المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم - تاريخ ابن خلدون - جـ ٢

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌الكتاب الثاني ويشتمل: أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة الى هذا العهد

- ‌المقدّمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

- ‌المقدّمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

- ‌القول في أجيال العرب وأوّليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها

- ‌برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها

- ‌الطبقة الاولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإمام بملكهم ودولهم على الجملة

- ‌الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه الى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم

- ‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

- ‌ملك الحبشة اليمن

- ‌غزو الحبشة الكعبة

- ‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

- ‌الخبر عن ملوك بابل من النبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة

- ‌الخبر عن القبط وأوّلية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والإلمام بنسبهم

- ‌الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الأرض المقدّسة بالشام وكيف تجدّدت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال

- ‌الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع الى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت

- ‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

- ‌الخبر عن افتراق بنى إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين الى انقراضه

- ‌الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم الى حين انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأوّل وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيردوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى

- ‌ابتداء أمر انظفتر [1] أبو هيردوس

- ‌انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه

- ‌الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الاقسة على تدوين شريعته

- ‌الخبر عن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم الى تمامه وانقراضه

- ‌الطبقة الاولى من الفرس وذكر ملوكهم وما صار اليه في الخليقة أحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم

- ‌الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم الى نهايتها

- ‌الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية والخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي

- ‌الخبر عن دولة يونان والروم وأنسابهم ومصايرهم

- ‌الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان الى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن اللطينيين وهم الكيتم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل إفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

- ‌الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية الى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم

- ‌الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس الى حين الفتح الإسلامي وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر افاريقهم وأنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلافها والبادية والرحالة منهم وملكها

- ‌الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

- ‌الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها

- ‌الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الّذي كان فيها

- ‌الخبر عن بطون كهلان من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها

- ‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيِّئ من بعدهم

- ‌ملوك كندة الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم

- ‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

- ‌الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن بني عدنان وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك اليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة

- ‌أمر النبوّة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الاباية والحرب

- ‌المولد الكريم وبدء الوحي

- ‌بدء الوحي

- ‌هجرة الحبشة

- ‌ العقبة الثانية

- ‌الهجرة

- ‌الغزوات

- ‌الأبواء:

- ‌بواط:

- ‌البعوث:

- ‌غزوة بدر الثانية:

- ‌غزوة الكدر:

- ‌غزوة السويق:

- ‌ذي أمرّ:

- ‌نجران:

- ‌قتل كعب بن الأشرف:

- ‌غزوة بني قينقاع:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

- ‌قتل ابن أبي الحقيق:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌بعث الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الصغرى الموعد:

- ‌غزوة دومة الجندل:

- ‌غزوة الخندق

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌غزوة الغابة وذي قرد

- ‌غزاة بني المصطلق:

- ‌عمرة الحديبيّة

- ‌إرسال الرسل الى الملوك

- ‌غزوة خيبر

- ‌فتح فدك ووادي القرى

- ‌عمرة القضاء

- ‌غزوة جيش الأمراء

- ‌فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌حصار الطائف وغزوة تبوك

- ‌إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف وهدم اللات

- ‌الوفود

- ‌ حجة الوداع

- ‌العمال على النواحي

- ‌خبر العنسيّ

- ‌بعث أسامة:

- ‌أخبار الأسود ومسيلمة وطليحة:

- ‌مرضه صلى الله وسلم عليه:

- ‌خبر السقيفة

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الرّدة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

- ‌بعث الجيوش للمرتدين

- ‌خبر طليحة

- ‌خبر هوازن وسليم وبني عامر

- ‌خبر بني تميم وسجاح

- ‌البطاح ومالك بن نويرة

- ‌خبر مسيلمة واليمامة

- ‌ردّه الحطم وأهل البحرين

- ‌ردة أهل عمان ومهرة واليمن [2]

