الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتمّ الفتح، وقسّموا الأنفال وبعثوا بالخمس إلى أبي بكر مع عرفجة وكان الخمس ثمانمائة رأس.
وأقام حذيفة بعمان وسار عكرمة إلى مهرة وقد استنفر أهل عمان ومن حولها من ناحيته الأزد وعبد القيس وبني سعيد من تميم، فاقتحم مهرة بلادهم وهم على فرقتين يتنازعان الرئاسة فأجابه أحد الفريقين، وسار إلى الآخرين فهزمهم وقتل رئيسهم، وأصابوا منهم ألفي نجيبة. وأفاد المسلمون قوة بغنيمتهم وأجاب أهل تلك النواحي إلى الإسلام وهم أهل نجد والروضة والشاطئ والجزائر والمر واللبان وأهل جيرة وظهور الشحر [1] والفرات وذات الخيم، فاجتمعوا كلهم على الإسلام، وبعث إلى أبي بكر بذلك مع البشير وسارعوا إلى اليمن للقاء المهاجر بن أبي أمية كما عهد إليه أبو بكر.
بعوث العراق وصلح الحيرة
ولما فرغ خالد من أمر اليمامة بعث إليه أبو بكر في المحرم من سنة اثنتي عشرة فأمره بالمسير إلى العراق ومرج الهند وهي الأبلة منتهى بحر فارس في جهة الشمال قرب البصرة، فيتألف أهل فارس ومن في مملكتهم من الأمم. فسار من اليمامة وقيل قدم على أبي بكر ثم سار من المدينة، وانتهى إلى قرية بالسواد وهي بانقيا وبرسوما وصاحبهما جابان، فجاء صلوبا فصالحهم على عشرة آلاف دينار [2] فقبضها خالد، ثم سار إلى الحيرة وخرج إليه أشرافها مع إياس بن قبيصة الطائي الأمير عليها بعد النعمان بن المنذر، فدعاهم إلى الإسلام أو الجزية أو المناجزة، فصالحوه على تسعين ألف درهم، وقيل إنما أمره أبو بكر أن يبدأ بالأبلة ويدخل من أسفل العراق. وكتب إلى عياض بن غنم أن يبدأ بالمضيخ ويدخل من أعلى العراق، وأمر خالدا بالقعقاع بن عمرو التميمي وعياض بن عوف الحمي [3] ، وقد كان المثنى بن حارثة الشيبانيّ استأذن أبا بكر في غزو العراق فأذن له فكان يغزوهم قبل قدوم خالد، فكتب أبو بكر إليه وإلى حرملة ومدعور وسلمان أن يلحقوا بخالد بالأبلة وكانوا في ثمانية آلاف
[1] وفي نسخة ثانية: الشمر وفي الطبري ج 3 ص 264: والصبرات.
[2]
وفي نسخة ثانية: باروسما والليس وكانت لابن صلوبا، فصالحهم على عشرة آلاف دينار.
[3]
وفي نسخة ثانية: الحميري.
فارس، ومع خالد عشرة آلاف، فسار خالد في أوّل مقدمته المثنى وبعده عدي بن حاتم وجاء هو بعدهما على مسيرة يوم بين كل عسكر، وواعدهما الحفير ليجتمعوا به ويصادموا عدوهم وكان صاحب ذلك الفرج [1] من أساورة الفرس اسمه هرمز وكان يحارب العرب في البرّ والهند في البحر، فكتب إلى أردشير كسرى بالخبر وتعجل هو إلى الكواظم في سرعان أصحابه حتى نزل الحفير، وجعل على مجنبتيه قباذ وأنوشجان يناسبانه في أردشير الأكبر واقترنوا بالسلاسل لئلا يفرّوا، وأروا خالدا أنهم سبقوا إلى الحفير فمال إلى كاظمة فسبقه هرمز إليها أيضا. وكان للعرب على هرمز حنق لسوء مجاورته وقدم خالد فنزل قبالتهم على غير ماء وقال: جالدوهم على الماء فإنّ الله جاعله لأصبر الفريقين، ثم أرسل الله سحابة فأغدرت من ورائهم.
