المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ب-‌ ‌ الأخبار: صحيفة فرضتها الأحداث، ارتبطت بكفاح الأمة المصرية وشعبها المناضل - المقال وتطوره في الأدب المعاصر

[السيد مرسي أبو ذكري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة

- ‌مفهوم المقال:

- ‌الباب الأول: المقال وتطوره

- ‌الفصل الأول: ملامح المقال في الأدب العربي القديم

- ‌مدخل

- ‌أولا: الحسن البصري 21-110ه

- ‌ثانيا: عبد الحميد بن يحيى الكاتب 132هـ-750م

- ‌ثالثا: عبد الله بن المقفع

- ‌رابعًا: الجاحظ: 150-255ه

- ‌خامسا: ابن قتيبة 213-276ه

- ‌سادسا: أبو حيان التوحيدي 310-400ه

- ‌سابعا: إخوان الصفا

- ‌ثامنا: ابن خلدون 732-808ه

- ‌الفصل الثاني: المقال في طوره الحديث

- ‌مدخل

- ‌أولًا: محاولات الاوربيين

- ‌ميشيل دي مونتين 1532-1592

- ‌ فرانسيس بيكون 1561-1626:

- ‌ المقال في القرن الثامن عشر:

- ‌ المقال في القرن التاسع عشر:

- ‌ثانيًا: المقال في الأدب العربي الحديث

- ‌مدخل

- ‌الطور الأول:

- ‌الطور الثاني:

- ‌الطور الثالث:

- ‌الطور الرابع:

- ‌الطور الخامس:

- ‌ثالثا: أثر الصحف في تطور المقال

- ‌الفصل الثالث: تنوع المقال

- ‌مدخل

- ‌أولًا: المقال بالنسبة لموقف الكاتب

- ‌المقال الذاتي

- ‌ المقال الموضوعي:

- ‌ المقال الموضوعي الذاتي:

- ‌ثانيًا: المقال بالنسبة لاسلوب الكاتب

- ‌المقال الأدبي

- ‌ المقال العلمي:

- ‌الفصل الرابع: المقال والكتب

- ‌الباب الثاني: المقال وتنوع الأساليب

- ‌الفصل الأول: المقال والأسلوب اللغوي

- ‌مدخل

- ‌أولا: أحمد فارس الشدياق 1805-1887

- ‌ثانيا: الشيخ إبراهيم اليازجي 1847- 1906

- ‌ثالثًا: محمد إبراهيم المويلحي 1858-1930

- ‌الفصل الثاني: المقال وأسلوب الاصلاح الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: عبد الرحمن الكواكبي 1848-1902

- ‌ثانيًا: قاسم أمين 1863-1908

- ‌ثالثًا: ولي الدين عدلي يكن 873-1921 3

- ‌رابعًا: عبد العزيز جاويش 1876- 1929

- ‌الفصل الثالث: المقال والأسلوب الديني

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الشيخ محمد عبده 1848-1905

- ‌ثانيًا: الشيخ علي يوسف 1863-1913

- ‌ثالثًا: شكيب أرسلان 1869-1946

- ‌رابعًا: أحمد أمين 1886-1954

- ‌الفصل الرابع: المقال والاسلوب العلمي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: يعقوب صروف 1852-1927

- ‌ثالثًا: سلامة موسى 1888-1958

- ‌الفصل الخامس: المقال والأسلوب الفني

- ‌مدخل

- ‌أولًا: مصطفى لطفي المنفلوطي 1876-1924

- ‌ثانيًا: مصطفى صادق الرافعي 1880-1937

- ‌ثالثًا: جبران خليل جبران 1883-1931

- ‌رابعًا: أحمد حسن الزيات 1885-1968

- ‌خامسًا: عباس محمود العقاد 1889-1964

- ‌سادسًا: طه حسين 1889-1973

- ‌سابعًا: عمر فاخوري 1895-1946

- ‌ثامنًا: مي زيادة 1897-1941

- ‌الفصل السادس: المقال والأسلوب الفلسفي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: أحمد لطفي السيد 1872-1962

