الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخبر عن افتراق بنى إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين الى انقراضه
لما قبض سليمان صلوات الله عليه وسلامه، ولي ابنه رحبعم [1] ، وضبطه براء مهملة وحاء مهملة مضمومتين وباء موّحدة ساكنة وعين مهملة مضمومة وميم، فقام بأمره وزاد في عمارة بيت لحم وغزّة وصور وأيلة، واشتدّ على بني إسرائيل وطلبوا منه تخفيف الضرائب، فامتنع وطالبهم بالوظائف، وأخذ فيهم برأي الغواة من بطانته، فنقموا عليه ذلك وانتقضوا. وجاءهم يربعم بن نباط من مصر، فبايعوه وولّوه عليهم، واجتمع عليه سائر الأسباط العشرة من بني إسرائيل، ما عدا سبط يهوذا وبنيامين، وتزاحفوا للحرب. ثم دعاهم بعض أنبيائهم للصلح فتواضعوا واصطلحوا.
وفي السنة الخامسة من ملك رحبعم زحف شيشاق ملك مصر إلى بيت المقدس، فهرب رحبعم، واستباحها شيشاق ورجع وضرب عليهم الجزية، ثم دفعوه ومنعوه. فأقام بنو داود في سلطانهم على بني يهوذا وبنيامين ببيت المقدس وعسقلان وغزة ودمشق وحلب وحمص وحماة وما إلى ذلك من أرض الحجاز، وملك الأسباط العشرة بنواحي نابلس وفلسطين، ثم نزلوا مدينة شومرون وهي شمرة وسامرة في الناحية الشرقية الشمالية من الشام مما يلي الفرات والجزيرة، واتخذوها كرسيّا لملكهم ذلك، وأقاموا على هذا الافتراق إلى حين انقراض أمرهم، ووقعوا في الجلاء الّذي كتب الله عليهم كما نذكره.
ثم هلك رحبعم لسبع عشرة سنة من دولته، وولي بعده على سبط يهوذا وبنيامين بأرض القدس ابنه أفيا [2] ، وضبطه بهمزة مفتوحة ومتوسطة بين الفاء والذال من لغتهم وياء مثناة من تحت مشدّدة وألف، وكان على مثل سيرة أبيه. وكان عابدا صوّاما، وكانت أيامه كلها حربا مع يربعم بن نباط وبني إسرائيل، وهلك لثلاث سنين. وولى بعده ابنه أسا [3] ، بضم الهمزة وفتح السين المهملة وألف
[1] وفي التوراة: ورد اسمه رحبعام.
[2]
وفي نسخة اخرى: أبيّا.
[3]
وفي نسخة أخرى: آسا.
بعدها، ابن أفيا. وطال أمد ملكه، وكان رجلا صالحا، وكان على مثل سيرة جدّه داود صلوات الله عليه، وتعدّدت الأنبياء في بني إسرائيل على عهده، ومات يربعم بن نباط لسنتين من ملكه، وملك بعده ابنه ناداب وقتله يعشا بن أحيا كما نذكر في أخبارهم. ثم وقعت بينه وبين أسا حروب، واستمد اسا بملك دمشق فزحف معه، وكان يعشا ملك السامرة في ناحية يثرب لبنائها، فهرب وترك آلات البناء، فنقلها أسا ملك القدس وبنى بها الحصون. ثم خرج عليهم زادح ملك الكوش في ألف ألف مقاتل، ولقيهم أسا فهزمهم وأثخن فيهم. ولم تزل الحرب قائمة بين أسا وبين الأسباط بالسامرة سائر أيامه، وعلى عهده اختطت السامرة كما نذكر بعد.
ثم هلك أسا بن أفيا لإحدى وأربعين سنة من ملكه، وولي بعده ابنه يهوشاظ [1] ، بياء مفتوحة مثناة تحتانية وهاء مضمومة وواو ساكنة وشين معجمة بعدها ألف ثم ظاء بين الذال والظاء المعجمتين، فكان على مثل سيرة أبيه، وكانت أيامه مع أهل السامرة وملوكهم سلما. واجتمع ملوك العمالقة، ويقال أروم [2] ، وخرج لحربهم فهزمهم وغنم أموالهم. وكان لعهده من الأنبياء إلياس بن شوياق، واليسع بن شوبوات.
