الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكالمتهم، وقال: ما نقمتم من
أمر الحكمين
وقد أمر الله بهما بين الزوجين فكيف بالأمة فقالوا لا يكون هذا بالرأي والقياس فإنّ ذلك جعله الله حكما للعباد وهذا أمضاه كما أمضى حكم الزاني والسارق. قال ابن عباس: قال الله تعالى يَحْكُمُ به ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ 5: 95، قالوا والأخرى كذلك وليس أمر الصيد والزوجين كدماء المسلمين. ثم قالوا له: قد كنّا بالأمس نقاتل عمرو بن العاص فان كان عدلا فعلى ما قتلناه وان لم يكن عدلا فكيف يسوغ تحكيمه؟ وأنتم قد حكمتم الرجال في أمر معاوية وأصحابه والله تعالى قد امضى حكمه فيهم أن يقتلوا أو يرجعوا وجعلتم بينكم الموادعة في الكتب وقد قطعها الله بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة.
ثم جاء عليّ إلى فسطاط يزيد بن قيس منهم بعد أن علم أنهم يرجعون إليه في رأيهم، فصلّى عنده ركعتين وولّاه على أصبهان والريّ، ثم خرج إليهم وهم في مجلس ابن عبّاس فقال من زعيمكم قالوا: ابن الكوّاء قال: فما هذا الخروج؟ قالوا لحكومتكم يوم صفين، قال أنشدكم الله أتعلمون أنّه لم يكن رأيي وإنما كان رأيكم مع أني اشترطت على الحكمين أن يحكما بحكم القرآن فان فعلا فلا ضير وإنّ خالفا فلا خير ونحن برآء من حكمهم، قالوا فتحكيم الرجال في الدماء عدل؟ قال إنّما حكمنا القرآن إلا أنه لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال، قالوا: فلم جعلتم الأجل بينكم؟ قال لعلّ الله يأتي فيه بالهدنة بعد افتراق الأمة فرجعوا إلى رأيه، وقال ادخلوا مصركم فلنمكث ستة أشهر حتى يجبى المال ويسمن الكراع ثم نخرج الى عدوّنا فدخلوا من عند آخرهم.
أمر الحكمين
ولما انقضى الأجل وحان وقت الحكمين بعث عليّ أبا موسى الأشعري في أربعمائة رجل عليهم شريح بن هانئ الحارثي ومعهم عبد الله بن عبّاس يصلى بهم، وأوصى شريحا بموعظة عمر، فلما سمعها قال متى كنت أقبل مشورة عليّ وأعتدّ برأيه؟ قال وما يمنعك أن تقبل من سيد المسلمين، وأساء الرّد عليه فسكت عنه. وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام والتقوا بأذرح من دومة الجندل، فكان أصحاب عمرو أطوع من أصحاب ابن عباس لابن عبّاس، حتى لم يكونوا يسألوه عن كتاب معاوية إذا جاءه، ويسأل أهل العراق ابن عبّاس ويتهمونه، وحضر مع الحكمين:
عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن ابن الحرث بن هشام، وعبد الرحمن بن عبد يغوث الزهري، وأبو جهم بن حذيفة العدويّ، والمغيرة بن شعبة، وسعد بن أبي وقّاص على خلاف فيه، وقيل قدم على حضوره فأحرم بعمرة من بيت المقدس.
ولما اجتمع الحكمان قال عمرو لأبي موسى: أتعلم أنّ عثمان قتل مظلوما وأنّ معاوية وقومه أولياؤه، قال: بلى، قال: فما يمنعك منه وهو في قريش كما علمت وإن قصّرت به السابقة قدّمه حسن السياسة وأنه صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكاتبه وصاحبه والطالب بدم عثمان وعرّض بالولاية، فقال أبو موسى: يا عمرو اتّق الله واعلم أنّ هذا الأمر ليس بالشرف وإلّا لكان لآل أبرهة بن الصبّاح وإنّما هو بالدين والفضل مع أنّه لو كان بشرف قريش لكان لعلي بن أبي طالب وما كنت لأرى لمعاوية طلبه دم عثمان وأوليه وأدع المهاجرين الأوّلين. وأما تعرضيك بالولاية فلو خرج لي معاوية عن سلطانه ما وليته وما أرتشي في حكم الله، ثم دعاه إلى تولية عبد الله بن عمر، فقال له عمرو: فما يمنعك من ابني وهو من علمت؟ فقال: هو رجل صدق ولكنك غمسته في الفتنة، فقال عمرو: إنّ هذا الأمر لا يصلح إلّا لرجل له ضرس يأكل ويطعم. وكانت في ابن عمر غفلة وكان ابن الزبير بإزائه فنبهه لما قال: فقال ابن عمر: لا أرشو عليها أبدا. ثم قال أبو موسى: يا ابن العاص إنّ العرب أسندت أمرها إليك بعد المقارعة بالسيوف فلا تردّنهم في فتنة، قال له:
فخبّرني ما رأيك، قال: أرى أن نخلع الرجلين ونجعل الأمر شورى يختار المسلمون لأنفسهم. فقال عمرو: والرأي ما رأيت.
ثم أقبلوا على الناس وهم ينتظرونهم، وكان عمرو قد عوّد أبا موسى أن يقدّمه في الكلام لما له من الصحبة والسنّ، فقال: يا أبا موسى أعلمهم أنّ رأينا قد اتفق، فقال: إنّا رأينا أمرا نرجو الله أن يصلح به الأمة، فقال له ابن عبّاس: ويحك أظنه خدعك فاجعل له الكلام قبلك، فأبى وقال: أيها الناس إنا نظرنا في أمر الأمة فلم نر أصلح لهم مما اتفقنا عليه وهو أن نخلع علينا ومعاوية ويولّي الناس أمرهم من أحبّوا وإني قد خلعتهما فولوا من رأيتموه أهلا، فقال عمرو: إنّ هذا قد خلع صاحبه وقد خلعته كما خلعه وأثبتّ معاوية فهو ولّي ابن عفّان وأحق الناس بمقامه. ثم غدا ابن عبّاس وسعد على أبي موسى بالأئمة فقال: ما أصنع غدرني ورجع بالأئمة على