المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فتح مكة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عقد - تاريخ ابن خلدون - جـ ٢

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌الكتاب الثاني ويشتمل: أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة الى هذا العهد

- ‌المقدّمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

- ‌المقدّمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

- ‌القول في أجيال العرب وأوّليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها

- ‌برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها

- ‌الطبقة الاولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإمام بملكهم ودولهم على الجملة

- ‌الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه الى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم

- ‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

- ‌ملك الحبشة اليمن

- ‌غزو الحبشة الكعبة

- ‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

- ‌الخبر عن ملوك بابل من النبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة

- ‌الخبر عن القبط وأوّلية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والإلمام بنسبهم

- ‌الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الأرض المقدّسة بالشام وكيف تجدّدت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال

- ‌الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع الى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت

- ‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

- ‌الخبر عن افتراق بنى إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين الى انقراضه

- ‌الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم الى حين انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأوّل وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيردوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى

- ‌ابتداء أمر انظفتر [1] أبو هيردوس

- ‌انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه

- ‌الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الاقسة على تدوين شريعته

- ‌الخبر عن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم الى تمامه وانقراضه

- ‌الطبقة الاولى من الفرس وذكر ملوكهم وما صار اليه في الخليقة أحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم

- ‌الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم الى نهايتها

- ‌الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية والخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي

- ‌الخبر عن دولة يونان والروم وأنسابهم ومصايرهم

- ‌الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان الى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن اللطينيين وهم الكيتم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل إفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

- ‌الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية الى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم

- ‌الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس الى حين الفتح الإسلامي وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر افاريقهم وأنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلافها والبادية والرحالة منهم وملكها

- ‌الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

- ‌الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها

- ‌الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الّذي كان فيها

- ‌الخبر عن بطون كهلان من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها

- ‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيِّئ من بعدهم

- ‌ملوك كندة الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم

- ‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

- ‌الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن بني عدنان وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك اليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة

- ‌أمر النبوّة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الاباية والحرب

- ‌المولد الكريم وبدء الوحي

- ‌بدء الوحي

- ‌هجرة الحبشة

- ‌ العقبة الثانية

- ‌الهجرة

- ‌الغزوات

- ‌الأبواء:

- ‌بواط:

- ‌البعوث:

- ‌غزوة بدر الثانية:

- ‌غزوة الكدر:

- ‌غزوة السويق:

- ‌ذي أمرّ:

- ‌نجران:

- ‌قتل كعب بن الأشرف:

- ‌غزوة بني قينقاع:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

- ‌قتل ابن أبي الحقيق:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌بعث الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الصغرى الموعد:

- ‌غزوة دومة الجندل:

- ‌غزوة الخندق

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌غزوة الغابة وذي قرد

- ‌غزاة بني المصطلق:

- ‌عمرة الحديبيّة

- ‌إرسال الرسل الى الملوك

- ‌غزوة خيبر

- ‌فتح فدك ووادي القرى

- ‌عمرة القضاء

- ‌غزوة جيش الأمراء

- ‌فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌حصار الطائف وغزوة تبوك

- ‌إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف وهدم اللات

- ‌الوفود

- ‌ حجة الوداع

- ‌العمال على النواحي

- ‌خبر العنسيّ

- ‌بعث أسامة:

- ‌أخبار الأسود ومسيلمة وطليحة:

- ‌مرضه صلى الله وسلم عليه:

- ‌خبر السقيفة

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الرّدة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

- ‌بعث الجيوش للمرتدين

- ‌خبر طليحة

- ‌خبر هوازن وسليم وبني عامر

- ‌خبر بني تميم وسجاح

- ‌البطاح ومالك بن نويرة

- ‌خبر مسيلمة واليمامة

- ‌ردّه الحطم وأهل البحرين

- ‌ردة أهل عمان ومهرة واليمن [2]

