المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم - تاريخ ابن خلدون - جـ ٢

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌الكتاب الثاني ويشتمل: أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة الى هذا العهد

- ‌المقدّمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

- ‌المقدّمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

- ‌القول في أجيال العرب وأوّليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها

- ‌برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها

- ‌الطبقة الاولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإمام بملكهم ودولهم على الجملة

- ‌الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه الى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم

- ‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

- ‌ملك الحبشة اليمن

- ‌غزو الحبشة الكعبة

- ‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

- ‌الخبر عن ملوك بابل من النبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة

- ‌الخبر عن القبط وأوّلية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والإلمام بنسبهم

- ‌الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الأرض المقدّسة بالشام وكيف تجدّدت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال

- ‌الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع الى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت

- ‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

- ‌الخبر عن افتراق بنى إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين الى انقراضه

- ‌الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم الى حين انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأوّل وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيردوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى

- ‌ابتداء أمر انظفتر [1] أبو هيردوس

- ‌انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه

- ‌الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الاقسة على تدوين شريعته

- ‌الخبر عن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم الى تمامه وانقراضه

- ‌الطبقة الاولى من الفرس وذكر ملوكهم وما صار اليه في الخليقة أحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم

- ‌الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم الى نهايتها

- ‌الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية والخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي

- ‌الخبر عن دولة يونان والروم وأنسابهم ومصايرهم

- ‌الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان الى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن اللطينيين وهم الكيتم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل إفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

- ‌الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية الى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم

- ‌الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس الى حين الفتح الإسلامي وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر افاريقهم وأنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلافها والبادية والرحالة منهم وملكها

- ‌الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

- ‌الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها

- ‌الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الّذي كان فيها

- ‌الخبر عن بطون كهلان من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها

- ‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيِّئ من بعدهم

- ‌ملوك كندة الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم

- ‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

- ‌الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن بني عدنان وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك اليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة

- ‌أمر النبوّة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الاباية والحرب

- ‌المولد الكريم وبدء الوحي

- ‌بدء الوحي

- ‌هجرة الحبشة

- ‌ العقبة الثانية

- ‌الهجرة

- ‌الغزوات

- ‌الأبواء:

- ‌بواط:

- ‌البعوث:

- ‌غزوة بدر الثانية:

- ‌غزوة الكدر:

- ‌غزوة السويق:

- ‌ذي أمرّ:

- ‌نجران:

- ‌قتل كعب بن الأشرف:

- ‌غزوة بني قينقاع:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

- ‌قتل ابن أبي الحقيق:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌بعث الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الصغرى الموعد:

- ‌غزوة دومة الجندل:

- ‌غزوة الخندق

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌غزوة الغابة وذي قرد

- ‌غزاة بني المصطلق:

- ‌عمرة الحديبيّة

- ‌إرسال الرسل الى الملوك

- ‌غزوة خيبر

- ‌فتح فدك ووادي القرى

- ‌عمرة القضاء

- ‌غزوة جيش الأمراء

- ‌فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌حصار الطائف وغزوة تبوك

- ‌إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف وهدم اللات

- ‌الوفود

- ‌ حجة الوداع

- ‌العمال على النواحي

- ‌خبر العنسيّ

- ‌بعث أسامة:

- ‌أخبار الأسود ومسيلمة وطليحة:

- ‌مرضه صلى الله وسلم عليه:

- ‌خبر السقيفة

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الرّدة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

- ‌بعث الجيوش للمرتدين

- ‌خبر طليحة

- ‌خبر هوازن وسليم وبني عامر

- ‌خبر بني تميم وسجاح

- ‌البطاح ومالك بن نويرة

- ‌خبر مسيلمة واليمامة

- ‌ردّه الحطم وأهل البحرين

- ‌ردة أهل عمان ومهرة واليمن [2]

- ‌بعوث العراق وصلح الحيرة

- ‌فتح الحيرة

- ‌فتح ما وراء الحيرة

- ‌فتح الأنبار وعين التمر وتسمّى هذه الغزوة ذات العيون

- ‌الوقائع بالعراق

- ‌بعوث الشام

- ‌بعوث الشام

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌فتح دمشق

- ‌خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد الى الشام

- ‌ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق ومقتله

- ‌أخبار القادسية

- ‌فتح المدائن وجلولاء بعدها

- ‌ولاية عتبة بن غزوان على البصرة

- ‌وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها

- ‌وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس

- ‌مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وارمينية

- ‌غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبي موسى

- ‌بناء البصرة والكوفة

- ‌فتح الأهواز والسوس بعدهما

- ‌مسير المسلمين الى الجهات للفتح

- ‌مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس

- ‌فتح مصر

- ‌وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات

- ‌فتح همذان

- ‌فتح الريّ

- ‌فتح أذربيجان

- ‌فتح الباب

- ‌فتح موقان وجبال ارمينية

- ‌غزو الترك

- ‌فتح خراسان

- ‌فتوح فارس

- ‌إصطخر:

- ‌بسا ودرابجرد:

- ‌كرمان:

- ‌سجستان:

- ‌مكران:

- ‌خبر الأكراد

- ‌مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه

- ‌نقض أهل الاسكندرية وفتحها

- ‌ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح أرمينية وأذربيجان

- ‌ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية

- ‌فتح قبرص

- ‌ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان

- ‌ولاية سعيد بن العاص الكوفة

- ‌غزو طبرستان

- ‌غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

- ‌مقتل يزدجرد

- ‌ظهور الترك بالثغور

- ‌بدء الانتقاض على عثمان رضي الله عنه

- ‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

- ‌بيعة علي رضي الله عنه

- ‌أمر الجمل

- ‌انتقاض محمد بن أبي حذيفة بمصر ومقتله

- ‌ولاية قيس بن سعد على مصر

- ‌مبايعة عمرو بن العاص لمعاوية

- ‌أمر صفين

- ‌ أمر الحكمين

- ‌أمر الخوارج وقتالهم

- ‌ولاية عمرو بن العاص مصر

- ‌دعاء ابن الحضرميّ بالبصرة لمعاوية ومقتله

- ‌ولاية زياد على فارس

- ‌فراق ابن عبّاس لعلي رضي الله عنهم

- ‌مقتل علي

- ‌بيعة الحسن وتسليمه الأمر لمعاوية

الفصل: ‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

هؤلاء الملوك من ولد عبد شمس بن واثل بن الغوث باتفاق من النسّابين، وقد مرّ نسبه إلى حمير، وكانت مدائن ملكهم صنعاء، ومأرب على ثلاث مراحل منها، وكان بها السدّ، ضربته بلقيس ملكة من ملوكهم سدّا ما بين جبلين بالصخر والقار، فحقنت به ماء العيون والأمطار، وتركت فيه خروقا على قدر ما يحتاجون إليه في سقيهم، وهو الّذي يسمى العرم والسكر وهو جمع لا واحد له من لفظه قال الجعديّ:

من سبإ الحاضرين مأرب إذ

يبنون من دون سيله العرما

أي السدّ ويقال انّ الّذي بنى السدّ هو حمير أبو القبائل اليمنية كلها قال الأعشى:

ففي ذلك للمؤتسى اسوة

مأرب غطى عليه العرم

رخام بناه لهم حمير

إذا جاءه من رامه لم يرم

وقيل بناه لقمان الأكبر ابن عاد كما قاله المسعودي، وقال: جعله فرسخا في فرسخ، وجعل له ثلاثين شعبا. وقيل وهو الأليق والأصوب أنه من بناء سبا بن يشجب، وأنّه ساق إليه سبعين واديا، ومات قبل إتمامه، فأتمّه ملوك حمير من بعده. وإنّما رجّحناه لأنّ المباني العظيمة، والهياكل الشامخة، لا يستقل بها الواحد كما قدّمنا في الكتاب الأوّل، فأقاموا في جناته عن اليمين والشمال كما وصف القرآن.

ودولتهم يومئذ أوفر ما كانت، وأترف وأبذخ وأعلى يدا وأظهر، فلمّا طغوا وأعرضوا سلّط الله عليهم الخلد، وهو الجرذ فنقبه من أسفله فأجحفهم السيل، وأغرق جناتهم، وخربت أرضهم، وتمزّق ملكهم، وصاروا أحاديث.

وكان هؤلاء التبابعة ملوكا عدّة في عصور متعاقبة، وأحقاب متطاولة، لم يضبطهم الحصر، ولا تقيدت منهم الشوارد. وربّما كانوا يتجاوزون ملك اليمن إلى ما بعد عنهم من العراق والهند والمغرب تارة، ويقتصرون على يمنهم أخرى، فاختلفت أحوالهم واتفقت أسماء كثيرة من ملوكهم، ووقع اللبس في نقل أيامهم ودولهم، فلنأت بما صحّ منها متحرّيا جهد الإستطاعة عن طموس من الفكر، واقتفاء التقاييد المرجوع

ص: 57

اليها والأصول المعتمد على نقلها، وعدم الوقوف على أخبارهم مدونة في كتاب واحد والله المستعان.

قال السهيليّ: معنى تبّع الملك المتبع. وقال صاحب المحكم: التبابعة ملوك اليمن وأحدهم تبّع لأنّهم يتبع بعضهم بعضا كلما هلك واحد قام آخر تابعا له في سيرته، وزادوا الباء في التبابعة لارادة النسب. قال الزمخشريّ: قيل لملوك اليمن التبابعة لأنّهم يتبعون، كما قيل الأقيال لأنهم يتقيلون. قال المسعودي: ولم يكونوا يسمون الملك منهم تبّعا حتى يملك اليمن والشحر وحضرموت، وقيل حتى يتبعه بنو جشم بن عبد شمس، ومن لم يكن له شيء من الأمرين فيسمى ملكا ولا يقال له تبّع.

