الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُرْمَةِ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ أَوِ الأَْمَةِ فِي دُبُرِهَا. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم. وَبِهِ قَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَطَاوُوسٌ وَالثَّوْرِيُّ (1) .
قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ (2) . وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَطْءُ الْحَلِيلَةِ فِي الدُّبُرِ لَمْ يُبَحْ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ (3) .
وَقَدْ نَصَّ جَمْعٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَبَائِرِ الإِْثْمِ وَالْفَوَاحِشِ، مِنْهُمُ ابْنُ النَّحَّاسِ وَالْهَيْتَمِيُّ وَابْنُ الْقَيِّمِ (4) .
25 -
وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ فِي وَطْئِهَا، لأَِنَّ كَوْنَ الزَّوْجَةِ أَوِ الأَْمَةِ مَحَل اسْتِمْتَاعِ الرَّجُل فِي الْجُمْلَةِ أَوْرَثَ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ، وَلَكِنَّهُ
(1) العناية على الهداية 5 / 43، ومغني المحتاج 4 / 144، وتحفة المحتاج 9 / 104، وكشاف القناع 6 / 95، والذخيرة 4 / 416، والحاوي للماوردي 11 / 433، وأعلام الموقعين 4 / 345، 346، وأسنى المطالب 4 / 126، والخرشي 8 / 76، والدسوقي على الشرح الكبير 2 / 215، 4 / 311، ومختصر الفتاوى المصرية ص427، 490، والإرشاد للأفقهسي 1 / 626، والمدخل لابن الحاج 2 / 192 وما بعدها، وشرح معاني الآثار 3 / 46، والمغني 10 / 226.
(2)
الحاوي 11 / 433.
(3)
زاد المعاد 4 / 257.
(4)
الزواجر 2 / 30، وإعلام الموقعين 4 / 402، تنبيه الغافلين لابن النحاص 248، والدقوسي 4 / 313، 2 / 215.
يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْل الْعِلْمِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مُطْلَقًا، وَوَافَقَهُمْ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ إِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَلَا تَعْزِيرَ. وَقَال الْهَيْتَمِيُّ: وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِمَا بَعْدَ مَنْعِ الْحَاكِمِ لَهُ، وَالأَْوَّل أَوْجَهُ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ (1) .
وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَطَاوَعَتْهُ فِي دُبُرِهَا، وَجَبَ أَنْ يُعَاقَبَا عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةً تَعْزِيرِيَّةً تَزْجُرُهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِيَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْفَاجِرِ وَبَيْنَ مَنْ يَفْجُرُ بِهِ (2) . وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ شُرْطِيَّ الْمَدِينَةِ سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ رُفِعَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا. فَقَال لَهُ: أَرَى أَنْ تُوجِعَهُ ضَرْبًا فَإِنْ عَادَ إِلَى ذَلِكَ فَفَرِّقْ بَيْنَهُمَا (3) .
أَدِلَّةُ اللِّوَاطِ:
26 -
وَقَدِ احْتَجَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ إِتْيَانِ هَذِهِ الْفِعْلَةِ وَأَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ بِالْمَنْقُول وَالْمَعْقُول:
(1) رد المحتار 3 / 155، وبدائع الفوائد 4 / 100، وتحفة المحتاج 9 / 104، ومغني المحتاج 4 / 144، والخرشي 8 / 76، وروضة الطالبين 10 / 91، والعناية على الهداية 5 / 43، وأسنى المطالب 4 / 126، والحاوي للماوردي 11 / 442، والمغني 10 / 228.
(2)
مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية ص37، 491، والفتاوى الكبرى لابن تيمية 3 / 174، والاختيارات الفقهية ص246.
(3)
المدخل لابن الحاج 2 / 198.
فَأَمَّا الْمَنْقُول: فَقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِل عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَل اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ (1) .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا (2) .
وَبِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ (3) .
وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ. . . ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ (4) .
وَأَمَّا الْمَعْقُول: َلأَِنَّهُ إِتْيَانٌ فِي دُبُرٍ، فَوَجَبَ أَنْ
(1) حديث: " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها. . . ". أخرجه الترمذي (1 / 243) ثم نقل عن البخاري أنه ضعف إسناده، والرواية الأخرى لأبي داود (4 / 226) .
(2)
حديث: " معلون من أتى امرأة في دبرها ". أخرجه أحمد (2 / 479) .
(3)
حديث: " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر ". أخرجه الترمذي (4 / 460) وقال: حديث حسن غريب.
(4)
حديث خزيمة بن ثابت: " إن الله لا يستحي من الحق ". أخرجه النسائي في السنن الكبرى (5 / 316 - ط العلمية)، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3 / 253 - ط دار ابن كثير) : رواه ابن ماجه والنسائي بأسانيد أحدها جيد.