- ‌بعوث العراق وصلح الحيرة

- ‌فتح الحيرة

- ‌فتح ما وراء الحيرة

- ‌فتح الأنبار وعين التمر وتسمّى هذه الغزوة ذات العيون

- ‌الوقائع بالعراق

- ‌بعوث الشام

- ‌بعوث الشام

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌فتح دمشق

- ‌خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد الى الشام

- ‌ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق ومقتله

- ‌أخبار القادسية

- ‌فتح المدائن وجلولاء بعدها

- ‌ولاية عتبة بن غزوان على البصرة

- ‌وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها

- ‌وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس

- ‌مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وارمينية

- ‌غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبي موسى

- ‌بناء البصرة والكوفة

- ‌فتح الأهواز والسوس بعدهما

- ‌مسير المسلمين الى الجهات للفتح

- ‌مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس

- ‌فتح مصر

- ‌وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات

- ‌فتح همذان

- ‌فتح الريّ

- ‌فتح أذربيجان

- ‌فتح الباب

- ‌فتح موقان وجبال ارمينية

- ‌غزو الترك

- ‌فتح خراسان

- ‌فتوح فارس

- ‌إصطخر:

- ‌بسا ودرابجرد:

- ‌كرمان:

- ‌سجستان:

- ‌مكران:

- ‌خبر الأكراد

- ‌مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه

- ‌نقض أهل الاسكندرية وفتحها

- ‌ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح أرمينية وأذربيجان

- ‌ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية

- ‌فتح قبرص

- ‌ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان

- ‌ولاية سعيد بن العاص الكوفة

- ‌غزو طبرستان

- ‌غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

- ‌مقتل يزدجرد

- ‌ظهور الترك بالثغور

- ‌بدء الانتقاض على عثمان رضي الله عنه

- ‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

- ‌بيعة علي رضي الله عنه

- ‌أمر الجمل

- ‌انتقاض محمد بن أبي حذيفة بمصر ومقتله

- ‌ولاية قيس بن سعد على مصر

- ‌مبايعة عمرو بن العاص لمعاوية

- ‌أمر صفين

- ‌ أمر الحكمين

- ‌أمر الخوارج وقتالهم

- ‌ولاية عمرو بن العاص مصر

- ‌دعاء ابن الحضرميّ بالبصرة لمعاوية ومقتله

- ‌ولاية زياد على فارس

- ‌فراق ابن عبّاس لعلي رضي الله عنهم

- ‌مقتل علي

- ‌بيعة الحسن وتسليمه الأمر لمعاوية

الفصل: ‌ ‌فتح مكة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عقد

‌فتح مكة

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عقد الصلح بينه وبين قريش في الحديبيّة أدخل خزاعة في عقده المؤمن منهم والكافر، وأدخلت قريش بني بكر بن عبد مناة ابن كنانة في عقدها وكانت بينهم تراث في الجاهلية ودخول كان فيها الأوّل للأسود بن رزن [1] من بني الدئل بن بكر بن عبد مناة وثارهم [2] عند خزاعة لما قتلت حليفهم مالك بن عباد الحضرميّ، وكانوا قد عدوا [3] على رجل من خزاعة فقتلوه في مالك بن عباد حليفهم، وعدت خزاعة على سلمى وكلثوم وذؤيب بني الأسود بن رزن فقتلوهم وهم أشراف بني كنانة، وجاء الإسلام فاشتغل الناس به ونسوا أمر هذه الدماء، فلمّا انعقد هذا الصلح من الحديبيّة وأمن الناس بعضهم بعضا، فاغتنم بنو الدئل هذه الفرصة في إدراك الثأر من خزاعة بقتلهم بني الأسود بن رزن، وخرج نوفل بن معاوية الدّؤلي فيمن أطاعه من بني بكر بن عبد مناة وليس كلهم تابعه، وخرج معه بعضهم وخرجوا منهم وانحجزوا في دور مكة ودخلوا دار بديل بن ورقاء الخزاعي، ورجع بنو بكر وقد انتقض العهد فركب بديل بن ورقاء وعمرو بن سالم في وفد من قومهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستغيثين مما أصابهم به بنو الدئل بن عبد مناة وقريش، فأجاب صلى الله عليه وسلم صريخهم وأخبرهم: بأنّ أبا سفيان يأتي يشدّ العقد ويزيد في المدّة وأنه يرجع بغير حاجة وكان ذلك سببا للفتح وندم قريش على ما فعلوا، فخرج أبو سفيان إلى المدينة ليؤكد العقد ويزيد في المدّة، ولقي بديل بن ورقاء بعسفان فكتمه الخبر وورّى له عن وجهه، وأتى أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة فطوت دونه فراش النبيّ صلى الله عليه وسلم وقالت لا يجلس عليه مشرك، فقال لها قد أصابك بعدي شرّيا بنية. ثم أتى المسجد وكلّمن النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، فذهب إلى أبي بكر وكلمه أن يتكلم في ذلك فأبى، فلقي عمر فقال: والله لو لم أجد إلا الذرّ لجاهدتكم به، فدخل على عليّ بن أبي طالب وعنده فاطمة وابنه الحسن صبيّا

