الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفهوم المقال:
المقال -مصدر قال يقول قولا وقيلا ومقالة ومقالا- ورد ذكره في الآثار الأدبية التي خلفها أسلافنا على امتداد العصور، وحفظها التاريخ. قال النابغة الذبياني:
وأخبرت خير الناس أنك لمتني
…
وتلك التي تستك منها المسامع
مقالة أن قلت سوف أناله
…
وذلك من تلقاء مثلك رائع1
وقال كعب بن زهير:
مقالة السوء إلى أهلها
…
أسرع من منحدر سائل
ومن دعا الناس إلى ذمه
…
ذموه بالحق وبالباطل2
وقال حسان بن ثابت:
ما أن مدحت محمدا بمقالتي
…
لكن مدحت مقالتي بمحمد
وجاء في خطبة الوداع: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرب حامل إلى من هو أفقه منه".
وقال محمد بن حازم الباهلي أحد شعراء بني العباس:
لحا الله قوما
…
أعجبتهم مدائحي
فقالوا مقالا في
…
ملام وفي عتب3
وقال منذر بن سعيد قاضي الجماعة بقرطبة:
مقالة كحد السيف وسط المحافل
…
فرقت ما بين حق وباطل
1 راجع: ديوانه ص47، 48، تحقيق: شكري فاضل، طبعة بيروت 1968.
2 راجع: الطبع والصنعة ص150 محمد الهيهياوي.
3 راجع: كتاب الهلال ص41، العدد 298 في أكتوبر 1975.
ونصح عبد الله فكره أمينا -وهو صغير- فقال له:
وعود مقال الصدق نفسك وارضه
…
تصدق ولا تركن إلى قول مفتري1
وقال محمود سامي البارودي مفتخرا:
أنا في الشعر عريق
…
لم أرثه عن كلاله
كان إبراهيم خالي
…
فيه مشهور المقاله2
وقرظ طه حسين مقالا للطفي السيد فقال:
بمثل مقال الأمس يعجب كاتب
…
أديب ويرضى عاقل وحكيم
حقائق غر يصرع الشك نورها
…
كما يصرع الليل البهيم نجوم3
وكان أحمد زكي يردد دائما بيته:
ولي كل يوم موقف ومقالة
…
أنادي ليوث العرب ويحكمو هبوا4
فقدت وردت كلمة "المقال" في آثار أسلافنا منذ الجاهلية حتى العصر الحاضر، ودارت على ألسنتهم، وترددت في أحاديثهم ومحاوراتهم، وشاعت في مجتمعاتهم العامة والخاصة على السواء. ونعني -كما نرى- الحديث المباشر الذي يناجي القلب، ويخاطب الوجدان؛ رغبة في توضيح موقف أو نهي عما لا يستحسن، وتنبيها على فضل سابق، وأملا في إرشاد ونصح، أو فخر بالآباء والأجداد، أو الإعجاب بموقف مشهود ومقام معلوم.
1 راجع: في الأدب الحديث جـ1 ص143 عمر الدسوقي.
2 راجع: شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي ص128، عباس محمود العقاد، طبعة 1965.
3 راجع: مجلة الهلال ص81، عدد فبراير 1966 الخاصة بطه حسين.
4 راجع: العدد 29 ص239 من سلسلة أعلام العرب الخاص بأحمد زكي، بقلم أنور الجندي.
والمقال -اليوم- يتناول موضوعات مختلفة، ومشاكل عديدة، ويعالج مفاسد اجتماعية وأمراضًا خلقية، ويحارب سياسة جائرة، وحاكما ظالما، ويؤيد زعيما صالحا ونظاما عادلا، ويكشف عن جوانب الجمال، ومواطن الحسن في كتاب من الكتب، أو أسلوب من الأساليب، ويدعو إلى الأخذ بأسباب التقدم، ونبذ التواكل والتهاون والتخلف، كل ذلك بأسلوب رائق، وفكر واضح، ومعانٍ وافية.
وليس للمقال مجال محدد، وإنما يتسع موضوعه لكل ما في الوجود من حقائق وأفكار وآراء، وآمال وآلام، وخير وشر، وحلو ومر، ومعروف ومنكر. ومن ثم تنوع المقال إلى: أدبي وعلمي وسياسي واجتماعي ونقدي، وغير ذلك من الأنواع التي سنقف عليها بعد.
ولقد اعتمدت الصحافة -منذ الأربعينات- في تحريرها على المقالات المختلفة، ثم تحولت إلى صحافة خبر، وأصبح دور المقال ثانويا. وفي الوقت الحاضر احتل المقال مكانته في الصحف والمجلات، واهتمت مجلاتنا الأدبية به اهتماما خاصا.
ويهدف المقال أول ما يهدف إلى معالجة المشاكل ووضع الحلول لها حتى يرتقي المجتمع دون انحراف أو التواء، ويحرص كاتبه على بث الفضائل، والتنفير من الرذائل، ونشر المثل العليا التي هي: الخير والحق والجمال.
وسوف نتعرف في الفصول القادمة على ملامح المقال في النثر العربي منذ القرن الثاني الهجري، ونتتبع مولده ونشأته، ومراحل نموه في ظل الصحافة، ونقف على شتى أنواعه، ودوره في معالجة قضايا المجتمع، ونتعرف على أشهر رجاله الذين أثروا الفكر، بما قدموا من خواطر، وسجلوا من أفكار، ودبجوا من مقالات، فأنعشوا الأدب، حتى أصبح المقال -على أيديهم- فنا أدبيا له قواعده الثابتة، وقسماته الفارقة، وسماته الواضحة، وألوانه المختلفة، وأساليبه المتباينة، فإلى صفحات تلك الفصول.