الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُمْهَل أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، كَمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُطَالَبُ بِالْوَطْءِ فِيهِنَّ، قَال تَعَالَى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) } . قَال الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّ سَبَبَ نُزُول هَذِهِ الآْيَةِ أَنَّ الْجَاهِلِيِّينَ كَانُوا يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمُ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ، فَأَنْزَل اللَّهُ هَذِهِ الآْيَةَ، فَوَقَّتَ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (2) .
44 -
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُولِي إِمَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ، حَتَّى مُضِيِّ الأَْرْبَعَةِ الأَْشْهُرِ أَوْ يَرْجِعَ إِلَيْهَا قَبْل مُضِيِّ الْمُدَّةِ.
فَإِنْ أَصَرَّ الْمُولِي عَلَى عَدَمِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ الَّتِي آلَى مِنْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ تَارِيخِ الإِْيلَاءِ، كَانَ إِصْرَارُهُ هَذَا دَاعِيًا إِلَى الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ الاِمْتِنَاعِ إِضْرَارًا بِهَا، وَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَرْفَعَ الأَْمْرَ إِلَى الْقَاضِي، فَيَأْمُرَ الرَّجُل بِالْفَيْءِ - أَيْ بِالرُّجُوعِ عَنْ مُوجَبِ يَمِينِهِ - فَإِنْ أَبَى أَمَرَهُ بِتَطْلِيقِهَا، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ طَلَّقَهَا عَلَيْهِ الْقَاضِي. وَهُوَ قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رَفْعِ الأَْمْرِ إِلَى الْقَاضِي وَلَا حُكْمِهِ بِتَطْلِيقِهَا، وَذَلِكَ جَزَاءٌ لِلزَّوْجِ
(1) سورة البقرة / 226 - 227.
(2)
الجامع لأحكام القرآن 3 / 103.
عَلَى الإِْضْرَارِ بِزَوْجَتِهِ وَإِيذَائِهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا الْمَشْرُوعِ.
أَمَّا إِذَا وَطِئَهَا قَبْل مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ، وَيَنْحَل الإِْيلَاءُ (1) .
(ر: إِيلَاء ف16 - 19) .
ثَانِيًا: الظِّهَارُ:
45 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ الْمُظَاهِرِ زَوْجَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا قَبْل التَّكْفِيرِ عَنِ الظِّهَارِ، قَال تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا (2) } . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا إِذَا كَانَ التَّكْفِيرُ بِالإِْطْعَامِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُرْمَةِ دَوَاعِي الْوَطْءِ قَبْل التَّكْفِيرِ، وَالتَّفْصِيل فِي (ظِهَار ف22 - 23) . كَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمُظَاهِرِ إِذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا قَبْل التَّكْفِيرِ. (ر: كَفَّارَة ف64) .
46 -
وَلِلْمَرْأَةِ الْحَقُّ فِي مُطَالَبَةِ الزَّوْجِ بِالْوَطْءِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَ الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، فَإِنِ
(1) بدائع الصنائع 3 / 176، ومغني المحتاج 3 / 348، والحاوي الكبير 13 / 229، والخرشي 3 / 238، وعقد الجواهر الثمينة 2 / 221، والدسوقي على الشرح الكبير 2 / 436، وبداية المجتهد 2 / 99 وما بعدها، والمغني 11 / 30 وما بعدها.
(2)
سورة المجادلة / 3.
امْتَنَعَ عَنِ التَّكْفِيرِ، كَانَ لَهَا أَنْ تَرْفَعَ الأَْمْرَ إِلَى الْقَاضِي، وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالتَّكْفِيرِ، فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ بِمَا يَمْلِكُ مِنْ وَسَائِل التَّأْدِيبِ حَتَّى يُكَفِّرَ أَوْ سيُطَلِّقَ.
