المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته - تاريخ ابن خلدون - جـ ٢

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌الكتاب الثاني ويشتمل: أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة الى هذا العهد

- ‌المقدّمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

- ‌المقدّمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

- ‌القول في أجيال العرب وأوّليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها

- ‌برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها

- ‌الطبقة الاولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإمام بملكهم ودولهم على الجملة

- ‌الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه الى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم

- ‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

- ‌ملك الحبشة اليمن

- ‌غزو الحبشة الكعبة

- ‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

- ‌الخبر عن ملوك بابل من النبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة

- ‌الخبر عن القبط وأوّلية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والإلمام بنسبهم

- ‌الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الأرض المقدّسة بالشام وكيف تجدّدت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال

- ‌الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع الى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت

- ‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

- ‌الخبر عن افتراق بنى إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين الى انقراضه

- ‌الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم الى حين انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأوّل وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيردوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى

- ‌ابتداء أمر انظفتر [1] أبو هيردوس

- ‌انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه

- ‌الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الاقسة على تدوين شريعته

- ‌الخبر عن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم الى تمامه وانقراضه

- ‌الطبقة الاولى من الفرس وذكر ملوكهم وما صار اليه في الخليقة أحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم

- ‌الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم الى نهايتها

- ‌الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية والخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي

- ‌الخبر عن دولة يونان والروم وأنسابهم ومصايرهم

- ‌الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان الى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن اللطينيين وهم الكيتم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل إفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

- ‌الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية الى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم

- ‌الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس الى حين الفتح الإسلامي وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر افاريقهم وأنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلافها والبادية والرحالة منهم وملكها

- ‌الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

- ‌الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها

- ‌الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الّذي كان فيها

- ‌الخبر عن بطون كهلان من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها

- ‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيِّئ من بعدهم

- ‌ملوك كندة الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم

- ‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

- ‌الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن بني عدنان وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك اليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة

- ‌أمر النبوّة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الاباية والحرب

- ‌المولد الكريم وبدء الوحي

- ‌بدء الوحي

- ‌هجرة الحبشة

- ‌ العقبة الثانية

- ‌الهجرة

- ‌الغزوات

- ‌الأبواء:

- ‌بواط:

- ‌البعوث:

- ‌غزوة بدر الثانية:

- ‌غزوة الكدر:

- ‌غزوة السويق:

- ‌ذي أمرّ:

- ‌نجران:

- ‌قتل كعب بن الأشرف:

- ‌غزوة بني قينقاع:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

- ‌قتل ابن أبي الحقيق:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌بعث الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الصغرى الموعد:

- ‌غزوة دومة الجندل:

- ‌غزوة الخندق

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌غزوة الغابة وذي قرد

- ‌غزاة بني المصطلق:

- ‌عمرة الحديبيّة

- ‌إرسال الرسل الى الملوك

- ‌غزوة خيبر

- ‌فتح فدك ووادي القرى

- ‌عمرة القضاء

- ‌غزوة جيش الأمراء

- ‌فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌حصار الطائف وغزوة تبوك

- ‌إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف وهدم اللات

- ‌الوفود

- ‌ حجة الوداع

- ‌العمال على النواحي

- ‌خبر العنسيّ

- ‌بعث أسامة:

- ‌أخبار الأسود ومسيلمة وطليحة:

- ‌مرضه صلى الله وسلم عليه:

- ‌خبر السقيفة

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الرّدة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

- ‌بعث الجيوش للمرتدين

- ‌خبر طليحة

- ‌خبر هوازن وسليم وبني عامر

- ‌خبر بني تميم وسجاح

- ‌البطاح ومالك بن نويرة

- ‌خبر مسيلمة واليمامة

- ‌ردّه الحطم وأهل البحرين

- ‌ردة أهل عمان ومهرة واليمن [2]

