الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمرو وقال لا وفقك الله غدرت وفجرت. وحمل شريح على عمرو فضربه بالسيف [1] وضربه ابن عمر كذلك، وحجز الناس بينهم، فلحق أبو موسى بمكّة وانصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة، ورجع ابن عبّاس وشريح إلى عليّ بالخبر فكان يقنت إذا صلّى الغداة ويقول اللَّهمّ العن معاوية وعمرا وحبيبا وعبد الرحمن بن مخلد والضحّاك بن قيس والوليد وأبا الأعور، وبلغ ذلك معاوية فكان إذا اقنت يلعن عليّا وابن عبّاس والحسن والحسين والأشتر [2] .
أمر الخوارج وقتالهم
ولما اعتزم عليّ أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه زرعة بن البرح الطائي وحرقوص بن زهير السعديّ من الخوارج وقالا له: تب من خطيئتك وارجع عن قضيّتك واخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم، وقال عليّ: قد كتبنا بيننا وبينهم كتابا وعاهدناهم، فقال حرقوص: ذلك ذنب تنبغي التوبة منه، فقال عليّ: ليس بذنب ولكنه عجز من الرأي، فقال زرعة: لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنك أطلب وجه الله، فقال عليّ: بؤسا لك كأني بك قتيلا تسفى عليك الرياح، قال: وددت لو كان ذلك.
وخرجا من عنده يناديان لا حكم إلّا للَّه، وخطب عليّ يوما فتنادوا من جوانب المسجد بهذه الكلمة، فقال عليّ: الله أكبر كلمة حق أريد بها باطل، وخطب ثانيا فقالوا كذلك، فقال: أما آن لكم عندنا ثلاثا ما صحبتمونا لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ولا الفيء ما دمتم معنا ولا نقاتلكم حتى تبدءونا وننتظر فيكم أمر الله. ثم اجتمع الخوارج في منزل عبد الله بن وهب الراسبي [3] فوعظهم وحرّضهم على الخروج إلى بعض النواحي لإنكار هذه البدع، وتبعه حرقوص بن زهير في المقالة، فقال حمزة بن سنان الأسدي [4] : الرأي ما رأيتم لكن لا بدّ لكم من أمير وراية، فعرضوها على زيد بن حصين الطائي، ثم حرقوص بن زهير، ثم حمزة بن سنان، ثم
[1] وفي النسخة الباريسية: بالسوط.
[2]
قال ابن كثير في تاريخه: ان هذا لم يصحّ أهـ ولعلّ الدعاء كان لغير اللعن. قاله نصر.
[3]
وفي النسخة الباريسية: عبد الله بن وهيب الراسي.
[4]
وفي نسخة اخرى: حمزة بن سنان الأزديّ.
شريح بن أوفى العنسيّ فأبوا كلّهم. ثم عرضوها على عبد الله بن وهب فأجاب فبايعوه لعشر خلون من شوّال، وكان يقال له ذو الثفنات. ثم اجتمعوا في منزل شريح وتشاوروا. وكتب ابن وهب إلى أهل البصرة منهم يستحشدهم [1] على اللحاق بهم، ولما اعتزموا على السير تعبدوا ليلة الجمعة ويومها ساروا، فخرج معهم طرفة بن عديّ بن حاتم الطائيّ، واتبعه أبوه إلى المدائن فلم يقدر عليه فرجع ولقيه عبد الله بن وهب في عشرين فارسا وأراد قتله فمنعه من كان معه من طيِّئ.
