الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سابعا: إخوان الصفا
جماعة سرية دينية، وسياسية فلسفية، وشيعية أو إسماعيلية باطنية، تألفت وتضافرت في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري منهم: محمد بن مشير البستي، وعلي بن هارون الزنجاوي، ومحمد بن أحمد النهرحوري، والعوضي، وزيد بن رفاعة.
اعتقد أفراد الجماعة أن الشريعة الإسلامية دنست بالجهالات، واختلطت بالضلالات، ولن تطهر ويحصل الكمال لها إلا بالفلسفة؛ لاشتمالها على الحكمة الاعتقادية، والمصلحة الاجتهادية. اجتمع أفراد هذه الجماعة على القدس والطهارة، ووضعوا مذهبا استخلصوه من كل علم، زاعمين أنه يؤدى إلى الفوز برضى الله؛ ولذا سموا "إخوان الصفا وخلان الوفا".
رسائلهم:
لإخوان الصفا اثنتان وخمسون رسالة، حوت الكثير من العلم النفيس، وضمت العديد من الخلط الرخيص، وجمعت معارف عصرهم العلمي والفلسفي والديني، حتى أشبهت دائرة المعارف. ضمت الرسائل أربعة أقسام: قسم في الرياضيات، وآخر في الجسمانيات "الطبيعيات"، وثالث في النفسيات "العقليات"، ورابع في الناموسيات "الإلهيات"، بالإضافة إلى الرسالة الجامعة التي توضح كل ما جاء بهذه الرسائل. ظهرت الرسائل في أخريات القرن الرابع الهجري، ولم تنسب لمؤلف ويغلب انتماؤها إلى هذه الجماعة، وهي على أي حال تتميز بالنزعة الكلامية الفلسفية أكثر من تميزها بالصفة الأدبية البيانية.
تحكي الرسائل الخصومة الأبدية بين الإنسان والحيوان أمام محكمة
الجن، يروي مؤلفوها أن الحيوانات كانت حرة تركض في الغابات، والإنسان يسكن أعالي الجبال، ثم ما لبث أن تحضر وتجمع في المدن، وانقض على الأنغام والبهائم يستعبدها ويسخرها، ثم تروي الرسائل أن الناس أخضعوا بالإسلام حين ظهر، وخضع فريق من الجن له، وكان "بيراست الحكيم" ملك الجن يحكم جزيرة "صاغون" التي تقع في وسط البحر الأخضر، قريبة من خط الاستواء، وحدث أن استطاب نفر من الآدميين الإقامة بالجزيرة، وأخذوا يتعرضون لحيواناتها التي هربت منهم، وذهبت إلى "بيراست الحكيم" يشكون ظلم الإنسان لهم، فبعث إليهم كي يمثلوا بين يديه.
ويحلق خيال مؤلفو الرسائل فيجعلون زعماء الحيوانات يختارون "ابن آوى" يتحدث عنهم، ثم يعتذر عن مهمته لكثرة أعدائه من الكلاب، فيتقدم الذئب معللا عداوة الكلاب للحيوانات وصداقتهم لبني الإنسان فيقول:"إنما دعا الكلاب إلى مجاورة بني آدم ومداخلتهم مشاكلة الطباع ومجانسة الأخلاق، وما حدث عندهم من المرغبات واللذات، ومن المأكلات والمشروبات، وما في طباعها من الحرص واللؤم والبخل، وما في جبلتها من الأخلاق المذمومة في بني آدم مما السباع عنه بمعزل، وذلك أن الكلاب تأكل اللحمين: نيئا وجيفا مذبوحا وحامضا.. وما شاكلها من أصناف مأكولات بني آدم التي أكثر السباع لا يأكلها ولا يعرفها".
ويدافع زعيم الإنس عن حقهم في تسخير الحيوانات بآيات من القرآن الكريم مثل: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} .
ويرد البغل على هذه الحجج فيقول: "ليس في شيء مما قرأ هذا الإنسي من آيات القرآن -أيها الملك- دلالة على ما زعم أنهم أرباب ونحن عبيد لهم، إنما هي آيات تذكار بإنعام الله عليهم وإحسانه، سخرها كما سخر الشمس والقمر والرياح والسحاب، أفترى أيها الملك أننا عبيد وأنهم أرباب؟! ".
ويستنطق مؤلفو الرسائل كل فرد من بني الإنس بأسلوب بني جنسه ثقافة وتفكيرا، ويصف سحنتهم وأزياءهم وعاداتهم، فالهندي طويل اللحية، والعبراني يرتدي برداء أصفر، والسرياني والمسيحي يلبس ثيابا من الصوف، والقرشي يلبس ثوبين وإزار وكأنه رجل محرم.
والرسائل -كما ترى- مرآة لأفكار إخوان الصفا، تعكس عقائدهم الاجتماعية والسياسية والثقافية، وتتميز بسهولة الأسلوب، ووضح الفكرة، واختيار الألفاظ، مما جعلها قريبة من المقال الأدبي الفلسفي في أشياء عديدة.
وتدور موضوعات الرسائل -كما هو واضح- حول نقد العقائد الهندية واليهودية والنصرانية والإسلامية، من خلال عقيدة إخوان الصفا الشيعية العلوية، وتهدف إلى محاربة الحاكم الظالم ومن يعملون معه، وتنتهي بدفع الملوك لظلم الملكين: ملك الجن وملك النحل، وهذا ما يهدف المقال إليه اليوم في مفهومه ومضمونه.