- ‌بعوث العراق وصلح الحيرة

- ‌فتح الحيرة

- ‌فتح ما وراء الحيرة

- ‌فتح الأنبار وعين التمر وتسمّى هذه الغزوة ذات العيون

- ‌الوقائع بالعراق

- ‌بعوث الشام

- ‌بعوث الشام

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌فتح دمشق

- ‌خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد الى الشام

- ‌ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق ومقتله

- ‌أخبار القادسية

- ‌فتح المدائن وجلولاء بعدها

- ‌ولاية عتبة بن غزوان على البصرة

- ‌وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها

- ‌وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس

- ‌مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وارمينية

- ‌غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبي موسى

- ‌بناء البصرة والكوفة

- ‌فتح الأهواز والسوس بعدهما

- ‌مسير المسلمين الى الجهات للفتح

- ‌مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس

- ‌فتح مصر

- ‌وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات

- ‌فتح همذان

- ‌فتح الريّ

- ‌فتح أذربيجان

- ‌فتح الباب

- ‌فتح موقان وجبال ارمينية

- ‌غزو الترك

- ‌فتح خراسان

- ‌فتوح فارس

- ‌إصطخر:

- ‌بسا ودرابجرد:

- ‌كرمان:

- ‌سجستان:

- ‌مكران:

- ‌خبر الأكراد

- ‌مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه

- ‌نقض أهل الاسكندرية وفتحها

- ‌ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح أرمينية وأذربيجان

- ‌ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية

- ‌فتح قبرص

- ‌ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان

- ‌ولاية سعيد بن العاص الكوفة

- ‌غزو طبرستان

- ‌غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

- ‌مقتل يزدجرد

- ‌ظهور الترك بالثغور

- ‌بدء الانتقاض على عثمان رضي الله عنه

- ‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

- ‌بيعة علي رضي الله عنه

- ‌أمر الجمل

- ‌انتقاض محمد بن أبي حذيفة بمصر ومقتله

- ‌ولاية قيس بن سعد على مصر

- ‌مبايعة عمرو بن العاص لمعاوية

- ‌أمر صفين

- ‌ أمر الحكمين

- ‌أمر الخوارج وقتالهم

- ‌ولاية عمرو بن العاص مصر

- ‌دعاء ابن الحضرميّ بالبصرة لمعاوية ومقتله

- ‌ولاية زياد على فارس

- ‌فراق ابن عبّاس لعلي رضي الله عنهم

- ‌مقتل علي

- ‌بيعة الحسن وتسليمه الأمر لمعاوية

الفصل: ‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

حذيفة بغزو الباب فسار نحوه.

ولما كثر هذا الطعن في الأمصار وتواتر بالمدينة وكثر الكلام في عثمان والطعن عليه، وكان له منهم شيعة يذبّون عنه مثل زيد بن ثابت وأبي أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسان بن ثابت فلم يغنوا عنه، واجتمع الناس إلى علي بن أبي طالب وكلموه وعددوا عليه ما نقموه، فدخل على عثمان وذكر له شأن الناس وما نقموا عليه وذكره بأفعال عمر وشدّته ولينه هو لعمّاله وعرض عليه ما يخاف من عواقب ذلك في الدنيا والآخرة، فقال له: إنّ المغيرة بن شعبة ولّيناه وعمر ولّاه، ومعاوية كذلك، وابن عامر تعرفون رحمه وقرابته. فقال له عليّ إنّ عمر كان يطأ على صماخ من ولّاه وأنت ترفق بهم وكانوا أخوف لعمر من غلامه يرفأ [1] ومعاوية يستبدّ عليك، ويقول هذا أمر عثمان فلا تغير عليه. ثم تكالما طويلا وافترقا وخرج عثمان على أثر ذلك، وخطب وعرض بما هو فيه من الناس وطعنهم وما يريدون منه، وأنهم تجرءوا عليه لرفقه بما لم يتجرؤا بمثله على ابن الخطّاب، ووافقهم برجوعه في شأنه إلى ما يقدمهم.

‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

ولما كثرت الإشاعة في الأمصار بالطعن على عثمان وعمّاله، وكتب بعضهم إلى بعض في ذلك وتوالت الأخبار بذلك على أهل المدينة، جاءوا إلى عثمان وأخبروه فلم يجدوا عنده علما منه. وقال: أشيروا عليّ وأنتم شهود المؤمنين. قالوا: تبعث من تثق به إلى الأمصار يأتوك [2] بالخبر. فأرسل محمد بن مسلمة إلى الكوفة، وأسامة بن زيد إلى البصرة، وعبد الله بن عمر إلى الشام وغيرهم إلى سواها فرجعوا، وقالوا: ما أنكرنا شيئا ولا أنكره علماء المسلمين ولا عوامهم، وتأخر عمّار بن ياسر بمصر واستماله ابن السوداء وأصحابه خالد بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر، وكتب عثمان إلى أهل الأمصار: إن قد رفع إليّ أهل المدينة أن عمّالي وقع منهم أضرار بالناس، وقد أخذتهم بأن يوافوني في كل موسم فمن كان له حق فليحضر يأخذ بحقه مني أو من عمّالي، أو تصدّقوا فإنّ الله يجزي المتصدّقين. فبكى الناس عند قراءة كتابه عليهم