- ‌ثانيًا: علي آدهم 1897-1981

- ‌ثالثًا: زكي نجيب محمود 1905

- ‌الفصل السابع: المقال والأسلوب السياسي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: عبد القادر حمزة 1880-1941

- ‌ثانيًا: أمين الرافعي 1886- 1927

- ‌ثالثًا: محمد حسين هيكل 1888-1956

- ‌رابعًا: محمد التابعي 1895-1976

- ‌خامسًا: فكري أباظة 1897-1979

- ‌الفصل الثامن: المقال والأسلوب الساخر

- ‌مدخل

- ‌أولًا: محمد السباعي 1881-1931

- ‌ثانيًا: عبد العزيز البشري: 1886-1943

- ‌ثالثًا: حسين شفيق المصري المتوفى 1948

- ‌رابعًا: إبراهيم عبد القادر المازني 1890- 1949

- ‌الباب الثالث: المقال في الصحف المعاصرة

- ‌الفصل الأول: المقال وقضايا الفكر

- ‌مدخل

- ‌أولًا: قضية المرأة

- ‌ثانيًا: كتاب "الإسلام وأصول الحكم

- ‌ثالثًا: كتاب "في الشعر الجاهلي

- ‌رابعًا: قضية التبشير

- ‌الفصل الثاني: المقال المعاصر

- ‌مدخل

- ‌أولًا: المقال العرضي

- ‌ثانيًا: المقال النقدي

- ‌ثالثًا: المقال النزالي

- ‌المقال في صحف اليوم

- ‌مدخل

- ‌ الأهرام:

- ‌ الأخبار:

- ‌ الجمهورية:

- ‌الفصل الثالث: الوان من المقال في صحف اليوم

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الخاطرة

- ‌مدخل

- ‌في الأهرام:

- ‌في الأخبار وأخبار اليوم

- ‌في الجمهورية:

- ‌ثانيًا: الفكرة

- ‌ثالثًا: في الكاريكاتير

- ‌خاتمة:

- ‌أهم المصادر:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ب-‌ ‌ الأخبار: صحيفة فرضتها الأحداث، ارتبطت بكفاح الأمة المصرية وشعبها المناضل

ب-‌

‌ الأخبار:

صحيفة فرضتها الأحداث، ارتبطت بكفاح الأمة المصرية وشعبها المناضل من أجل حريته وكرامته واستقلاله. أصدرها في البداية الشيخ يوسف الخازن أحد كبار الأدباء اللبنانيين، وتنازل عنها لدى عودته لبلاده لعبد الحميد حمدي صاحب جريدة "السفور" الذي أصدرها في أخريات 1918 وشاركه فيها حسن الشيخة أحد مدرسي مدرية الغربية.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى كانت ثورة 1919، وجاءت "الأخبار" ثمرة من ثمارها في فبراير 1920 -وشغلت المدرسة اليونانية الموجودة بميدان الفلكي- وجعلها صاحبها المرحوم أمين الرافعي 1886- 1927 لسان صدق للحركة الوطنية، وصحيفة الحق والمسئولية. وقادت "الأخبار" الرأي العام، واهتمت بأفكار الوفد وخططه، وعنيت بنشاط رئيسه وأحاديثه، ثم أدمجت في صحيفة "اللواء" بسبب الظروف المالية -في اسم واحد هو "اللواء والأخبار" في 10 من مايو 1925، وبعد العدد الصادر في 22 من أغسطس 1925 عادت كل صحيفة إلى استقلالها.

ص: 315

وظلت "الأخبار" تواصل رسالتها وتواكب الأحداث حتى تعرضت لأزمة مالية توقفت على أثرها في فبراير 1926 ثم عادت إلى الظهور في 12 من مارس 1926، واحتلت مكانتها بين الصحف المصرية، تولى أمين الرافعي كتابة مقال فيها كل يوم، وأحيانًا أكثر من مقال في اليوم، وبجانب هذا كانت له دراسات وافية عن المفاوضات وسياسة الإنجليز في مصر، وخص الدستور بمقالات تعد من أروع ما كتب عن حق الشعب في حكم نفسه. وحملت "الأخبار" دعوته 1925 للساسة وأعضاء البرلمان أن يعقد اجتماعاته دون الالتفات إلى رأي الحكومة المخالف للدستور، فاستجابوا له، وفرضت مقالاته على القصر والحكومة إعادة الحياة النيابية في مصر.

