الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان الى انقراض أمرهم
هؤلاء اليونانيون المتشعّبون إلى الغريقيين واللطينيين- كما قلناه- اختصوا بسكنى الناحية الشمالية من المعمور مع إخوانهم من سائر بني يافث كلهم كالصقالبة والترك والافرنجة من ورائهم وغيرهم من شعوب يافث، ولهم منها الوسط ما بين جزيرة الأندلس إلى بلاد الترك بالمشرق طولا وما بين البحر المحيط والبحر الرومي عرضا، فمواطن اللطينيين منهم في الجانب الغربي ومواطن الغريقيين منهم في الجانب الشرقي والبحر بينهما خليج القسطنطينية. وكان لكل واحد من شعبي الغريقيين واللطينيين منهم دولة عظيمة مشهورة في العالم.
واختص الغريقيون باسم اليونانيين، وكان منهم الإسكندر المشهور الذكر أحد ملوك العالم، وكانت ديارهم كما قلناه بالناحية الشرقية من خليج القسطنطينية بين بلاد الترك ودروب الشام، ثم استولى على ما وراء ذلك من بلاد الترك والعراق والهند، ثم جال أرمينية وما وراءها من بلاد الشام وبلاد مقدونية ومصر والاسكندرية، وكان ملوكهم يعرفون بملوك مقدونية.
وذكر هروشيوش مؤرّخ الروم من شعوب هؤلاء الغريقيين بنو لجدمون وبنو أنتناش، قال: وإليهم ينسب الحكماء الأنتاشيون وهم ينسبون لمدينتهم أجدة أنتاش، قال:
ومن شعوبهم أيضا بنو طمّان ولجدمون كلهم بنو شمالا بن إيشاي، وقال في موضع آخر: لجدمون أخو شمالا.
وكانت شعوب هذه الأمّة قبل الفرس والقبط وبني إسرائيل متفرّقة بافتراق شعوبها، وكان بينهم وبين إخوانهم اللطينيين فتن وحروب، ولما استفحل ملك فارس لعهد الكينيّة أرادوهم على الطاعة لهم، فامتنعوا وغزتهم فارس، فاستصرخوا عليهم بالقبط فسالموهم إلى محاربة الغريقيين حتى أذلّوهم وأخذوا الجزى منهم وولّوا عليهم. ويقال:
إنّ أفريدون ولّى عليهم ابنه، وأنّ جدّه الإسكندر لأبيه من أعقابه. ويقال: أن بخت نصّر لما ملك مصر والمغرب أنفوه بالطاعة وكانوا يحملون خراجهم إلى ملك فارس عددا من كرات الذهب أمثال البيض ضريبة معلومة عليهم في كل سنة، ولما فرغوا
من شأن أهل فارس وأنفوا ملكهم بالجزى والطاعة صرفوا وجوههم إلى حرب اللطينيين، ثم استفحل أمر الإيشاءيّين من الغريقيّين ولم يكن قوامهم إلا الجرمونيّون، فغلبوهم وغلبوا بعدهم اللطينيين والفرناسيين والأركاديين، واجتمع إليهم سائر شعوب الغريقيين واعتز سلطانهم وصار لهم الملك والدولة.
وقال ابن سعيد: إنّ الملك استقرّ بعد يونان في ابنه أغريقش في الجانب الشرقي من خليج قسطنطينية، وتوالى الملك في ولده وقهروا اللطينيين والروم ودال ملكهم في أرمينية، وكان من أعظمهم هرقل الجبّار بن ملكان بن سلقوس بن أغريقش، يقال: إنه ضرب الإتاوة على الأقاليم السبعة. وملك بعده ابنه يلاق وإليه تنسب الأمّة اليلاقيّة وهي الآن باقية على بحر سودان. واتصل الملك في عقب يلاق إلى أن ظهر إخوانهم الروم واستبدّوا بالملك، وكان أولهم هردوس بن منطرون بن رومي بن يونان فملك الأمم الثلاثة وصار اسمه لقبا لكل من ملك بعده، وسمّت به يهود الشام كل من قام بأمرها منهم. ثم ملك بعده ابنه هرمس، فكانت له حروب مع الفرس إلى أن قهروه وضربوا عليه الإتاوة، فاضطرب حينئذ أمر اليونانيين وصاروا دولا وممالك. وانفرد الاغريقيون برئيس لهم، وصنع مثل ذلك اللطينيون، إلّا أنّ اللقب بملك الملوك كان لملك الروم، ثم ملك بعده ابنه مطريوش فحمل الإتاوة لملك الفرس لاشتغاله بحرب اللطينيين والإغريقيين. وملك بعده ابنه فيلفوش [1] وكانت أمّه من ولد سرم من ولد أفريدون الّذي ملّكه أبوه على اليونان، فظهر وهدم مدينة إغريقيّة وبنى مدينة مقدونية في وسط الممالك بالجانب الغربي من الخليج. وكان محبّا للحكمة فلذلك كثر الحكماء في دولته. ثم ملك من بعده ابنه الإسكندر وكان معلمه من الحكماء أرسطو.