وقال ابن العميد: إيليا ومنحيا وعبوديا. وكانت له سفن في البحر يجلب له فيها بضائع الهند فأصابها قاصف الريح فتكسرت وغرقت. ثم هلك لخمسة وعشرين سنة من ملكه، وولي ابنه يهورام [3] ، بفتح المثناة التحتية ثم هاء مضمومة تجلب واوا ثم راء مفتوحة تجلب ألفا وبعدها ميم، وانتقض عليه أروم، وولوا عليهم ملكا منهم، فزحف إليهم [4] ووقع بهم في سفيرا أوسط بلادهم، وأثخن فيهم بالسبي والقتل. ثم رجع عنهم، وأقاموا في عصيانهم. وعلى عهده زحف ملك الموصل إلى الأسباط بالسامرة، فكانت بينه وبينهم حروب كما نذكر.
وقال ابن العميد: كانت على بني مؤاب جزية مضروبة لبني يهوذا، مائتان من الغنم كل سنة، فمنعوها، واجتمع ملوك القدس والسامرة لحربهم وحاصروهم سبعة أيام، وفقدوا الماء فاستسقى لهم اليسع وجرى الوادي. فخرج أهل مؤاب فظنوه ماء،
[1] وفي نسخة أخرى: يهوشافاط.
[2]
وفي نسخة اخرى: أدوم.
[3]
وفي التوراة: يورام.
[4]
وفي نسخة أخرى: زحف فيهم.
فقتلهم بنو إسرائيل وأثخنوا فيهم. وفي أيام يهورام رفع إيليا النبي وانتقل سره الى اليسع، وكان على عهده من الأنبياء أيضا عبوديا.
ثم هلك يورام لثمان سنين من ملكه، ودفن عند جدّ داود، وولي بعده ابنه أحزياهو [1] ، بهمزة مفتوحة وحاء مهملة مضمومة وزاي معجمة ساكنة ثم ياء مثناة تحتية بفتحة تجلب ألفا ثم هاء مضمومة تجلب واوا، وأمّه غثليا بنت عمري أخت أجاب [2] وسار سيرة خاله، وملك سنة واحدة، وقيل سنتين، وخرج لقتال ملك الجزيرة والموصل واستنفر معه صاحب السامرة يورام ابن خاله أجاب، فاقتتلوا معه ثم انصرفوا وابن خاله جريح. وجاءه أحزياهو في بعض الأيام يعوده وكان [3] ابن يهوشافاض بن منشي من سبط منشا بن يوسف يترصد قتل يورام بن أجاب ملك السامرة، فأصاب فرصة في ذلك الوقت فقتلهما جميعا. وقال ابن العميد انّ يورام بن أجاب ملك السامرة خرج لحرب أروم، في رواية كلعاد وخرج معه أحزياهو فقتلا في تلك الحرب. قال: وقيل ان ياهوعشّا رمى بسهم فأصاب يورام بن أجاب. وكان لعصره من الأنبياء اليسع وعامور وفنحاء.
ثم ملك بعد أحزيا أمه عثليا بنت عمري كذا وقع اسمها في كتاب الطبري، وفي كتاب الإسرائيليات اسمها أضالية. ويقال كانت من جواري سليمان، ثم استفحل ملكها بالقدس وقتلت بني داود كلهم، وأغفلت ابنا رضيعا من ولد أبيها أحزياهو اسمه يؤاش، بضم الياء المثناة التحتية ثم همزة مفتوحة تجلب ألفا ثم شين معجمة، أخفته عمته يهوشيع بنت يهورام في بعض زوايا القدس، وعلم بمكانه زوجها يهود يادع [4] وهو يومئذ الكوهن الأعظم. حتى إذا كملت له سبع سنين، ونقم بنو يهوذا سيرة عثليا، اجتمعوا إلى يهود يادع الكوهن فاخرج لهم يؤاش بن أحزياهو من مكانه، واستحلفهم فبايعوا له وقتلوا جدّته عثليا ومن معها لسبع سنين من ملكها.
[1] وفي التوراة: أحزيا.
[2]
وفي نسخة أخرى أخاب.
[3]
بياض بالأصل وفي الكامل لابن الأثير ج 1 ص 254 ثم ملك بعد آسا ابنه سافاط وفي شرحه: هو يهوشافاط ولم يذكر شيئا عن ابن يهوشافاط، اوسافاط، أو يهوشافاض هذا. والّذي في التوراة: يهورام بن يهوشافاط- الاصحاح الثامن من سفر الملوك الثاني.