استكتبت "الأخبار" الشخصيات البارزة من أمثال حسين رشدي، وعبد الخالق ثروت، وعبد الرحمن الرافعي وغيرهم، وجاءت مقالاتهم في مفاوضات "ملز" والمشروع الذي قدمته اللجنة مرجعًا سياسيا في ذلك المشروع الذي كان له أثره في تطور الأحداث في مصر.

وظلت "الأخبار" محتجبة عن الجماهير بعد رحيل أمين الرافعي 1927 حتى تنازل شقيقه المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي عن ممتلكاتها للمرحوم علي أمين 1914- 1977 وشقيقه مصطفى أمين الذي لا زال يواصل عطاءه الصحفي حتى اليوم، ومن ثم عادت إلى الظهور باسم "أخبار اليوم" 1944 الأسبوعية و"الأخبار" اليومية 1952.

ولقد أحدثت سلسلة مقالات مصطفى أمين في "أخبار اليوم" دويا هائلًا، وسببت له أزمات عديدة مثل: سلسلة مقالات قصة فاروق التي وافق الزعيم الراحل جمال عبد الناصر على نشرها، ثم عاد وأمر بوقف نشرها، وسلسلة مقالات "قصة التسعة" التي تحكي تفاصيل ثورة يوليو 1952 وأسرارها وأسماء التسعة الذين يؤلفون مجلس الثورة، ثم توقفت بناء على أوامر عبد الناصر الذي ألح -بواسطة جمال سالم- ألا يعرف إنسان أن عبد الناصر مصدر هذه المعلومات؛ لأن المقالات أحدثت فتنة بين أفراد القوات المسلحة إذ ذاك وهذه نماذج من المقالات التي حفلت الأخبار.

ص: 316

أولًا: كتب الأستاذ موسى صبري رئيس تحرير الأخبار مقالًا عنوانه: "الرفيق المفاضل حافظ الأسد" جاء فيه: "هل يمكن لنزوة معارضة عند المشتغل بالسياسة، أن تحجب عينيه عن النظرة العادلة، وأن توقف عقله عن التفكير الطبيعي، وهل يمكن لهذه النزوة أن تنطق لسانه، بما يجب أن يثير الضحك، حيث كان يريد أن يبعث على الجد. سألت نفسي هذا السؤال وأنا أقرأ خطابًا لخالد محيي الدين رئيس حزب التجمع الماركسي، أذاعه راديو دمشق والخطاب كان في حضرة الرئيس حافظ الأسد، والخطاب كان موجهًا من خالد محيي الدين إلى حافظ الأسد، وموضوع الخطاب إهداء جائزة سلام إلى رجل السلام حافظ الأسد. الذي يهديه خالد محيي الدين جائزة سلام باسم "مجلس السلام العالمي". نعرف أن مجلس السلام العالمي هو إحدى المنظمات الشيوعية، التي اتخذت هذا الاسم الخادع، بل نعرف أن رجال الدين في أوروبا وغيرها، قد جذبهم الشعار وتصوره صدقًا وأصبحوا أعضاء في هذا المجلس الشيوعي، وهم ليسوا بشيوعيين، وقد مررت بنفسي بهذه التجربة".