وأول ملوك التبابعة باتفاق من المؤرّخين، الحرث الرائش، وإنّما سمّي الرائش لأنه راش الناس بالعطاء أو اختلف الناس في نسبه بعد اتفاقهم على أنه من ولد واثل بن الغوث بن حيران بن قطن بن عريب بن زهير بن أبين بن الهميسع بن حمير فقال ابن إسحاق وأبو المنذر بن الكلبي: انّ قيسا بن معاوية بن جشم. فابن إسحاق يقول في نسبه إلى سبا الحرث بن عديّ بن صيفي، وابن الكلبيّ يقول الحرث بن قيس بن صيفي. وقال السهيليّ هو الحرث بن همال بن ذي سدد بن الملطاط بن عمرو بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن واثل وجشم جدّ سبا هو بن عبد شمس، هذا عند المسعودي. وعند بعضهم أنه أخوه وأنهما معا ابنا واثل. وذكر المسعودي عن عبيد بن شرية الجرهميّ، وقد سأله معاوية عن ملوك اليمن في خبر طويل ونسب الحرث منهم، فقال: هو الحرث بن شدد بن الملطاط بن عمرو بن أمّا الطبري فاختلف نسبه في نسب الحرث، فمرّة قال: وبيت ملك التبابعة في سبا الأصغر ونسبه كما مرّ.

وقال في موضع آخر والحرث بن ذي شدد هو الرائش جدّ الملوك التبابعة، فجعله إلى شدد ولم ينسبه إلى قيس ولا عديّ من ولد سبا. وكذلك اضطرب أبو محمد بن حزم في نسبه في الجمهرة مرّة إلى الملطاط ومرّة إلى سبا الأصغر، والظاهر أنه تبع في ذلك الطبريّ والله أعلم.

وملك الحرث الرائش فيما قالوا مائة وخمسا وعشرين سنة، وكان يسمّى تبعا، وكان مؤمنا فيما قال السهيليّ. ثم ملك بعده ابنه أبرهة ذو المنار مائة وثمانين سنة. قال المسعوديّ، وقال ابن هشام: أبرهة ذو المنار هو ابن الصعب بن ذي مداثر بن الملطاط، وسمّي ذا المنار لأنه رفع المنار ليهتدي به. ثم ملك من بعده أفريقش بن

ص: 58

أبرهة مائة وستين سنة. وقال ابن حزم هو أفريقش بن قيس بن صيفي أخو الحرث الرائش، وهو الّذي ذهب بقبائل العرب إلى افريقية، وبه سميت. وساق البربر إليها من أرض كنعان، مرّ بها عند ما غلبهم يوشع وقتلهم، فاحتمل الفل منهم، وساقهم إلى إفريقية، فأنزلهم بها، وقتل ملكها جرجير. ويقال إنّه الّذي سمّى البرابرة بهذا الاسم لأنه لما افتتح المغرب، وسمع رطانتهم قال: ما أكثر بربرتهم فسموا البرابرة.

والبربرة في لغة العرب هي اختلاط أصوات غير مفهومة، ومنه بربرة الأسد. ولما رجع من غزو المغرب ترك هنالك من قبائل حمير صنهاجة وكتامة فهم إلى الآن بها، وليسوا من نسب البربر، قاله الطبري والجرجاني والمسعوديّ وابن الكلبي والسهيليّ وجميع النسّابين.

ثم ملك من بعد أفريقش أخوه العبد بن أبرهة، وهو ذو الأذعار عند المسعودي قال: سمّي بذلك لكثرة ذعر الناس من جوره. وملك خمسا وعشرين سنة، وكان على عهد سليمان بن داود وقبله بقليل، وغزا ديار المغرب، وسار إليه كيقاوس بن كنعان ملك فارس فبارزه وانهزم كيقاوس وأسره ذو الأذعار، حتى استنقذه بعد حين من يده وزيره رستم زحف إليه بجموع فارس إلى اليمن وحارب ذا الأذعار فغلبه واستخلص كيقاوس من أسره كما نذكره في أخبار ملوك فارس. وقال الطبري إنّ ذا الأذعار اسمه عمرو بن ابرهة ذي المنار بن الحرث الرائش بن قيس بن صيفي بن سبا الأصغر انتهى. وكان مهلك ذي الأذعار فيما ذكر ابن هشام مسموما على يد الملكة بلقيس.