[4]
وفي نسخة أخرى: يهوياداع وكذلك في التوراة.
وقام يؤاش بملكه في تدبير يهوديادع الكوهن، ثم أراد عبادة الأصنام، فمنعه زكريا النبيّ فقتله. وكان لعهده من الأنبياء اليسع وعوفريا وزكريا بن يهوديادع. وهلك يهوديادع لثلاث وعشرين سنة من ملك يؤاش بعد أن جدّد يؤاش بيت المقدس، ولثمان وثلاثين من ملكه قبض اليسع النبي صلوات الله عليه، وعلى عهده زحف شريال ملك الكلدانيين ببابل إلى بيت المقدس، ويقال ملك نينوى والموصل. وقال ابن العميد: ملك الشام فأعطاهم جميع ما في خزائن الملك وبيت المقدس من الأموال، ودخل في طاعتهم إلى أن قتله وزراؤه وأهل دولته لأربعين سنة من ملكه.
وولّوا مكانه ابنه أمصيا هو، بفتح الهمزة والميم وسكون الصاد المشمة بالزاي بعدها ياء مثناة تحتانية بفتحة تجلب ألفا ثم هاء مضمومة تجلب واوا، واستبدّوا عليه ثم ثار عليهم بأمه وقتلهم أجمعين. وسار إلى أروم فظفر بهم، وقتل منهم نحوا من عشرين ألفا، ثم زحف إليه ملك الأسباط بالسامرة [1] ولقيه فهزمه وحصل في أسره. وسار الى بيت المقدس فحاصرها، وهدم من سورها نحوا من أربعمائة ذراع، واقتحمها فغنم ما في خزائن بيت السلطان، وبيت الهيكل من الأموال والأواني والذخائر ورجع إلى السامرة، فأطلق أمصيا هو ملك القدس، فرجع إلى قومه ورمّ ما تثلّم من سورها. ولم يزل مملكا حتى نقموا عليه أفعاله فقتلوه لسبع وعشرين سنة من ملكه. وكان لعهده من الأنبياء يونان وناحوم، وتنبأ لعصره عاموص.
ولما قتلوا أمصيا هو ولّوا ابنه عزيا هو [2] ، بعين مهملة مضمومة وزاي معجمة مكسورة مشدّدة وياء مثناة تحتانية تجلب ألفا وهاء تجلب واوا، وطالت مدّته ثلاثا وخمسين سنة، واختلفت فيها أحواله. قال ابن العميد: ولخمس من ملكه كان ابتداء وضع سنيّ الكبس [3] التي هي سنة بعد أربع تزيد يوما على الماضية بحساب ربع يوم في كل سنة الّذي اقتضاه حساب مسير الشمس عندهم. قال: ولست من ملكه انقرض ملك الأرمانيين من الموصل وصارت إلى بابل، لاثنتين وعشرين من ملكه غزا ملك بابل واسمه فول مدينة السامرة فاقتحمها، وأعطاه ملكها بدرة من المال فرجع عنه.
قال: ولعهده ملك على بابل رينوس ويلقب قطب الملك، ولعهده ملك على
[1] كذا بياض بالأصل وفي التوراة يوآش بن يوآحاز بن ياهو.
[2]
وفي التوراة: عزريا هو.
[3]
وهي السنة الكبيسة اي 2/ 365 يوما.
اليونانيين ملكهم الأول من مدينة أنقياس لثلاث وعشرين سنة من تملك عزيا هو.
قال: ولإحدى وخمسين من ملكه ملك ببابل بخت نصّر الأول. قال: ولعهده أيضا كان الملك الأوّل من الروم المقدويس ويسمى فروس. ولعهده كان من الأنبياء يوشع وغوزيا وأموص وأشعيا ويونس بن متى. قال ابن العميد وانتهت عساكر عزيا هو إلى ثلاثمائة ألف، وأصابه البرص بدعاء الكوهن لما أراد أن يخالف التوراة في استعمال البخور وهو محرم على سبط لاوى، فبرص ولزم بيته سنة وصار ابنه يؤام ينظر في أمر الملك إلى أن تغلب على أبيه. قال هروشيوش: وعلى عهده أيضا قتل شرديال آخر ملوك بابل من الكلدانيّين على يد قائده أرباط بن المادس، واستبدّ بملك بابل وأصاره إلى قومه بعد حروب طويلة، ثم زحف إلى القوط والعرب من قضاعة فحاربهم طويلا وانصرف عنهم.