[1] كذا في الأصل وفي الكامل ج 3 ص 152: فقال عليّ: أنشدك الله! هل تعلم ان معاوية كان أخوف لعمر من يرفأ، غلام عمر، له؟ قال: نعم.

[2]

الأصح ان يقول يأتونك.

ص: 593

ودعوا له، وبعث إلى عمّال الأمصار فقدموا عليه في الموسم: عبد الله بن عامر وابن أبي سرح ومعاوية وأدخل معهم سعيد بن العاص وعمرا وقال: ويحكم ما هذه الشكاية والاذاعة واني لأخشى والله أن يكونوا صادقين! فقالوا له: ألم يخبرك رسلك بأنّ أحدا لم يشافههم بشيء؟ وإنما هذه إشاعة لا يحل الأخذ بها واختلفوا في وجه الرأي في ذلك. فقال عثمان: إن الأمر كائن وبابه سيفتح ولا أحب أن تكون لأحد عليّ حجة في فتحه وقد علم الله أني لم آل الناس خيرا فسكّتوا الناس وبيّنوا لهم حقوقهم. ثم قدم المدينة فدعا عليّا وطلحة والزبير ومعاوية حاضر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أنتم ولاة هذا الأمر واخترتم صاحبكم [1] يعني عثمان وقد كبر وأشرف وفشت مقالة خفتها عليكم فما عنيتم فيه من شيء فأنا لكم به ولا تطمعوا الناس في أمركم. فانتهره عليّ، ثم ذهب عثمان يتكلّم، وقال: اللذان كانا قبلي منعا قرابتهما احتسابا وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي قرابته وأنّ قرابتي أهل عيلة وقلّة معاش فأعطيتهم فإن رأيتم ذلك خطأ فردّوه، فقالوا: أعطيت عبد الله بن خالد بن أسيد خمسين ألفا ومروان خمسة عشر ألفا، قال: آخذ ذلك منهما، فانصرفوا راضين.

وقال له معاوية: أخرج معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك ما لا تطيقه، قال: لا أبتغي بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلا. قال: فأبعث إليك جندا يقيمون معك، قال: لا أضيق على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال معاوية: لتغتالن ولتعرين [2]، قال: حسبي الله ونعم الوكيل. ثم سار معاوية ومرّ على عليّ وطلحة والزبير فوصّاهم بعثمان وودّعهم ومضى. وكان المنحرفون عن عثمان بالأمصار قد تواعدوا عند مسير الأمراء إلى عثمان أن يثبوا عليه في مغيبهم، فرجع الأمراء ولم يتهيأ لهم ذلك، وجاءتهم كتب من المدينة ممن صار إلى مذهبهم في الانحراف عن عثمان أن أقدموا علينا فإن الجهاد عندنا، فتكاتبوا من أمصارهم في القدوم إلى المدينة، فخرج المصريون وفيهم عبد الرحمن بن عديس البلويّ في خمسمائة وقيل في ألف وفيهم كنانة بن بشر الليثي وسودان بن حمران السكونيّ وميسرة أو قتيرة بن فلان السكونيّ، وعليهم جميعا الغافقي بن حرب العكّي، وخرج أهل الكوفة وفيهم زيد بن صوحان

[1] وفي النسخة الباريسية: وولوا صاحبهم

[2]

وفي نسخة ثانية: لتعيّرن

ص: 594

العبديّ والأشتر النخعي وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الأصمّ العامري، وخرج أهل البصرة وفيهم حكيم بن جبلة العبديّ وذريح بن عبّاد وبشر بن شريح القيسي وابن المحرش وعليهم حرقوص بن زهير السعدي وكلهم في مثل عدد أهل مصر، وخرجوا جميعا في شوّال مظهرين للحجّ.