وملك من بعده الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن ذي الأذعار وهو ذو الصرح، وملك ستا أو عشرا فيما قال المسعودي. وملكت بعده ابنته بلقيس سبع سنين. وقال الطبري: إنّ اسم بلقيس يلقمة بنت اليشرح بن الحرث بن قيس انتهى. ثم غلبهم سليمان عليه السلام على اليمن كما وقع في القرآن فيقال تزوجها، ويقال بل عزلها في التأيم، فتزوجت سدد بن زرعة بن سبا، وأقاموا في ملك سليمان وابنه أربعا وعشرين سنة. ثم قام بملكهم ناشر بن عمرو ذي الأذعار، ويعرف بناشر النعم، لفظين مركبين جعلا اسما واحدا كذا ضبطه الجرجاني. وقال السهيليّ ناشر بن عمرو، ثم قال ويقال ناشر النعم. وفي كتاب المسعودي نافس بن عمرو، ولعله تصحيف ونسبه إلى عمرو ذي الأذعار وليس يتحقق في هذه الأنساب كلها أنها للصلب فإنّ

ص: 59

الآماد، طويلة والأحقاب بعيدة، وقد يكون بين اثنين منهما عدد من الآباء، وقد يكون ملصقا به. وقال هشام بن الكلبي انّ ملك اليمن صار بعد بلقيس إلى ناشر بن عمرو بن يعفر الّذي يقال له ياسر أنعم، لانعامه عليهم بما جمع من أمرهم وقوي من ملكهم. وزعم أهل اليمن أنه سار غازيا إلى المغرب، فبلغ وادي الرمل ولم يبلغه أحد ولم يجد فيه مجازا لكثرة الرمل، وعبر بعض أصحابه، فلم يرجعوا فأمر بصنم من نحاس نصب على شفير الوادي، وكتب في صدره بالخط المسند هذا الصنم لياسر أنعم الحميري ليس وراءه مذهب فلا يتكلف أحد ذلك فيعطب انتهى.

ثم ملك بعد ياسر هذا ابنه شمر مرعش، سمي بذلك لارتعاش كان به. ويقال انه وطئ أرض العراق وفارس وخراسان وافتتح مدائنها وخرّب مدينة الصغد وراء جيحون، فقالت العجم «شمر كنداي» شمر خرّب. وبنى مدينة هنالك فسميت باسمه هذا، وعربته العرب فصار سمرقند. ويقال انه الّذي قاتل قباذ ملك الفرس وأسره، وأنه الّذي حير الحيرة. وكان ملكة مائة وستين سنة، وذكر بعض الأخباريّين أنه ملك بلاد الروم، وأنه الّذي استعمل عليهم ماهان قيصر فهلك، وملك بعده ابنه دقيوس. وقال السهيليّ في شمر مرعش الّذي سميت به سمرقند انه شمر بن مالك ومالك هو الأملوك الّذي قيل فيه:

فنقب عن الأملوك واهتف بذكره

وعش دار عز لا يغالبه الدهر

وهذا غلط من السهيليّ فإنّهم مجمعون على أنّ الأملوك كان لعهد موسى صلوات الله عليه وشمر من أعقاب ذي الأذعار الّذي كان على عهد سليمان، فلا يصح ذلك إلا أن يكون شمر ابرهة، ويكون أوّل دولة التبابعة.

ثم ملك على التبابعة بعد شمر مرعش تبّع الأقرن واسمه زيد. (قال السهيليّ) وهو ابن شمر مرعش وقال الطبريّ انه ابن عمرو ذي الأذعار. وقال السهيليّ إنما سمّي الأقرن لشامة كانت في قرنه، وملك ثلاثا وخمسين سنة. وقال المسعودي ثلاثا وستين. ثم ملك من بعده ابنه ملكيكرب وكان مضعّفا ولم يغزقط إلى أن مات. وملك بعده ابنه تبان أسعد أبو كرب، ويقال هو تبّع الآخر وهو المشهور من ملوك التبابعة. وعند الطبريّ أنّ الّذي بعد ياسر ينعم بن عمرو ذي الأذعار تبع الأقرن أخوه، ثم بعد تبع الأقرن شمر مرعش بن ياسر ينعم، ثم من بعده تبع الأصغر وهو تبان أسعد أبو كرب هذا هو تبع الآخر وهو المشهور من ملوك التبابعة. وقال الطبريّ: ويقال له الرائد

