الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: الشيخ محمد عبده 1848-1905
من أعلام النهضة الإسلامية، وقادة الفكر العربي، وزعماء الإصلاح المصري، وفوق ذلك كله فيلسوف إنساني، ومجدد ديني، وباحث اجتماعي، اهتم بنشر العدالة الاجتماعية بين الطبقات، وشيوع الثقافة بين الفقراء، ورأى أن الإصلاح الأخلاقي يجب أن يسبق الإصلاخ السياسي، وقد يغني عنه في أكثر الأحيان.
اتجه إلى إنشاء المقالات للصحف المصرية منذ اتصاله بجمال الدين الأفغاني، خاصة بعد انضمامه للثورة العرابية، فأخذ يندد بأعوان الاستعمار الغربي وأذنابه من الخائنين لأوطانهم، له مقالات عديدة دبجها براعه، وفاض بها خاطره، وتضمنتها الوقائع المصرية والعروة الوثقى، لكنها تختلف عن بعضها، ففي الوقائع دعا إلى الإصلاح الاجتماعي في مصر بإتزان وتحفظ وتدرج. وفي العروة الوثقى نظر إلى العالم الإسلامي على أنه وحده، ودعا إلى التضامن، وتوثيق الروابط، وإعداد العدة لمناهضة الاحتلال في شتى صوره، مبينًا أن الإسلام تقدم ووصول، وحضارة ومدنية، لا ضعف ولا تواكل.
وصف المؤرخ عبد الرحمن الرافعي مقالات "العروة الوثقى" فقال هي: "جامعة بين روح جمال الدين وقلم الأستاذ الإمام، فجاءت آيات
بينات في سمو المعاني، وقوة الروح، وبلاغة العبارة، وهي أشبه ما تكون بالخطب النارية، تستثير الشجاعة في نفوس قارئها، وتدني في روحها وقوة تأثيرها أسلوب الإمام علي -كرم الله وجهه- في خطبه الحماسية المنشورة في نهج البلاغة"1.
أسلوب الشيخ محمد عبده:
كان للشيخ محمد عبده أثر عظيم في النثر العربي، وجاء أسلوبه فيه مثالًا يُحتذى في التجديد والصياغة، واتسم بسمات واضحة أهمها وأبرزها ما يلي:
1-
تأثر في أول حياته الصحفية بالطريقة الأزهرية، من حيث الموضوع وطريقة معالجته، مع تكلف السجع والمقدمات الطويلة، مما يجهد القارئ.
2-
يكرر الفكرة ويقلبها على شتى وجوهها، مع قوة الحجة، وسلامة البرهان، وحرارة الوجدان، وصدق العاطفة، وبساطة التركيب، وسهولة الألفاظ.
3-
يتوقد حماسة وثقة وصدقا، يزكيه وجدان حي، وتشبع الألفاظ الجياشة في الموضوعات الاجتماعية والسياسية.
4-
مرتب ترتيبًا منطقيًّا مع استعمال الأقيسة والبراهين أولًا، ثم أقلع عنها أخيرًا.
5-
يستعمل -أحيانًا- كلمات عامية أو دخيلة للتعبير عما يريد، إذا لم تسعفه الكلمات العربية.
تحدث الإمام محمد عبده عن نظام الشورى في الحكم، ووجوبه على الحاكم والمحكوم سواء، فقال في مقال: "مما يدل على وجوب التشاور
1 راجع: عصر إسماعيل ص163 عبد الرحمن الرافعي.
على الحاكم، وهو طلب عمر بن الخطاب تقويم اعوجاجه، ومما يدل على وجوبه على المحكوم، هو إجابة الصحابي بقوله: والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا، فإنه لا يجوز استعمال القوة إلا بعد الأعذار بالإرشاد والهدى.. وإن الشورى لا تنجح إلا بين من كان لهم رأي عام يجمعهم في دائرة واحدة، كأن يكونوا جميعًا طالبين تعزيز مصالح بلادهم فيطلبونها من وجوهها وأبوابها. فما داموا طالبين هذه الوجوه فهم طلاب الحق ونصرائه، فلا يلتبس عليهم بالباطل، ولا لوم عليهم إذا لم يأت مطلوبهم على غاية ما يمكن من الكمال.
وإن استعداد الناس لأن ينهجوا المنهج الشوري غير متوقف على أن يكونوا مندوبين في البحث والنظر على أصول الجدل المقررة لدى أهله، بل يكفي كونهم نصبوا أنفسهم، وطمحت أبصارهم للحق، وضبط المصالح على نظام مرافق لمصالح البلاد وأحوال العباد.. إن شأن الحكومة ليس إلا أن تطلق للناس عنان العمل فيعملون لأنفسهم ما يعلمونه خيرًا، فإن أية حكومة قيل أنها عادلة حرة، لم يكن لها أن أباحت للناس أن يدخلوا في أي باب من أبواب المنافع، ويطلبوا الخير الحقيقي بكل وسيلة"1.
من فقرات المقال يتضح لك أسلوب الإمام الذي يقلب الفكرة على وجوهها مع قوة الحجة وسلامة التعبير وسهولة الألفاظ وجمال العبارة وحرارة الإيمان فيما يُسطر من خواطر وأفكار.
1 راجع: تاريخ الإمام ج2 ص196 وما بعدها.