ولما كانوا من المدينة على ثلاث مراحل تقدّم ناس من أهل البصرة وكان هواهم في طلحة فنزلوا ذا خشب، وتقدّم ناس من أهل الكوفة وكان هواهم في الزبير فنزلوا الأعوص، ونزل معهم ناس من أهل مصر وكان هواهم في عليّ وتركوا عامتهم بذي المروة. وقال زياد بن النضر وعبد الله بن الأصم من أهل الكوفة: لا تعجلوا حتى ندخل المدينة فقد بلغنا أنهم عسكروا لنا فو الله إن كان حقا لا يقوم لنا أمر.

ثم دخلوا المدينة ولقوا عليّا وطلحة والزبير وأمّهات المؤمنين وأخبروهم أنهم إنما أتوا للحجّ وأن يستعفوا من بعض العمّال، واستأذنوا في الدخول فمنعوهم ورجعوا إلى أصحابهم وتشاوروا في أن يذهب من أهل الكوفة وكل مصر فريق إلى أصحابهم كيادا وظلما في الفرقة، فأتى المصريون عليّا وهو في عسكر عند أحجار الزيت وقد بعث ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع عليه فعرضوا عليه أمرهم، فصاح بهم وطردهم وقال: إن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علم ذلك الصالحون. وأتى البصريون طلحة والكوفيون الزبير فقالا مثل ذلك فانصرفوا وافترقوا عن هذه الأماكن إلى عسكرهم على بعد. فتفرّق أهل المدينة فلم يشعروا إلا والتكبير في نواحيها، وقد هجموا وأحاطوا بعثمان ونادوا بأمان من كف يده، وصلّى عثمان بالناس أياما ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا الناس من كلامه، وغدا عليهم عليّ فقال: ما ردكم بعد ذهابكم، قالوا أخذنا كتابا مع بريد بقتلنا. وقال البصريون لطلحة والكوفيون للزبير مثل مقالة أهل مصر وانهم جاءوا لينصروهم، فقال لهم عليّ: كيف علمتم بما لقي أهل مصر وكلكم على مراحل من صاحبه حتى رجعتم علينا جميعا؟ هذا أمر أبرم بليل. فقالوا:

اجعلوه كيف شئتم لا حاجة لنا بهذا الرجل ليعتزلنا، وهم يصلّون خلفه ومنعوا الناس من الاجتماع معه.

وكتب عثمان إلى الأمصار يستحثم فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهريّ، وبعث

ص: 595

عبد الله بن أبي سرح معاوية بن حديج [1] وخرج من الكوفة القعقاع بن عمرو، وتسابقوا إلى المدينة على الصعب والذلول، وقام بالكوفة نفر يحضّون على إعانة أهل المدينة فمن الصحابة عقبة بن عامر [2] وعبد الله بن أبي أوفى وحنظلة الكاتب، ومن التابعين مسروق الأسود وشريح وعبد الله بن حكيم. وقام بالبصرة في ذلك عمران بن حصين وأنس بن مالك وهشام بن عامر، ومن التابعين كعب بن سوار وهرم بن حيّان. وقام بالشام وبمصر جماعة أخرى من الصحابة والتابعين.

ثم خطب عثمان في الجمعة القابلة وقال يا هؤلاء الله الله فو الله إنّ أهل المدينة ليعلموا أنكم ملعونون على لسان محمد فامحوا الخطايا بالصواب. فقال محمد بن مسلمة: أنا أشهد بذلك. فأقعده حكيم بن جبلة، وقام زيد بن ثابت فأقعده آخر، وحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد، وأصيب عثمان بالحصباء فصرع وقاتل دونه سعد بن أبي وقّاص والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة. ودخل عثمان بيته وعزم عليهم في الانصراف فانصرفوا، ودخل عليّ وطلحة والزبير على عثمان يعودونه وعنده نفر من بني أمية فيهم مروان فقالوا لعليّ: أهلكتنا وصنعت هذا الصنع والله لئن بلغت الّذي تريد لتمرّن عليك الدنيا، فقام مغضبا وعادوا إلى منازلهم. وصلّى عثمان بالناس وهو محصور ثلاثين يوما، ثم منعوه الصلاة، وصلّى بالناس أمير المصريين الغافقي بن حرب العكّي، وتفرّق أهل المدينة في بيوتهم وحيطانهم ملازمين للسلاح وبقي الحصار أربعين يوما. وقيل بل أمر عثمان أبا أيوب الأنصاري فصلّى أياما، ثم صلى عليّ بعده بالناس وقيل أمر عليّ سهل بن حنيف فصلّى عشر ذي الحجة ثم صلّى العيد والصلوات حتى قتل عثمان.

