الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ر: حَيْض ف 42 - 44)
ثَالِثًا: الاِسْتِحَاضَةُ:
15 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ إِلَى جَوَازِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ. وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَقَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَبِهِ أَقُول.
وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ (1) } . وَهَذِهِ طَاهِرَةٌ مِنَ الْحَيْضِ، وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ رضي الله عنها كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُجَامِعُهَا، وَأَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَغْشَاهَا (2) ، وَقَدْ سَأَلَتَا رَسُول اللَّهِ
(1) سورة البقرة / 222.
(2)
حديثا: " إن حمنة بنت جحش، وأم حبيبة كانتا تستحاضان ". أخرجهما أبو داود (1 / 216) من حديث عكرمة مرسلا.
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَحْكَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَلَوْ كَانَ وَطْؤُهَا حَرَامًا لَبَيَّنَهُ لَهُمَا. وَلأَِنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ كَالطَّاهِرِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالاِعْتِكَافِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا، فَكَذَلِكَ فِي الْوَطْءِ، وَلأَِنَّهُ دَمُ عِرْقٍ، فَلَمْ يَمْنَعِ الْوَطْءَ كَالنَّاسُورِ، وَلأَِنَّ التَّحْرِيمَ بِالشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ بِتَحْرِيمٍ فِي حَقِّهَا، بَل وَرَدَ بِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ (1) .
الْقَوْل الثَّانِي: ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَابْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَابْنُ عُلَيَّةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:" الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا "(2) . وَلأَِنَّ بِهَا أَذًى فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَالْحَائِضِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ وَطْءَ الْحَائِضِ مُعَلِّلاً بِالأَْذَى بِقَوْلِهِ:{قُل هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ (3) } .
فَأَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ عَقِيبَ الأَْذَى مَذْكُورًا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، وَلأَِنَّ الْحُكْمَ إِذَا ذُكِرَ مَعَ وَصْفٍ يَقْتَضِيهِ وَيَصْلُحُ لَهُ عُلِّل بِهِ، وَالأَْذَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً
(1) رد المحتار 1 / 198، وتبيين الحقائق 1 / 68، والمجموع 2 / 372، والذخيرة 1 / 390، وجواهر الإكليل 1 / 31، وبداية المجتهد 1 / 63، وكشاف القناع 1 / 251، والمغني 1 / 421 - ط هجر.
(2)
أثر عائشة: " المستحاضة لا يغشاها زوجها ". أخرجه البيهقي في السنن (1 / 329) .
(3)
سورة البقرة / 222.