ثم هلك عزيا هو لثلاث وخمسين سنة من ملكه، وملك بعده ابنه يؤاب وكان صالحا تقيا، وكان لعهده من الأنبياء هوشيع [1] وأشعيا ويويل [2] وعوفد. وفي أيامه ابتدأ غلب ملك الجزيرة على اليهود وكانوا يعرفون بالسوريانيين. ثم هلك يوآب لست عشرة من ملكه، وملك ابنه أحاز، بهمزة مفتوحة ممالة وحاء مهملة تجلب ألفا وزاي معجمة، فخالف سنة آبائه، وعبد بنو إسرائيل الأوثان في أيامه، وحارب الأرمن واستجاش عليهم بملك الموصل، فزحف معه وحاصر دمشق وملكها منهم واستباحها، ورجع إلى بلاده. ثم خرج أحاز لحربهم فهزموه وقتلوا من اليهود مائة وعشرين ألفا ونحوها، وارجعوا أحاز الى دمشق أسيرا. قال هروشيوش: وعلى عهد أحاز كان انقراض ملك الماريس على يد كيرش ملك الفرس، ورجعت أعمالهم إليه.
ويقال: انّ آخر ملوكهم هو اشتانيش، وكان جد كيرش لامّه، وكفله صغيرا فلما شب وملك حارب جدّه فقتله وانتزع ملكه. وقال ابن العميد عن المسبحي: ولذلك العهد ملك على الروم الفرنجة غير اليونان، الاخوان روملس ورومانس، واختط مدينة رومة. وقال هروشيوش: ولعهده ملك على الروم اللطينيين بأرض أنطاكية روملس، ثم مركة وبنى مدينة رومة.
[1] وفي نسخة اخرى: هو سيع.
[2]
وفي نسخة اخرى: يوئيل كما في التوراة.
ثم هلك أحاز لست عشرة من ملكه، وولى ابنه حزقيا هو، بحاء مهملة مكسورة وزاي معجمة ساكنة وقاف مكسورة وياء مثناة تحتانية مشددة تجلب ألفا وهاء مضمومة تجلب واوا، فقطع عبادة الأوثان وسار سيرة جدّه داود، ولم يكن في ملوك بني يهوذا مثله. وعصى على ملك الموصل وبابل وكوريش [1] وهزم فلسطين وخرّب قراهم. وفي أيامه وأيام أبيه سار شليشار ملك الجزيرة والموصل إلى الأسباط بالسامرة، فضرب عليهم الجزية. ثم سار في أيامه فأزال ملكهم. ولأربع من ملكه زحف إليه رضين ملك دمشق ورجع عنه من غير قتال. ولا ربع عشرة من ملكه زحف إليه سنجاريف [2] ملك الموصل بعد فتح السامرة، فافتتح أكثر مدائن يهوذا وحاصرهم ببيت المقدس. وصانعه حزقيا هو بثلاثمائة قنطار من الفضة وثلاثين من الذهب أخرج فيها ما كان في الهيكل، وبيت الملك من المال ونثر الذهب من أبواب المسجد، دفع ذلك له ورجع عنه. ثم فسد ما بينهما وزحف إليه سنجاريف ثانيا وحاصره وامتنع من قبول مصانعته، وقال: من ذا الّذي خلصه إلهه من يدي حتى يخلصكم أنتم إلهكم. فخافوا منه وفزعوا إلى النبي شعيا في الدعاء فأمنهم منه ودعا عليه فوقع الطاعون في عسكره، ثم تواقعوا في بعض الليالي، فبلغ قتلاهم مائة وعشرين ألفا ورجع سنجاريف إلى نينوى والموصل، فقتله أبناؤه وهربوا إلى بيت المقدس وملك ابنه السرمعون.
