الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّسْلِيمِ إِلَى الْمُتَوَلِّي؛ لأَِنَّ نُزُولَهُمْ يَكُونُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً فَيُحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ وَإِلَى مَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ فِيهَا (1) .
الرُّجُوعُ فِي الْوَقْفِ:
17 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ مَتَى أَصْبَحَ لَازِمًا فَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ، فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُرْهَنُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ. وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ شَرَطَ حِينَ الْوَقْفِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهِ، أَوْ شَرَطَ أَنْ لَهُ الْخِيَارَ، فَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ وَلَا الْوَقْفُ، فَيَكُونُ الْوَقْفُ بَاطِلاً، وَفِي احْتِمَالٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَبْطُل الشَّرْطُ.
قَال النَّوَوِيُّ: لَوْ وَقَفَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ قَال: وَقَفْتُ بِشَرْطِ أَنِّي أَبِيعُهُ أَوْ أَرْجِعُ فِيهِ مَتَى شِئْتُ فَبَاطِلٌ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى كَالْعِتْقِ، أَوْ إِلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَة، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهَذَا شَرْطٌ مُفْسِدٌ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْقَفَّال: أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَفْسُدُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْعِتْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ.
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَبِيعَ
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 3 / 364.
الْمَوْقُوفَ مَتَى شَاءَ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ يَرْجِعَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَلَا الْوَقْفُ؛ لأَِنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ وَيُحْتَمَل أَنْ يَفْسُدَ الشَّرْطُ وَيَصِحَّ الْوَقْفُ بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْوَقْفِ فَسَدَ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ لأَِنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ، وَلأَِنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَالْعَقْدِ (1) .
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ حِينَ الْوَقْفِ، فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ مَعْلُومَةً كَأَنْ قَال: وَقَفْتُ دَارِي هَذِهِ عَلَى كَذَا عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ؛ لأَِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَمَامُ الْقَبْضِ عِنْدَهُ فَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ.
وَقَال مُحَمَّدٌ: الْوَقْفُ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّهُ يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ تَمَامُ الْقَبْضِ لِيَنْقَطِعَ حَقُّ الْوَاقِفِ، وَبِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ يَفُوتُ هَذَا الشَّرْطُ، وَاخْتَارَ هِلَالٌ قَوْل مُحَمَّدٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَقْفَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْل يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ؛ لأَِنَّ الْوَقْفَ كَالإِْعْتَاقِ فِي أَنَّهُ إِزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إِلَى مَالِكٍ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَتَقَ وَبَطَل الشَّرْطُ، فَكَذَا يَجِبُ هَذَا.
(1) الروضة 5 / 328، 329، ومغني المحتاج 2 / 385، والمغني 5 / 606، والإنصاف 7 / 25.