"ولكننا نعرف أيضًا أن خالد محيي الدين وهو عضو مبرز في هذا المجلس، يعرف تمامًا، كيف تحصد الأرواح في مدن سوريا، وكيف تقتحم الدبابات بيوت السكان الآمنين، ويخرجون الرجال والشباب الذين يقفون تحت رهبة السلاح ووجوههم إلى الحيطان، لكي ينطلق الرصاص -رصاص السلام في عرف خالد محيي الدين- إلى ظهورهم، وتقع الضحايا بالمئات وينتقل الغزو البربري من مدينة إلى أخرى!. ولكننا نعرف أيضًا أن خالد محيي الدين يعرف تمامًا، قصة الوجود السوري المسلح على أرض لبنان من بدايتها، ومن التكرار الممل أن تعيد أن قوات حافظ الأسد -رجل السلام في عرف خالد محيي الدين- دخلت بحجة الدفاع عن الفلسطينيين، وعادت فقتلت الفلسطينيين نساء وأطفال في تل الزعتر، ثم رفعت حجة الدفاع عن المسلمين وقتلت المسلمين، ثم زعمت دفاعًا عن المسيحيين فقتلت المسيحيين، ثم ادعت دفاعًا عن التقدميين فقتلت زعيم التقدميين كمال جمبلاط! ".

ص: 317

"كل هذا الدم العربي الذي خضب أرض لبنان، من قوات حافظ الأسد استحق جائزة سلام يهديها إليه خالد محيي الدين باسم مجلس السلام الشيوعي! ولأنه سلام شيوعي فلا بد أن يتميز عن السلام الذي يؤمن به كل البشر، ويسعى إليه الإنسان في كل مكان، إنه سلام من يعارضون السلام.. إنه سلام من يحصدون الأرواح في أفغانستان، وهذا السلام في أفغانستان قد حظي بتأييد رجل السلام حافظ الأسد، وأما السلام الذي ينادي بأن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، فهو سلام يرفضه خالد محيي الدين "والرفيق المناضل" حافظ الأسد -وهذا تعبير خالد عنه- وهو يقول عنه أمام الأسد: إنه ليس سلامًا ولكنه مؤامرة! لقد ضحكت وأنا أقرأ هذه المسرحية، ولكنني لا أنكر أنني تساءلت، إذا كان هذا -في عرف المعارضة "الوطنية الشريفة"- هو المستباح فهل أستطيع في تعليقي إلا أن أخرج باللفظ عن حدود المباح!! أحمد الله أنني استطعت1".

ثانيًا: وكتب الدكتور حسن شلبي عن "إعجاز القرآن من الروماني إلى الشعراوي" فقال: "يأتي رمضان يدق الأبواب، وينزل على الأحباب، ويتخير من المنازل أسخاها كرمًا، ومن القلوب أصفاها ودا، ومن النفوس أعلاها هوى ورضا، ويهتم فيه الجميع بالقرآن؛ لأنه شهر القرآن أنزله الله فيه بينات من الهدى والفرقان، وأرجع بخاطري إلى العلماء الأفذاذ الذين اهتموا بإعجاز القرآن في عصور ماضيه وفي عصرنا الحديث أيضًا، أما العصور الماضية فيلفتني من بينهم علي بن عيسى الروماني المتوفى 386هـ ألف: "النكت في إعجاز القرآن" نجده يرجع وجوه إعجاز القرآن إلى سبعة مواضع: ترك المعارضة مع توافر الدواعي وشدة الحاجة، والتحدي للكافة، والصرفة، والبلاغة، والأخبار الصادقة عن الأمور المستقبلة، ونقض العادة، وقياس القرآن بكل معجزة، فكلام الله كلام يتلى فيستقر في القلب، وهو معجز ومغمم للخاصة والعامة أيضًا.

وأبو سليمان حمدين محمد الخطابي المتوفى 388هـ في رسالته عنه: "إعجاز

1 راجع: الأخبار الصادر في يوم الخميس 2/ 7/ 1981.

ص: 318

القرآن" يعرض فيها أراء القائلين في إعجاز القرآن مثل الجمع بين القصص وغيرها في سورة واحدة، وصرف الله قلوب المشركين عن معارضتها، وإخباره عن الأحداث المستقبلة، ثم يثبت رأيه في إعجاز القرآن، فيبين أن الكلام الفاصل ثلاثة أقسام: بديع رصين جزل، فصيح قريب، سهل جائز مطلق، ومن هنا: إعجاز القرآن؛ لأنه أخذ من كل قسم، وجمع ذلك في قوة واحدة، فكان إعجازه وبلاغته".