وقد قيل في حصار عثمان أن محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة كانا بمصر يحرّضان على عثمان، فلما خرج المصريون في رجب مظهرين للحجّ ومضمرين قتل عثمان أو خلعه وعليهم عبد الرحمن بن عديس البلويّ كان فيمن خرج مع المصريين محمد بن أبي بكر، وبعث عبد الله بن سعد في آثارهم وأقام محمد بن حذيفة بمصر، فلما كان ابن أبي سرح بأيلة بلغه أن المصريين رجعوا إلى عثمان فحصروه، وأنّ محمد بن أبي حذيفة غلب على مصر فرجع سريعا إليهما فمنع منهما، فأتى فلسطين وأقام بها

[1] وفي نسخة ثانية: بن جريح

[2]

وفي النسخة الباريسية: ابن عمر.

ص: 596

حتى قتل عثمان. وأمّا المصريون فلمّا نزلوا ذا خشب جاء عثمان إلى بيت عليّ ومت إليه بالقرابة في أن يركب إليهم ويردّهم لئلا تظهر الجراءة منهم، فقال له عليّ: قد كلمتك في ذلك فأطعت أصحابك وعصيتني! يعني مروان ومعاوية وابن عامر وابن أبي سرح وسعيدا. فعلى أي شيء أردّهم؟ فقال: على أن أصير إلى ما تراه وتشيره وأن أعصي أصحابي وأطيعك. فركب في ثلاثين من المهاجرين والأنصار فيهم سعيد بن زيد وأبو جهم العدويّ وجبير بن مطعم وحكيم بن حزام ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن عتّاب، ومن الأنصار أبو أسيد الساعدي وأبو حميد وزيد بن ثابت وحسّان وكعب بن مالك، ومن العرب نيار [1] بن مكرز، فأتوا المصريين وتولى الكلام معهم: عليّ ومحمد بن مسلمة، فرجعوا إلى مصر، وقال ابن عديس لمحمد أتوصينا بحاجة، قال: تتقي الله وتردّ من قبلك عن إمامهم فقد وعدنا أن يرجع وينزع. ورجع القوم إلى المدينة ودخل عليّ على عثمان وأخبره برجوع المصريين، ثم جاءه مروان من الغد فقال له: أخبر الناس بأنّ أهل مصر قد رجعوا وأن ما بلغهم عنك كان باطلا قبل أن تجيء الناس من الأمصار ويأتيك ما لا تطيقه ففعل. فلما خطب ناداه الناس من كل ناحية [2] اتّق الله يا عثمان وتب إلى الله وكان أوّلهم عمرو بن العاص، فرفع يده وقال لهم: إني تائب. وخرج عمرو بن العاص إلى منزله بفلسطين، ثم جاء الخبر بحصاره وقتله.

وقيل إنّ عليّا لما رجع عن المصريين أشار على عثمان أن يسمع الناس ما اعتزم عليه من النزع قبل أن يجيء غيرهم، ففعل وخطب بذلك وأعطى الناس من نفسه التوبة، وقال:«أنا أوّل من اتعظ أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه فليأت أشرافكم يروني رأيهم فو الله إن ردّني الحق عبدا لاستن [3] بسنّة العبد ولأذلنّ ذل العبد وما عن الله مذهب إلّا إليه فو الله لأعطينكم الرضى ولا أحتجب عنكم» . ثم بكى وبكى الناس ودخل منزله، فجاءه نفر من بني أمية يعذلونه في ذلك فوبختهم نائلة بنت الفرافصة فلم يرجعوا إليها، وعابوه فيما فعل واستذلوه في إقراره بالخطبة والتوبة عند الخوف، واجتمع الناس بالباب وقد ركب بعضهم بعضا، فقال لمروان: كلّمهم فأغلظ لهم

