الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيهم، ونازل الإسكندرية وبها المقوقس وسأله الهدنة إلى مدّة فلم يجبه وحاصرهم ثلاثة أشهر ثم فتحها عنوة وغنم ما فيها وجعلهم ذمة. وقيل إنّ المقوقس صالح عمرا على اثني عشر ألف دينار على أن يخرج من يخرج ويقيم من يقيم باختيارهم وجعل عمرو فيها جندا.
ولما تم فتح مصر والإسكندرية أغزى عمرو العساكر إلى النوبة فلم يظفروا، فلما كان أيام عثمان وعبد الله بن أبي سرح على مصر صالحهم على عدّة رءوس في كل سنة ويهدي إليهم المسلمون طعاما وكسوة فاستمرّ ذلك فيها [1] .
وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات
لما فتحت الأهواز ويزدجرد بمرو كاتبوه واستنجدوه، فبعث إلى الملوك ما بين الباب والسند وخراسان وحلوان يستمدّهم فأجابوه، واجتمعوا إلى نهاوند وعلى الفرس الفيرزان في مائة وخمسين ألف مقاتل. وكان سعد بن أبي وقّاص قد ألّب أقوام عليه من عسكره، وشكوا إلى عمر فبعث محمد بن مسلمة في الكشف عن أمره فلم يسمع إلّا خيرا سوى مقالة من بني عبس، فاستقدمه محمد إلى عمر وخبّره الخبر. وقال:
كيف تصلّي يا سعد؟ قال: أطيل [2] الأولتين وأحذف الأخيرتين. قال: هكذا [3] الظنّ بك، ثم قال: من خليفتك على الكوفة؟ قال: عبد الله بن عبد الله بن عتبان فأقرّه وشافهه بخبر الأعاجم وأشار بالانسياح ليكون أهيب على العدوّ. فجمع عمر الناس واستشارهم بالمسير بنفسه، فمن موافق ومخالف إلى أن اتفق رأيهم على أن يبعث الجنود ويقيم ردءا لهم، وكان ذلك رأي عليّ وعثمان وطلحة وغيرهم، فولّى على حربهم النعمان بن مقرّن المزني وكان على جند الكوفة بعد انصرافهم من حصار السوس، وأمره أن يصير إلى ماء لتجتمع الجيوش عليه ويسير بهم إلى الفيرزان ومن معه. وكتب إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان أن يستنفر الناس مع النعمان، فبعثهم مع حذيفة بن اليمان ومعه نعيم بن مقرّن، وكتب إلى المقترب وحرملة وزرّ الذين كانوا بالأهواز وفتحوا السوس وجنديسابور أن يقيموا بتخوم أصبهان وفارس ويقطعوا المدد
[1] وفي نسخة ثانية: فيما بعد.
[2]
وفي النسخة الباريسية: أصلى الأولتين.
[3]
وفي النسخة الباريسية: هو
عن أهل نهاوند.
واجتمع الناس على النعمان وفيهم حذيفة وجرير والمغيرة وابن عمر وأمثالهم، وأرسل النعمان طليحة وعمرو بن معديكرب طليعة، ورجع عمرو من طريقه. وانتهى طليحة إلى نهاوند ونفض الطرق فلم يلق بها أحدا وأخبر الناس، فرحل النعمان وعبّى المسلمين ثلاثين ألفا، وجعل على مقدمته نعيم بن مقرّن وعلى مجنبتيه حذيفة بن اليمان وسويد بن مقرّن وعلى المجردة القعقاع وعلى الساقة مجاشع بن مسعود. ومع الفيرزان كتائبه وعلى مجنبتيه الزردق وبهمن جادويه مكان ذي الحاجب، وقد توافي إليهم بنهاوند كل من غاب من القادسية من أبطالهم.