"وأبو بكر محمد الطيب البقلاني المتوفى 403هـ ألف كتابه: "إعجاز القرآن" تكلم فيه عن سبل البلاغة، وبلاغة الرسول، وإعجاز القرآن، ولا يوافق من قال بالصرفة؛ لأن التحدي لا يتفق معها، ثم يرد إعجاز القرآن إلى ثلاثة: ما تضمنته الأخبار عن الغيب، وما فيه من قصص الأنبياء مع أمية الرسول وبلاغته، فلما جاء أمام البلاغة عبد القاهر الجرجاني المتوفى 471هـ فقد ألف رسالة وكتابة:

أ- رسالة الشافية في الإعجاز مضمونها أن القرآن أعجز العرب ولكنه لم يتعرض لتفصيل سبب الإعجاز الذي بسطه في:

ب- كتابه "دلائل الإعجاز" عني فيه بنظم القرآن، مرجعًا إعجاز القرآن إليه، ويقصد أن القرآن في حروفه وألفاظه وتراكيبه، وما ضم ذلك من معان، وجاء على أحسن صورة، لا يستطيع أحد معها أن يأتي بمثلها، فكل ما جاء في القرآن معلق بعضه على بعض، مبني بعضه على بعض، وذلكم سر الإعجاز في النظم القرآني الذي وضع الكلام الذي يقتضيه علم النحو".

"أما في عصرنا الحديث فقد كتب العديد من العلماء المصريين في إعجاز القرآن كالرافعي ومتولي الشعراوي، أما رأي مصطفى صادق الرافعي في كتابه "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" فيوجزه في ثلاث نقاط: فالقرآن معجز لاستقرار القرآن وثباته على الزمان، وهو شريعة وأخبار وآداب، ولدفعه النسيان عن اللغة العربية، فهو وجود لغوي ركب كل ما فيه على أن يبقى خالدًا مع الإنسانية: يدفع عن هذه اللغة العربية النسيان الذي لا يدفع عن شيء؛ ولأن معانيه تتوالد وتتكاثر، وتتجدد حسب قدرته على كل عصر في استخلاص معانيه".

"أما رأي الشيخ محمد متولي الشعراوي فمنثور في كتابه القيم "معجزة القرآن" موجز في خمس نقاط، فالقرآن معجز لعطائه الذي يتجدد مع كل

ص: 319

جيل من الأجيال بمعنى أن أسرار الوجود وضعت في القرآن، لذلك يعطينا جديدًا في كل عصر حسب قدرة كل جيل في تناوله وفهم أسراره، ولتأثيره القوي في الناس على اختلافهم، وتباين بيئاتهم، وتعدد ثقافاتهم، وتنوع اتجاهاتهم، ويعني هذا تقديمه لكل عقل ما يرضيه، ولبلاغته التي مثل لها بدقة التعبير المعجز في كثير من آيات القرآن ولتحديه العرب يلقنه عندما نزل وتحدى البشر جميعًا، والعالم أجمع بالمغيبات مثل إننا لن نخلق ذبابة، لن نخلق نهرًا مع أن مكونات الماء بين أيديكم، والإخبار عن المغيبات مثل تمزيقه حواجز الغيب: المكان والزمان ماضيًا أو مستقبلًا، فأخبرنا من ذلكم بما لم نكن نعرفه، ولاستوائه وعدم تناقضه في ذاته، وعدم تصادمه مع الحقائق الكونية والعلمية، فالتقدم العلمي -مثلًا- غير كثيرًا من مفاهيم الكون، لكنه لم يستطع تغيير مفاهيم معنى الآيات الكريمة، إأن الإعجاز في القرآن إعجاز دائم، وأسراره لا تتناهى، إنه معجزة يوم أنزل، وفي هذا العصر، وفي العصور القادمة إلى أن تقوم الساعة ستظل أرواحنا خاشعة أمام جلال القرآن وبهائه وقدرته وهيمنته وسلطانه1".