وقال هروشيوش: إنّ أباه فيلفوش إنما ملك بعد الإسكندر بن تراوش أحد ملوكهم العظماء، وكان فيلفوش صهرا له على أخته لينبادة بنت تراوش، وكان له منها الإسكندر الأعظم. قال: وكان ملك الإسكندر بن تراوش لعهد أربعة آلاف وثمانمائة من عهد الخليقة ولعهد أربعمائة أو نحوها من بناء رومة، وهلك وهو محاصر لرومة قتله اللطينيون عليها لسبع سنين من دولته. فولي أمر الغريقيين والروم من بعده صهره على أخته لينبادة فيلفوش ابن آمنة بن هركلش، واختلفوا عليه فافترق أمرهم
[1] هو فيلبس المقدوني والد الإسكندر.
وحاربهم إلى أن انقادوا وغلبهم على سائر أوطانهم. وأراد بناء القسطنطينية فمنعه الجرمانيّون بما كانت لهم، فقاتلهم حتى استلحمهم، واجتمع إليه سائر الروم والغريقيين من بني يونان، وملك ما بين ألمانية وجبال ارمينية. وكان الفرس لذلك العهد قد استولوا على الشام ومصر فاعتزم فيلفوش على غزو الشام، فاغتاله في طريقه بعض اللطينيين وقتله بثأر كان له عنده. ووليّ من بعده ابنه الإسكندر فاستمرّ على مطالبة بلاد الشام، وبعث إليه ملوك فارس في الخراج على الرسم الّذي كان لعهد أبيه فيلفوش، فبعث إليه الإسكندر إني قد ذبحت تلك الدجاجة التي كانت تبيض الذهب وأكلتها. ثم زحف إلى بلاد الشام واستولى عليها وفتح بيت المقدس وقرّب فيه القربان وذلك لعهد مائتين وخمسين من فتح بخت نصّر إيّاها، وامتعض أهل فارس لانتزاعه إياها من ملكتهم، فزحف إليه دارا في ستين ألفا من الفرس ولقيه الإسكندر في ستمائة ألف من قومه فغلبهم وفتح كثيرا من مدن الشام ورجع إلى طرسوس، فزحف إليه دارا ولقيه عليها فهزمه الإسكندر وافتتح طرسوس. ومضى وبنى الإسكندرية.
ثم تزاحف مع دارا وهزمه وقتله وتخطي إلى فارس فملك بلادها وهدم مدينة الملك بها وسبى أهلها، وأشار عليه معلمه أرسطو بأن يجعل الملك في أسافلهم لتتفرق كلمتهم ويخلص إليه أمرهم، فكاتب الإسكندر ملوك كل ناحية من الفرس والنبط والعرب وملّك على كل ناحية وتوجه فصاروا طوائف في ملكهم، واستبدّ كل واحد منهم بجهة كان ملكها لعقبه ومعلمه أرسطو هذا من اليونانيين وكان مسكنه أثينا وكان كبير حكماء الخليقة غير منازع، أخذ الحكمة عن أفلاطون اليوناني، كان يعلم الحكمة وهو ماش تحت الرّواق المظلّل له من حرّ الشمس فسمى تلاميذه بالمشّاءين. وأخذ أفلاطون عن سقراط ويعرف بسقراط الدّنّ بسكناه في دنّ من الخزف اتخذه لرهبانيّته، وقتله قومه أهل يونان مسموما لمّا نهاهم عن عبادة الأوثان، وكان هو أخذ الحكمة عن فيثاغورس منهم، ويقال: إنّ فيثاغورس أخذ عن تاليس حكيم ملطية، وأخذ تاليس عن لقمان. ومن حكماء اليونانيين دميقراطيس، وأنكيثاغورس كان مع حكمته مبرزا في علم الطب وبعث فيه بهمن ملك الفرس إلى يونان فامتنع من إيفاده عليه ضمانة به، وكان من تلامذته جالينوس لعهد عيسى عليه السلام ومات بصقليّة ودفن بها.