[1] وفي نسخة اخرى: بن رزق.

[2]

وفي النسخة الباريسية: دم عند خزاعة.

[3]

وفي نسخة أخرى: عقدوا.

ص: 457

فكلمه فيما أتى له فقال عليّ: ما نستطيع أن نكلمه في أمر عزم عليه، فقال لفاطمة يا بنت محمد أما تأمري [1] ابنك هذا ليجير بين الناس فقالت لا يجير أحد على رسول الله، فقال له عليّ يا أبا سفيان أنت سيد بني كنانة فقم وأجر وارجع إلى أرضك، فقال ترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال: ما أظنه ولكن لا أجد لك سواه. فقام أبو سفيان في المسجد فنادى: ألا إني قد أجرت بين الناس ثم ذهب إلى مكة وأخبر قريشا، فقالوا ما جئت بشيء وما زاد ابن أبي طالب على أن لعب بك.

ثم أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سائر إلى مكة، وأمر الناس بأن يتجهزوا، ودعا الله أن يطمس الأخبار عن قريش، وكتب إليهم حاطب بن أبي بلتعة بالخبر مع ظعينة قاصدة إلى مكة، فأوحى الله، إليه بذلك فبعث عليّا والزبير والمقداد إلى.

الظعينة فأدركوها بروضة خاخ وفتشوا رحلها فلم يجدوا شيئا، وقالوا: رسول الله أصدق، فقال عليّ: لتخرجنّ الكتاب أو لتلقينّ الحوائج، فأخرجته من بين قرون رأسها. فلما قرئ على النبيّ صلى الله عليه وسلم قال ما هذا يا حاطب؟ فقال يا رسول الله والله ما شككت في الإسلام ولكني ملصق في قريش فأردت عندهم يدا يحفظوني [2] بها في مخلف أهلي وولدي، فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: وما يدريك يا عمر لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإنّي قد غفرت لكم. وخرج صلى الله عليه وسلم لعشر خلون من رمضان من السنة الثامنة في عشرة آلاف فيهم: من سليم ألف رجل وقيل سبعمائة، ومن مزينة ألف، ومن غفار أربعمائة، ومن أسلم أربعمائة، وطوائف من قريش وأسد وتميم وغيرهم، ومن سائر القبائل جموع وكتائب الله من المهاجرين والأنصار. واستخلف أبا رهم الغفاريّ على المدينة، ولقيه العبّاس بذي الحليفة وقيل بالجحفة مهاجرا، فبعث رحله إلى المدينة وانصرف معه غازيا، ولقيه بنيق [3] العقاب أبو سفيان بن الحرث وعبد الله بن أبي أمية مهاجرين واستأذنا فلم يؤذن لهما، وكلمته أم سلمة فأذن لهما، وأسلما فسار حتى نزل مرّ الظهران، وقد طوى الله أخباره عن قريش إلّا أنهم يتوجسون الخيفة.