ثالثًا: كتب الأستاذ محمد فهمي عبد اللطيف مقالًا تناول فيه الحديث عن كتاب "محاكمة عرابي" للصحفي إسماعيل يونس، وحلقات "فواكه الشعراء التي قدمتها للتليفزيون الأستاذة أمينة الصاوي فقال عن الكتاب:"لذيذة هي قراءة التاريخ الحق، وألذ ما يكون هذا التاريخ إذا كان إنصافًا لبطل مظلوم، أو إثباتًا لحق مهضوم، أو تصحيحًا لحكم طاش به الهوى، وصدر عن غرض لئيم، لهذا سعدت كثيرًا بقراءة كتاب "محاكمة عرابي" الذي كتبه زميلنا الأستاذ إسماعيل يونس إنصافًا للزعيم الوطني الثائر أحمد عرابي، وعاش من أجله خمسة عشر عامًا يفتش في دهاليز الوثائق، ويحقق الوقائع، ويمحص الروايات، وكان لا بد أن يكتب شيئًا، فكتب هذا الكتاب إنصافًا لذلك الذي خلق الثورة في وجدان هذا الشعب".

"لقد قام الزعيم أحمد عرابي بثورته الوطنية على أساسين: أولهما

1 راجع: الأخبار الصادر في يوم الجمعة 3/ 7/ 1981.

ص: 320

مصر للمصريين، وثانيهما أننا أحرار ولسنا عبيدًا نورث بعد اليوم، وإذا كان الحكم على الأشياء بأسبابها ونتائجها فلا شك أن عرابي قد نجح نجاحًا باهرًا في دعم هذين الأساسين وتأصلهما في كيان الشعب المصري. ومن هنا كانت الثورة العرابية هي الأصل في كل ثوارتنا الوطنية، وهي الطريق الذي سار عليه الشعب في معارك الكفاح والنضال الوطني. ولكن الخيانة غدرت بالزعيم البطل وهو في حومة المعركة، ومكنت الاستعمار من أن يحيط به بعد أن عجز عن أن ينال منه في موقف البطولة والشجاعة، وفوجئ بالهزيمة التي دخلت عليه من باب الغدر والخيانة فاستسلم، وصنع له الاستعمار والوخونة الذين جاءوا بالاستعمار محكمة ومحاكمة، واتهموه بالخيانة، وحكموا عليه بالإعدام، ثم قذفوا به في مهاوي النفي تسعة عشر عامًا، وعاشوا يلوثون شخصه وتاريخه بالافتراءات والأكاذيب".

"ولقد كانوا يلقون في أذهاننا الغضة ونحن على مقاعد الدرس روايات مزورة يتهمون فيها البطل عرابي بالخيانة لوطنه، ويزعمون أن الخونة من الخديويين ومن بعدهم من الأمناء على هذا الوطن، وأن الاستعمار هو الذي نهض بمصر، وحرر المصريين، ومما يدعو إلى الأسى والألم أن المؤرخين المصريين الذين كتبوا تاريخنا المعاصر كانوا يتملقون الأسرة الحاكمة أو يرهبون بأسها كانوا يسكتون على هذا الافتراء على عرابي، وفي يوم استقدم الملك فؤاد مؤرخًا أجنبيا ليكتب كتابًا سماه "إسماعيل المفترى عليه" ودفعتنا الغيرة الوطنية، وكنا مجموعة من الشباب في مجلة الرسالة التي كان يصدرها الأستاذ الزيات إلى أن نرد الافتراء على عرابي، وبدأ المرحوم الأستاذ "محمود الخفيف" ينشر فصوله المتتابعة في الرسالة تحت عنوان: "عرابي المفترى عليه" وقامت قيامة السراي أو القصر الملكي على هذا الكتاب الذي بدأ يكشف عن مواقع الخيانة، وطلبوا وقف نشر هذه الفصول وهي التي جمعها وأضاف إليها كل ما كتبه في كتابه "عرابي المفترى عليه"".