ولما استولى الإسكندر على بلاد فارس تخطّاها إلى بلاد السند فملكها وبنى بها مدينة سمّاها الإسكندرية، ثم زحف إلى بلاد الهند فغلب على أكثرها وحاربه فور ملك الهند فانهزم وأخذه الإسكندر أسيرا بعد حروب طويلة، وغلب على جميع طوائف الهنود وملك بلاد الصين والسند وذللت إليه الملوك وحملت إليه الهدايا والخراج من كل ناحية، وراسله ملوك الأرض من إفريقية والمغرب والافرنجة والصقالبة والسودان. ثم ملك بلاد خراسان والترك، واختط مدينة الإسكندرية عند مصب النيل في البحر الرومي، واستولى على الملوك يقال: على خمسة وثلاثين ملكا. وعاد إلى بابل فمات بها، يقال مسموما سمّه عامله على مقدونية لأنّ أمّه شكته إلى الإسكندر فتوعده فأهدى له سمّا وتناوله فمات لاثنتين وأربعين سنة من عمره، بعد أن ملك اثنتي عشرة سنة، سبعا منها قبل مقتل دارا وخمسا بعده.
قال الطبري: ولما مات عرض الملك على ابنه إسكندروس فاختار الرهبانية، فملّك يونان عليهم لوغوس من بيت الملك ولقبه بطليموس. قال المسعودي: ثم سارت هذه التسمية لكل من يملك منهم ومدينتهم مقدونية وينزلون الاسكندرية، وملك منهم أربعة عشر ملكا في ثلاثمائة سنة.
وقال ابن العميد: كان قسّم الملك في حياته بين أربعة من أمرائه بطليموس فليادا [1] كان على الاسكندرية ومصر والمغرب، وفيلفوس بمقدونية وما إليها من ممالك الروم وهو الّذي سمّ الإسكندر، ودمطرس بالشام، وسلقنوس [2] بفارس والمشرق. فلما مات استبدّ كلّ واحد بناحيته.
وكتب أرسطو شرح كتاب هرمس وترجمه من اللسان المصري إلى اليوناني، وشرح ما فيه من العلوم والحكمة والطلسمات. وكتاب الأسطماخيس يحتوي على عبادة الأول، وذكر فيه أنّ أهل الأقاليم السبعة كانوا يعبدون الكواكب السيّارة. كل إقليم لكوكب، ويسجدون له ويبخّرون ويقرّبون ويذبحون، وروحانية ذلك الكوكب تدبرهم بزعمهم. وكتاب الأستماطس يحتوي على فتح المدن والحصون بالطلسمات والحكم، ومنها طلسمات لا نزال المطر وجلب المياه. وكتب الأشطرطاش في الاختيارات على سرى القمر في المنازل والاتصالات، وكتب أخرى في منافع
[1] وفي نسخة اخرى: بطليموس فلدلغوس.
[2]
وفي نسخة اخرى سلقوس.
وخواص الأعضاء الحيوانيات والأحجار والأشجار والحشائش.