[1] في النسخة الباريسية: ينار وفي نسخة اخرى: دينار

[2]

وفي النسخة الباريسية: من كل جهة

[3]

وفي النسخة الباريسية: لأسيرن

ص: 597

في القول. وقال: «جئتم لنزع [1] ملكنا من أيدينا. والله لئن رمتمونا ليمرنّ عليكم منا أمر لا يسرّكم ولا تحمدوا غب [2] رأيكم ارجعوا إلى منازلكم فإنّا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا» . وبلغ الخبر عليّا فنكر ذلك، وقال لعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث: أسمعت خطبته بالأمس ومقالة مروان للناس اليوم؟ يا للَّه ويا للناس إن قعدت في بيتي، قال: تركتني وقرابتي وحقي وإن تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان ويسوقه حيث يشاء بعد كبر السنّ وصحبة الرسول. وقام مغضبا إلى عثمان واستقبح مقالة مروان وأنبّه عليها وقال ما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتكم فقد أذهبت شرفك وغلبت على رأيك. ثم دخلت عليه امرأته نائلة وقد سمعت قول عليّ، فعذلته في طاعة مروان، وأشارت عليه باستصلاح عليّ فبعث إليه فلم يأته. فأتاه عثمان إلى منزله ليلا يستلينه ويعده الثبات على رأيه معه فقال: بعد أن قام مروان على بابك يشتم الناس ويؤذيهم، فخرج عثمان وهو يقول: خذلتني وجرّأت الناس، فقال علي: والله إني أكثر الناس ذبّا عنك ولكني كلما جئت بشيء أظنه لك رضى جاء مروان بأخرى فسمعت قوله وتركت قولي. ثم منع عثمان الماء فغضب عليّ غضبا شديدا حتى دخلت الروايا على عثمان.

وقيل إن عليّا كان عند حصار عثمان بخيبر فقدم [3] والناس مجتمعون عند طلحة فجاء عثمان وقال: يا عليّ إن لي حق الإخاء والقرابة والصهر، ولو كان أمر الجاهلية فقط كان عارا على بني عبد مناف أن تنزع تيم أمرهم! فجاء عليّ إلى طلحة وقال: ما هذا، فقال طلحة: أبعد ما مسّ الحزام الطبيين [4] يا أبا حسن. فانصرف عليّ إلى بيت المال، وأعطى الناس فبقي طلحة وحده وسرّ بذلك عثمان وجاء إليه طلحة فقال له والله ما جئت تائبا ولكن مغلوبا فاللَّه حسيبك يا طلحة.

وقيل إن المصريين لما رجعوا خرج إليهم محمد بن مسلمة فأعطوه صحيفة قالوا وجدناها عند غلام عثمان بالبويب وهو على بعير من إبل الصدقة يأمر فيها بجلد عبد الرحمن بن عديس وعمرو بن الحمق وعروة بن البيّاع وحبسهم وحلق رءوسهم

[1] وفي النسخة الباريسية: ولا تنزعون

[2]

وفي النسخة الباريسية: راغب

[3]

وفي النسخة الباريسية: فقام

[4]

هذا مثل يضرب به عند بلوغ الأمر غايته في الشدّة.

ص: 598

ولحاهم وصلب بعضهم، وقيل وجدت الصحيفة بيد أبي الأعور السلميّ. فعاد المصريون وعاد معهم الكوفيون والبصريّون وقالوا لمحمد بن مسلمة حين سألهم: قد كلّمنا عليّا وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فوعدونا أن يكلموه فليحضر عليّ معنا عند عثمان. ثمّ دخل عليّ ومحمد على عثمان وأخبروه بقول أهل مصر فحلف ما كنت ولا علم. وقال محمد صدق هذا من عمل مروان. ودخل المصريون فشكى ابن عديس بابن أبي سرح وما أحدثه بمصر وأنه ينسب ذلك إلى كتاب عثمان وأنّا جئنا من مصر لقتلك فردّنا عليّ ومحمد وضمنا لنا النزوع عن هذا كله فرجعنا ولقينا هذا الكتاب وفيه أمرك لابن أبي سرح بجلدنا والمثلة بنا وطول الحبس وهو بيد علامك وعليه خاتمك، فحلف عثمان ما كتب ولا أمر ولا علم. قالوا: فكيف يجترأ عليك بمثل هذا فقد استحققت الخلع على التقديرين ولا يحل أن يولّى الأمور من ينتهي إلى هذا الضعف، فاخلع نفسك فقال: لا أنزع ما ألبسني الله ولكن أتوب وأرجع.

