الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُول فِي الْوَقْفِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَمْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا يَبْطُل الْوَقْفُ عَلَى الْمُعَيَّنِ بِرَدِّهِ، فَقَبُولُهُ وَرَدُّهُ سَوَاءٌ، وَقَال أَبُو الْمَعَالِي: إِنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ كَالْوَكِيل إِذَا رَدَّ الْوَكَالَةَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهَا الْقَبُول، وَعَلَى الْقَوْل بِاشْتِرَاطِ الْقَبُول فَإِنْ رَدَّهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بَطَل فِي حَقِّهِ دُونَ مَنْ بَعْدَهُ (1) . قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنْ قُلْنَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُول فَرَدَّهُ مَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ بَطَل فِي حَقِّهِ، وَصَارَ كَالْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الاِبْتِدَاءِ، يَخْرُجُ فِي صِحَّتِهِ فِي حَقِّ مَنْ سِوَاهُ وَبُطْلَانِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ فَهَل يَنْتَقِل فِي الْحَال إِلَى مَنْ بَعْدَهُ أَوْ يُصْرَفُ فِي الْحَال إِلَى مَصْرِفِ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ الَّذِي رَدَّهُ ثُمَّ يَنْتَقِل إِلَى مَنْ بَعْدَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (2) .
لُزُومُ الْوَقْفِ:
15 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي لُزُومِ الْوَقْفِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ مَتَى صَدَرَ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ مُسْتَكْمِلاً شَرَائِطَهُ أَصْبَحَ لَازِمًا، وَانْقَطَعَ حَقُّ
(1) الإنصاف 7 / 27، 28، وكشاف القناع 4 / 252، والمغني 5 / 601، ومعونة أولي النهى 5 / 780.
(2)
المغني لابن قدامة 5 / 601.
الْوَاقِفِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِأَيِّ تَصَرُّفٍ يُخِل بِالْمَقْصُودِ مِنَ الْوَقْفِ، فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ؛ وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ، وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ (1) (وَلأَِنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الصِّيغَةِ مِنَ الْوَاقِفِ كَالْعِتْقِ، وَيُفَارِقُ الْهِبَةَ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ، وَالْوَقْفُ تَحْبِيسُ الأَْصْل وَتَسْبِيل الْمَنْفَعَةِ، فَهُوَ بِالْعِتْقِ أَشْبَهُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى. .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْوَقْفُ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ - كَمَا سَبَقَ - وَلِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ فِيهِ حَال حَيَاتِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَيُورِثُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَقْفُ عِنْدَهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:: أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْقَاضِي، أَوْ يُخْرِجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ، وَلَكِنَّ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ اللُّزُومُ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْفَتْحِ: وَالْحَقُّ تَرْجِيحُ قَوْل عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ بِلُزُومِهِ؛ لأَِنَّ الأَْحَادِيثَ وَالآْثَارَ مُتَضَافِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتَمَرَّ عَمَل الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَتَرَجَّحَ قَوْلُهُمَا.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَلْزَمُ إِلَاّ بِالْقَبْضِ وَإِخْرَاجِ الْوَاقِفِ لَهُ عَنْ يَدِهِ؛ لأَِنَّهُ تَبَرُّعٌ
(1) حديث: " تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 392) .