- ‌بعوث العراق وصلح الحيرة

- ‌فتح الحيرة

- ‌فتح ما وراء الحيرة

- ‌فتح الأنبار وعين التمر وتسمّى هذه الغزوة ذات العيون

- ‌الوقائع بالعراق

- ‌بعوث الشام

- ‌بعوث الشام

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌فتح دمشق

- ‌خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد الى الشام

- ‌ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق ومقتله

- ‌أخبار القادسية

- ‌فتح المدائن وجلولاء بعدها

- ‌ولاية عتبة بن غزوان على البصرة

- ‌وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها

- ‌وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس

- ‌مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وارمينية

- ‌غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبي موسى

- ‌بناء البصرة والكوفة

- ‌فتح الأهواز والسوس بعدهما

- ‌مسير المسلمين الى الجهات للفتح

- ‌مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس

- ‌فتح مصر

- ‌وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات

- ‌فتح همذان

- ‌فتح الريّ

- ‌فتح أذربيجان

- ‌فتح الباب

- ‌فتح موقان وجبال ارمينية

- ‌غزو الترك

- ‌فتح خراسان

- ‌فتوح فارس

- ‌إصطخر:

- ‌بسا ودرابجرد:

- ‌كرمان:

- ‌سجستان:

- ‌مكران:

- ‌خبر الأكراد

- ‌مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه

- ‌نقض أهل الاسكندرية وفتحها

- ‌ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح أرمينية وأذربيجان

- ‌ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية

- ‌فتح قبرص

- ‌ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان

- ‌ولاية سعيد بن العاص الكوفة

- ‌غزو طبرستان

- ‌غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

- ‌مقتل يزدجرد

- ‌ظهور الترك بالثغور

- ‌بدء الانتقاض على عثمان رضي الله عنه

- ‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

- ‌بيعة علي رضي الله عنه

- ‌أمر الجمل

- ‌انتقاض محمد بن أبي حذيفة بمصر ومقتله

- ‌ولاية قيس بن سعد على مصر

- ‌مبايعة عمرو بن العاص لمعاوية

- ‌أمر صفين

- ‌ أمر الحكمين

- ‌أمر الخوارج وقتالهم

- ‌ولاية عمرو بن العاص مصر

- ‌دعاء ابن الحضرميّ بالبصرة لمعاوية ومقتله

- ‌ولاية زياد على فارس

- ‌فراق ابن عبّاس لعلي رضي الله عنهم

- ‌مقتل علي

- ‌بيعة الحسن وتسليمه الأمر لمعاوية

الفصل: ‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

أوّل ملك كان للعرب بالشام فيما علمناه للعمالقة، ثم لبني إرم بن سام ويعرفون بالأرمانيين. وقد ذكرنا خلاف الناس في العمالقة الذين كانوا بالشام هل هم من ولد عمليق بن لاوذ بن سام أو من ولد عماليق بن أليفاز بن عيصو، وأنّ المشهور والمتعارف أنهم من عمليق بن لاوذ. كان بنو إرم يومئذ بادية في نواحي الشام والعراق، وقد ذكروا في التوراة، وكان لهم مع ملوك الطوائف حروب كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك كله من قبل، وكان آخر هؤلاء العمالقة ملك السميدع بن هوثر وهو الّذي قتله يوشع بن نون حين تغلب بنو إسرائيل على الشام، وبقي في عقبه ملك في بني الظرب بن حسّان من بني عاملة العماليق، وكان آخرهم ملكا الزبّاء بنت عمرو بن السميدع.

