الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْتَبِسُ مَعْنَاهُ بِمَعْنَى غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: فَاصِلاً بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِل، أَوْ مَفْصُولاً عَنِ الْبَاطِل وَمَصُونًا عَنْهُ، فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ بَاطِلٌ أَصْلاً، وَالأَْوَّل أَنْسَبُ.
وَقَوْل عَائِشَةَ رضي الله عنها: يَفْهَمُهُ كُل مَنْ يسْمَعُهُ أَيْ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْل الْفَهْمِ (1) .
ثَانِيًا: تَكْرَارُ كَلِمَاتِ الْوَعْظِ:
9 -
يَنْبَغِي لِلْوَاعِظِ أَنْ يُكَرِّرَ الْكَلِمَاتِ إِذَا لَمْ يَفْهَمْهَا الْمَوْعُوظُ إِلَاّ بِذَلِكَ التَّكْرَارِ، أَوْ إِذَا كَانَ الْغَرَضُ مِنْهُ لِمَزِيدِ الاِعْتِنَاءِ بِمَدْلُول تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، أَوْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْمُخَاطَبِينَ، فَيُعِيدُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ سَمَاعَ الْجَمِيعِ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ "(2) .
قَال ابْنُ عَلَاّنَ: الْمُرَادُ بِالْكَلِمَةِ هُنَا مَا يَشْمَل الْجُمْلَةَ وَالْجُمَل مِمَّا لَا يَتَبَيَّنُ لَفْظُهُ أَوْ مَعْنَاهُ إِلَاّ بِإِعَادَتِهِ، فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعِيدُهَا لِذَلِكَ، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا عَرَضَ لِلسَّامِعِينَ مَا خَلَطَ عَلَيْهِمْ فَيُعِيدُهُ لَهُمْ لِيَفْهَمُوهُ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَثُرُوا لَمْ يَسْتَيْقِنْ سَمَاعَ جَمِيعِهِمْ فَيُعِيدُ لِيَسْمَعَ
(1) فتح الباري شرح البخاري 1 / 188 - 189، الفتوحات الربانية 6 / 296، ودليل الفالحين 3 / 164.
(2)
حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم. . ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 188) .
الْكُل، ثُمَّ قَال: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يُعِيدَ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الإِْعَادَةِ كَيْ يُفْهَمَ عَنْهُ (1) .
ثَالِثًا: مُرَاعَاةُ أَحْوَال النَّاسِ فِي الْوَعْظِ:
10 -
يُرَاعَى فِي أُسْلُوبِ الْوَعْظِ أَنْ لَا يُحَدِّثَ الْوَاعِظُ النَّاسَ بِمَا لَا يَفْهَمُونَهُ مِمَّا لَا تُطِيقُ عُقُولُهُمْ قَبُولَهُ، أَوْ بِمَا يَخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ تَحْرِيفِهِ إِذَا أَرَادُوا نَقْلَهُ وَالتَّعْبِيرَ عَنْهُ؛ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ لِغُمُوضِهِ وَدِقَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَّسِعُ لَهُ عَقْل الْمُخَاطَبِ، كَمَا لَا يُحَدِّثُهُمْ بِمَا يَخَافُ حَمْلُهُ عَلَى خِلَافِ الْمُرَادِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ إِلَى الذِّهْنِ، فَيُنْهَى الْعَالِمُ وَالْوَاعِظُ وَالْقَاصُّ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْحَال؛ لِئَلَاّ يَحْمِلَهُ الْمُخَاطَبُ عَلَى خِلَافِ الْمُرَادِ.
لِمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَال: " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ، وَاتْرُكُوا مَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ فَهْمُهُ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ "(2) .
قَال ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَشَابِهَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ (3) .
وَلِمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال: " مَا
(1) الفتوحات الربانية 5 / 296، ودليل الفالحين 3 / 164، وفتح الباري 1 / 188.
(2)
أثر علي: " حدثوا الناس بما يعرفون. . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 225) .
(3)
الفتوحات الربانية 6 / 279، وما بعدها، وفتح الباري شرح صحيح البخاري 1 / 225.