وقال هروشيوش: إنّ الّذي ملك بعد الإسكندر صاحب عسكره بطليموس بن لاوي، فقام بأمرهم ونزل الاسكندرية واتخذها دارا لملكهم. ونهض كلمش بن الإسكندر وأمّه بنت دارا ولينبادة أمّ الإسكندر وساروا إلى صاحب أنطاكية واسمه فمشاندر فقتلهم. واختلف الغريقيون على بطليموس وافترق أمره وحارب كل واحد منهم ناحيته، إلى أن غلبهم جميعا واستقام أمره، ثم زحف إلى فلسطين وتغلب على اليهود وأثخن فيهم بالقتل والسبي والأسر، ونقل رؤساءهم إلى مصر، ثم هلك لأربعين سنة من ملكه. وولي بعده ابنه فلديغيش، وأطلق أسرى اليهود من مصر، وردّ الأواني إلى البيت وحباهم بآنية من الذهب وأمرهم بتعليقها في مسجد القدس، وجمع سبعين من أحبار اليهود ترجموا له التوراة من اللسان العبراني الى اللسان الرومي واللطيني، ثم هلك فلديغيش لثمان وثلاثين سنة من ملكه.
وولي بعده ابنه أنطريس ويلقب أيضا بطليموس لقبهم المخصوص بهم الى آخر دولتهم، فانعقدت السلم بينه وبين أهل إفريقية على مدعيون ملك قرطاجنّة، ووفد عليه وعقد معه الصلح عن قومه، وزحف قوّاد رومة إلى الغريقيين ونالوا منهم. ثم هلك أنطريس لست وعشرين سنة من ملكه، وولي بعده أخوه فلوباذي فزحف إليه قواد رومة فهزمهم وجال في ممالكهم، ثم كانت حروبه معهم بعدها سجالا.
وزحف إلى اليهود فملك الشام عليهم وولّى الولاة من قبله فيهم وأثخن بالقتل والسبي فيهم، يقال: إنه قتل منهم نحوا من ستين ألفا، وهلك لسبع عشرة سنة من ملكه.
ووليّ بعده ابنه إيفانش وعلى عهده كانت فتنة أهل رومة وأهل افريقية التي اتصلت نحوا من عشرين سنة، وافتتح أهل رومة صقلّيّة وأجاز قوّادهم إلى إفريقية وافتتحوا قرطاجنّة، كما نذكر في أخبارهم، وهلك إيفانش لأربع وعشرين سنة من دولته.
وولي بعده بالإسكندرية ابنه فلو ماطر فزحف الغريقيون إلى رومة، وكان فيهم صاحب مقدونية وأهل أرمينيّة والعراق وظاهرهم ملك النوبة واجتمعوا لذلك، فغلبهم الرومانيون وأسروا صاحب مقدونية، وهلك فلو ماطر لخمس وثلاثين سنة من ملكه. وولي بعده ابنه إيرياطش وعلى عهده استفحل ملك أهل رومة واستولوا على الأندلس وأجازوا البحر إلى قرطاجنة بإفريقية فملكوها وقتلوا ملكها أشدريال وخرّبوا مدينتها بعد أن عمرت تسعمائة سنة من بنائها كما نذكر في أخبارها. وزحف أيضا أهل
رومة إلى الغريقيين فغلبوهم وملكوا عليهم مدينتهم قرنطة من أعظم مدنهم، يقال:
إنها كانت ثانية قرطاجنة.
ثم هلك إيرياطش لسبع وعشرين سنة من مدته وولي بعده ابنه شوطار سبع عشرة سنة وعلى عهده استفحل ملك أهل رومة ومهدوا الأندلس، وملك بعده أخوه الإسكندر عشر سنين، ثم ابنه ديونشيس مائة وثلاثين سنة وعلى عهده استولى الرومانيون على بيت المقدس ووضعوا الجزيرة على اليهود، وزحف قيصر يولش [1] من قوادهم إلى الافرنجة ولمياش أيضا من قوادهم إلى الفرس فغلبوهم جميعا وما حولهم إلى أنطاكية واستولوا على ما كان لهم من ذلك. وخرج الترك من بلادهم فأغاروا على مقدونية فردّهم هامس قائد الرومانيين بالمشرق على أعقابهم.
وهلك ديونشيس فوليت بعده ابنته كلابطرة سنتين فيما قال هروشيوش لخمسة آلاف ونيف من مبدإ الخليقة ولسبعمائة سنة من بناء رومة، وعلى عهدها استبد قيصر يولش بملك رومة وغلب عليها القواد أجمع ومحا دولتهم منها وذلك بعد مرجعه من حرب الافرنج، ثم سار الى المشرق فملك إلى أرمينية ونازعه مبانش هنالك فهزمه قيصر، وفرّ مبانش الى مصر مستنجدا ملكتها وهي يومئذ كلابطره، فبعثت برأسه الى قيصر خوفا منه، فلم يغنها ذلك وزحف قيصر إليها فملك مصر والإسكندرية من كلابطره هذه وانقرض ملك اليونانيين، وولّى قيصر على مصر والاسكندرية وبيت المقدس من قبله وذلك لسبعمائة أو نحوها من بناء رومة ولخمسة آلاف من مبدإ الخليقة.