وكانت قضاعة مجاورين لهم في ديارهم بالجزيرة وغلبوا العمالقة لما فشل ريحهم. فلما هلكت الزبّاء وانقرض أمر بني الظرب بن حسّان، ملك أمر العرب تنوخ من بطون قضاعة، وهم تنوخ بن مالك بن فهم بن تيم الله بن الأسود بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وقد تقدّم ذكر نزولهم بالحيرة والأنبار ومجاورتهم للأرمانيين. فملك من تنوخ ثلاثة ملوك فيما ذكر المسعودي: النعمان بن عمرو، ثم ابنه عمرو بن النعمان، ثم أخوه الحوار بن عمرو، وكانوا مملكين من قبل الروم. ثم تلاشى أمر تنوخ واضمحلّ وغلبت عليهم سليح من بطون قضاعة، ثم الضجاعم منهم من ولد ضجعم بن سعد بن سليح واسمه عمرو بن حولان بن عمران بن الحاف فتنصّروا وملّكتهم الروم على العرب وأقاموا على ذلك مدّة، وكان نزولهم ببلاد مؤاب من أرض البلقاء. ويقال: إنّ الّذي ولّى سليح على نواحي الشام هو قيصر طيطش بن قيصر ماهان.

قال ابن سعيد: كان لبني سليح دولتان في بني ضجعم وبني العبيد، فأمّا بنو ضجعم فملكوا إلى أن جاءهم غسّان فسلبوهم ملكهم، وكان آخرهم زياد بن الهبولة سار بمن أبقى السيف منهم إلى الحجاز فقتله والي الحجاز للتبابعة حجر آكل المرار. قال: ومن النسّابين من يطلق تنوخ على بني ضجعم ودوس الذين تنخوا بالبحرين أي أقاموا، ثم

ص: 333

سار الضجاعم إلى بريّة الشام ودوس إلى بريّة العراق. قال: وأمّا بنو العبيد بن الأبرص بن عمرو بن أشجع بن سليح فتوارثوا الملك بالحضر الّذي آثاره باقية في برية سنجار، والمشهور منهم الضيزن بن معاوية بن العبيد المعروف عند الجرامقة بالساطرون وقصّته مع سابور معروفة أهـ كلام ابن سعيد. ثم استحالت صبغة الرئاسة عن العرب لحمير وصارت إلى كهلان إلى بلاد الحجاز، ولما فصلت الأزد من اليمن كان نزولهم ببلاد عكّ ما بين زبيد وزمع فحاربوهم وقتلوا ملك عكّ قتله ثعلبة بن عمرو مزيقياء. قال بعض أهل اليمن، عكّ بن عدنان بن عبد الله بن أدد. قال الدار الدّارقطنيّ: عكّ بن عبد الله بن عدثان بالثاء المثلثة وضم العين ولا خلاف أنه بنونين كما لم يختلف في دوس بن عدثان قبيلة من الأزد أنه بالثاء المثلثة. ثم نزلوا بالظهران وقاتلوا جرهم بمكّة، ثم افترقوا في البلاد فنزل بنو نصر بن الأزد الشراة وعمان ونزل بنو ثعلبة بن عمرو مزيقياء بيثرب وأقام بنو حارثة بن عمر وبمرّ الظهران بمكّة وهم يقال لهم خزاعة.

وقال المسعودي: سار عمرو مزيقياء حتى إذا كان الشراة بمكّة أقام هنالك بنو نصر بن الأزد وعمران الكاهن، وعديّ بن حارثة بن عمرو بالأزد حتى نزلوا بين بلاد الأشعريّين وعكّ على ماء يقال له غسّان بين واديين يقال لهما زبيد وزمع فشربوا من ذلك الماء فسمّوا غسان، وكانت بينهم وبين معدّ حروب إلى أن ظفرت بهم معدّ فأخرجوهم إلى الشراة وهو جبل الأزد الذين هم به وهم على تخوم الشام ما بينه وبين الجبال مما يلي أعمال دمشق والأردن.