وقال الطبري إنّ ملك بني إسرائيل أسر سنجاريف وأوحى الله الى شعيا أن يطلقه فأطلقه. قال: وقيل إنّ الّذي سار إليه سنجاريف من ملوك بني إسرائيل كان أعرج، وأنّ سنجاريف لعهد ملك أذربيجان، وكان يدعى سليمان الأعسر، فلما نزل بيت المقدس صار بينهما أحقاد كامنة، فتواقعوا وهلك عامّة عسكرهما، وصار ما معهما غنيمة لبني إسرائيل، وبعث ملك بابل إلى حزقيا ملك الفرس بالهدايا والتحف، فأعظم موصلها، وبالغ في كرامة الوفد وفخر عليهم بخزانته وطوفهم عليها، فنكر ذلك عليه شعيا النبي وأنذره بان ملوك بابل يغنمون جميع هذه الخزائن، ويكون من أبنائك خصيان في قصرهم.
ثم هلك حزقيا هو لتسع وعشرين سنة من ملكه، وولي ابنه منشا، بميم مكسورة ونون
[1] وفي نسخة اخرى توريش.
[2]
وفي التوراة: سنحاريب.
مفتوحة وشين معجمة مشدّدة وألف، وكان عاصيا قبيح السيرة، وكانت آثاره في الدين شنيعة، وأنكر عليه شعيا النبي أفعاله، فقتله نشرا بالمناشير من رأسه إلى مغرق ساقيه، وقتل جماعة من الصالحين معه. وفي التاسعة والثلاثين من ملكه، ملك سنجاريف الصغير مملكة الموصل قاله ابن العميد وفي الثانية والخمسين بنيت بوزنطية بناها بورس الملك، وهي التي جددها قسطنطين وسمّاها باسمه. وفي أيامه ملك برومة قنوقرسوس الملك، وفي الحادية والخمسين من ملكه زحف سنجاريف ملك الموصل إلى القدس فحاصرها ثلاث سنين، وافتتحها في الرابعة والخمسين من ملكه. وولي بعده ابنه أمون، بهمزة قريبة من العين والميم مضمومة تجلب واوا ثم نون، وكانت حاله مثل حال أبيه فملك سنتين، وقيل اثنتي عشرة، ثم اغتاله عبيده فقتلوه، واجتمع بنو يهوذا فقتلوا أولئك العبيد، وأقاموا ابنه يوشيا مكانه، وضبطه بياء مثناة تحتية مضمومة تجلب واوا بعدها شين معجمة مكسورة ثم ياء مثناة تحتية بفتحة تجلب ألفا. فلما ملك أحسن السيرة وهدم الأوثان وكان صالح الطريقة مستقيم الدين، وقتل كهنة الأصنام وهدم البيوت والمذابح التي بناها يربعام بن نباط بالبرابرة. وكان في أيامه من الأنبياء صفونا [1] وكلدي امرأة شالوم وناحوم. وتنبأ لعهده أرمياء بن ألحيا [2] من نسل هارون، وأخبرهم بالجلاء إلى بابل سبعين سنة، فأخذ يوشيا قبة القربان وتابوت العهد وأطبق عليهما في مغارة فلم يعرف مكانهما من بعد ذلك. وفي أيامه ملك المجوس بابل. ولإحدى وثلاثين من دولته ملك فرعون الأعرج مصر وزحف لقتال مسيح بالفرات، فخرج يوشيا لحربه وانهزم يوشيا فهلك بسهم أصابه لاثنتين وثلاثين من دولته.
وولى بعده ابنه يوآش، ويقال اسمه يهوياحاز فعطل أحكام التوراة، وأساء السيرة، فزحف إليه فرعون الأعرج، وأخذه ورجع به إلى مصر فمات لك. وضرب على أرضهم الخراج مائة قنطار فضة وعشرة ذهبا، وكانت ولايته ثلاثة أشهر. وولّوا مكانه أخاه ألياقيم بن يوشيا، بهمزة مفتوحة ولام ساكنة وياء مثناة تحتانية يجلب فتحها ألفا وقاف مكسورة تجلب ياء ثم ميم، وكان عاصيا كافرا، وكان يأخذ الخراج لفرعون من بني يهوذا على قدر أحوالهم. ثم زحف إليه بخت نصّر ملك بابل لسبع من ولاية ألياقيم،
[1] وفي التوراة: صفنيا بن كوشي- نبوّة صفنيا- الفصل الاولى.
[2]
وفي التوراة: إرميا بن خلقيا- نبوّة ارميا، الفصل الأول.