وأرسل عليّ إلى عامل المدائن سعد بن مسعود بخبرهم فاستخلف ابن أخيه المختار بن عبيد وسار في طلبهم في خمسمائة فارس، فتركوا طريقهم وساروا على بغداد ولحقهم سعد بالكرخ مساء، وجاءه عبد الله في ثلاثين فارسا وقاتلهم وامتنعوا، وأشار أصحابه بتركهم [2] إلى أن يأتي فيهم أمر عليّ فأبى، ولما جنّ عليهم الليل عبر عبد الله إليهم دجلة وسار إلى أصحابه بالنهروان، واجتمعت خوارج البصرة في خمسمائة رجل عليهم مسعر بن فدكي التميميّ واتبعهم أبو الأسود الدؤليّ بأمر ابن عبّاس ولحقهم فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، فأدلج مسعر بأصحابه فلحق بعبد الله بن وهب بالنهروان، ولما خرجت الخوارج بايع عليّ أصحابه على قتالهم، ثم أنكر [3] شأن الحكمين وخطب الناس وقال بعد الحمد للَّه والموعظة: ألا إنّ هذين الحكمين نبذا حكم القرآن واتبع كل واحد هواه واختلفا في الحكم وكلاهما لم يرشد، فاستعدّوا للسير إلى الشام. وكتب إلى الخوارج بالنهروان بذلك واستحثهم للمسير إلى العدوّ وقال: نحن على الأمر الأوّل الّذي كنّا عليه. فكتبوا إليه: إنّك غضبت لنفسك ولم تغضب لربّك فان شهدت على نفسك بالكفر وتبت نظرنا بيننا وبينك وإلّا فقد نابذناك على السواء. فيئس عليّ منهم ورأى أن يمضي إلى الشام ويدعهم، وقام في الناس يحرّضهم لذلك، وكتب إلى ابن عبّاس من معسكره بالنخيلة يأمره بالشخوص بالعساكر والمقام إلى أن يأتي أمره، فأشخص ابن عبّاس الأحنف بن قيس في ألف وخمسمائة، ثم خطب ثانية وندب الناس وقال: كيف ينفر هذا العدد القليل وأنتم
[1] وفي نسخة اخرى: يستحث بهم.
[2]
وفي النسخة الباريسية: وأمر أصحابه فتركهم.
[3]
وفي النسخة الباريسية: ثم بلغه شأن الحكمين.
ستون ألف مقاتل! ثم تهدّدهم وأمرهم بالنفير مع جارية بن قدامة السعدي، فخرج معه ألف وستمائة [1] ووافوا عليّا في ثلاثة آلاف ويزيدون. ثم خطب أهل الكوفة ولاطفهم بالقول وحرّضهم وأخبرهم بما فعل أهل البصرة مع كثرتهم وقال ليكتب إليّ كل رئيس منكم ما في عشيرته من المقاتلة من أبنائهم ومواليهم، فأجابه سعيد بن قيس الهمدانيّ ومعقل بن قيس وعديّ بن حاتم وزياد بن خصفة وحجر بن عديّ وأشراف الناس بالسمع والطاعة، وأمروا ذويهم ألّا يتخلّف منهم أحد، فكانوا أربعين ألف مقاتل وسبعة عشر ممن بلغ الحلم، وانتهت عساكره إلى ثمانية وستين ألفا.
وبلغه أنّ الناس يرون تقديم الخوارج فقال لهم: إنّ قتال أهل الشام أهم [2] علينا لأنّهم يقاتلونكم ليكونوا ملوكا جبارين ويتخذوا عباد الله خولا فرجعوا إلى رأيه وقالوا: سر بنا إلى حيث شئت. وبينما هو على اعتزام السير إلى أهل الشام بلغه أنّ خوارج أهل البصرة لقوا عبد الله بن خباب من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من النهروان فعرّفهم بنفسه، فسألوه عن أبي بكر وعمر فأثنى خيرا، ثم عن عثمان في أول خلافته وآخرها فقال: كان محقا في الأوّل والآخر، فسألوه عن عليّ قيل التحكيم وبعده، فقال: هو أعلم باللَّه وأشدّ توقيا على دينه، فقالوا: إنك توالي الرجال على أسمائها، ثم ذبحوه وبقروا بطن امرأته ثم قتلوا ثلاث نسوة من طيِّئ.