قال: رأيناك تتوب وتعود فلا بدّ من خلعك أو قتلك وقتال أصحابك دون ذلك أن يخلص إليك أو تموت، فقال: لا ينالكم أحد بأخرى [1] ولو أردت ذلك لاستجشت بأهل الأمصار. ثم كثر اللغط وأخرجوا ومضى عليّ إلى منزله، وحصر المصريون عثمان وكتب إلى معاوية وابن عامر يستحثّهم وقام يزيد بن أسد القسري فاستنفر أهل الشام وسار إلى عثمان وبلغهم قتله بوادي القرى، فرجعوا وقيل سار من الشام حبيب بن مسلمة ومن البصرة مجاشع بن مسعود فبلغهم قتله بالربذة فرجعوا.

وكانت بطانة عثمان أشاروا عليه أن يبعث إلى عليّ في كفّهم عنه على الوفاء لهم، فبعث إليه في ذلك فأجاب بعد توقف ثم بعث إليهم فقالوا لا بدّ لنا أن نتوثق منه وجاء فأعلمه وتوثق منه على أجل ثلاثة أيام، وكتب بينهم كتابا على ردّ المظالم وعزل من كرهوه من العمّال. ثم مضى الأجل وهو مستعدّ ولم يغير شيئا، فجاء المصريون من ذي خشب يستنجدون عهدهم فأبى فحصروه وأرسل إلى علي وطلحة والزبير وأشرف عليهم فحيّاهم ودعا لهم، ثم قال: «أنشدكم الله تعالى هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم ويجمعكم على خيركم؟ أتقولون أنه لم يستجب لكم أو تقولون أن الله لم يبال بمن ولي هذا الدين أم تقولون أن الأمة ولوا مكابرة وعن غير مشورة فوكلهم إلى أمرهم أو لم يعلم عاقبة أمري، ثم أنشدكم الله

[1] وفي الكامل ج 3 ص 170: فمن قاتلكم فبغير أمري قاتل.

ص: 599

هل تعلمون لي من السوابق ما يجب حقه فمهلا فلا يحل إلّا قتل ثلاثة: زان بعد إحصان وكافر بعد إيمان وقاتل بغير حق ثم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم، ثم لا يرفع الله عنكم الاختلاف» . فقالوا له: ما ذكرت من الاستخارة بعد عمر فكل ما صنع الله تعالى فيه الخيرة، ولكن الله ابتلى بك عباده وأمّا حقك وسابقتك فصحيح، لكن أحدثت ما علمت ولا نترك إقامة الحق مخافة الفتنة عاما قابلا، وأمّا حصر القتل في الثلاثة ففي كتب الله قتل من سعى في الأرض فسادا ومن قاتل على البغي وعلى منع الحق والمكابرة عليه، وأنت إنّما تمسكت بالإمارة علينا وإنّما قاتل دونك هؤلاء لهذه التسمية فلو نزعتها انصرفوا. فسكت عثمان ولزم الدار وأقسم على الناس بالانصراف فانصرفوا إلّا الحسن بن عليّ ومحمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير.

وكانت مدّة انحصاره أربعين يوما، ولثمان عشرة منها وصل الخبر بمسير الجنود من الأمصار فاشتد الانحصار ومنعوه من لقاء الناس ومن الماء، وأرسل إلى عليّ وطلحة والزبير وأمّهات المؤمنين يطلب الماء فركب علي إليهم مغلسا، وقال: يا أيها الناس إن هذا لا يشبه أمر المؤمنين ولا الكافرين وإنما الأسير عند فارس والروم يطعم ويسقى.

فقالوا: لا والله ونعمة عين. فرجع وجاءت أمّ حبيبة على بغلتها مشتملة على إداوة وقالت: أردت أن أسأل هذا الرجل عن وصايا عنده لبني أمية أو تهلك أموال أيتامهم وأراملهم، فقالوا: لا والله، وضربوا وجه البغلة فنفرت وكادت تسقط عنها وذهب بها الناس إلى بيتها.

