الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36 -
كَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حِل أَكْل الْبَهِيمَةِ الْمَوْطُوءَةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا إِذَا كَانَتْ مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: لِلْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي وَجْهٍ، وَهُوَ حُرْمَةُ أَكْلِهَا، وَذَلِكَ لأَِنَّهَا حَيَوَانٌ يَجِبُ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ كَسَائِرِ الْمَقْتُولَاتِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: لأَِحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَهِيَ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهَا وَلَا يَحْرُمُ.
وَالثَّالِثُ: لأَِبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَهُوَ جَوَازُ أَكْلِهَا مَعَ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ. وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَْنْعَامِ (1) } حَيْثُ جَاءَ ذِكْرُ الْحِل فِي الآْيَةِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يُفَصِّل بَيْنَ الْمَوْطُوءَةِ وَغَيْرِهَا، وَلأَِنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ مَعَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ (2) } ، وَلأَِنَّهَا حَيَوَانٌ مِنْ جِنْسٍ يَجُوزُ أَكْلُهُ، ذَبَحَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْل الذَّكَاةِ، فَحَل أَكْلُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يُفْعَل بِهِ هَذَا الْفِعْل (3) .
(1) سورة المائدة / 1.
(2)
سورة المائدة / 3.
(3)
رد المحتار 3 / 155، وفتح القدير 5 / 45، ومغني المحتاج 4 / 146، وتحفة المحتاج 9 / 106، والقوانين الفقهية ص358، والمغني 12 / 253، وكشاف القناع 6 / 95، والدسوقي على الشرح الكبير 4 / 316، وعارضة الأحوذي 6 / 239، وعقد الجواهر الثمينة 3 / 305، والخرشي 8 / 78، والحاوي للماوردي 17 / 65.
سَابِعًا: الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ:
37 -
الشُّبْهَةُ فِي الأَْصْل: مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ. أَمَّا الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ: فَهُوَ الْوَطْءُ الْمَحْظُورُ الَّذِي لَا يُوجِبُ حَدًّا، لِقِيَامِ شُبْهَةٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا انْتِفَاءُ قَصْدِ الزِّنَا.
وَلِلْفُقَهَاءِ تَقْسِيمَاتٌ لِلشُّبْهَةِ تُنْظَرُ فِي (زِنًا ف 15 - 21، شُبْهَة ف3) .
أَحْكَامُ الْوَطْءِ:
أ - حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا فِي الْوَطْءِ:
38 -
لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا حَقُّ إِتْيَانِهَا وَقَضَاءِ وَطَرِهَا (1)، دَل عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْل؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ. قَال: فَلَا تَفْعَل. صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا (2) .
(1) دليل الفالحين 1 / 390.
(2)
حديث عبد الله بن عمرو: " ألم أخبر أنك تصوم النهار. . . " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 299) ومسلم (2 / 813) واللفظ للبخاري.
وَقَال لأَِبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: " فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَل وَنَمْ، وَائْتِ أَهْلَكَ (1) .
39 -
أَمَّا ضَابِطُ هَذَا الْحَقِّ، وَحُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ، وَمَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ جِمَاعِ أَهْلِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَقَوْلٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَةَ زَوْجِهَا بِالْوَطْءِ، لأَِنَّ حِلَّهُ لَهَا حَقُّهَا، كَمَا أَنَّ حِلَّهَا لَهُ حَقُّهُ. وَإِذَا طَالَبَتْهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَابِ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ، وَقَالُوا: يَأْثَمُ الزَّوْجُ إِذَا تَرَكَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً مُتَعَنِّتًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ (2) .
وَالثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ قَضَاءً، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ، لأَِنَّهُ حَقُّهُ، فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ، وَلأَِنَّ فِي دَاعِيَةِ الطَّبْعِ مَا يُغْنِي عَنْ إِيجَابِهِ، وَلأَِنَّ الْجِمَاعَ
(1) حديث: فصم وأفطر وكل ونم. أخرجه الدارقطني (2 / 176 - ط دار المحاسن) من حديث أبي جحيفة، وأصله في صحيح البخاري (الفتح 4 / 209) .
(2)
البدائع 2 / 331، وفتح القدير 3 / 302، والكفاية على الهداية 3 / 300، ورد المحتار 2 / 594، وفتح الباري 9 / 299.
مِنْ دَوَاعِي الشَّهْوَةِ وَخُلُوصِ الْمَحَبَّةِ الَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَى تَكَلُّفِهَا بِالتَّصَنُّعِ.
وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُعَطِّلَهَا مِنَ الْجِمَاعِ تَحْصِينًا لَهَا، لأَِنَّهُ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلأَِنَّ تَرْكَهُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الإِْضْرَارِ بِهَا أَوْ فَسَادِهَا (1) .
قَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الرَّجُل مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجِمَاعِ وَتَرْكِهِ، وَفِعْل مَا الأَْصْلَحُ لِلزَّوْجَيْنِ أَفْضَل (2) . وَقَال الْغَزَالِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَهَا فِي كُل أَرْبَعِ لَيَالٍ مَرَّةً، فَهُوَ أَعْدَلُهُ، إِذْ عَدَدُ النِّسَاءِ أَرْبَعَةٌ، فَجَازَ التَّأْخِيرُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ. نَعَمْ، يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ بِحَسَبِ حَاجَتِهَا فِي التَّحْصِينِ، فَإِنَّ تَحْصِينَهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ بِالْوَطْءِ، وَذَلِكَ لِعُسْرِ الْمُطَالَبَةِ وَالْوَفَاءِ. وَاخْتَارَ قَوْل الْقَمُولِيِّ: أَنَّهُ يُكْرَهُ الإِْعْرَاضُ عَنْهُنَّ، وَقَوَّى الْوَجْهَ الْمُحَرِّمَ لِذَلِكَ (3) .
وَالثَّالِثُ: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْجِمَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ فِي الْجُمْلَةِ إِذَا انْتَفَى الْعُذْرُ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ حَيْثُ تَضَرَّرَتْ بِتَرْكِهِ. فَإِذَا شَكَتْ
(1) مغني المحتاج 3 / 251، وتحفة المحتاج 7 / 440، والحاوي الكبير 12 / 212، وفتح الباري 9 / 299، وأسنى المطالب 3 / 229، والوسيط للغزالي 5 / 285.
(2)
قواعد الأحكام ص351.
(3)
إحياء علوم الدين 2 / 46، وتحفة المحتاج 7 / 144.
قِلَّتَهُ قُضِيَ لَهَا بِلَيْلَةٍ فِي كُل أَرْبَعٍ عَلَى الرَّاجِحِ (1) .
وَرَوَى أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ: اخْتُلِفَ فِي أَقَل مَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الرَّجُل مِنَ الْوَطْءِ، فَقَال بَعْضُهُمْ: لَيْلَةٌ مِنْ أَرْبَعٍ، أَخَذَهُ مِنْ أَنَّ لِلرَّجُل أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنَ النِّسَاءِ. وَقِيل: لَيْلَةٌ مِنْ ثَلَاثٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلذَّكَرِ مِثْل حَظِّ الأُْنْثَيَيْنِ (2) } . وَقَضَى عُمَرُ بِمَرَّةٍ فِي الطُّهْرِ، لأَِنَّهُ يُحْبِلُهَا (3) .
وَالرَّابِعُ: لِلْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ فِي كُل أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالُوا: لأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، لَمْ يَصِرْ بِالْيَمِينِ عَلَى تَرْكِهِ وَاجِبًا، كَسَائِرِ مَا لَا يَجِبُ، وَلأَِنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الزَّوْجَيْنِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَهُوَ مُفْضٍ إِلَى دَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ عَنِ الْمَرْأَةِ كَإِفْضَائِهِ إِلَى دَفْعِ ذَلِكَ عَنِ الرَّجُلِ، فَيَكُونُ الْوَطْءُ حَقًّا لَهُمَا جَمِيعًا، وَلأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهِ حَقٌّ لَمَا وَجَبَ اسْتِئْذَانُهَا فِي الْعَزْل كَالأَْمَةِ.
وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ ثُلْثَ سَنَةٍ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ فِي حَقِّ الْمُولِي ذَلِكَ،
(1) الزرقاني على خليل 4 / 56، والقوانين الفقهية ص216، والذخيرة 4 / 416.
(2)
سورة النساء / 11.
(3)
حاشية البناني على الزرقاني 4 / 56.
فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. . وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ تَرَكَهُ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْل عُذْرِهِ.
فَإِنْ أَصَرَّ الزَّوْجُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ حَتَّى انْقَضَتِ الأَْرْبَعَةُ الأَْشْهُرِ بِلَا عُذْرٍ، فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِطَلَبِهَا، كَالْمُولِي وَالْمُمْتَنِعِ عَنِ النَّفَقَةِ وَلَوْ قَبْل الدُّخُول. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ (1) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَظَاهِرُ قَوْل أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّهُ لَوْ ضُرِبَتْ لَهُ الْمُدَّةُ لِذَلِكَ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَكُنْ لِلإِْيلَاءِ أَثَرٌ، وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِهِ (2) .
وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ الْقَيِّمِ: يَجِبُ عَلَى الرَّجُل وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ، أَيْ بِقَدْرِ حَاجَتِهَا وَقُدْرَتِهِ - كَمَا يُطْعِمُهَا وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا بِقَدْرِ حَاجَتِهَا وَقُدْرَتِهِ - مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِمَرَّةٍ فِي كُل شَهْرٍ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أُسْبُوعٍ أَوْ يَوْمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ لأَِنَّ دَلَالَةَ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَدَمُ تَقْدِيرِ ذَلِكَ، أَوْ أَيِّ شَيْءٍ مِمَّا يُوجِبُهُ عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ. وَالرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ، قَال تَعَالَى:{وَلَهُنَّ مِثْل الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (3) } ، وَقَال صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ زَوْجَةِ أَبِي
(1) كشاف القناع 5 / 192، والمغني 10 / 240.
(2)
المغني 10 / 240.
(3)
سورة البقرة / 228.