ص: 60

وكان على عهد يستاسب وحافده أردشير يمن ابن ابنه أسفنديار من ملوك الفرس وأنه شخص من اليمن غازيا ومرّ بالحيرة فتحيّر عسكره هنالك فسمّيت الحيرة. وخلف قوما من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة فأقاموا هنالك وبنو الإطام، واجتمع إليهم ناس من طيرة وكلب والسكون وأياد والحرث بن كعب. ثم توجه إلى الأنبار ثم الموصل ثم أذربيجان، ولقي الترك فهزمهم وقتل وسبى، ثم رجع إلى اليمن، وهابته الملوك وهادنه ملوك الهند. ثم رجع لغزو الترك، وبعث ابنه حسّان إلى الصغد، وابنه يعفر إلى الروم، وابن أخيه شمر ذي الجناح إلى الفرس. وان شمر لقي كيقباذ ملك الفرس فهزمه، وملك سمرقند وقتله، وجاز إلى الصين فوجد أخاه حسّان قد سبقه إليها، فأثخنا في القتل والسبي، وانصرفا بما معهما من الغنائم إلى أبيهما. وبعث ابنه يعفر إلى القسطنطينيّة فتلقوه بالجزية، والإتاوة فسار إلى رومة، وحصرها ووقع الطاعون في عسكره، فاستضعفهم الروم ووثبوا عليهم فقتلوهم، ولم يفلت منهم أحد. ثم رجع إلى اليمن، ويقال أنه ترك ببلاد الصين قوما من حمير وأنهم بها لهذا العهد، وأنه ترك ضعفاء الناس بظاهر الكوفة فتحيروا لك وأقاموا معهم من كل قبائل العرب.

وقال ابن إسحاق إنّ الّذي سار إلى المشرق من التبابعة تبّع الآخر، وهو تبان أسعد أبو كرب بن ملكيكرب بن زيد الأقرن ابن عمرو ذي الأذعار، وتبان أسعد هو حسّان تبّع وهو فيما يقال أوّل من كسا الكعبة، وذكر ابن إسحاق الملأ والوصائل، وأوصى ولاته من جرهم بتطهيرها وجعل لها بابا ومفتاحا، وذكر ابن إسحاق أنه أخذ بدين اليهودية، وذكر في سبب تهوّده أنه لما غزا إلى المشرق مرّ بالمدينة يثرب فملكها، وخلف ابنه فيهم، فعدوا عليه وقتلوه غيلة ورئيسهم يومئذ عمرو بن الطلّة من بني النجّار. فلما أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة مجمعا على خرابها فجمع هذا الحيّ من أبناء قيلة لقتاله فقاتلهم، وبينما هم على ذلك جاءه حبران من أحبار يهود من بني قريظة، وقالا له: لا تفعل فإنك لن تقدر وأنّها مهاجر نبيّ قرشي يخرج آخر الزمان فتكون قرارا له. وانه أعجب بهما واتبعهما على دينهما، ثم مضى لوجهه.

ولقيه دون مكة نفر من هذيل، وأغروه بمال الكعبة وما فيها من الجواهر والكنوز، فنهاه الحبران عن ذلك وقالا له إنما أراد هؤلاء هلاكك. فقتل النفر من الهذليّين وقدم مكة فأمره الحبران بالطواف بها والخضوع، ثم كساها كما تقدّم، وأمر ولاتها من

ص: 61

جرهم بتطهيرها من الدماء والحيض وسائر النجاسات، وجعل لها بابا ومفتاحا، ثم سار إلى اليمن. وقد ذكر قومه ما أخذ به من دين اليهودية، وكانوا يعبدون الأوثان، فتعرضوا لمنعه ثم حاكموه إلى النار التي كانوا يحاكمون إليها، فتأكل الظالم وتدع المظلوم، وجاءوا بأوثانهم. وخرج الحبران متقلدان المصاحف، ودخل الحميريّون فأكلتهم وأوثانهم، وخرج الحبران منها ترشح وجوههم وجباههم عرقا، فآمنت حمير عند ذلك، وأجمعوا على اتباع اليهودية. ونقل السهيليّ عن ابن قتيبة في هذه الحكاية انّ غزاة تبع هذه، إنما هي استصراخة أبناء قيلة على اليهود، فإنهم كانوا نزلوا مع اليهود حين أخرجوهم من اليمن على شروط، فنقضت عليهم اليهود فاستغاثوا بتبّع فعند ذلك قدمها وقد قيل: ان الّذي استصرخه أبناء قيلة على اليهود إنما هو أبو جبلة من ملوك غسان بالشام، جاء به مالك بن عجلان، فقتل اليهود بالمدينة، وكان من الخزرج كما نذكر بعد. ويعضد هذا أنّ مالك بن عجلان بعيد عن عهد تبع بكثير، يقال إنه كان قبل الإسلام بسبعمائة سنة ذكره ابن قتيبة. وحكى المسعودي في أخبار تبع هذا أنّ أسعد أبا كرب سار في الأرض، ووطأ الممالك وذلّلها ووطئ أرض العراق في ملك الطوائف، وعميد الطوائف يومئذ خرّداد بن سابور، فلقي ملكا من ملوك الطوائف اسمه قبّاذ، وليس قبّاذ بن فيروز، فانهزم قباذ وملك أبو كرب العراق والشام والحجاز وفي ذلك يقول تبّع أبو كرب:

إذ حسينا جيادنا من دماء

ثم سرنا بها مسيرا بعيدا

واستبحنا بالخيل خيل قبّاذ

وابن إقليد جاءنا مصفودا

وكسونا البيت الّذي حرّم

الله ملاء منضدا وبرودا

وأقمنا به من الشهر عشرا

وجعلنا لبابة اقليدا

(وقال أيضا)

لست بالتبع اليماني ان لم

تركض الخيل في سواد العراق

أو تؤدّي ربيعة الخرج قسرا

لم يعقها عوائق العوّاق

وقد كانت لكندة معه وقائع وحروب، حتى غلبهم حجر بن عمرو بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة من ملوك كهلان، فدانوا له ورجع أبو كرب إلى اليمن، فقتله حمير وكان ملكه ثلاثمائة وعشرين سنة.

ص: 62

ثم ملك من بعد أبي كرب هذا فيما قال ابن إسحاق ربيعة بن نصر بن الحرث بن نمارة بن لخم ولخم أخو جذام. وقال ابن هشام ويقال ربيعة بن نصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر. كان أبو حارثة تخلف باليمن بعد خروج أبيه، وأقام ربيعة بن نصر ملكا على اليمن بعد هؤلاء التبابعة الذين تقدّم ذكرهم، ووقع له شأن الرؤيا المشهورة. قال الطبريّ عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم أنّ ربيعة بن نصر رأى رؤيا هالته وفظع بها، وبعث في أهل مملكته في الكهنة والسحرة والمنجّمين وأهل العيافة، فأشاروا عليه باستحضار الكاهنين المشهورين لذلك العهد في إياد وغسّان، وهما شقّ وسطيح. قال الطبريّ شقّ هو أبو صعب شكر بن وهب بن أمول بن يزيد بن قيّس عبقر بن أنمار، وسطيح هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذيب بن عديّ بن مازن بن غسّان، ولوقوع اسم ذيب في نسبه كان يعرف بالذيبيّ.

فأحضرهما وقص عليهما رؤياه وأخبراه بتأويلها، أنّ الحبشة يملكون بلاد اليمن من بعد ربيعة وقحطان بسبعين سنة، ثم يخرج عليهم ابن ذي يزن من عدن فيخرجهم، ويملك عليهم اليمن، ثم تكون النبوّة في قريش في بني غالب بن فهر. ووقع في نفس ربيعة أنّ الّذي حدّثه الكاهنان من أمر الحبشة كائن، فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم، وكتب إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرّداذ فأسكنهم الحيرة.

ومن بيت ربيعة بن نصر كان النعمان ملك الحيرة، وهو النعمان بن المنذر بن عمرو بن عديّ بن ربيعة بن نصر. قال ابن إسحاق ولما هلك ربيعة بن نصر اجتمع ملك اليمن لحسّان بن تبان أسعد أبي كرب. قال السهيليّ وهو الّذي استباح طسما كما ذكرناه، وبعث على المقدّمة عبد كهلان بن يثرب بن ذي حرب بن حارث بن ملك بن عبدان بن حجر بن ذي رعين. واسم ذي رعين يريم وهو ابن زيد الجمهور، وقد مرّ نسبه إلى سبا الأصغر. وقال السهيليّ في أيام حسّان تبّع كان خروج عمرو بن مزيقياء من اليمن بالأزد، وهو غلط من السهيليّ لأنّ أبا كرب أباه إنما غزا المدينة فيما قال هو صريخا للأوس والخزرج على اليهود وهو من غسّان ونسبه إلى مزيقياء، فعلى هذا يكون الّذي استصرخه الأوس والخزرج على اليهود إنما هو من ملوك غسّان كما يأتي في أخبارهم. قال ابن إسحاق: ولما ملك حسّان بن تبّع بن تبان أسعد سار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب والعجم كما كانت التبابعة تفعل، فكرهت حمير

ص: 63

وقبائل اليمن السير معه وأرادوا الرجوع إلى بلادهم، فكلموا أخا له كان معهم في العسكر يقال له عمرو، وقالوا له اقتل أخاك نملكك وترجع بنا إلى بلادنا. فتابعهم على ذلك وخالفه ذو رعين في ذلك ونهى عمرا عن ذلك، فلم يقبل وكتب في صحيفة وأودعها عنده:

ألا من يشتري سهرا بنوم

سعيد من يبيت قرير عين

فأمّا حمير غدرت وخانت

فمعذرة الإله لذي رعين

ثم قتل عمرو أخاه بعرصة لخم، وهي رحبة مالك بن طوق، ورجع حمير إلى اليمن فمنع النوم عليه السهر، وأجهده ذلك فشكى إلى الأطباء عدم نومه والكهّان والعرّافين، فقالوا ما قتل رجل أخاه إلا سلّط عليه السهر. فجعل يقتل كل من أشار عليه بقتل أخيه ولم يغنه ذلك شيئا، وهمّ بذي رعين فذكره شعره فكانت فيه معذرته ونجاته. وكان عمرو هذا يسمّى موثبان، قال الطبريّ: لوثوبه على أخيه، وقال ابن قتيبة لقلّة غزوة ولزومه الوثب على الفراش. وهلك عمرو هذا لثلاث وستين سنة من ملكه.