وأشرف عليهم عثمان وقرّر حقوقه وسوابقه فقال بعضهم مهلا عن أمير المؤمنين، فجاء الأشتر وفرّق الناس وقال: لا يمكر بكم. ثم خرجت عائشة إلى الحج ودعت أخاها فأبى، فقال له حنظلة الكاتب: تدعوك أم المؤمنين فلا تتبعها وتتبع سفهاء العرب فيما لا يحل ولو قد صار الأمر إلى الغلبة غلبك عليه بنو عبد مناف. ثم ذهب حنظلة إلى الكوفة وبلغ طلحة والزبير ما لقي عليّ وأمّ حبيبة فلزموا بيوتهم. وكان آل حزم يدسون الماء إلى بيت عثمان في الغفلات، وكان ابن عبّاس ممن لزم باب عثمان للمدافعة فأشرف عليه عثمان وأمره أن يحجّ بالناس، فقال: جهاد هؤلاء أحب إليّ، فأقسم عليه وانطلق.

ولما رأى أهل مصر أن أهل الموسم يريدون قصدهم، وأنّ أهل الأمصار يسيرون إليهم اعتزموا على قتل عثمان رضي الله عنه يرجون في ذلك خلاصهم واشتغال الناس

ص: 600

عنهم، فقاموا إلى الباب ليقتحموه فمنعهم الحسن بن عليّ وابن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان وسعيد بن العاص ومن معهم من أبناء الصاحبة وقاتلوهم وغلبوهم دون الباب، ثم صدهم عثمان عن القتال وحلف ليدخلنّ فدخلوا وأغلق الباب فجاءوا بالنار وأحرقوه، ودخلوا وعثمان يصلّي وقد افتتح سورة طه، وقد سار أهل الدار فما شغله شيء من أمرهم حتى فرغ وجلس إلى المصحف يقرأ فقرأ:«الَّذِينَ قال لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 3: 173» . ثم قال لمن عنده إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إليّ عهدا فأنا صابر عليه، ومنعهم من القتال وأذن للحسن في اللحاق بأبيه وأقسم عليه فأبى وقاتل دونه، وكان المغيرة بن الأخنس بن شريق قد تعجّل من الحج في عصابة لنصره فقاتل حتى قتل. وجاء أبو هريرة ينادي يا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار وقاتل، ثم اقتحمت الدار من ظهرها من جهة دار عمرو بن حزم فامتلأت قوما ولا يشعر الذين بالباب، وانتدب رجل فدخل على عثمان في البيت فحاوره في الخلع فأبى فخرج، ودخل آخر ثم آخر كلهم يعظه فيخرج ويفارق القوم، وجاء ابن سلّام فوعظهم فهموا بقتله، ودخل عليه محمد بن أبي بكر فحاوره طويلا بما لا حاجة إلى ذكره ثم استحيا وخرج. ثم دخل عليه السفهاء فضربه أحدهم وأكبت عليه نائلة امرأته تتقي الضرب بيدها فنفحها أحدهم بالسيف في أصابعها. ثم قتلوه وسال دمه على المصحف، وجاء غلمانه فقتلوا بعض أولئك القاتلين وقتلاء أخر، وانتبهوا ما في البيت وما على النساء حتى نائلة، وقتل الغلمان منهم وقتلوا من الغلمان، ثم خرجوا إلى بيت المال فانتهبوه، وأرادوا قطع رأسه فمنعهم النساء فقال ابن عديس: اتركوه. ويقال إن الّذي تولى قتله كنانة بن بشر التجيبي وطعنه عمرو بن الحمق طعنات، وجاء عمير بن ضابيء وكان أبوه مات في سجنه فوثب عليه حتى كسر ضلعا من أضلاعه. وكان قتله لثمان عشرة خلت من ذي الحجة وبقي في بيته ثلاثة أيام.

ثم جاء حكيم بن حزام وجبير بن مطعم إلى علي فأذن لهم في دفنه، فخرجوا به بين المغرب والعشاء ومعهم الزبير والحسن وأبو جهم بن حذيفة ومروان فدفنوه في حشّ كوكب [1] ، وصلى عليه جبير وقيل مروان وقيل حكيم، ويقال: إنّ ناسا تعرّضوا لهم

[1] هو حائط من حيطان المدينة وهو خارج البقيع

ص: 601