الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه أبو بصير [1] عتبة بن أسيد بن جارية [2] هاربا وكان قد أسلم وحبسه قومه بمكة وهو ثقفي من حلفاء بني زهرة، فبعث إليه الأزهر بن عبد عوف عمّ عبد الرحمن بن عوف والأخنس بن شريق سيد بني زهرة رجلا من بني عامر بن لؤيّ مع مولى لهم، فأسلمه النبيّ صلى الله عليه وسلم فاحتملاه. فلما نزلوا بذي الحليفة أخذ أبو بصير السيف من أحد الرجلين، ثم ضرب به العامري فقتله وفرّ الآخر، وأتى أبو بصير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله قد وفت ذمتك وأطلقني الله فقال عليه السلام: ويلمه [3] مسعر حرب لو كان له رجال. ففطن أبو بصير من لحن هذا القول أنه سيرده، وخرج إلى سيف البحر على طريق قريش إلى الشام، وانضاف إليه جمهور من يفرّ عن قريش ممن أراد الإسلام فآذوا قريشا وقطعوا على رفاقهم وسابلتهم، فكتبوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يضمهم بالمدينة.
ثم هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وجاء فيها أخواها عمارة والوليد، فمنع الله من ردّ النساء وفسخ ذلك الشرط المكتتب، ثم نسخت براءة ذلك كلّه وحرم الله حينئذ على المسلمين إمساك الكوافر في عصمتهم فانفسخ نكاحهن.
إرسال الرسل الى الملوك
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين الحديبيّة ووفاته رجالا من أصحابه إلى ملوك العرب والعجم دعاة إلى الله عز وجل، فبعث سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ أخا بني عامر بن لؤيّ إلى هوذة [4] بن عليّ صاحب اليمامة، وبعث العلاء بن الحضرميّ إلى المنذر ابن ساوى أخي بني عبد القيس صاحب البحرين، وعمرو بن العاص إلى جيفر بن جلندي [5] بن عامر بن جلندي صاحب عمان، وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الاسكندرية فأدّى إليه كتاب رسول الله
[1] وفي النسخة الباريسية: أبو نصر.
[2]
وفي نسخة ثانية: ابن حارثة.
[3]
أصله: ويل أمه أهـ.
[4]
وفي النسخة الباريسية: هدوة.
[5]
وفي النسخة الباريسية: الى جبير بن خليد.
صلى الله عليه وسلم وأهدى المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار منهن مارية أم إبراهيم ابنه.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبيّ إلى قيصر وهو هرقل ملك الروم، فوصل إلى بصرى وبعثه صاحب بصرى إلى هرقل، وكان يرى في ملاحمهم أنّ ملك الختان قد ظهر، فقرأ الكتاب وإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم [1] الروم السلام على من اتبع الهدى. أمّا بعد أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيّين. وفي رواية «إثم الأكّارين عليك تعيا بجمله» . فطلب من في مملكته من قوم النبي صلى الله عليه وسلم فأحضروا له من غزّة، وكان فيهم أبو سفيان فسأله كما وقع في الصحيح، فأجابه وسلم [2] أحواله وتفرّس صحة أمره، وعرض على الروم أتباعه فأبوا ونفروا فلاطفهم بالقول وأقصر. ويروى عن ابن إسحاق أنه عرض عليهم الجزية، فأبوا فعرض عليهم أن يصالحوا بأرض سورية. قالوا وهي أرض فلسطين والأردن ودمشق وحمص وما دون الدرب وما كان وراء الدرب فهو الشام فأبوا.
قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب الأسدي أخا بني أسد بن خزيمة إلى الحرث بن شمر الغساني صاحب دمشق، وكتب معه:
«السلام على من اتبع الهدى وآمن به أدعوك إلى أن تؤمن باللَّه وحده لا شريك له يبقى لك ملكك» . فلما قرأ الكتاب قال: من ينزع ملكي أنا سائر إليه. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: باد ملكه. قال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمريّ إلى النجاشي في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وكتب معه كتابا: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشيّ الأصحم عظيم الحبشة، سلام عليك فاني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أنّ عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم الطيبة البتول الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فاني رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا ومعه نفر
[1] وفي النسخة الباريسية: ملك الروم.
[2]
وفي نسخة أخرى: وعلم.