ولما حطوا أثقالهم قدم خالد ودعا إلى النزال [2] فبرز إليه هرمز وترجلا ثم اختلفا ضربتين فاحتضنه خالد وحمل أصحاب هرمز للغدر به فلم يشغله ذلك عن قتله، وحمل القعقاع بن عمرو فقتلهم وانهزم أهل فارس وركبهم المسلمون، وسميت الواقعة ذات السلاسل. وأخذ خالد سلب هرمز وكانت قلنسوته بمائة ألف، وبعث بالفتح والأخماس إلى أبي بكر.
وسار فنزل بمكان البصرة وبعث المثنى بن حارثة في آثار العدو فحاصر حصن المرأة فتحه وأسلمت فتزوجها، وبعث معقل بن مقرن إلى الأبلة ففتحها عتبة بن [3] غزوان أيام عمر سنة أربع عشرة، ولم يتعرض خالد وأصحابه إلى الفلاحين وتركهم وعمارة البلاد كما أمرهم أبو بكر [4] . وكان كسرى أردشير لما جاءه كتاب هرمز بمسير خالد أمره بقارن بن فريانس فسار إلى المدار [5] ولما انتهى إلى المذار [6] لقيه المنهزمون من هرمز ومعهم قباذ وأنوشجان فتذامروا ورجعوا ونزلوا النهر، وسار إليهم خالد واقتتلوا وبرزقان فقتله معقل بن الأعشى بن النباش وقتل عاصم أنوشجان وقتل عدي قباذ، وانهزمت الفرس وقتل منهم نحو ثلاثين ألفا سوى من غرق ومنعت المياه
[1] وفي نسخة ثانية: المرج.
[2]
وفي النسخة الباريسية: الى البراز.
[3]
وفي نسخة ثانية: عقبة.
[4]
وفي نسخة ثانية: كما أمر ابو بكر به.
[5]
وفي نسخة ثانية: فسار من المدائن.
[6]
وفي نسخة ثانية: الدار.
المسلمين من طلبهم. وكانت الغنيمة عظيمة وأخذ الجزية من الفلاحين وصاروا في ذمّة، ولم يقاتل المسلمين من الفرس بعد قارن أعظم منه، وتسمى هذه الوقعة بالثني وهو النهر.
ولما جاء الخبر إلى أردشير بالهزيمة بعث الأندرزغر وكان فارسا من مولدي السواد فأرسل في أثره عسكرا مع بهمن حاذويه، وحشد الأندرزغر ما بين الحيرة وكسكر من عرب الضاحية والدهاقين وعسكروا بالولجة، وسار إليهم خالد فقاتلهم وصبروا، ثم جاءهم كمين من خلفهم فانهزموا ومات الأندرزغر عطشا. وبذل خالد الأمان للفلّاحين فصاروا ذمة، وسبى ذراري المقاتلة ومن أعانهم وأصاب اثنين من نصارى بني وائل أحدهما جابر بن بجير والآخر ابن عبد الأسود من عجل فأسرهما، وغضب بكر بن وائل لذلك فاجتمعوا على الليس [1] وعليهم عبد الأسود العجليّ، فكتب أردشير إلى بهمن حاذويه، وقد أقام بعد الهزيمة كتابا يأمره بالمسير إلى نصارى العرب بالليس فيكون معهم إلى أن يقدم عليهم جابان من المرازبة، فقدم بهم على أردشير ليشاوره وخالفه جابان إلى نصارى العرب من عجل وتيم اللات وضبيعة وعرب الضاحية من الحيرة وهم مجتمعون على الليس. وسار إليهم خالد حين بلغه خبرهم ولا مشعر لهم بجابان [2] ، فلما حط الأثقال سار إليهم وطلب المبارزة، فبرز إليه مالك بن قيس فقتله خالد، واشتد القتال بينهم وسائر المشركين ينتظرون قدوم بهمن، ثم انهزموا واستأسر الكثير منهم وقتلهم خالد حتى سال النهر بالدم وسمي نهر الدم، ووقف على طعام الأعاجم وكانوا قعودا للأكل فنفله المسلمين، وجعل العرب يتساءلون عن الرقاق يحسبونه رقاعا. وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا. ولما فرغ من الليس سار إلى أمغيشيا فغزا أهلها وأعجلهم أن ينقلوا أموالهم فغنم جميع ما فيها وخرّبها.
[1] وفي نسخة أخرى: الليث.
[2]
وفي نسخة أخرى: ولا يشعر بجابان.