الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَمَنْ وَعَدَ بِزِنًا أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ بِمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ لَيْسَ كُل مَنْ وَعَدَ فَأَخْلَفَ أَوْ عَاهَدَ فَغَدَرَ مَذْمُومًا وَلَا مَلُومًا وَلَا عَاصِيًا، بَل قَدْ يَكُونُ مُطِيعًا مُؤَدِّيَ فَرْضٍ (1) .
وَأَمَّا مَنْ وَعَدَ بِشَيْءٍ وَاجِبٍ شَرْعًا، كَأَدَاءِ حَقٍّ ثَابِتٍ أَوْ فِعْل أَمْرٍ لَازِمٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِنْجَازُ ذَلِكَ الْوَعْدِ (2) .
وَأَمَّا مَنْ وَعَدَ بِفِعْل شَيْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ إِلَيْهِ، فَيَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يُنْجِزَ وَعْدَهُ، حَيْثُ إِنَّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ مِنْ مَكَارِمِ الأَْخْلَاقِ وَخِصَال الإِْيمَانِ، وَقَدْ أَثْنَى الْمَوْلَى جَل وَعَلَا عَلَى مَنْ صَدَقَ وَعْدَهُ فَامْتَدَحَ إِسْمَاعِيل عليه السلام بِقَوْلِهِ:{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} (3) ، وَكَفَى بِهِ مَدْحًا، وَبِمَا خَالَفَهُ ذَمًّا.
5 -
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا:
أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ وَاجِبٌ (4) .
وَإِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ذَهَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي ابْنُ الأَْشْوَعِ الْكُوفِيُّ الْهَمْدَانِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ اخْتَارَهُ تَقِيُّ
(1) المحلى 8 / 29، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 442.
(2)
المحلى 8 / 29، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 442، والفتوحات الربانية 6 / 258.
(3)
سورة مريم / 54.
(4)
انظر أحكام القرآن لابن العربي 4 / 1800، والأذكار مع شرحه الفتوحات الربانية 6 / 260.
الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ (1) .
وَحُجَّتُهُمْ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2) .
وَكَذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ (3) .
الْقَوْل الثَّانِي:
أَنَّ إِنْجَازَ الْوَعْدِ وَاجِبٌ إِلَاّ لِعُذْرٍ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، فَإِنَّهُ قَال: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْوَعْدَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ عَلَى كُل حَالٍ إِلَاّ لِعُذْرٍ (4) .
وَقَال أَيْضًا: وَإِذَا وَعَدَ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَفِيَ، فَلَا يَضُرُّهُ إِنْ قَطَعَ بِهِ عَنِ الْوَفَاءِ قَاطِعٌ كَانَ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْ جِهَةِ فِعْلٍ اقْتَضَى أَلَاّ يَفِيَ لِلْمُوعَدِ بِوَعْدِهِ (5) ، وَعَلَيْهِ يَدُل حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ
(1) الأذكار مع الفتوحات الربانية 6 / 260، والمبدع شرح المقنع 9 / 345، وفتح الباري 5 / 290، والمحلى 8 / 28، والاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية للبعلي ص331، وحاشية ابن الشاط على الفروق للقرافي 4 / 24 - 43، الفرق 214.
(2)
سورة الصف / 2 - 3.
(3)
حديث: " آية المنافق ثلاث. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 289) ، ومسلم (1 / 78) .
(4)
أحكام القرآن لابن العربي 4 / 1800.
(5)
عارضة الأحوذي لابن العربي 10 / 100.