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَوَجْهُهُ: أَنَّ الزَّوْجَ قَدْ أَضَرَّ بِزَوْجَتِهِ بَتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ بِالظِّهَارِ، حَيْثُ مَنَعَهَا حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ مَعَ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا، فَكَانَ لِلزَّوْجَةِ الْمُطَالَبَةُ بِإِيفَاءِ حَقِّهَا وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا، وَالزَّوْجُ فِي وُسْعِهِ إِيفَاءُ حَقِّ الزَّوْجَةِ بِإِزَالَةِ الْحُرْمَةِ بِالْكَفَّارَةِ، فَيَكُونُ مُلْزَمًا بِذَلِكَ شَرْعًا. فَإِذَا أَصَرَّ عَلَى الاِمْتِنَاعِ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى التَّكْفِيرِ أَوِ الطَّلَاقِ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ حَالَةِ عَجْزِ الْمُظَاهِرِ عَنِ الْكَفَّارَةِ وَحَالَةِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، فَقَالُوا: إِذَا عَجَزَ الْمُظَاهِرُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، كَانَ لِزَوْجَتِهِ أَنْ تَطْلُبَ مِنَ الْقَاضِي الطَّلَاقَ، لِتَضَرُّرِهَا مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ، وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ الزَّوْجَ بِالطَّلَاقِ، فَإِنِ امْتَنَعَ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فِي الْحَالِ، وَكَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا. فَإِنْ قَدَرَ الزَّوْجُ عَلَى الْكَفَّارَةِ قَبْل انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَفَّرَ وَرَاجَعَهَا.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْمُظَاهِرُ قَادِرًا عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَامْتَنَعَ عَنِ التَّكْفِيرِ، فَلِلزَّوْجَةِ طَلَبُ الطَّلَاقِ مِنَ
(1) بدائع الصنائع 3 / 234، والفتاوى الهندية 1 / 456، وفتح القدير 3 / 225، وعقد الجواهر الثمينة 2 / 229، والمغني لابن قدامة 11 / 66.
الْقَاضِي، فَإِنْ طَلَبَتِ الطَّلَاقَ، فَإِنَّهُ لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، كَمَا فِي الإِْيلَاءِ، فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، أَمَرَ الْقَاضِي الزَّوْجَ بِالطَّلَاقِ أَوِ التَّكْفِيرِ، فَإِنِ امْتَنَعَ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَكَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا (1) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُولِي مُظَاهِرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْوَطْءِ، لأَِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ قَبْل التَّكْفِيرِ، فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ شَرْعًا، أَشْبَهُ بِالْمَرِيضِ، وَيُقَال لَهُ: إِمَّا أَنْ تُكَفِّرَ وَتَفِيءَ، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَ، فَإِنْ طَلَبَ الإِْمْهَال لِيَطْلُبَ رَقَبَةً يُعْتِقُهَا أَوْ طَعَامًا يَشْتَرِيهِ وَيُطْعِمُهُ لِلْمَسَاكِينِ، إِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ - أُمْهِل ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لأَِنَّهَا مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ.
وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُظَاهِرَ قَادِرٌ عَلَى التَّكْفِيرِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ الْمُدَافَعَةُ لَمْ يُمْهَل؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا يُمْهَل لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ هُنَا.
وَإِنْ كَانَ فَرْضُ الْمُظَاهِرِ الصِّيَامَ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَعَجْزِهِ عَنِ الْعِتْقِ، وَطَلَبَ أَنْ يُمْهَل لِيَصُومَ - لَمْ يُمْهَل حَتَّى يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؛ لأَِنَّهُ كَثِيرٌ، بَل يُؤْمَرُ أَنْ يُطَلِّقَ.
وَإِنْ كَانَ بَقِيَ عَلَى الْمُظَاهِرِ مِنَ الصِّيَامِ مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ عُرْفًا أُمْهِل فِيهَا كَسَائِرِ الْمَعَاذِيرِ (2) .
(1) الخرشي مع حاشية الْعَدَوِيّ 3 / 235، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 433.
(2)
كشاف القناع 5 / 365، وانظر المغني 7 / 328 (ط الرياض) .