فآسف عليّا قتلهم عبد الله بن خباب واعتراضهم الناس، فبعث الحرث بن مرّة العبديّ لينظر فيما بلغه عنهم فقتلوه، فقال له أصحابه: كيف ندع هؤلاء ونأمن غائلتهم في أموالنا وعيالنا إنّما نقدّم أمرهم على الشام، وقام الأشعث بن قيس بمثل ذلك فوافقهم عليّ وسار إليهم، وبعث من يقول لهم ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم فنكف عنكم حتى نرجع من قتال العرب [3] لعل الله يردّكم إلى خير، فقالوا: كلّنا قتلهم وكلنا مستحل دماءكم ودماءهم، ثم جاءهم قيس بن سعد ووعظهم وأبو أيوب الأنصاري كذلك.
ثم جاءهم عليّ فتهدّدهم وسفّه رأيهم ويريهم [4] شأن الحكمين وأنهما لما خالفا حكم
[1] وفي النسخة الباريسية: ألف وسبعمائة.
[2]
وفي النسخة الباريسية: أحب علينا.
[3]
يعني المؤرخ قتال أهل الشام.
[4]
وفي نسخة اخرى: بيّن لهم.
الكتاب والسنّة نبذنا أمرهما ونحن على الأمر الأول فقالوا: إنا كفرنا بالتحكيم وقد تبنا فان تبت أنت فنحن معك وان أبيت فقد نابذناك، فقال: كيف أحكم على نفسي بالكفر بعد إيماني وهجرتي وجهادي ثم انصرف عنهم. وقيل إنّ عليّا خطبهم وأغلظ عليهم فيما فعلوه من الاستعراض والقتل فتنادوا لا تكلموهم وتأهّبوا للقاء الله. ثم قصدوا جسر الخوارج ولحقهم عليّ دونه، وقد عبّى أصحابه: وعلى ميمنته حجر بن عديّ وعلى ميسرته شبث بن ربعي أو معقل بن قيس وعلى الخيل أبو أيوب وعلى الرجالة أبو قتادة وعلى أهل المدينة سبعمائة أو ثمانمائة قيس بن سعد. وعبأت نحوه الخوارج: على ميمنتهم زيد بن حصين الطائي وعلى الميسرة شريح بن أوفى العنسيّ [1] وعلى الخيل حمزة بن سنان الأسدي وعلى الرجالة حرقوص بن زهير.
ودفع عليّ إلى أبي أيوب راية أمانا لهم لمن جاءها ممن لم يقتل ولم يستعرض فناداهم إليها وقال: من انصرف الى الكوفة والمدائن فهو آمن. فاعتزل عنهم فروة بن نوفل الأشجعيّ في خمسمائة وقال أعتزل حتى يتضح لي أمر في قتال عليّ فنزل الدسكرة، وخرج آخرون إلى الكوفة، ورجع آخرون إلى عليّ وكانوا أربعة آلاف، وبقي منهم ألف وثمانمائة فحمل عليهم عليّ والناس حتى فرّقهم [2] على الميمنة والميسرة. ثم استقبلتهم الرماة وعطفت عليهم الخيل من المجنبتين ونهض إليهم الرجال بالسلاح فهلكوا كلهم في ساعة واحدة كأنما قيل لهم موتوا، وقتل عبد الله بن وهب وزيد بن حصن وحرقوص بن زهير وعبد الله بن شجرة وشريح بن أوفى. وأمر عليّ أن يلتمس المخدج في قتلاهم وهو الّذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في علاماتهم فوجد في القتلى فاعتبر [3] عليّ وكبر واستنصر الناس، وأخذ ما في عسكرهم من السلاح والدواب فقسمه بين المسلمين وردّ عليهم المتاع والإماء والعبيد. ودفن عدي بن حاتم ابنه طرفة ورجالا من المسلمين فنهى علي عن ذلك، وارتحل ولم يفقد من أصحابه إلّا سبعة أو نحوهم.
وشكا إليه الناس الكلال ونفوذ السهام والرماح وطلبوا الرجوع إلى الكوفة ليستعدوا
[1] وفي النسخة الباريسية: العبسيّ.
[2]
وفي النسخة الباريسية: فحملوا على الناس حتى فرّقوهم.
[3]
الأصح ان يقول استعبر (من العبرة) .