الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: المقال النقدي
الذي يعمد الكاتب فيه إلى نقد فكرة معينة أو موضوع معروف، أو يتناول اتجاهًا خاصا في السياسة والاجتماع والأدب.
نشرت صحيفة "البلاغ" 1923-1930 طائفة من المقالات نقدت فيها معاهدة 1936، منها مقال بعنوان "يطلبون الاحتلال ويدعون أنهم يعقدون معاهدة الاستقلال" جاء فيه:"أصبح من الواضح الآن أن الإنجليز يطلبون بقاء الاحتلال في نقط اختاروها، منها القاهرة والأسكندرية والقناة والعامرية ومرسى مطروح، كما يطلبون إنشاء سكة حديدة تخترق شمال الدلتا من القناة إلى الأسكندرية مباشرة بدون لف أو تعريج على بنها، وحجة الإنجليز أن الحالة التي أوجدتها الأزمة الإيطالية في البحر الأبيض المتوسط تستوجب ذلك، وأن تقدم فن الطيران الحربي وما أفضى إليه من الانقلاب في أساليب الحرب يحتمان هذا الاحتلال، ولو أن الطيران يرتقي ولم نجد هذه الحالة في البحر الأبيض المتوسط لما عدم الإنجليز حجة يبسطونها ويتعللون بها ويسوغون ما يرون من بقاء الاحتلال في مصر، ذلك أن طلبهم هذا قديم فليس داعية أن إيطاليا أحدثت حدثًا في البحر الأبيض، ولا أن الطيارات أصبحت سلاحًا قويا يجب أن يحسب حسابه في هذا الزمان".
فقد طلبوا بقاء الاحتلال على قريب من هذا النحو في المعارضات
الرسمية السابقة جميعًا، طلبوه من عدلي باشا 1921 وسعد زغلول 1924، وثروت باشا 1927، وطلبوه من دولة النحاس باشا 1930، ورفضته مصر على كل حال وعلى هذا فإن الباعث على هذا الذي يطلبه الإنجليز وهو أنهم يريدون البقاء في مصر لا يبرحونها -لأنهم على ما صرح به المغفور له اللورد ملز- كانوا يدبرون أمر الاستيلاء على مصر منذ مائة عام، فلا معنى إذن لما تبدي فيه الصحف البريطانية وتعيد من أن الجانب المصري لا يظهر استعداده للاعتراف بأن الحالة تغيرت في البحر الأبيض تغيرًا تاما منذ 1930 فإن الجانب المصري معذور إذا رفض الاعتراف بذلك".
"وهل كانت الحالة في هذا البحر قد نغيرت في 1921 أو إلى 1924 أو 1927، 1930؟ بقاء الاحتلال إذن هو المقصود بالذات، لا دواعي الحالة التي جدت في البحر الأبيض المتوسط، وجوهر القضية هو أن الإنجليز يطلبون الاعتراف بالاحتلال تحت اسم من الأسماء الكثيرة التي لا يعجزون عن إطلاقها وابتكارها، فإنهم قوم عمليون وينظرون إلى حقائق الأمور لا إلى أسمائها، والمصريون يرفضونه في جميع المفاوضات التي آخرها مفاوضة 1930 وهي المفاوضة التي حبطت بسبب السودان لا بسبب المسألة العسكرية التي يحق لنا أن نعدها أمرًا مفروغًا منه منذ تلك السنة، فنحن نذكر أن المستر هندرسون وزير الخارجية الإنجليزية في حكومة العمال، والذي كان على رأس المفاوضين البريطانيين في 1930 أعلن في مجلس العموم بعد فشل المفاوضات أن المشروع ما يزال قائمًا، وأن في وسع الوفد المصري أن يوقعه في أي وقت يشاء، وكان كلامه باسم الحكومة البريطانية بلاغًا لا حاجة بنا إلى التنبيه إليه، ومعنى هذا أن ما فعلته بريطانا في هذا المشروع يعتبر من جانبها مقبولًا منها ومتفقًا عليه، ولو أن المفاوضات انقطعت فليس يجوز للحكومة البريطانية بعد هذا التصريح الرسمي أن ترجع بنا إلى ما قبل 1930 وإلا كانت الاتفاقات نفسها قصاصات ورق لا قيمة لها".
ولو كان الاتفاق تم في 1930 أفكان يسعى الإنجليز الآن في مطالبة مصر بدعوى تغير الحالة في البحر الأبيض بالانتقاص منه وبالرجوع بالبلاد إلى ما قبله؟ إن هذا غير معقول، وعلى أنهم ما كانوا يحتاجون إلى ذلك، لأن مشروع 1930 يسمح لهم أن ينتظروا من مصر في حالة الحرب أو خطر الحرب أن يستخدموا موانيها ومطاراتها ومواصلاتها، وأن يعدوا عدتهم لنجدة مصر، والتهيؤ للدفاع عنها وعن الإمبراطورية البريطانية، والذي يطلبونه الآن شطط وعنت لا ترى مصر أن تجيبهم إليه، وأن طبيعة المحالفة تغني عنه؛ ولأن الاستقلال ينافي الاحتلال، ويجعل حق الدفاع وواجبه منوطين بأهل البلاد1".
هو لون من الكتابة يهتم برصد الأحداث والوقوف على مجريات الأمور، وما يزخر المجتمع به من أشياء، يحاول الكاتب خلالها أن يقوم المعوج، أو على الأقل ينقد الفاسد منها، مشيرًا إلى مواطن الضعف، ومواضع القبح حتى يقلع الناس عنها، فتستقيم الأمور وتصلح الأحوال.
1 راجع: البلاغ العدد رقم 4146 الصادر في 5/ 4/ 1936.