الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَنْقُول مَقْصُودًا كَمَا قَال الْكَاسَانِيُّ (1) وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ مَا مُلِكَ مِنْ ذَاتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (2) .
وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: عَيْنٌ مُعَيَّنَةٌ مَمْلُوكَةٌ مِلْكًا يَقْبَل النَّقْل، وَيَحْصُل مِنْهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا فَائِدَةٌ، أَوْ مَنْفَعَةٌ يُسْتَأْجَرُ لَهَا (3) .
وَعَرَّفَهُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: عَيْنٌ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَيُنْتَفَعُ بِهَا عُرْفًا مَعَ بَقَائِهَا (4) .
وَالأَْصْل الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَيْنًا مَمْلُوكَةً يُبَاحُ الاِنْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ إِذْ يَصِحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقْفُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْعَيْنُ تَشْمَل الْعَقَارَ وَالْمَنْقُول وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أَوَّلاً: وَقْفُ الْعَقَارِ:
64 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَقْفُ الْعَقَارِ مِنْ أَرْضٍ وَدُورٍ وَآبَارٍ وَقَنَاطِرَ (5) وَالدَّلِيل عَلَى
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 359، والبدائع 6 / 220، والإسعاف ص10، وفتح القدير 6 / 217.
(2)
الشرح الصغير 2 / 298.
(3)
مغني المحتاج 2 / 377، والمهذب 1 / 447، وروضة الطالبين 5 / 314، وتحفة المحتاج 6 / 237.
(4)
شرح منتهى الإرادات 2 / 491.
(5)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه3 / 359، والهداية 3 / 15، ومنح الجليل 4 / 35، والخرشي 7 / 79، ومغني المحتاج 2 / 377، والمهذب 1 / 447، وكشاف القناع 4 / 273، وشرح منتهى الإرادات 2 / 491، 492.
صِحَّةِ وَقْفِ الْعَقَارِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَفُوا ذَلِكَ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَال: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟ قَال: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا، قَال: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيل اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيل وَالضَّيْفِ (1) .
مَا يَتْبَعُ الْعَقَارَ فِي الْوَقْفِ وَمَا لَا يَتْبَعُهُ:
65 -
فَصَّل الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَقْفِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الإِْسْعَافِ: يَدْخُل فِي وَقْفِ الأَْرْضِ مَا فِيهَا مِنَ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ دُونَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَيَدْخُل أَيْضًا الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ كَالإِْجَارَةِ، وَلَوْ جَعَل الأَْرْضَ مَقْبَرَةً وَفِيهَا أَشْجَارٌ عِظَامٌ وَأَبْنِيَةٌ لَا تَدْخُل، وَلَوْ زَادَ فِي وَقْفِ الأَْرْضِ وَقَال: بِحُقُوقِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا، وَعَلَى الشَّجَرَةِ ثَمَرَةٌ قَائِمَةٌ يَوْمَ الْوَقْفِ قَال هِلَالٌ: لَا تَدْخُل قِيَاسًا، وَفِي الاِسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ
(1) حديث ابن عمر: " أصاب عمر أرضا. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 354 - 355) ، ومسلم (3 / 1255) .
التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ لَا الْوَقْفِ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ: إِذَا قَال: بِحُقُوقِهَا تَدْخُل فِي الْوَقْفِ وَهَذَا أَوْلَى خُصُوصًا إِذَا زَادَ: بِجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا، وَلَوْ وَقَفَ دَارًا بِجَمِيعِ مَا فِيهَا وَفِيهَا حَمَامَاتٌ يَطِرْنَ، أَوْ بَيْتًا وَفِيهِ كِوَارَاتُ عَسَلٍ يَدْخُل الْحَمَامُ وَالنَّحْل تَبَعًا لِلدَّارِ وَالْعَسَل كَمَا لَوْ وَقَفَ ضَيْعَةً وَذَكَرَ مَا فِيهَا مِنَ الْعَبِيدِ وَالدَّوَالِيبِ وَآلَاتِ الْحِرَاثَةِ (1) .
وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: لَوْ وَقَفَ الْعَقَارَ بِبَقَرِهِ وَأَكَرَتِهِ - أَيْ عَبِيدُهُ الْحَرَّاثُونَ - صَحَّ اسْتِحْسَانًا تَبَعًا لِلْعَقَارِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لأَِنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ مِنَ الْحُكْمِ تَبَعًا مَا لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا كَالشِّرْبِ فِي الْبَيْعِ وَالْبِنَاءِ فِي الْوَقْفِ، وَهَذَا قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَهُ، لأَِنَّ مُحَمَّدًا أَجَازَ إِفْرَادَ بَعْضِ الْمَنْقُول بِالْوَقْفِ فَبِالتَّبَعِ أَوْلَى (2) .
أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فَلَمْ يَذْكُرُوا مِثْل هَذَا التَّفْصِيل فِي بَابِ الْوَقْفِ وَإِنَّمَا جَاءَ ذِكْرُ الْكَلَامِ عَنِ الْوَقْفِ اسْتِطْرَادًا فِي بَابِ الْبَيْعِ وَاعْتَبَرُوا أَنَّ مَا يَدْخُل فِي بَيْعِ الأُْصُول كَالأَْرْضِ وَالدَّارِ وَالشَّجَرِ يَدْخُل فِي وَقْفِهَا كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَقْفَ نَاقِلٌ لِلْمَلِكِ كَالْبَيْعِ، مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي
(1) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 3 / 373.
(2)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 3 / 372 - 373.
التَّفْصِيل، وَبَيَانُ ذَلِكَ إِجْمَالاً فِيمَا يَأْتِي:
أ - وَقْفُ الأَْرْضِ يُدْخِل مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ أَوْ عُرْفٌ، وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الشَّجَرَ بِكَوْنِهِ رَطْبًا لَا يَابِسًا.
وَفِي الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ لَا يَدْخُل فِي وَقْفِ الأَْرْضِ مَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ، وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَسَائِرِ الزُّرُوعِ، أَمَّا الْبَذْرُ وَالأُْصُول الَّتِي تَبْقَى فِي الأَْرْضِ سَنَتَيْنِ - كَالْقَتِّ - فَإِنَّهَا تَدْخُل فِي وَقْفِ الأَْرْضِ (1) .
ب - وَقْفُ الدَّارِ يُدْخِل فِيهَا الأَْرْضَ وَالْبِنَاءَ وَالْفِنَاءَ وَالأَْشْيَاءَ الثَّابِتَةَ الْمُتَّصِلَةَ بِهَا وَكَذَلِكَ يُدْخِل فِيهَا الشَّجَرَ الْمَغْرُوسَ لَكِنْ قَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الشَّجَرَ بِالشَّجَرِ الرَّطْبِ دُونَ الْيَابِسِ، كَذَلِكَ قَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ وَقْفَ الدَّارِ يَتَنَاوَل الأَْرْضَ الَّتِي فِيهَا الدَّارُ إِنْ لَمْ تَكُنِ الأَْرْضُ مَوْقُوفَةً كَمِصْرَ وَالشَّامِ وَسَوَادِ الْعِرَاقِ (2) .
(1) منح الجليل 2 / 723، والشرح الكبير على حاشية الدسوقي 3 / 170، 171، ومغني المحتاج 2 / 80، 81، وشرح منتهى الإرادات 2 / 207.
(2)
منح الجليل 2 / 725 - 726، ومغني المحتاج 2 / 84، وشرح منتهى الإرادات 2 / 206 - 207.