وذكر البيهقي: إن كلابطره زحفت إلى أرض اللطينيين وقهرتهم، وأرادت العبور إلى الأندلس فحال دونها الجبل الحاجز بين الأندلس والإفرنج فاستعملت في فتحه الحيل [2] والنار حتى نفذت إلى الأندلس، وإنّ مهلكها كان على يد أوغسطس يولش [3] ثاني القياصرة. وكذا ذكر المسعودي وأن ملكت لاثنتين وعشرين سنة، وكان زوجها أنطونيوس مشاركا لها في ملك مقدونية ومصر، وأن قيصر أوغسطس زحف إليهم فهلك زوجها انطونيوس في حروبه، ثم أراد التحكّم في كلابطره ليستولي
[1] وفي نسخة اخرى: قيصر يوليوس.
[2]
(ورد في تاج العروس: الحول والحيل والحول، كعنب هو الحذق وجودة النظر والقدرة على دقة التصرف) .
[3]
وفي نسخة أخرى: اوغسطوس يوليوس.
على حكمتها إذ كانت بقية الحكماء من آل يونان، فخطبها وتحيّلت في إهلاكه وإهلاك نفسها بعد أن اتخذت بعض الحيّات القاتلة التي بين الشام والحجاز وأطلقتها بمجلسها بين رياحين نصبتها هنالك، ولمست الحيّات فهلكت لحينها وأقامت بمكانها كأنها جالسة، ودخل أوغسطس لا يشعر بذلك حتى تناول من تلك الرياحين ليشمها فأصابته الحيّة وهلك لحينه وتمت حيلتها عليه. وانقرض ملك اليونانيين بهلاكها، وذهبت علومهم إلّا ما بقي بأيدي حكمائهم في كتب خزائنهم حتى بحث عنها المأمون وأمر باستخراجها فترجمت له من هروشيوش.
وأمّا ابن العميد فعدّ ملوك مصر والإسكندرية بعد الإسكندر أربعة عشر آخرهم كلابطره كلهم يسمّون بطليموس، كما قال المسعودي. ولم يذكر ملوك المشرق منهم بعد الإسكندر ولا ملوك الشام ولا ملوك مقدونية الذين قسم الملك فيهم كما ذكرناه إلا بذكر ملك أنطاكية من اليونانيين ويسمّيه أنطيوخس كما ذكرناه الآن، وذكر في أسماء ملوك مصر هؤلاء وفي عددهم خلافا كثيرا إلّا أنه سمّى كل واحد منهم بطليموس، فقال في بطليموس الأوّل: إنّه أخو الإسكندر أو مولاه اسمه فلافاذافسد أو أرنداوس أو لوغس أو فيليبس ملك سبعا وقيل أربعين، قال: وفي عصره بنى سلقيوس وأظنه ملك المشرق منهم قمامة وحلب وقنّسرين وسلوقية والاذقية، قال:
ومنها كان الكوهن الأعظم بالقدس سمعان بن خونيّا [1] وبعده أخوه ألعازر، قال:
وفي التاسعة من ملك لوغش جاء أنطيوخس المعظّم إلى بلد اليهود واستعبدهم، وفي الحادية عشر حارب الروم فغلبوه وأسروه وأخذوا منه ابنه أقفاقس رهينة، وفي الثالثة عشر تزوج أنطيوخس كلابطره بنت لوغش زوّجها له أبوها وأخذ سورية بلاد المقدس في مهرها، وفي التاسعة عشر وثب أهل فارس والمشرق على ملكهم فخلعوه وولّوا ابنه ثم هلك لوغش.