فملك الجزيرة وسار إلى بيت المقدس فضرب عليهم الجزية أولا، ودخل ألياقيم في طاعته ثلاث سنين، وسلط الله عليه أروم وعمون ومؤاب والكلدانيين، ثم انتقض عليه فسرح الجيوش اليه، فقبضوا عليه واحتملوه الى بابل، فهلك في طريقه لإحدى عشرة سنة من ملكه. وولى بخت نصّر مكانه ابنه يخنيو، بفتح الياء المثناة التحتانية بعدها خاء معجمة مضمومة ثم نون ساكنة وبعدها ياء تحتانية تجلب ضمتها واوا، فأقام ثلاثة أشهر، ثم زحف إليه وحاصره، وأخرج إليه أمّه وأشراف مملكته فأشخصهم الى بلده. وجمع أهله ورجال دولته وسائر بني إسرائيل نحوا من عشرة آلاف، واحتملهم أسارى إلى بابل، وغنم جميع ما كان في الهيكل والخزائن من الأموال وجميع الأواني التي صنعها سليمان للمسجد، ولم يترك بمدينة القدس إلا الفقراء والضعفاء وبقي يخنيو ملك بني إسرائيل محبوسا سبعا وثلاثين سنة.
وقال ابن العميد: إنّ بخت نصّر سار إلى القدس في الثالثة من مملكة ألياقيم، وسبى طائفة منها، وانتهب جميع ما في بيت الهيكل. وكان في سنة دانيال وخانيا وعزاريا وميصائل. وانّ في السنة الخامسة من ملكه قاتل بخت نصّر فرعون الأعرج ملك مصر، وفي الثانية من ملك الياقيم غزا بخت نصّر القدس ووضع عليهم الخراج وأبقى الياقيم في ملكه وهلك لثلاث سنين بعد ذلك وملك ابنه يخنيو. وكان لعهده من الأنبياء ارميا وأوريا بن شعيا وموري والد حزقيا. وفي أيامه تنبأ دانيال، ثم سار بخت نصّر ليخنيو فأشخصه الى بابل كما مرّ.
وقال الطبري ووافقه نقل هروشيوش: إنّ بخت نصّر ولّى مكان يخنيو بن الياقيم عمه متنيا، بميم مفتوحة وتاء مثناة فوقانية مفتوحة مشدّدة ونون ساكنة وياء مثناة تحتانية بفتحة تجلب ألفا، ويسمّى صدقيا هو، وكان عاصيا قبيح السيرة، ولتسع سنين من ولايته انتقض على بخت نصّر، فزحف إليه في العساكر وحاصر بيت المقدس وبنى عليها المدر للحصار، وأقام ثلاث سنين واشتدّ الحصار بهم، فخرجوا هاربين منها إلى الصحراء واتبعهم العساكر من الكلدانيين وأدركوهم في أريحا، فقبض على ملكهم صدقيا هو وأتى به أسيرا فسمل عينيه. وقال الطبري: وذبح ولده بمرأى منه، ثم اعتقله ببابل إلى أن مات. ولحق بعض من بني إسرائيل بالحجاز فأقاموا مع العرب، وكان لعهده من الأنبياء ارميا وحبقون وباروح. وبعث بخت نصّر قائده نبو زراذون، بنون مفتوحة وباء موحدة مضمومة تجلب واوا بعدها زاي وراء مفتوحة تجلب ألفا
وذال مضمومة تجلب واوا بعدها نون، بعثه إلى مدينة القدس، وكانوا يدعونها مدينة يروشالم [1] ، فخرّبها وخرّب الهيكل وكسر عمد الصفر التي نصبها سليمان في المسجد طول كل عمود منها ثمانية عشر ذراعا وطول رءوسها ثلاثة أذرع، وكسر صرح الزجاج وسائر ما كان بها من آثار الدين والملك، واحتمل بقية الأواني وما كان وجده من المتاع، وسبى الكوهن سارية والحبر منشا وخدمة الهيكل إلى بابل. قال هروشيوش: وأبقى صدقيا هو محبوسا ببابل إلى أن أطلقه بزداق قائد بهمن ملك الفرس حين غلبوا على بابل فأطلقه ووصله وأقطعه.