يَكُونَ مُحَرَّمًا كَاللِّوَاطِ (1) . قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: فَإِنَّ الدُّبُرَ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِهَذَا الْعَمَلِ، وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي هُيِّئَ لَهُ الْفَرْجُ، فَالْعَادِلُونَ عَنْهُ إِلَى الدُّبُرِ خَارِجُونَ عَنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ جَمِيعًا (2) .
وَلأَِنَّ الدُّبُرَ مَحَل أَذًى، فَوَجَبَ أَنْ تَحْرُمَ الإِْصَابَةُ فِيهِ كَالْحَيْضِ (3) ، بَل هُوَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، لأَِنَّ الأَْذَى فِي الْحَيْضِ عَارِضٌ، أَمَّا الأَْذَى فِيهِ فَهُوَ لَازِمٌ دَائِمٌ (4) . قَال ابْنُ الْحَاجِّ الْمَالِكِيُّ: قَال عُلَمَاؤُنَا: إِذَا مُنِعَ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ فِي حَال الْحَيْضِ مِنْ أَجْل الأَْذَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُل هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ (5) } ، وَهِيَ أَيَّامٌ يَسِيرَةٌ مِنَ الشَّهْرِ غَالِبًا، فَمَا بَالُكَ بِمَوْضِعٍ لَا تُفَارِقُهُ النَّجَاسَةُ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ (6) ؟ وَلأَِنَّ لِلْمَرْأَةِ حَقًّا عَلَى الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ، وَوَطْؤُهَا فِي دُبُرِهَا يُفَوِّتُ حَقَّهَا، وَلَا يَقْضِي وَطَرَهَا، وَلَا يُحَصِّل مَقْصُودَهَا، بَل يَضُرُّهَا لِتَحْرِيكِ بَاعِثِ شَهْوَتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنَال غَرَضَهَا (7) .
(1) الحاوي للماوردي 11 / 437.
(2)
زاد المعاد 4 / 262.
(3)
زاد المعاد 4 / 262.
(4)
زاد المعاد 4 / 262.
(5)
سورة البقرة / 222.
(6)
المدخل 2 / 194.
(7)
المدخل 2 / 194، وزاد المعاد 4 / 264.
وَلاِنْدِرَاجِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ (1) } . قَال الْقَرَافِيُّ: وَتَلَطُّخُ الإِْنْسَانِ بِالْعَذِرَةِ مِنَ الدُّبُرِ مِنْ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ، وَلَا يَمِيل إِلَى ذَلِكَ مِنَ الذُّكُورِ وَالإِْنَاثِ إِلَاّ النُّفُوسُ الْخَبِيثَةُ، خَسِيسَةُ الطَّبْعِ، بَهِيمَةُ الأَْخْلَاقِ، وَالنُّفُوسُ الشَّرِيفَةُ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ (2) .
27 -
وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَنَافِعٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلٍ، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَنُسِبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ، وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبَ - أَنَّ إِتْيَانَ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا حَلَالٌ (3) ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا، فَأَنْزَل اللَّهُ تَعَالَى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (4) } (5) .
(1) سورة الأعراف / 157.
(2)
الذخيرة 4 / 418.
(3)
المغني 10 / 226، والحاوي للماوردي 11 / 433، والتلخيص الحبير 3 / 181 - 182، والمدخل لابن الحاج 2 / 192، وشرح معاني الآثار 3 / 40 وما بعدها، والأشراف لابن المنذر ص157، ومواهب الجليل 3 / 407، وتفسير القرطبي 3 / 93.
(4)
سورة البقرة / 223.
(5)
حديث ابن عمر أن رجلا أتى امرأة في دبرها. أخرجه النسائي في السنن الكبرى (5 / 316 - ط العلمية) .
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} {إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (1) } .
وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ يَتَأَوَّل فِيهِ قَوْل اللَّهِ عز وجل: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ (2) } . حَيْثُ قَال: فَتَقْدِيرُهُ: تَتْرُكُونَ مِثْل ذَلِكَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ، وَلَوْ لَمْ يُبَحْ مِثْل ذَلِكَ مِنَ الأَْزْوَاجِ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُبَاحُ مِنَ الْمَوْضِعِ الآْخَرِ مِثْلاً لَهُ حَتَّى يُقَال تَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَتَتْرُكُونَ مِثْلَهُ مِنَ الْمُبَاحِ (3) .
28 -
وَقَدْ رَدَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى الاِسْتِدْلَال بِالآْيَةِ الأُْولَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (4) } ، بِأَنَّ " أَنَّى " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَل بِهَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى " مِنْ أَيْنَ " لَا بِمَعْنَى " أَيْنَ "، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ. قَال اللَّهُ عز وجل: {يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا (5) } ، بِمَعْنَى مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّهُ قَال لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: قَدْ أَكْثَرَ عَلَيْكَ الْقَوْلُ، أَنَّكَ تَقُول عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنْ
(1) سورة المؤمنون / 5.