قال ابن العميد: بعد مائة وإحدى وثلاثين سنة لليونان ملك بطليموس بن الإسكندروس ويلقّب غالب أثور، وملك مصر والإسكندرية والبلاد الغربية إحدى وعشرين سنة وقيل ثمانيا وثلاثين سنة ويسمّى أيضا فيلادلفوس أي محب أخيه، وهو الّذي استدعى أحبار اليهود وعلماءهم الاثنين وسبعين يترجموا [2] له التوراة وكتب
[1] وفي الإنجيل: سمعان بن يونا.
[2]
الأصح ان يقول ليترجموا.
الأنبياء من العبرانية إلى اليونانية وقابلوها بنسخهم فصحت، وكان من هؤلاء الأحبار سمعان المذكور أوّلا وعاش الى أن حمل على ذراعيه في الهيكل ومات ابن ثلاثمائة وخمسين، وكان منهم ألعازر الّذي قتله أنطيوخس على امتناعه عن السجود لصنمه وقتله ابن سبعين سنة. ويظهر من هذا أنّ بطليموس هو تلماي وإنّه من ملوك مقدونية وملك مصر لأنّ ابن كريّون قال: وفي ذلك الزمان كان تلماي من أهل مقدونية ملك مصر وكان يحبّ العلوم، فاستدعى من اليهود سبعين من أحبارهم وترجموا له التوراة وكتب الأنبياء، وكان في عصره صادوق الكوهن انتهى. وملك خمسا وأربعين سنة.
وملك بعده بطليموس الأرنبا وقيل اسمه رغادي وقيل راكب الأنبر ملك أربعا وعشرين، وقيل سبعا وعشرين، وهو الّذي بنى ملعب الخيل بإسكندرية الّذي أحرق في عصر زينون قيصر. وملك بعده بطليموس محب أخيه ويقال: أوغسطس ويقال فيلادلفس ملك ست عشرة، وكان في عصره أخميم الكوهن. وملك بعده بطليموس الصائغ، ويقال: أخيه [1] ملك خمس سنين وقيل خمسا وعشرين، وعلى عهده كان اليهود الكوهن وكان ضالّا غشوما وقتله بعض خدمه خنقا. وملك بعده بطليموس محب أبيه، وقيل اسمه كلا فاطر [2] ملك سبع عشرة سنة وأخذ الجزية من اليهود. وملك بعده بطليموس المظفّر وقيل الغالب وقيل محب أمّه ملك عشرين وقيل أربعا وعشرين، وفي التاسعة عشرة من ملكه خرج متيتيّا بن يوحنّا بن شمعون الكوهن الأعظم ويعرف بحشمناي من بني يوناداب من نسل هارون، بعث أنطيخوس ملك انطاكية ابنه ألغايش بالعساكر إلى القدس فاعمل الحيلة في ملكها وقتل العازر والكوهن وحمل بني إسرائيل على السجود لآلهته، فهرب متيتيا في جماعة من اليهود الى الجبال، حتى إذا خرجت عساكر يونان رجع إلى القدس ومرّ بالمذبح فوجد يهوديا يذبح خنزيرا عليه، وثار باليونانيين فقتل قائدهم وأخرجهم واستبدّ بملك القدس كما ذكرناه في أخباره.
ثم ملك بطليموس كلاباطر أي محب أبيه خمسا وعشرين سنة وقيل عشرين، وكان في أيامه بالقدس يهود ابن متيتيّا وبعده أخوه يوناداب وبعده أخوه شمعون وبعده
[1] الأصح ان يقول اخوه.
[2]
وفي نسخة اخرى: فيلوباطر.
أخوه هرقانوس واسمه يوحنّان وهو أوّل من تسمّى بالملك من بن حشمناي، وبعث ابنه يوحنّا بالعساكر لقتال قيدونوس قائد أنطيخوس فغلبه، وارتفع عن اليهود الخراج الّذي كانوا يعطونه لملوك سورية من أيام فيلفوس [1] ملك المشرق. وملك بعده بطليموس أرغادي أي الفاضل وقيل بطليموس الصايغ وقيل سانيطر ملك عشرين وقيل ثلاثا وعشرين وقيل ثلاثة عشر، ولعهده جدّد أنطيخوس بناء أنطاكية وسمّاها باسمه، ولعهده كان ملك هرقانوس على القدس وبنيه الثلاثة وخرّب مدينة السامرة سبسطية، ولعهده أيضا زحف أنطيخوس [2] إلى القدس وحاصرها، فصانعه هرقانوس بثلاثمائة كرة من الذهب استخرجها من قبر داود عليه السلام.