[1] الأصح ان يقول: اما تأمرين.

[2]

الأصح ان يقول: يحفظونني.

[3]

وفي نسخة أخرى: بشق.

ص: 458

وخشي العبّاس تلافي قريش إن فاجأهم الجيش قبل ان يستأمنوا، فركب بغلة النبيّ صلى الله عليه وسلم وذهب يتجسس، وقد خرج أبو سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم ابن حزام يتحسسون الخبر، وبينما العبّاس قد أتى الأراك ليلقى من السابلة من ينذر أهل مكة إذ سمع صوت أبي سفيان وبديل وقد أبصرا نيران العساكر، فيقول بديل: نيران بني خزاعة، فيقول أبو سفيان: خزاعة أذلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها. فقال العبّاس: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس والله إن ظفر بك ليقتلنك واصباح قريش فارتدف خلفي. ونهض به إلى المعسكر ومر بعمر فخرج يشتدّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحمد للَّه الّذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، فسبقه العبّاس على البغلة ودخل على أثره فقال: يا رسول الله هذا عدوّ الله أبو سفيان أمكن الله منه بلا عهد فدعني أضرب عنقه، فقال العبّاس: قد أجرته فزأره عمر، فقال العباس: لو كان من بني عديّ ما قلت هذا ولكنه من عبد مناف، فقال عمر: والله لإسلامك كان أحب إليّ من إسلام الخطّاب لأني أعرف أنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العبّاس أن يحمله إلى رحله ويأتيه به صباحا، فلما أتى به قال له صلى الله عليه وسلم: ألم يأن لك أن تعلم أنّ لا إله إلّا الله؟ فقال بأي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد علمت لو كان معه إله غيره أغنى عنا، فقال: ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله، قال أبي أنت وأمي ما أحملك وأكرمك وأوصلك امّا هذه ففي النفس منها شيء [1] . فقال له العبّاس: ويحك أسلم قبل أن يضرب عنقك فأسلم. فقال العبّاس: يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا.

قال: نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. ثم أمر العبّاس أن يوقف أبا سفيان بخطم الوادي ليرى جنود الله ففعل ذلك، ومرّت به القبائل قبيلة قبيلة، إلى أن جاء مركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، عليهم الدروع البيض، فقال من هؤلاء؟ فقال العبّاس: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار. فقال: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما: فقال: يا أبا سفيان إنها النبوّة، فقال: هي إذا! فقال له العبّاس: النجاء إلى قومك. فأتى مكة

[1] وفي نسخة اخرى: في النفس منها حتى الآن شيئا.

ص: 459

وأخبرهم بما أحاط بهم وبقول النبيّ صلى الله عليه وسلم من أتى المسجد أو دار أبي سفيان أو أغلق بابه.

ورتب الجيش وأعطى سعد بن عبادة الراية فذهب يقول: اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة وبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمر عليّا ان يأخذ الراية منه، ويقال أمر الزبير. وكان على الميمنة خالد بن الوليد وفيها أسلم وغفار ومزينة وجهينة، وعلى الميسرة الزبير، وعلى المقدّمة أبو عبيدة بن الجرّاح. وسرّب رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيوش من ذي طوى، وأمرهم بالدخول إلى مكة: الزبير من أعلاها، وخالد من أسفلها، وأن يقاتلوا من تعرض لهم. وكان عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو قد جمعوا للقتال، فناوشهم أصحاب خالد القتال، واستشهد من المسلمين كرز بن جابر من بني محارب، وخنيس بن خالد من خزاعة، وسلمة بن جهينة، وانهزم المشركون وقتل منهم ثلاثة عشر وأمّن النبيّ صلى الله عليه وسلم سائر الناس.