قال الجرجاني والطبريّ: ثم مرج أمر [1] حمير من بعده وتفرقوا، وكان ولد حسّان تبّع صغارا لا يصلحون للملك وكان أكبرهم قد استهوته الجنّ، فوثب على ملك التبابعة عبد كلال موثبا فملك عليهم أربعا وتسعين سنة، وكان يدين بالنصرانية، ثم رجع ابن حسّان تبّع من استهواء الجن فملك على التبابعة. قال الجرجاني ملك ثلاثا وسبعين سنة وهو تبع الأصغر ذو المغازي والآثار البعيدة. قال الطبريّ: وكان أبوه حسان تبع قد زوج بنته من عمرو بن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية من ملوك كندة، فولدت له ابنه الحرث بن عمرو، فكان ابن تبع بن حسّان هذا، فبعثه على بلاد معدّ، وملك على العرب بالحيرة مكان آل نصر بن ربيعة. قال وانعقد الصلح بينه وبين كيقباد ملك فارس على أن يكون الفرات حدّا بينهم، ثم أغارت العرب بشرقي الفرات، فعاتبه على ذلك، فقال لا أقدر على ضبط العرب الا بالمال والجند، فأقطعه بلادا من السواد، وكتب الحرث إلى تبع يغريه بملك الفرس، وتضعيف أمر كيقباد، فغزاهم. وقيل إنّ الّذي فعل ذلك هو عمرو بن حجر أبوه الّذي ولاه تبع أبو كرب، وأنه أغراه بالفرس واستقدمه إلى الحيرة، فبعث عساكره مع ولده الثلاثة إلى الصغد والصين والروم، وقد تقدّم ذكر ذلك.

[1] مرج الأمر: ضيّعه ولم يحكمه.

ص: 64

قال الجرجاني: ثم ملك بعد تبع بن حسّان تبّع أخوه لأمه وهو مدّثر بن عبد كلال، فملك احدى وأربعين سنة. ثم ملك من بعده ابنه وليعة بن مدّثر وثلاثين سنة.

ثم ملك من بعده أبرهة بن الصبّاح بن لهيعة بن شيبة بن مدّثر قيلف بن يعلق بن معديكرب بن عبد الله بن عمرو بن ذي أصبح الحرث بن مالك، أخو ذي رعين، وكعب أبو سبا الأصغر. قال الجرجاني: وبعض الناس يزعم أنّ أبرهة بن الصبّاح إنما ملك تهامة فقط. قال: ثم ملك من بعده حسان بن عمرو بن تبع بن ملكيكرب سبعا وخمسين سنة، ثم ملك لخيتعة [2] ولم يكن من أهل بيت المملكة. قال ابن إسحاق ولما ملك لخيتعة غلب عليهم، وقتل خيارهم، وعبث برجالات بيوت المملكة منهم، قيل إنه كان ينكح ولدان حمير، يريد بذلك أن لا يملكوا عليهم، وكانوا لا يملكون عليهم من نكح، نقله ابن إسحاق. وقال أقام عليهم مملكا سبعا وعشرين سنة، ثم وثب عليه ذو نواس زرعة تبع بن تبان أسعد أبي كرب، وهو حسّان أبي ذي معاهر فيما قال ابن إسحاق، وكان صبيا حين قتل حسان ثم شب غلاما جميلا ذا هيئة وفضل ووضاءة ففتك بالختيعة [1] في خلوة اراده فيها على مثل فعلاته القبيحة، وعلمت به حمير وقبائل اليمن فملكوه واجتمعوا عليه، وجدّد ملك التبابعة، وتسمّى يوسف وتعصب لدين اليهودية، وكانت مدّته فيما قال ابن إسحاق ثمانية وستين سنة، الى هنا أهـ ترتيب ابى الحسن الجرجاني. ثم قال: وقال آخرون ملك بعد أفريقش بن أبرهة قيس بن صيفي، وبعده الحرث بن قيس بن مياس، ثم ماء السماء بن ممروه ثم شرحبيل وهو يصحب بن مالك بن زيد بن غوث بن سعد بن عوف بن علي بن الهمّال، ثم ياسر بن الحرث بن عمرو بن يعفر، ثم زهير بن عبد شمس أحد بني صيفي بن سبا الأصغر وكان فاسقا مجرما يفتض أبكار حمير حتى نشأت بلقيس بنت اليشرح بن ذي جدن بن اليشرح بن الحرث بن قيس بن صيفي فقتلته غيلة، ثم ملكت. ولما أخذها سليمان ملك لمك بن شرحبيل، ثم ملك ذو وداغ فقتله ملكيكرب بن تبع بن الأقرن وهو أبو ملك، ثم هلك. فملك أسعد بن

[2] قوله لخيتعه وقيل اسمه لخيعة بن ينوف وهو هكذا في القاموس قاله نصر. وقد ذكره ابن الأثير في كتاب الكامل باسم لختيعه.