قال ابن الكلبي: ولد عمرو بن عامر مزيقياء جفنة ومنه الملوك والحرث وهو محرق أوّل من عاقب بالنار، وثعلبة وهو العنقا، وحارثة وأبا حارثة ومالكا وكعبا ووداعة وهو في همدان وعوفا ودهل وائل ودفع ذهل إلى نجران ومنه أسقف عبيدة وذهلا وقيسا درج هؤلاء الثالثة وعمران بن عمرو فلم يشرب ابو حارثة ولا عمران ولا وائل ماء غسّان فليس يقال لهم غسّان. وبقي من أولاد مزيقياء ستة شربوا منه فهم غسّان وهم: جفنة وحارثة وثعلبة ومالك وكعب وعوف، ويقال إنّ ثعلبة وعوفا لم يشربا منه، ولمّا نزلت غسّان الشام جاوروا الضجاعم وقومهم من سليح ورئيس غسّان يومئذ ثعلبة بن عمرو بن المجالة بن الحرث بن عمرو بن عديّ بن عمرو بن مازن بن الأزد، ورئيس الضجاعم يومئذ داود اللثق بن هبولة بن عمرو بن عوف بن

ص: 334

ضجعم. وكانت الضجاعم هؤلاء ملوكا على العرب عمالا للروم كما قلناه، يجمعون ممن نزل بساحتهم لقيصر، فغلبتهم غسّان على ما بأيديهم من رياسة العرب لما كانت صبغة رياستهم الحميرية قد استحالت وعادت إلى كهلان وبطونها وعرفت الرئاسة منها باليمن قبل فصولهم، وربّما كانوا أولى عدّة وقوّة، وإنّما العزة للكاثر وكانت غسّان لأوّل نزولها بالشام طالبها ملوك الضجاعم بالإتاوة فمانعتهم غسّان فاقتتلوا فكانت الدائرة على غسّان، وأقرّت بالصغار وأدت الإتاوة حتى نشأ جذع بن عمرو [1] بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد، ورجال سليح من ولد رئيسهم داود اللثق وهو سبطة بن المنذر بن داود ويقال بل قتلة. فالتقوا فغلبتهم غسّان وأقادتهم وتفرّدوا بملك الشام وذلك عند فساد كان بين الروم وفارس، فخاف ملك الروم أن يعينوا عليه فارسا، فكتب إليهم واستدناهم ورئيسهم يومئذ ثعلبة بن عمرو أخو جذع بن عمرو، وكتبوا بينهم الكتاب على أنه إن دهمهم أمر من العرب أمدّهم بأربعين ألفا من الروم وإن دهمه أمر أمدته غسّان بعشرين ألفا، وثبت ملكهم على ذلك وتوارثوه. أوّل من ملك منهم ثعلبة بن عمرو فلم يزل ملكها إلى أن هلك وولي مكانه منهم ثعلبة بن عمرو مزيقياء.

قال الجرجاني: وبعد ثعلبة بن عمرو ابنه الحرث بن ثعلبة يقال إنّه ابن مارية، ثم بعده ابنه المنذر بن الحرث، ثم ابنه النعمان بن المنذر بن الحرث، ثم أبو بشر بن الحرث بن جبلة بن الحرث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، هكذا نسبه بعض النسّاب، والصحيح أنه ابن عوف بن الحرث بن عوف بن عمرو بن عديّ بن عمرو بن مازن، ثم الحرث الأعرج ابن أبي شمر، ثم عمرو بن الحرث الأعرج، ثم المنذر بن الحرث الأعرج، ثم الأيهم بن جبلة بن الحرث بن جبلة بن الحرث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، ثم ابنه جبله.

وقال المسعودي: أوّل من ملك منهم الحرث بن عمرو مزيقياء، ثم بعده الحرث بن ثعلبة بن جفنة وهو ابن مارية ذات القرطين، وبعده النعمان بن الحرث بن جفنة بن الحرث، ثم أبو شمر بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن الحارث، ثم ملك بعده أخوه المنذر بن الحارث، ثم أخوه جبلة بن الحارث، ثم بعده عوف بن أبي شمر، ثم

[1] انظر مجمع الأمثال في قوله خذ من جذع ما أعطاك أهـ.