"لقد عرض الزميل الأستاذ إسماعيل يونس قضية عرابي مع الخونة والاستعماريين في معرض التاريخ الحق، فرد إلى الرجل اعتباره في البطولة والشرف والنزاهة والوطنية، وكشف الحقيقة في تلك المحاكمة المزيفة التي

ص: 321

صنعها الاستعمار والخونة على هواهم، وحاولوا أن يستروا بها أغراضهم المريبة، والحق أن المؤلف الفاضل قد وفق توفيقًا كبيرًا في أن يقدم صورة صادقة نقية عن الزعيم العظيم، لا تشرف عرابي فحسب بل إنها تشرف وطنه وأبناء شعبه على امتداد التاريخ".

وعن حلقات "فواكه الشعراء" قال: "تراثنا من الأدب العربي حافل بألوان ممتعة من الفكاهات والمسامرات والقصص والنوادر الأدبية والشعرية التي تعتبر مادة خصبة لأدب روائي رائع، وعروض تمثيلية تملأ النفلس بالبهجة والبشاشة، وتقدم إلى العقل زاد من العلم والفهم لأسرار النفس الإنسانية، وقد اهتم القدماء بهذه الألوان التي شاعت وملأت المجالس والمحافل في العصر العباسي الزاهر، فجمعوا منها مادة وفيرة في مؤلفات كثيرة مثل "فاكهة الظرفاء" و"محاضرات الأصبهاني" و"نوادر الحصري" إلى آخر ما هناك. أحوج ما يحتاج إليه هذا التراث هو العرض في أسلوب يلائم روح العصر، وتصوير تمثيلي يكشف أسراره وما فيه من نزعات إنسانية، وقد كانت هذه القضية موضع مناقشة من قبل، وبدأ الأستاذ توفيق الحكيم التجربة في ذلك، فكتب صورًا تمثيلية من أدب الجاحظ، وجمع نسقًا من النوادر فسر به حياة "أشعب" الطماع في كتاب سماه "حياة معدة" وبقي الأمل مرتبطًا بهذا العمل حتى طال به الأمد، ولهذا شدني التليفزيون العربي ببرنامج جديد يعرضه بعنوان "فواكه الشعراء" إذا رأيت فيه بعثًا لذلك الأمل الذي انتظرنا تحقيقه".

"وفواكه الشعراء" حلقات تتناول قصص ونوادر أبي الأسود الدؤلي واضع علم النحو، والشاعر زند بن الجون الذي اشتهر في الأدب العربي باسم أبو دلامة، ومطيع بن إياس الشاعر الفكه الذي نادم الأمراء وعاش مع الخلفاء ونال صلاتهم الجزيلة إلى آخر من هناك من الشعراء وأصحاب الفكاهة والظرف الذين ملئوا المجالس والمحافل بنوادرهم وسمرهم في العصرين الأموي والعباسي، أما التي تولت هذه العروض في كتابة القصة والسيناريو والحوار فهي أستاذة تمرست بهذا الفن، ولها فيه خبرة وثقافة وهي الأستاذة "أمينة الصاوي" والحق أنها كانت بارعة في حبكة القصة، وتسلسل الحوار، أمينة في تصوير الموقف وتوضيح مدلوله، كما كانت موفقة إذ حرصت على تجرد هذه القصص والمسامرات من حديث الخمر، ومن العبارات المبتذلة، والكلمات التي يمكن أن تقال على بساط الشراب، وليس من الجائز أن تعرض على الأنظار، وأن تخدش الأنظار، إنه في الحقيقة عمل أدبي رائع، وعرض جديد لبعث هذا الجانب من تراثنا الأدبي إلى الحياة من جديد، وهو أقرب ما يكون إلى الروح العربية والذوق العربي من تلك الألوان التي نستوردها من الخارج. وأنا أرجو الأديبة أمينة أن تثابر على تقديم هذه العروض فقد كان والدها يدرس لنا الأدب العربي، وأنا أعرف أنها أخذت عن والدها الكثير، وإنها تشبعت بهذا اللون الطريف من فواكه الشعراء ومسامرات الأدباء، وأن يحرص التليفزيون العربي على أن يقدم إلى المشاهدين هذا الزاد الشهي من الفكاهة والثقافة والفن1".

1 راجع الأخبار الصادرة يوم الأربعاء أول يوليو 1981.

ص: 322