الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: الوان من المقال في صحف اليوم
مدخل
…
الفصل الثالث: ألوان من المقال في صحف اليوم
تطالعنا الصحف اليومية بمقالات شتى، وخواطر متنوعة، وأفكار عديدة، وصور موحية في موضوعات مختلفة، وبأساليب متباينة لكتاب عديدين، يعرضون خلالها أفكارهم وانطباعاتهم، ويتناولون فيها أوضاع المجتمع وأحوال الناس بالتوجيه تارة، والنقد أخرى، أو يحاولون بث المثل الفاضلة والصفات الحسنة، ويعمدون في كتاباتهم إلى الوضوح، ولا سيما إذا كانوا يصورون عاطفة وطنية، أو وجدانًا دينيا.
ويعنى المقال الصحفي اليوم أول ما يعنى بأخبار العالم وأهم الحوادث اليومية: داخلية أو خارجية أو رسمية أو شعبية؛ لذا كان لا بد أن ينزل الكاتب لمستوى الجمهور في الفهم والإدراك، بحيث لا يتكلف في ألفاظه فتأتي أفكاره واضحة، ومعانيه سهلة أثناء قراءتها. ولم تعد الصحف اليوم تفتتح بمقال يومي -كما كان الحال منذ مطلع هذا القرن- لكاتب مشهور أو رئيس تحرير. وإنما حل مكانه "الريبورتاج" والتعليق على الأخبار وما أشبه ذلك. وأهم ما يميز صحف اليوم اشتمالها على العمود الصحفي الذي يقوم على الخاطرة التي هي بداية الأفكار والحقائق.
العمود الصحفي:
أبرز ما يميز الصحف المعاصرة العمود الصحفي الذي ظهر خلال الفترة 1922-1942 موزعًا على أبواب شتى بعناوين ثابتة تتضمن سياسة وأدبًا واجتماعًا وعلومًا واقتصادًا وزراعة وصناعة ورياضة، وتساق في شكل قصة قصيرة تدور حول مسائل تشغل أفراد المجتمع كله
أو طائفة منه. ويعنى كتاب الأعمدة -في المقام الأول- بالموضوعات الإنسانية التي تحتاج إلى غزارة العواطف، والقدرة على التأمل في سلوك الناس، وتحليل هذا السلوك تحليلًا يقوم على قواعد علم النفس الحديث، ومن ثم أشبه كاتب العمود بالأديب في الأول -التأمل- والفيلسوف في الثاني -التحليل- وهو في الحالين يحتاج إلى قوة البيان وجمال الأسلوب وحلاوة التعبير والقدرة على ربط الأحاسيس وإدماج التأملات، حتى يستخرج منها مادة إنسانية تمتع العقول، وتريح المشاعر. وتغذي الوجدان.
ومن هنا كانت الأعمدة ذات الموضوعات الإنسانية أقرب المواد الصحفية إلى الأدب الخالص؛ لأنها تضم القيم الفنية الثلاث: عمق التفكير وغزارة الشعور، وجمال التعبير، ولذا لزم أن يتمتع الكاتب بتجارب ذاتية ومعارف إنسانية، واطلاع واسع وثقافة عريضة، وقدرة على التأمل حتى يحقق إسعاد الآخرين.
ويحتل العمود الصحفي مكانًا مرموقًا في صحفنا اليوم، ويأتي متطرفًا في أقصى الصحيفة على اليسار، أو في أعلى الصفحة الأخيرة من اليمين، وقد يحتل مكانًا واسعًا من الصحيفة. المهم في العمود الصحفي أن يكون مكانه وعنوانه وكاتبه ثابتًا، ولما كان العمود الصحفي لا يعدو أن يكون خاطرة عابرة أو فكرة طارئة أو رأيًا محددًا في مشكلة من مشكلات القراء في سطور قليلة لا استطراد فيها.
لذا لزم أن نقف على العنصرين الأساسيين للعمود الصحفي وهما: الخاطرة والفكرة، ونضيف إليهما فن الصور والكاريكاتير. تلك هي الألوان التي تحمل مشاعر الكاتب وعواطفه إزاء صور الحياة ومشاكلها، ونطالعها في الصحف كل يوم.