ص: 335

بعده الحارث بن أبي شمر وعلى عهده كانت البعثة وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم فيمن كتب إليه من ملوك تهامة والحجاز واليمن وبعث إليه شجاع بن وهب الأسدي يدعوه إلى الإسلام ويرغبه في الدين كذا عند ابن إسحاق. وكان النعمان بن المنذر على عهد الحارث بن أبي شمر هذا وكانا يتنازعان في الرئاسة ومذاهب المدح، وكان شعراء العرب تفد عليهما مثل الأعشى وحسّان بن ثابت وغيرهما.

(ومن شعر حسّان) رضي الله تعالى عنه في مدح أبناء جفنة:

للَّه درّ عصابة نادمتهم

يوما بجلّق في الزمان الأوّل

أولاد جفنة حول قبر أبيهم

قبر ابن مارية الكريم المفضل

يغشون حتى ما تهرّ كلابهم

لا يسألون عن السواد المقبل

ثم ملك بعد الحارث بن أبي شمرا ابنه النعمان، ثم ملك بعده جبلة بن الأيهم بن جبلة، وجبلة جدّه هو الّذي ملك بعد أخويه شمر والمنذر.

وقال ابن سعيد: أوّل من ملك من غسّان بالشام وأذهب ملك الضجاعم جفنة بن مزيقياء. ونقل عن صاحب تواريخ الأمم: لما ملك جفنة بنى جلّق وهي دمشق وملك خمسا وأربعين سنة، واتصل الملك في بنيه إلى أن كان منهم الحارث الأعرج ابن أبي شمر وأمه مارية ذات القرطين من بني جفنة بنت الهانئ المذكورة في شعر حسّان بأرض البلقاء ومعان. قال ابن قتيبة: وهو الّذي سار إليه المنذر بن ماء السماء من ملوك الحيرة في مائة ألف، فبعث إليه الحارث مائة من قبائل العرب فيهم لبيد الشاعر وهو غلام، فأظهروا أنهم رسل في الصلح حتى إذا أحاطوا برواق المنذر فتكوا به وقتلوا جميع من كان معه في الرواق وركبوا خيولهم، فمنهم من نجا ومنهم من قتل.

وحملت غسّان على عسكر المنذر وقد اختطوا فهزموهم، وكانت حليمة بنت الحارث تحرّض الناس وهم منهزمون على القتال فسمي يوم حليمة [1] ، ويقال إنّ النجوم ظهرت فيه بالنهار من كثرة العجاج. ثم توالى الملك في ولد الحارث الأعرج إلى أن ملك منهم جفنة بن المنذر بن الحارث الأعرج وهو محرق لأنه حرق الحيرة دار ملك آل النعمان، وكان جوّالا في الآفاق وملك ثلاثين سنة. ثم كان ثالثة في الملك النعمان

[1] جاء في «أيام العرب» ان غسان أو شكت على الهزيمة فخرجت حليمة بالعطر على الجنود وأخذت ترشهم به وتحرضهم على قتل المنذر، وتعد القاتل بأنها ستتزوجه فبعث ذلك الحماسة في القلوب، واندفعت غسان في القتال حتى تغلبت على المناذرة.

ص: 336

بن عمرو بن المنذر الّذي بنى قصر السويدا وقصر حارث عند صيدا وهو مذكور في شعر النابغة [1] ولم يكن أبوه ملكا وإنما كان يغزو بالجيوش [2] ، ثم ملك جبلة بن النعمان وكان منزله بصفّين وهو صاحب عين أباغ يوم كانت له الهزيمة فيه على المنذر بن المنذر ابن ماء السماء وقتل المنذر في ذلك اليوم، ثم اتصل الملك في تسعة منهم بعده وكان العاشر أبو كرب النعمان بن الحارث الّذي رثاه النابغة وكان منزله بالجولان من جهة دمشق، ثم ملك الأيهم بن جبلة بن الحارث وكان له رأي في الإفساد بين القبائل حتى أفنى بعضهم بعضا فعل ذلك ببني جسر وعاملة وغيرهم وكان منزله بتدمر وملك بعده منهم خمسة، فكان السادس منهم ابنه جبلة بن الأيهم وهو آخر ملوكهم أهـ.