فلما تراءى الجمعان كبر المسلمون وحطت العرب الأثقال وتبادر أشراف الكوفة إلى فسطاط النعمان فبنوه، حذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبة وعقبة بن عمرو وجرير بن عبد الله وحنظلة الكاتب وبشير بن الخصاصية والأشعث بن قيس ووائل بن حجر وسعيد بن قيس الهمدانيّ. ثم تزاحفوا للقتال يوم الأربعاء والخميس والحرب سجال ثم أحجروهم في خنادقهم يوم الجمعة وحاصروهم أياما، وسئم المسلمون اعتصامهم بالخنادق وتشاوروا، وأشار طليحة باستخراجهم للمناجزة بالاستطراد فناشبهم القعقاع فبرزوا إليه كأنهم حبال حديد قد تواثقوا أن لا يفرّوا وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا ينهزموا، فلمّا بارزوا استطرد لهم حتى فارقوا الخنادق وقد ثبت لهم المسلمون ونزل الصبر، ثم وقف النعمان على الكتائب وحرّض المسلمين ودعا لنفسه بالشهادة، وقال: إذا كبّرت الثالثة فاحملوا. ثم كبّر وحمل عند الزوال وتجاول الناس ساعة وركدت الحرب ثم انفض الأعاجم وانهزموا وقتلوا ما بين الظهر والعتمة حتى سالت أرض المعركة دما تزلق فيه المشاة حتى زلق فيه النعمان وصرع، وقيل بل أصابه سهم، فسجّاه أخوه نعيم بثوب. وتناول الراية حذيفة بعهده وتواصوا بكتمان موته. وذهب الأعاجم ليلا وعميت عليهم المذاهب، وعقرهم حسك الحديد ووقعوا في اللهب الّذي أعدوه في عسكرهم فمات منهم أكثر من مائة ألف منها نحو ثلاثين ألفا في المعركة، وهرب الفيرزان بعد أن صرع إلى همذان واتبعه نعيم بن مقرّن فأدركه بالثنية دونها وقد سدّتها الأحمال وترجل وصعد في الجبل، وكان نعيم قد قدّم القعقاع أمامه فاعترضه وقتله المسلمون على الثنية، ودخل الفلّ همذان وبها خسروشنوم فنزل المسلمون عليها مع نعيم والقعقاع، ودخل المسلمون نهاوند يوم الوقعة وغنموا ما فيها
وجمعوه إلى صاحب الأقباض السائب بن الأقرع.
ووليّ على الجند حذيفة بعهد النعمان إليه. ثم جاء الهربذ صاحب بيت النار إلى حذيفة فأمّنه وأخرج له سفطين مملو أين [1] جوهرا نفيسا كانا من ذخائر كسرى أودعهما عنده البخرجان [2] فنقلهما المسلمون، وبعث الخمس مع السائب إلى عمر وأخبره بالواقعة وبالفتح بمن استشهد فبكى، وبالسفطين فقال ضعهما [3] في بيت المال والحق بجندك. قال السائب: ثم لحقني رسوله بالكوفة فردني إليه فلما رآني قال: ما لي وللسائب ما هو إلا أن نمت الليلة التي خرجت فيها فباتت الملائكة تسحبني إلى السفطين يشتعلان نارا يتوعدوني بالكي إن لم أقسّمهما فخذهما عني وبعهما في أرزاق المسلمين. فبعتهما بالكوفة من عمرو بن حريث المخزومي بألفي ألف درهم وباعهما عمرو بأرض الأعاجم بضعفهما، فكان له بالكوفة مال. وكان سهم الفارس بنهاوند ستة آلاف والراجل ألفين ولم يكن للفرس من بعدها اجتماع. وكان أبو لؤلؤة قاتل عمر من أهل نهاوند حصل في أسر الروم وأسره الفرس منهم، فكان إذا لقي سبّي نهاوند بالمدينة يبكي ويقول: أكل عمر كبدي. وكان أبو موسى الأشعري قد حضر نهاوند على أهل البصرة فلما انصرف مرّ بالدينور فحاصرها خمسة أيام، ثم صالحوه على الجزية. وسار إلى أهل شيروان [4] فصالحوه كذلك. وبعث السائب بن الأقرع إلى الصيمرة [5] ففتحها صلحها.
ولما اشتدّ الحصار بأهل همذان بعث خسروشنوم إلى نعيم والقعقاع في الصلح على قبول الجزية فأجابوه إلى ذلك ثم اقتدى أهل الماهين وهم الملوك الذين جاءوا لنصرة يزدجرد وأهل همذان، وبعثوا إلى حذيفة فصالحوه. وأمر عمر بالانسياح في بلاد الأعاجم، وعزل عبد الله بن عبد الله بن عتبان عن الكوفة وبعثه في وجه آخر. وولّى مكانه زياد بن حنظلة حليف بني عبد قصيّ واستعفى فأعفاه، وولّى عمار بن ياسر، واستدعى ابن مسعود من حمص فبعثه معه معلما لأهل الكوفة، وأمدّهم بأبي موسى، وأمدّ
[1] وفي نسخة ثانية: صفتين مملوءتين.
[2]
وفي نسخة ثانية: البجرجان.
[3]
وفي النسخة ثانية: صنهما.
[4]
وفي النسخة الباريسية: سيروان
[5]
وفي النسخة الباريسية: العميرة وفي نسخة ثانية: العميرة.