من المسلمين فإذا جاءوك قاقرهم ودع التجري وإني أدعوك وجنودك إلى الله فلقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي والسلام على من اتبع الهدي» . فكتب إليه النجاشيّ «إلى محمد رسول الله من النجاشيّ الأصحم ابن الحرّ [1] سلام عليك يا رسول الله من الله ورحمة الله وبركاته أحمد الله الّذي لا إله إلّا هو الّذي هدانا للإسلام أمّا بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فما ذكرت من أمر عيسى فو ربّ السماء والأرض ما نزيد بالرأي على ما ذكرت أنه كما قلت وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قرّبنا ابن عمك وأصحابه فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا فقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت للَّه رب العالمين وقد بعثت إليك بابني أرخا [2] الأصحم فإنّي لا أملك إلّا نفسي إن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله، فإنّي أشهد أنّ الّذي تقول حق والسلام عليك يا رسول الله» . فذكر أنه بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة فغرقت بهم.
(وقد جاء) أنه أرسل إلى النجاشي [3] ليزوّجه أم حبيبة، وبعث إليها بالخطبة جاريته فأعطتها أوضاحا وفتخا ووكلت خالد بن سعيد بن العاص فزوّجها، ودفع النجاشي إلى خالد بن سعيد أربعمائة دينار لصداقها، وجاءت إليها بها الجارية فأعطتها منها خمسين مثقالا، فردت الجارية ذلك بأمر النجاشي. وكانت الجارية صاحبة دهنه وثيابه وبعث إليها نساء النجاشي بما عندهن من عود وعنبر وأركبها في سفينتين مع بقية المهاجرين، فلقوا النّبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وبلغ أبا سفيان تزويج أم حبيبة منه فقال: ذلك الفحل الّذي لا يقدع أنفه.
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة إلى كسرى، وبعث بالكتاب عبد الله بن حذافة السهميّ وفيه:«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن باللَّه ورسله أمّا بعد فإنّي رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيّا أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس.» فمزّق كسرى كتاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مزّق الله ملكه. وفي رواية ابن إسحاق بعد قوله «وآمن باللَّه ورسله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله وأدعوك بدعاية الله فإنّي أنا رسول الله إلى
[1] وفي النسخة الباريسية: ابن الجر.
[2]
وفي النسخة الباريسية: أرعاز.
[3]
وفي النسخة الباريسية: وعن الواقدي انه أرسل الى النجاشي.
الناس كافة لأنذر من كان حيّا ويحق القول على الكافرين فإن أبيت فإثم الأريسيين عليك:» قال فلما قرأه مزّقه، وقال يكتب إليّ هذا وهو عبدي! قال: ثم كتب كسرى إلى باذان وهو عامله على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل الّذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني، به فبعث باذان قهرمانه بانويه وكان حاسبا كاتبا بكتاب فارس ومعه خرخسرة من الفرس، وكتب إليه معهما أن ينصرف إلى كسرى، وقال لقهرمانه: اختبر الرجل وعرّفني بأمره. وأوّل ما قدما الطائف سألا عنه فقيل هو بالمدينة. وفرح من سمع بذلك من قريش وكانوا بالطائف، وقالوا قطب له كسرى وقد كفيتموه. وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكلمه بانويه [1] وقال: إنّ شاهنشاه قد كتب إلى الملك باذان أنّ يبعث إليك من يأتيه بك وبعثني لتنطلق معي ويكتب معه فينفعك وإن أبيت فهو من علمت ويهلك قومك ويخرب بلادك. وكانا قد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالا: أمرنا به ربّنا يعنون به كسرى. فقال لهما: لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي لم أؤخرهما إلى غد. وجاءه الوحي بأنّ الله سلّط على كسرى ابنه شيرويه فقتله [2] ليلة كذا من شهر كذا لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع، فدعاهما وأخبرهما فقالا: هل تدري ما تقول؟ يحزنانه عاقبة هذا القول، فقال اذهبا وأخبراه بذلك عني وقولا له إنّ ديني وسلطاني يبلغ ما بلغ ملك كسرى وإن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك وملكتك على قومك من الأنباء، وأعطى خرخسرة منطقة فيها ذهب وفضة كان بعض الملوك أهداها له. فقدما على باذان وأخبراه فقال ما هذا كلام ملك ما أرى الرجل إلّا نبيا كما يقول ونحن ننتظر مقالته. فلم ينشب [3] بأذان أن قدم عليه كتاب شيرويه:«أما بعد فإنّي قد قتلت كسرى ولم أقتله إلّا غضبا لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم وتسخيرهم في ثغورهم فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الّذي كان كسرى كتب فيه إليك فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه» . فلمّا بلغ باذان الكتاب وأسلمت الأبناء معه من فارس ممن كان منهم باليمن، وكانت حمير تسمي خرخسرة ذا المفخرة للمنطقة التي
[1] وفي النسخة الباريسية: أبو بويه.
[2]
وفي نسخة ثانية: يسلّط على كسرى ابنه شيرويه فيقتله.
[3]
اي لم يلبث.