(2)
سورة الشعراء / 165.
(3)
تفسير القرطبي 3 / 93 - 94.
(4)
سورة البقرة / 223.
(5)
سورة آل عمران / 37.
يُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهَا، قَال نَافِعٌ: لَقَدْ كَذَبُوا عَلَيَّ، وَلَكِنْ سَأُخْبِرُكَ كَيْفَ كَانَ الأَْمْرُ، إِنَّ ابْنَ عُمَرَ عَرَضَ الْمُصْحَفَ يَوْمًا وَأَنَا عِنْدَهُ حَتَّى بَلَغَ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قَال: يَا نَافِعُ، هَل تَدْرِي مَا أَمْرُ هَذِهِ الآْيَةِ؟ إِنَّا كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نُجَبِّي النِّسَاءَ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ وَنَكَحْنَا نِسَاءَ الأَْنْصَارِ أَرَدْنَا مِنْهُنَّ مِثْل مَا كُنَّا نُرِيدُ مِنْ نِسَائِنَا، فَإِذَا هُنَّ قَدْ كَرِهْنَ ذَلِكَ وَأَعْظَمْنَهُ، وَكَانَتْ نِسَاءُ الأَْنْصَارِ إِنَّمَا يُؤْتَيْنَ عَلَى جُنُوبِهِنَّ، فَأَنْزَل اللَّهُ تَعَالَى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1) .
وَقَال ابْنُ الْحَاجِّ: الدُّبُرُ اسْمٌ لِلظَّهْرِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى:{وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (2) } ، وَقَال:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ (3) } ، أَيْ ظَهْرَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُؤْتَى مِنْ قُبُلٍ وَمِنْ دُبُرٍ. يَعْنِي: أَنَّهَا تُؤْتَى مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا فِي قُبُلِهَا (4) .
وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه أَنَّ سَائِلاً سَأَل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: حَلَالٌ، ثُمَّ دَعَاهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَقَال: كَيْفَ قُلْتَ؟ فِي أَيِّ الْخُرْبَتَيْنِ أَوْ فِي أَيِّ الْخُرْزَتَيْنِ، أَوْ فِي
(1) تفسير القرطبي 3 / 92 - 93، والمحلى 10 / 269. وأثر ابن عمر أخرجه النسائي في السنن الكبرى (5 / 315 - ط العلمية) .
(2)
سورة القمر / 45.
(3)
سورة الأنفال / 16.
(4)
المدخل 2 / 194.
الْخُصْفَتَيْنِ؟ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فَنَعَمْ، أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلَا، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ (1) .
وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي جَوَازِ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَقَال فِيهِ: وَهَل يَفْعَل ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ كَمَا أَنْكَرَ ابْنُهُ سَالِمٌ نَقْل الإِْبَاحَةِ عَنْ أَبِيهِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ فِيمَا رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ:" لَقَدْ كَذَبُوا عَلَيَّ "، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحَدِيثِ بِنَصِّهِ (2) .
وَمَا نُسِبَ لِمَالِكٍ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ عَكْسُ ذَلِكَ؛ حَيْثُ قَال مَالِكٌ لاِبْنِ وَهْبٍ وَعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ لَمَّا أَخْبَرَاهُ: أَنَّ نَاسًا بِمِصْرَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْهُ أَنَّهُ يُجِيزُ ذَلِكَ، فَنَفَرَ مِنْ ذَلِكَ وَبَادَرَ إِلَى تَكْذِيبِ النَّاقِلِ، فَقَال: كَذَبُوا عَلَيَّ، كَذَبُوا عَلَيَّ، كَذَبُوا عَلَيَّ! ثُمَّ قَال: أَلَسْتُمْ عَرَبًا، أَلَمْ يَقُل اللَّهُ تَعَالَى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وَهَل يَكُونُ الْحَرْثُ إِلَاّ فِي مَوْضِعِ الْمَنْبَتِ (3) .
وَبِذَلِكَ ثَبَتَ بِالأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ
(1) حديث خزيمة بن ثابت: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن. . . أخرجه الشافعي في الأم (10 / 322 - ط دار ابن قتيبة) وعنه أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7 / 196) ثم نقل البيهقي عن الشافعي توثيق روايته.
(2)
شرح معاني الآثار 3 / 42، وتفسير القرطبي 3 / 93 - 95، وتهذيب ابن القيم لمختصر سنن أبي داود 3 / 78، والمحلى 10 / 69.
(3)
الذخيرة 4 / 416، وتفسير القرطبي 3 / 94 - 95.