وكان الفتح لعشر بقين من رمضان، وأهدر دم جماعة من المشركين سمّاهم يومئذ منهم: عبد العزّى بن خطل من بني تميم، والأدرم بن غالب كان قد أسلم وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا ومعه رجل من المشركين فقتله وارتدّ ولحق بمكّة وتعلق يوم الفتح بأستار الكعبة فقتله سعد بن حريث المخزومي وابو برزة الأسلميّ. ومنهم:

عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ثم ارتدّ ولحق بمكة ونميت عنه أقوال، فاختفى يوم الفتح وأتى به عثمان بن عفّان وهو أخوه من الرضاعة فاستأمن له فسكت عليه السلام ساعة ثم أمّنه، فلما خرج قال لأصحابه هلّا ضربتم عنقه، فقال له بعض الأنصار هلا أومأت إليّ، فقال: ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين ولم يظهر بعد إسلامه إلّا خير وصلاح واستعمله عمر وعثمان.

ومنهم الحويرث بن نفيل [1] من بني عبد قصيّ كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكّة فقتله علي بن أبي طالب يوم الفتح. ومنهم مقيس بن صبابة كان هاجر في غزوة الخندق ثم عدا على رجل من الأنصار كان قتل أخاه قبل ذلك غلطا ووداه فقتله وفرّ إلى مكّة مرتدّا، فقتله يوم الفتح نميلة بن عبد الله الليثي وهو ابن عمه.

ومنهم قينتا ابن خطل كانتا تغنيان بهجو النبيّ صلى الله عليه وسلم فقتلت إحداهما

[1] قوله نفيل وفي المواهب نقيد أهـ.

ص: 460

واستؤمن للأخرى فأمنها. ومنهم مولاة لبني عبد المطلب اسمها سارة واستؤمن لها فأمّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. واستجار رجلان من بني مخزوم بأمّ هانئ بنت أبي طالب يقال إنّهما الحرث بن هشام وزهير بن أبي أميّة أخو أمّ سلمة فأمنتهما، وأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانها فأسلما.

ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وطاف بالكعبة وأخذ المفتاح من عثمان بن طلحة بعد أن مانعت دونه أم عثمان ثم أسلمته، فدخل الكعبة ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة وأبقى له حجابة البيت فهي في ولد شيبة إلى اليوم. وأمر بكسر الصور داخل الكعبة وخارجها، وبكسر الأصنام حواليها، ومرّ عليها وهي مشدودة بالرصاص يشير إليها بقضيب في يده وهو يقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً 17: 81، فما بقي منهم [1] صنم إلا خرّ على وجهه. وأمر بلالا فأذن على ظهر الكعبة ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بباب الكعبة ثاني يوم الفتح وخطب خطبته المعروفة، ووضع مآثر الجاهلية إلّا سدانة البيت وسقاية الحاج، وأخبر أنّ مكة لم تحلّ لأحد قبله ولا بعده، وإنما أحلّت له ساعة من نهار ثم عادت كحرمتها بالأمس [2]، ثم قال:«لا إله إلّا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا إنّ كل مأثورة أو دم أو مال يدعى في الجاهلية فهو تحت قدميّ هاتين إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج، ألا وإن قتل الخطأ مثل العمد بالسوط والعصا فيهما الدية مغلظة منها أربعون في بطونها أولادها، يا معشر قريش إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم خلق من تراب» . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ من ذَكَرٍ وَأُنْثى 49: 13» إلى آخر الآية. يا «معشر قريش ويا أهل مكة ما ترون إني فاعل فيكم؟» قالوا: خيرا أخ كريم، ثم قال:«اذهبوا فأنتم الطلقاء» . وأعتقهم على الإسلام وجلس لهم فيما قيل على الصفا فبايعوه على السمع والطاعة للَّه ولرسوله فيما استطاعوا، ولمّا فرغ من بيعة الرجال بايع النساء، أمر عمر بن الخطاب أن يبايعهن واستغفر لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان لا يمس امرأة حلالا ولا حراما.

[1] الأصح ان يقول منها.

[2]

وفي النسخة الباريسية: ثم أعيدت لحرمتها بالأمس.

ص: 461