كلام ابن سعيد.

واستفحل ملك جبلة هذا وجاء الله بالإسلام وهو على ملكه، ولما افتتح المسلمون الشام أسلم جبلة وهاجر إلى المدينة، واستشرف أهل المدينة لمقدمه حتى تطاول النساء من خدورهنّ لرؤيته لكرم وفادته، وأحسن عمر رضي الله عنه نزله وأكرم وفادته وأجلّه بأرفع رتب المهاجرين، ثم غلب عليه الشقاء ولطم رجلا من المسلمين من فزارة وطئ فضل إزاره وهو يسحبه في الأرض، ونابذه إلى عمر رضي الله عنه في القصاص فأخذته العزّة بالإثم، فقال له عمر رضي الله عنه: لا بدّ أن أقيده منك، فقال له: اذن أرجع عن دينكم هذا الّذي يقاد فيه للسوقة من الملوك، فقال له عمر رضي الله عنه: اذن أضرب عنقك، فقال أمهلني الليلة حتى أرى رأيي، واحتمل رواحله وأسرى فتجاوز الدروب الى قيصر ولم يزل بالقسطنطينية حتى مات سنة عشرين من الهجرة. وفيما تذكره الثقات أنه ندم ولم يزل باكيا على فعلته تلك وكان فيما يقال يبعث بالجوائز الى حسان بن ثابت لما كان منه في مدح قومه ومدحه في الجاهلية. وعند ابن هشام أنّ شجّاع بن وهب إنما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبلة.

قال المسعودي: جميع ملوك غسّان بالشام أحد عشر ملكا وقال: إنّ النعمان والمنذر إخوة جبلة وأبي شمر وكلهم بنو الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة ملكوا كلهم.

[1] وفي أبيات النابغة وردت حارب لا حارث حيث يقول:

لئن كان للقصرين: قصر يحلق

وقصر بصيداء الّذي عند حارب

[2]

وفي نسخة ثانية: الجيش.

ص: 337

قال: وقد ملك الروم على الشام من غير آل جفنة مثل: الحارث الأعرج وهو أبو شمر بن عمرو بن الحارث بن عوف وعوف هذا جدّ ثعلبة بن عامر قاتل داود اللثق، وملكوا عليهم أيضا أبا جبيلة بن عبد الله بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن ثعلبة بن مزيقياء وهو أبو جبيلة الّذي استصرخه مالك بن العجلان على يهود يثرب حسبما نذكر بعد.

وقال ابن سعيد عن صاحب تواريخ الأمم: إنّ جميع ملوك بني جفنة اثنان وثلاثون ومدّتهم ستمائة سنة، ولم يبق لغسّان بالشام قائمة، وورث أرضهم بها قبيلة طيِّئ.

قال ابن سعيد: وأمراؤهم بنو مرا وأمّا الآن فأمراؤهم بنو مهنّا وهما معا لربيعة بن عليّ ابن مفرّج بن بدر بن سالم بن عليّ بن سالم بن قصة بن بدر بن سميع. وقامت غسان بعد منصرفها من الشام بأرض القسطنطينية حتى انقرض ملك القياصرة، فتجهزوا إلى جبل شركس، وهو ما بين بحر طبرستان وبحر نيطش الّذي يمدّه خليج القسطنطينية، وفي هذا الجبل باب الأبواب وفيه من شعوب الترك المتنصّرة الشركس وأركس واللاص وكسا ومعهم أخلاط من الفرس ويونان، والشركس غالبون على جميعهم، فانحازت قبائل غسّان إلى هذا الجبل عند انقراض القياصرة والروم وتحالفوا معهم واختلطوا بهم ودخلت أنساب بعضهم في بعض، حتى ليزعم كثير من الشركس أنّهم من نسب غسّان. وللَّه حكمة بالغة في خلقه والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا انقضاء لملكه ولا ربّ غيره.

ص: 338