الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مالك بن زيد بن كهلان فانتزعها من زوجها أبي مرّة بن ذي يزن، وقد كانت ولدت منه ابنه معديكرب، وهرب أبو مرّة، ولحق بأطراف اليمن واصطفى أبرهة ريحانة فولدت له مسروق بن أبرهة وأخته بسباسة. وكان لأبرهة غلام يسمّى عمددة، وكان قد ولّاه الكثير من أمره، فكان يفعل الأفاعيل حتى عدا عليه رجل من حمير أو خثعم فقتله وكان حليما فأهدر دمه.
غزو الحبشة الكعبة
ثم إنّ أبرهة بنى كنيسة بصنعاء تسمّى القليس لم ير مثلها وكتب إلى النجاشيّ بذلك، وإلى قيصر في الصنّاع والرخام والفسيفساء، وقال لست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب. وتحدّث العرب بذلك فغضب رجل من السادة، أحد بني فقيم، ثم أحد بني مالك، وخرج حتى أتى القليس فقعد فيها، ولحق بأرضه. وبلغ أبرهة وقيل له الرجل من البيت الّذي يحج إليه العرب، فحلف ليسيرنّ إليه يهدمه. ثم بعث في الناس يدعوهم إلى حج القليس، فضرب الداعي في بلاد كنانة بسهم فقتل وأجمع أبرهة على غزو البيت وهدمه، فخرج سائرا بالحبشة ومعه الفيل. فلقيه ذو نفر الحميريّ وقاتله فهزمه وأسره، واستبقاه دليلا في أرض العرب. قال ابن إسحاق: ولما مرّ بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال ثقيف فأتوه بالطاعة وبعثوا معه أبا رغال دليلا، فأنزله المغمس بين الطائف ومكة فهلك هنالك ورجمت العرب قبره من بعد ذلك قال جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه
…
كما ترمون قبر أبي رغال
ثم بعث أبرهة خيلا من الحبشة، فانتهوا إلى مكة، واستاقوا أموال أهلها، وفيها مائتا بعير لعبد المطلب وهو يومئذ سيد قريش، فهمّوا بقتاله ثم علموا أنّ لا طاقة لهم به فاقصروا. وبعث أبرهة حناطة الحميريّ إلى مكة يعلمهم بمقصده من هدم البيت، ويؤذنهم بالحرب إن اعترضوا دون ذلك، وأخبر عبد المطلب بذلك عن أبرهة، فقال له:
والله ما نريد حربه، وهذا بيت الله فان يمنعه فهو بيته وان يخلي عنه فما لنا نحن من دافع. ثم انطلق به إلى أبرهة، ومرّ بذي نفر وهو أسير، فبعث معه إلى سائس الفيل، وكان صديقا لذي نفر، فاستأذن له على أبرهة، فلما رآه جلّه ونزل عن سريره، فجلس معه على بساطه. وسأله عبد المطلب في الإبل. فقال له أبرهة هلا
سألت في البيت الّذي هو دينك ودين آبائك وتركت البعير. فقال عبد المطلب: أنا ربّ الإبل وللبيت ربّ سيمنعه. فردّ عليه إبله. قال الطبريّ: وكان فيما زعموا قد ذهب مع عبد المطلب عمرو بن لعابة بن عدي بن الرمل سيّد كنانة، وخويلد بن واثلة سيّد هذيل، وعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة ويرجع عن هدم البيت، فأبى عليهم، فانصرفوا. وجاء عبد المطلب وأمر قريشا بالخروج من مكة إلى الجبال والشعاب للتحرّز فيها، ثم قام عند الكعبة ممسكا بحلقة الباب ومعه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه، وعبد المطلب ينشد ويقول:
لا همّ إنّ العبد
…
يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبنّ صليبهم
…
ومحالهم أبدا محالك
وانصر على آل الصليب
…
وعابديه اليوم آلك
في أبيات معروفة.
ثم أرسل الله عليهم الطير الأبابيل من البحر، ترميهم بالحجارة فلا تصيب أحدا منهم إلّا هلك مكانه، وأصابه في موضع الحجر من جسده كالجدري والحصبة فهلك، وأصيب أبرهة في جسده بمثل ذلك، وسقطت أعضاؤه عضوا عضوا، وبعثوا بالفيل ليقدم على مكة فربض ولم يتحرك فنجا. وأقدم فيل آخر فحصب [1] وبعث الله سيلا مجحفا فذهب بهم، وألقاهم في البحر. ورجع أبرهة إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطائر، فانصدع صدره عن قلبه ومات.
ولمّا هلك أبرهة ملك مكانه ابنه يكسوم وبه كان يكنى واستفحل ملكه وأذل حمير وقبائل اليمن ووطئتهم الحبشة، فقتلوا رجالهم ونكحوا نساءهم واستخدموا أبناءهم.
ثم هلك يكسوم بن أبرهة فملك مكانه أخوه مسروق، وساءت سيرته وكثر عسف الحبشة باليمن، فخرج ابن ذي يزن واستجاش عليهم بكسرى، وقدم اليمن بعساكر الفرس، وقتل مسروقا وذهب أمر الحبشة بعد أن توارث ملك اليمن منهم أربعة في اثنتين وسبعين سنة أوّلهم أرباط، ثم أبرهة، ثم ابنه يكسوم، ثم أخوه مسروق بن أبرهة.
[1] أي ضرب بالحصباء.