:
1-
الاعتماد على الجمل القصار، وإيرادها فيما يشبه التكرار أو الإعادة للمعنى الواحد دون أن يحس القارئ بشيء من الملل أو الضيق أو السآمة، لامتلاكه ثروة لغوية عريضة.
1 راجع: الأسلوب ص 128، 129 أحمد الشايب الطبعة السادسة 1976.
2 راجع: في الميزان الجديد ص21 - طبعة 1973.
3 راجع: تطور الأدب الحديث في مصر ص422 د. أحمد هيكل طبعة 1968.
2-
يكثر من صيغ الاستنكار والنفي والتعليل والاستطراد الخفيف مما يخفف على القارئ عند قراءة موضوع واسع أو مقال طويل.
3-
يتوجه بالحديث إلى المخاطب، حتى يبدو كأنه يحدث قارئه ولا يكتب إليه، مع الترفع عن الابتذال والإسفاف مهما كان الموضوع الذي يتناول، والابتعاد عن استعمال الألفاظ الغربية، والأساليب العامية.
4-
يؤثر لوازم معينة عند البدء والانتقال والتفصيل لم تؤلف في كتابات غيره مثل: مهما يكن من شيء، تستطيع أن تسميه كذا، وإنما هو شيء آخر غير كذا، ومما لا شك فيه، ومثل: الرغم والسخط والرضى والإسراف والبراعة، وغير ذلك من الألفاظ التي يلحظها القارئ، ويتميز بها عن غيره.
5-
تبدو فيه شخصيته الأدبية فيما يكتب -قصة أو مقالًا أو كتابًا- فتراه يؤدب العلم والمنطق والتاريخ، مع إشراق الديباجة، ووضوح العبارة، وسهولة الألفاظ، وتوقيع موسيقى وجرس خفيف على الأذان، ومن هنا عجز الجميع عن محاكاته أو تقليده.
6-
يحتفظ بصورة بديعية واحدة -رغم تحرره من صور البديع- هي فن المطابقة، ويؤثر السجع عند الحاجة، ويأتي به بين كلمتين متجاورتين في الجملة الواحدة، وقد يتجاور مع سجع بين نهاية جملتين مثل:"كان الشيخ مهيبًا رهيبًا، وكان فخمًا ضخمًا، قد ارتفعت قامته في السماء، وامتد جسمه في الفضاء1" وهذا جزء من مقال له عن: "الحب في شعر عمر بن أبي ربيعة" يقول فيه: "وكان كل شيء في حياة عمر وسيلة إلى الاتصال بالمرأة وذكرها، والتحدث إليها ولا سيما الحج، فلم يكن ابن أبي ربيعة يفهم من موسم الحج إلا أنه معرض إسلامي للجمال، كان إذا قرب الموسم اتخذ أجمل ما كان
1 راجع: على هامش السيرة ج1 ص3 طه حسين.
يستطيع من زينة، وظهر في مظهر الفتوة والقوة وفارق مكة، فتعرض للحجيج في طريق المدينة والشام والعراق، يتلمس نساءهم، ويتبين هوادجهن، ويعرض منها لمن تظهر عليها آثار النعمة والترف، فإذا وافى الحجيج مكة وغيرها من مواضع المناسك كان عمر قد أحصى النساء اللاتي يجب أن يكون بينه وبينهن لقاء أو حديث أو مكاتبة، وكان له رسل تعمل في ذلك فتأتيه المواعيد في مكة حينا، وفي منى حينًا آخر، وكان أحب ساعات الدهر إليه أوائل الليل من أيام الموسم حيث ينتهز النساء فرصة الليل فيخرجن للطواف، هناك كان عمر بن أبي ربيعة يترصدهن، ومنهم من كانت تترصده، وهنالك كانت تبتدي الأحاديث لتتم بعيدًا عن البيت، حتى إذا انتهى الموسم، وأزمع الحجيج العودة إلى بلادهم".
"رأيت عمر مقسمًا بين نساء المدينة ونساء الشام ونساء العراق، يشيع هذه ثم يعود، فيشيع تلك، ثم يترك هاتين ليشيع امرأة أخرى، وهو لا يفرغ من تشييع امرأة إلا قال الشعر الجيد يسبقها إلى موطنها، ولا يلبث أن يسقط بين أيدي المغنيين، فإذا هو مصدر للهو والطرب لهذه الاستقراطية المترفة من أبناء قريش والأمصار، فكان موسم الحج موسم شعر وغناء في الحجاز1".
على الرغم من أن أسلوب طه حسين يحفل برنين الألفاظ، وجرس العبارات أكثر من الفكرة المدروسة، والمعنى العميق فقد كان شيئًا جديدًا، متميزًا في الكتابة العربية الحديثة، فيه من لغة العرب البيان والإشراق واللمح، ومن الفرنسية الوضوح والإبانة والدقة.
1 راجع: حديث الأربعاء: جـ1 ص209 وما بعدها.