الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: المقال والأسلوب الديني
مدخل
…
الفصل الثالث: المقال والأسلوب الديني
دور الصحافة الدينية:
لم يكن للصحافة الدينية أثر قبل الثورة العرابية، لكن وجود الشيخ محمد عبده على رأس تحرير "الوقائع المصرية" إبان الثورة يسر نشر خطب الخطباء في المساجد والمحافل التي تحث المصريين على الصبر والبذل في سبيل الدفاع عن الدين والأعراض، كما لم تطبع الصحف التي أنشئت في عهد إسماعيل بطابع إسلامي؛ نظرًا لما ران على القلوب والأبصار من غشاوة الجهل.
وبدت الصحافة الدينية تنمو بوضوح الفكرة الإسلامية، وبث الوعي الإسلامي، وبرزت "العروة الوثقى" كوكبًا يبدد دياجير الظلام في سماء الصحافة الإسلامية، واهتمت بنشر الوعي بين المسلمين. وتعد الأعداد الثمانية عشر التي صدرت منها دستورًا لكل من يحاول إصلاح شأن الأمم الإسلامية، وجاء عددها الأول في 13 مارس 1884، والثامن عشر في 16 أكتوبر 1884، وتولت جماعة الشعوب الإسلامية إصدارها من مايو 1981.
وبرز الاتجاه الديني في الصحافة المصرية بريادة الشيخ علي يوسف، فأنشأ جريدة "المؤيد" في أول ديسمبر 1889 وأستمرت حتى 1913. وعلى الرغم من أنها سياسية يومية تجارية، فقد اهتمت بنشر مقالات الشيخ محمد عبده في الرد على "هانوتو" وهاجمت مزاعم "كرومر" في
تقريره عن الإسلام، كما عنيت بدحض المفتريات على الدين، ودعت إلى التمسك بالخلافة العثمانية، وروجت لفكرة الجامعة الإسلامية.
ثم كانت كبرى الصحف الدينية "المنار" التي أنشأها السيد محمد رشيد رضا 1898، وأخذت تبرز مزايا الدين، وتحض على بعث ماضي المسلمين المجيد، وتنشر آراء الحكيمين: جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وردت على كل متطاول على الإسلام وأعلامه، واستمرت حتى 1936.
وفي 1901 أنشأ مصطفى كامل صحيفة "اللواء" سياسة في مجموعها، وهدفها الدعوة إلى الجامعة الإسلامية، والدفاع عن الإسلام. وتلمس أثر صحيفتي "المؤيد واللواء" فيما كتبه "أدمس" عن مدرسة الإمام محمد عبده:"وكان بمصر صحيفتان كبيرتان إسلاميتان تقودان لواء المعارضة1، أحدهما جريدة اللواء التي كان يصدرها مصطفى كامل، والثانية جريدة المؤيد وكان صاحبها الشيخ علي يوسف الذي كان يمثل الرأي الإسلامي المحافظ، ومن العجب أن مصطفى كامل مع إعجابه بالمدنية الأوربية إعجابا تكرر ذكره في كتبه ورسائله، لم يكن في دعوته الاجتماعية محافظًا، بل كان واحدًا من أولئك الرجعيين"2.
وخلال الفترة من 1882-1920 ظهرت اثنتا عشرة صحيفة، منها الأربع السابقة، أما الأخرى فهي: نور الإسلام التي أصدرها السيد أمين يوسف الدمياطي بالزقازيق، والعالم الإسلامي 1905 لمصطفى كامل، والحرمين 1906 لحسين برادة، ونشيد الإسلام 1906 للسيد محمد طلعت، ولم يصدر سوى عدد واحد منها، والجمعية الشرعية 1913 للشيخ محمود خطاب السبكي، والسعادة الأبدية 1914 لعلي عبد الرحمن الحسيني،
1 يعني بالمعارضة: الوقوف في وجه المدنية الأوربية.
2 راجع: الإسلام والتجديد في الإسلام ص216 لتشارلي أدمس، ترجمة العقاد طبعة 1935.
والعالم الإسلامي 1916 للشيخ عبد العزيز جاويش، والحكمة 1918 للسيد عبد العزيز جاب الله.
وبعد ثورة 1919 كثرت الصحافة الدينية، واهتمت بتفسير كتاب الله وسنة نبيه، وإبراز دور عظماء التاريخ الإسلامي، كما فتحت باب "الأسئلة والفتاوى" لتبصير الناس في أمور دينهم، ودحض مفتريات الطاغين في الإسلام، والوقوف أمام حركات التبشير. وترتب على ذلك كشف مزايا الدين، وأمجاد الإسلام، وتنوير المسلمين.
ولقد صدرت بعد 1920 حتى اليوم أكثر من خمس وأربعين صحيفة دينية من مثل: الحديقة 1922 للسيد محب الدين الخطيب، والتقوى 1924 لجماعة الوعظ الإسلامي، وبشائر الإسلام 1926 لزكي الدين عطية المحمدي، والهداية الإسلامية 1928 للشيخ محمد الخضر حسين، والشباب المسلمون 1929 لجمعية الشبان المسلمين، ولا تزال حتى اليوم، ونور الإسلام 1930 عن مشيخة الأزهر الشريف، والإسلام 1932 لأمين عبد الرحمن، والأزهر 1934 للسيد حسين الصيرفي، ولا تزال حتى اليوم تصدر عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ونور الإسلام 1936 لمحمد علي حمودة، والاعتصام 1939 لأحمد عيسى عاشور ولا تزال حتى اليوم، وجريدة الإخوان اليومية 1946 لجماعة الإخوان المسلمين، والشرق العربي 1946 لمحمد أمين عبد الرحمن، ولواء الإسلام 1947 لأحمد حمزة ولا تزال حتى اليوم، ومنبر الإسلام 1948 عن قسم المساجد التابع لوزارة الأوقاف المصرية، ولا تزال حتى اليوم، والإسلام والتصوف 1958 لمحمد علوان، ومجلة التصوف الإسلامي 1979، والمختار الإسلامي 1979، واتخذت شعارًا لها يدل على الذكاء والمعية "مجلة كل المسلمين".
ويلاحظ أن إحدى وعشرين صحيفة ظهرت خلال السنوات العشرة 1925-1935 وهي أشد الفترات لحملات المبشرين، وموجات الملحدين، وأقوى فترة للحماسة في سبيل إحياء الإسلام.
ولم يقتصر حديث الصحافة الدينية عن أمجاد الإسلام، بل عرضت الصور المشرقة من التاريخ الإسلامي، وكشفت النقاب عن الشخصيات الإسلامية، واهتمت بالمواسم والأعياد الدينية، تصدر فيها أعدادًا خاصة، تتضمن مقالات وقصائد وبحوثًا قيمة، تضيف إلى تراثنا قيمًا جديدة، فأثرت الأدب الديني ثراء بعثه بعثًا جديدًا.
وعلى الجملة، فقد ظهرت الصحافة الإسلامية بعيدة عن الشكل الفني المتطور للصحافة المعاصرة؛ لأنها ولدت في ظل صحافة المقال بتقاليدها المحافظة، لكنها على حال ظهرت قوية في مضمونها، وإن صيغت بأسلوب الصحافة المعاصرة المتطلب للسرعة والسهولة، ولم تركن إلى المقالات التي درجت عليها الصحافة الحديثة، وأهم من ذلك كله تعدي جمود التقليد في الشكل والمضمون.