الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُدَامَةَ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهِا (1) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْهِبَةِ أَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فَيهَا.
أَمَّا الْهَبَةُ فَهِيَ تَمْلِيكٌ لِلْعَيْنِ، فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا بِمَا يَشَاءُ.
د - الْعَارِيَّةُ:
5 -
الْعَارِيَّةُ فِي اللُّغَةِ: الاِسْمُ مِنَ الإِْعَارَةِ، وَتُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُعَارِ (2) .
وَفِي الاِصْطَلَاحِ هِيَ الْعَيْنُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ مَالِكٍ لِلاِنْتِفَاعِ بِهَا بِلَا عِوَضٍ، أَوْ هِيَ إِبَاحَةُ الاِنْتِفَاعِ بِمَا يَحِل الاِنْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ (3) .
وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْعَارِيَّةِ أَنَّ كِلَيْهِمَا إِبَاحَةُ الاِنْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ مَمْلُوكَةٌ لِصَاحِبِهَا فَتُرَدُّ إِلَيْهِ، أَمَّا الْوَقْفُ: فَالْعَيْنُ فِيهِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى.
هـ - الْوَصِيَّةُ:
6 -
الْوَصِيَّةُ فِي اللُّغَةِ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ وَصَّيْتُ
(1) المصباح المنير، والمغني 5 / 649. .
(2)
تاج العروس. .
(3)
مغني المحتاج 2 / 263، وشرح منتهى الإرادات 2 / 391. .
الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ أَصِيهِ وَصَلْتُهُ، وَوَصَّيْتُ إِلَى فُلَانٍ تَوْصِيَةً، وَأَوْصَيْتُ إِلَيْهِ إِيصَاءً.
وَالاِسْمُ: الْوِصَايَةُ، وَأَوْصَيْتُ إِلَيْهِ بِمَالٍ جَعَلْتُهُ لَهُ، وَأَوْصَيْتُهُ بِوَلَدِهِ اسْتَعْطَفْتُهُ عَلَيْهِ، وَأَوْصَيْتُهُ بِالصَّلَاةِ أَمَرْتُهُ بِهَا (1) .
وَفِي الاِصْطِلَاحِ عَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ: بِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ (2) . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: هِيَ تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ (3) .
وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ كِلَيْهِمَا تَبَرُّعٌ، لَكِنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ تَكُونُ بِالْعَيْنِ، وَقَدْ تَكُونُ بِالْمَنْفَعَةِ، أَمَّا الْوَقْفُ فَهُوَ تَبَرُّعٌ فِي حَال الْحَيَاةِ وَبِالْمَنْفَعَةِ فَقَطْ.
مَشْرُوعِيَّةُ الْوَقْفِ:
7 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ وَاعْتِبَارِهِ مِنَ الْقُرَبِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهَا (4)، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَال: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ? صلى الله عليه وسلم
(1) المصباح المنير. .
(2)
البدائع 7 / 330. .
(3)
مغني المحتاج 3 / 39. .
(4)
المغني 5 / 597، 598، وشرح منتهى الإرادات 2 / 489،، والاختيار 3 / 40، 41، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 / 75، ومنح الجليل 4 / 34، 35، والحطاب 6 / 18، والمهذب 1 / 477، ومغني المحتاج 2 / 376. .
يَسْتَأْمِرْهُ فِيهَا فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟ قَال: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا. قَال: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بَهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيل اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيل وَالضَّيفِ، وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَطْعَمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ، وَفِي لَفْظٍ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً (1) .
وَلِقَوْل النَّبِيِّ ? صلى الله عليه وسلم: إِذَا مَاتَ الإِْنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَاّ مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَاّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ (2) .
وَقَال جَابِرٌ رضي الله عنه: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ لَهُ مَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَْنْصَارِ إِلَاّ حَبَسَ مَالاً مِنْ صَدَقَةٍ مُؤَبَّدَةٍ لَا تُشْتَرَى أَبَدًا وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورثُ (3) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الَّذِي قَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى
(1) حديث ابن عمر:: " أصاب عمر أرضا بخيبر. . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 354 - 355) ، ومسلم (3 / 1255) واللفظ للبخاري. .
(2)
حديث:: " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله. . . . . . " أخرجه مسلم (3 / 1255) من حديث أبي هريرة. .
(3)
أثر جابر:: " ما أعلم أحدا ". . أخرجه الخصاف في أحكام الأوقاف (ص6 - ط ديوان عموم الأوقاف المصرية) . .
الْوَقْفِ وَقَفَ وَاشْتَهَرَ ذَلِكِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا (1) .
وقَال ابْنُ رُشْدٍ: الأَْحْبَاسُ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ عَمِل بِهَا رَسُول اللَّهِ ? صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ بَعْدِهِ (2) .
وَنَقَل ابْنُ عَابدِينَ عَنِ الإِْسْعَافِ: أَنَّ الْوَقْفَ جَائِزٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَذَكَرَ فِي الأَْصْل: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ فَأَخَذَ بَعْضُ النَّاسِ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ وَقَال: لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عِنْدَهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جَائِزٌ عِنَدَ الْكُل، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ جَوَازَ الإِْعَارَةِ فَتُصْرَفُ مَنْفَعَتُهُ إِلَى جِهَةِ الْوَقْفِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ حَال حَيَاتِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَيُورَثُ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُ إِلَاّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْقَاضِي،أَوْ يُخْرِجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ (3) .
وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ (4) عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْوَقْفَ وَقَال: لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ.
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ قَال: جَاءَ مُحَمَّدٌ ? صلى الله عليه وسلم بِإِطْلَاقِ الْحَبْسِ (5) .
وَقَال الْكَاسَانِيُّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَال: جَاءَ
(1) المغني 5 / 599. .
(2)
منح الجليل 4 / 34. .
(3)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين 3 / 358، والبدائع 6 / 218، 219. .
(4)
المغني 5 / 598. .
(5)
الحاوي 9 / 369. .