وقال مؤرخ حماة [2] ووافقه المسعودي: انّ بخت نصّر بعد تخريب القدس هرب منه بعض ملوك بني إسرائيل إلى مصر وبها فرعون الأعرج، وطلبه بخت نصّر فأجاره فرعون وسار إليه بخت نصّر فقتله وملك مصر. وافتتح من المغرب مدائن وبث فيها دعاته، وكان إرمياء نبي بني إسرائيل من سبط لاوى، ويقال اسمه إرمياء بن خلقيا، وكان على عهده صدقيا هو ووجده بخت نصّر في محبسهم فأطلقه واحتمله معه في السبي الى بابل، وقيل انه مات في محبسه ولم يدركه بخت نصّر. وكذلك احتمل معهم دانيال بن حزقيل من أنبيائهم.
وقال ابن العميد: وولي جدليا بن أحان على من بقي من ضعفاء اليهود بالقدس، ولسبعة أشهر من ولايته قام إسماعيل بن متنيا بن إسماعيل من بيت الملك فقتل جدليا واليهود والكلدانيين الذين معهم، ثم هرب إلى مصر وهرب معه ارميا، وهرب حبقون إلى الحجاز فمات وكان قيما ولحقهم بمصر. وتنبأ ارمياء في مصر وبابل وأورشليم وصور وصيدا وعمون ثمانية وثلاثين سنة، ورجمه أهل الحجاز فمات. وكان فيما أخبرهم به مسير بخت نصّر الى مصر وتخريبه هياكلها وقتله أهلها. ولما دخل بخت نصّر مصر نقل جسده الى الإسكندرية ودفنه بها، وقيل دفن بالقدس لوصيته. وأمّا حزقيا هو فقتله اليهود في السبي.
قال الطبري: وافترقت جالية بني إسرائيل في نواحي العراق الى ان ردّهم ملوك الفرس الى القدس فعمروه وبنوا مسجده. وكان لهم فيه ملك في دولتين متصلتين الى أن وقع بهم الخراب الثاني والجلوة الكبرى على يد طيطش من ملوك القياصرة كما نذكر بعد.
[1] أو أورشليم.
[2]
يعني أبي الفداء.
ولنذكر هنا ما وقع من الخلاف في نسب بخت نصّر هذا، والى من يرجع من الأمم:
فقد ذهب قوم الى أنه من عقب سنجاريف ملك الموصل الّذي كان يقاتل بني إسرائيل والسامرة بالقدس. قال هشام بن محمد الكلبي فيما نقل الطبري: هو بخت نصّر بن نبوزراذون بن سنجاريف، ثم نسب سنجاريف إلى نمروذ بن كوش بن حام الّذي وقع ذكره في التوراة في ولدكوش وعدّ بين سنجاريف والنمروذ ستة عشر أبا أو نحوها أوّلهم داريوش بن فالغ وعصا [1] بن نمروذ، أسماء غير مضبوطة يغلب على الظنّ تصحيفها لعدم دراية الأصول وقلّة الوثوق بضبطها. وقيل إنّ بخت نصّر من نسل أشوذ [2] بن سام، ولم يقع إلينا رفع هذا النسب ولعله أصح من الأوّل لأنه قد تقدّم نسب سنجاريف في الجرامقة ثم في الموصل منهم وهم من ولد أشوذ باتفاق من أهل فارس، نقله أيضا الطبري عن ابن الكلبي، وان اسمه بختمرسه فسمي بخت نصّر، وكان يملك ما بين الأهواز والروم من غربي دجلة أيام هراسب ويستاسب وبهمن من ملوك الفرس، وانه افتتح ما يليه من بلاد بابل والشام ثم سار الى القدس فافتتحها كما تقدّم، وقيل ان بهمن بعث رسله إلى القدس في طلب الطاعة منهم فقتلوه، فبعث بهمن أصبهبذا للناحية القريبة من مملكته، وبعث معه داريوش [3] من ملوك مارى بن نابت، وكيرش بن كيكوس من ملوك بنى غليم بن سام، وأحشوارش بن كيرش بن جاماهن من قرابته. وسار معهم بخت نصّر بن نبوزراذون بن سنجاريف صاحب الموصل الّذي لقومه البراءات في أهل المقدس فكان ما وقع من الفتح. وقيل كان بخت نصّر صاحب الموصل في مقدّمتهم وكان الفتح على يده.