ثم ملك على مصر والاسكندرية بطليموس المخلص وقيل مقروطون وقيل شعري ملك ثماني عشرة وقيل عشرين وقيل سبعا وعشرين، ولعهده كان الإسكندروس تلماي بن هرقانوس سابع بني حشمناي بالقدس، وكانت فرقة اليهود عندهم ثلاثة: الربّانيون ثم القرّاءون وهم في الإنجيل زنادقة [3] وهم في الإنجيل الكتبة. ثم [4] على مصر بطليموس محب أمّه وقيل الإسكندروس وقيل قيقتس وقيل الإسكندر وقيل ابن المخلص ملك عشر سنين لا غير، ولعهده كانت الإسكندرة ملكة على بيت المقدس، ولعهده بطلت مملكة سورية لمائتين وسبع عشرة سنة من ملك يونان، وقتل بطليموس هذا قتله أهل إهراقية وأحرقوه. ثم ملك على مصر بطليموس فيناس وقيل إيزيس وقيل المنفي، لأنّ كلابطرة الملكة نفته عن الملك وملك ثمان سنين وقيل ثلاثا وعشرين يوما وقيل ثمانية عشر يوما، وبعضهم أسقطه من البطالسة ولم يذكره. ثم ملك على مصر بطليموس يوناشيش إحدى وعشرين سنة وقيل إحدى وثلاثين وقيل ثلاثين، ولعهده كان أرستبلوس وأخوه هرقانوس على القدس.
ثم ملك على مصر كلابطره بنت ديوناشيش ومعنى هذا الاسم الساكنة على الصخرة ملكت ثلاثين وقيل اثنتين وعشرين وكانت حاذقة، وفي الثالثة من ملكها حفرت خليج الإسكندرية وجرى فيه الماء وبنت باسكندرية هيكل زحل والعاروص وبنت
[1] وفي نسخة اخرى: فيلبوس.
[2]
وفي نسخة اخرى: انطيوخوس.
[3]
بياض بالأصل ومكان البياض (ثم الحيسيد) كما في مكان آخر من الكتاب.
[4]
الواضح انه سقطت كلمة أثناء النسخ فتصبح الجملة. «ثم ملك على مصر» .
مقياسا بأخميم وآخر بمدينة أنصنا، وفي الرابعة من ملكها ملك برومة أغانيوس أوّل القياصرة ملك أربعا ثم يوليوس بعده ثلاثا، ثم أغسطس بن مونوجس فاستولى على الممالك والنواحي وبلغ خبره إليها فحصّنت بلادها وبنت حائطا من الفرماء إلى النوبة شرقي النيل وحائطا آخر من إسكندرية إلى النوبة غربيّ النيل وهو حائط العجوز لهذا العهد. وبعض أوغسطس العساكر إلى مصر مع قائده أنطريوس ومعه مترداب [1] ملك الأرمن، فخادعت كلابطره أنطريوس وأوعدته بتزويجها فقتل رفيقه مترداب وتزوّجها وعصى أوغسطس، فسار أوغسطس إليها وملك مصر وقتل كلا بطرة وولديها وقائده بطريوس [2] الّذي تزوجها. يقال: إنّها وضعت له سمّا في مجلسها وأن أوغسطس تناوله ومات، والله أعلم. وانقرضت مملكة يونان من مصر والاسكندرية والمغرب بملكها وصارت هذه الممالك للروم إلى حين الفتح الإسلامي، انتهى كلام ابن العميد.
والخلاف الّذي ينقله عن جماعة مؤرخيهم يذكر منهم سعيد بن بطريق ويوحنّا فم الذهب والمنجّبي وابن الراهب وابو فانيوس. والظاهر أنهم من مؤرخي النصارى والبقاء للَّه الواحد القهّار سبحانه لا إله غيره ولا معبود سواه.
[1] وفي نسخة اخرى: متردات
[2]
هذا الاسم ورد: أنطريوس وبطريوس في الصفحة ذاتها.