الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: المقال النزالي
هو الذي ينازل الكاتب فيه خصيمه في الرأي، ويناوئه في عقيدة أو اتجاه، ويصارعه من خلال مقاله بطريقة تدل على قدرته الصحفية، ومهارته السياسية ودهائه العقلي.
كثيرًا ما ينازل صحفي خصيمه دون مبادلته رأيًا برأي، وإنما يوجه ضرباته حى يعني صاحبه، وهذا ما يطلق الصحفيون اليوم عليه "الحملة الصحفية" وتعد مقالات الشيخ علي يوسف التي كتبها بصحيفة "المؤيد" تحت عنوان "قصر الدوبارة بعد يوم الأربعاء" من هذا النوع، فقد حمل على اللورد "كرومر" ووجه إليه ضربات متوالية حتى شفى نفسه، وانتقم للوطن من سياسته الخرقاء التي فرضها على جموع الأمة، فنال منه كل منال، ومن أدب المقال النزالي المعركة التي دارت بين طه حسين والعقاد حول الأدب اللاتيني والأدب السكسوني.
وتعد مقالات محمد حسين هيكل التي واجه الوفد بها تحت عنوان "حديث اليوم" من المقالات النزالية التي ترسم حدة الصراع الذي شهدته
مصر نتيجة لتعدد الأحزاب، كتب بعنوان "الملك، الدستور، الوفد، سعد زغلول" فقال: "نحن نرى ونجهر بما نرى أن هذا الدستور في جملته خير يحقق سلطة الأمة، وأن تنفيذه وحده هو الذي سيمكن من ظهور ما فيه من عيوب يمكن تعديلها، هذا رأينا في الدستور فنحن لا ننكره، ولا نطالب بتعديله الآن، ولكن سعدًا ينكر الدستور ويطالب بتعديل الدستور، ونسيم يصفق لهذا الإنكار وهذا التعديل، ولكن الناس لا يقرءون الضمائر، وإنما يأخذون رجال السياسة بما يكتبون وما يخبطون1".
ويوضح موقفه من الصراع الحزبي واتهام الوفديين له بالخيانة وبالمروق من الوطنية2 فيقول: "نكيل لهم الصاع صاعين، من غير أن ندفع تهمة بتهمة أو باطلًا بباطل، كنا نصيح بهم: أن من اتهم مصريا بالخيانة فهو الخائن؛ لأنه يزعزع عقيدة الأمة في أكرم بنيها، فيفشي فيها أسباب العنف والهزيمة3".
ومن هذا اللون مقال المرحوم عباس محمود العقاد المسرف في الطول الذي عنوانه: "مطالب الشطط ومقالب الخطط، أو جوانب العبط في مخالب القطط" رد فيه على طائفة من مقالات محمد نجيب الهلالي التي نشرها بجريدة "المصري" تحت عنوان "مخالب القط" نكتفي بهذا القدر منه.
قالت الببغاء الخضراء وهي تكثر من الهراء، وتلتفت إلى الوراء "يعني بالببغاء نجيب الهلالي" عندئذ ألقى عليهم الوزير الأكبر درسًا بل دروسًا في الرسم والهندسة والهيئة والفلك، فعلمهم أن الخط المنحني خير من الخط المستقيم، وأن الزاوية المنفرجة الكبرى أضيق من الزاوية الحادة أو الصغرى، وأن القطع خير من الوصل وأن أجمل الدوائر هي الدائرة المخروطة: إما عرض من غير طول وإما طول من غير عرض، ولا بأس من
1 راجع: السياسة الصادرة في 2/ 10/ 1923.
2 راجع: مذكرات هيكل جـ1 ص175.
3 راجع: المصدر السابق.
من أن تبتدئ الدائرة من مسطح مستدير، ثم تستدق حتى تبقى إلى نقطة إلى آخر ما قالت الببغاء يحرف نظامها ونص نظامها، فالتفت إليها الراوي يقول وهو يسأل الله حسن القبول لك الله يا ببغاء من حكيمة وعناء، إنك لا تنسين ما تصبحين فيه وتمسين من دوائر وخطوط وزاوية ومخروط، فهل خرجت من هذه الطفولة إلى حد الرجولة قبل أن تنكشف الفولة؟ قالت الببغاء: أن قول الحق لم يدع لي صديقًا، فهل تركتم من المقال طريقًا؟. قال الراوي: بل لعل الباطل -لا قول الحق- هو الذي جنبك الأصدقاء، وأكسبك عداوة الأعداء، وإليك حقيقة الأنباء: قالت الببغاء: وما حقيقة الأنباء؟ ".
"قال الراوي: حقيقة الأنباء يا صاحبتي الببغاء هي أنك حمقاء وإن حسبوك من الأذكياء. فقد كنت في وظيفة غير صغيرة، فأعرضت عنها لتصبحي وزيرة، وتلك حماقة منك أيتها الببغاء فيها من خلل الحساب وما فيها من قبح الرياء. قالت الببغاء: أيها الراوي الذي هو للتاريخ حاوي، إن كان ما زعمت خللا في حساب وقبيحًا في رياء، فلماذا رضي عنهم زعيم الزعماء، ودخلت من أجله في زمرة الأولياء؟ قال الراوي: لأن زعيم الزعماء صغير السن صغير الزكاء، صغير الهمة، صغير الرجاء، نسي جنايتك على الدستور؛ لأنك أسأت إلى "وفدي مشهور" كل ذنبه أنه صديق النقراشي وماهر، وتلك عند الزعيم كبيرة الكبائر، وآفة البواطن والظواهر، وهكذا يكون الجزاء عند زعيم الزعماء إذا كان صغير النفس صغير الزكاء".
"قالت الببغاء: ثم ماذا من مثل هذا، يا من لا يزال للعقل ملاذًا، وللباطل نباذًا؟ قال الراوي: الذي هو للعقل ملاذ، وللباطل نباذ: ثم فاتك الدخول في المنصب المأمول، فملأت الأرض والسماء بالقدح والبذاء -أيتها الببغاء الرعناء- وجعلت تخرجين من قهوة إلى قهوة، ومن ندوة إلى ندوة، ولا حديث لك إلا الطعن المقصود في الزعيم المعبود والمجاهد المحسود، حتى انفصل النقراشي من تلك الزعامة، وقامت على رأسها القيامة، فعاد الزعيم كما كان في الابتداء صغير النفس صغير الزكاء، ولجأ إلى كيد الأطفال، ودق الكف وإخراج اللسان وحك الأنف وتلقيح المقال، وظني أن دخولك الوزارة يغيظ العدا، ويدل على الشطارة، وما درى أنها نكبة جناها عليك، ونقمة ساقها إليك، ولا تزالين فيهما ولم تزالي، ولو أنفقت في السجع الليالي والحديث الخيالي، والجنون القمري الهلالي1.
شاع هذا اللون من الكتابة بين كتاب الأحزاب السياسية، وأججته العداوة الشخصية بينهم وسلك الكتاب طرقًا متغايرة تقوم على التهكم حينًا، والسخرية حينًا آخر.
1 راجع: البلاغ، العدد رقم 4789 بتاريخ 7/ 2/ 1938.