وأما بنو إسرائيل فيزعمون أنّ بخت نصّر من الكلدانيين، وهم ولد ناحور بن آزر أبي إبراهيم عليه السلام، وكان لهم الملك ببابل وكان بخت نصّر هذا من أعقابهم، وكان مدّة دولته خمسا وأربعين سنة، وكان فتحه المقدس لثمانية عشر من دولته. وملك بعده أويل مروماخ ثلاثا وعشرين سنة، ثم بعده ابنه فيلسنصر بن أويل ثلاث سنين، ثم غلب عليهم كورش وأزال ملكهم وهو الّذي ردّ بني إسرائيل إلى بيت المقدس فعمروه وجدّدوا به ملكا كما نذكره.
[1] وفي التوراة: عوص.
[2]
وفي التوراة: اشور.
[3]
وفي نسخة اخرى: داريوس.
وفد اختلف في كيرش الّذي ردّ بني إسرائيل الى القدس من هو بعد اتفاقهم على أنه من الفرس، فقيل هو يستاسب ولم يكن ملكا وإنما كان مملكا على خوزستان وأعمالها من قبل كيقوس وبنجسون بن سياوش ولهراسب من بعدهما، وكان عظيم الشأن ولم يكن ملكا. وقيل إنّ كيرش هو ابن احشوارش بن جاماسب بن لهراسب، وأبوه أحشوارش هذا الّذي بعثه بهمن. ولما رجع من ذلك الفتح بعثه الى ناحية الهند والسند وانصرف الى حصن الأبر فولاه بابل وتزوج من سبي بني إسرائيل ابنة أبي حاويل الرّحا وأخت مردخاي من الرضاع، وهو من أنبياء بني إسرائيل. فتزعم النصارى انها ولدت عند حيرا حوارس إلى بابل ابنه كيرش هذا فحضنه مردخاي ولقنه دين اليهودية، ولزم سائر أنبيائهم مثل متنيا وعازريا وميثائل وعزيز. وولي دانيال احكام دولته، وجعل إليه أمره وأذن له أن يخرج ما في الخزائن من السبي والذخائر والآنية ويردّه إلى مكانه ويقوم في بناء القدس فعمره. وراجعه بنو إسرائيل وسأله هؤلاء الأنبياء أن يرجعوا إلى بيت المقدس فمنعهم اغتباطا بمكانهم.
وقيل إنّ كيرش هو كيرش بن كيكو بن غليم بن سام، وهو الّذي كنا قدمنا أن بهمن بعثه مع قائده بخت نصّر الى فتح بيت المقدس، وأنّ بختمرس ملكه بهمن على بابل، وكان يسمى بختمرسي كما ذكرنا، فملكها وملك ابنه من بعده ثلاثا وعشرين سنة، ثم ابنه بلتنصر سنة واحدة، ثم بلغ بهمن سوء سيرته فعزله وولّى على بابل داريوش ألماذة بن ماداي، ثم عزله وولى كيرش بن كيكو، وكتب إليه بهمن بان يرفق ببني إسرائيل ويحسن ملكتهم وأن يردهم إلى أرضهم ويولي عليهم من يختارونه، ففعل، فاختاروا دانيال من أنبيائهم فولّاه. وقيل وهو لعلماء بني إسرائيل انّ بلتنصر حافد بخت نصّر وهو ملك بابل والكلدانيين، وأنّ دارا ويسمى داريوش ملك ماري، وكورش وهو كيرش ملك فارس، كان في طاعته فانتقضا عليه، وخرج إليهم في العساكر فانهزم أوّلا، ثم بعث عساكره وقواده إليهم فهزمهم ثم قتله خادمه على فراشه. ولحق بداريوش وكورش وزحفا إلى بابل فغلبا الكلدانيين عليها، واختص دارا وقومه مادي وأظنهم الديلم ببابل ونواحيها. واختص كورش وقومه فارس بسائر الأعمال والكور، وكان كورش نذر ببناء بيت المقدس واطلاق الجالية ورد الآنية، ثم هلك دارا وانفرد كورش بالملك على فارس ومادي ووفى بنذره هذا محصل الخلاف في بخت نصّر وكيرش والله أعلم.
الواقع ان الأسماء محرّفة ومحوّرة عن الأصل حتى في الصفحة الواحدة يرد الاسم مختلفا، وهذا ما جعلنا نعود الى التوراة وبعض المراجع القديمة ومقابلتها لضبط هذه الأسماء قدر الإمكان.