[1]

في نسخة اخرى وفي مكان آخر: لخيتعة.

ص: 65

قيس بن زيد بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبا، وهو أبو كرب، ثم ملك حسّان ابنه فقتله عمرو أخوه ووقع الاختلاف في حمير، ووثب على عمرو الختيعة ينوف ذو الشناتر وملك. ثم قتله ذو نواس بن تبع وملك. أهـ كلام الجرجاني.

وزعم ابن سعيد ونقله من كتب مؤرخي المشرق أنّ الحرث الرائش هو ابن ذي شدد ويعرف بذي مداثر، وأنّ الّذي ملك بعده ابنه الصعب وهو ذو القرنين، ثم ابنه أبرهة بن الصعب وهو ذو المنار، ثم العبد ذو الأشفار ابن أبرهة بن عمرو ذي الأذعار ابن أبرهة، ثم قتلته بلقيس. قال في التيجان: إنّ حمير خلعوه، وملكوا شرحبيل ابن غالب بن المنتاب بن زيد بن يعفر بن السكسك بن واثل وكان بمأرب، فجاز به ذو الأذعار وحارب ابنه الهدهاد بن شرحبيل من بعده، وابنته بلقيس بنت الهدهاد الملكة من بعده، فصالحته على التزويج وقتلته، وغلبها سليمان عليه السلام على اليمن إلى أن هلك وابنه رحبعم من بعده. واجتمعت حمير من بعده على مالك بن عمرو ابن يعفر بن عمرو بن حمير بن المنتاب بن عمرو بن يزيد بن يعفر بن السكسك بن واثل بن حمير، وملك بعده ابنه شمر يرعش وهو الّذي خرّب سمرقند، وملك بعده ابنه صيفي بن شمر على اليمن، وسار أخوه أفريقش بن شمر إلى إفريقية بالبربر وكنعان فملكها. ثم انتقل الملك إلى كهلان وقام به عمران بن عامر ماء السماء بن حارثة امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وكان كاهنا، ولما احتضر عهد إلى أخيه عمرو بن عامر المعروف بمزيقيا وأعلمه بخراب سد مأرب وهلاك اليمن بالسيل، فخرج من اليمن بقومه وأصحاب اليمن سيل العرم فلم ينتظم لبني قحطان بيعته، واستولى على قصر مأرب من بعده ربيعة بن نصر. ثم رأى رؤيا ونذر بملك الحبشة وبعث ولده إلى العراق وكتب إلى سابور الأشعاني فأسكنهم الحيرة وكثرت الخوارج باليمن. فاجتمعت حمير على أن تكون لأبي كرب أسعد بن عدي بن صيفي فخرج من ظفّار وغلب ملوك الطوائف باليمن، ودوّخ جزيرة العرب، وحاصر الأوس والخزرج بالمدينة، وحمل حمير على اليهودية، وطالت مدّته وقتلته حمير. وملك بعده ابنه حسّان الّذي أباد طسما، ثم قتله أخوه عمرو بمداخلة حمير، وهلك عمرو. فملك بعده أخوه لأبيه عبد كلال بن منوب، وفي أيامه خلع سابور أكتاف العرب. وملك بعده تبع بن حسّان وهو الّذي بعث ابن أخيه الحرث بن عمرو

ص: 66

الكندي إلى أرض بني معدّ بن عدنان بالحجاز فملك عليهم. وملك بعده مرثد بن عبد كلال. ثم ابنه وليعة وكثرت الخوارج عليه، وغلب أبرهة بن الصبّاح على تهامة اليمن، وكان في ظفّار دار التبابعة حسّان بن عمرو بن أبي كرب، ثم وثب بعده على ظفّار ذو شناتر، وقتله ذو نواس كما مرّ، هذا ترتيب ابن سعيد في ملوكهم.

وعند المسعودي: أنّه لما هلك كليكرب بن تبّع المعروف بالأقرن، قال وهو الّذي سار قومه نحو خراسان والصغد والصين، وولي بعده حسان بن تبّع، فاستقام له الأمر خمسا وعشرين سنة، ثم قتله أخوه عمرو بن تبع، وملك أربعا وستين سنة، ثم تبع أبو كرب وهو الّذي غزا يثرب وكسا الكعبة بعد أن أراد هدمها، ومنعه الحبران من اليهود، وتهوّد وملك مائة سنة. ثم بعده عمرو بن تبّع أبي كرب، وخلع وملكوا مرثد بن عبد كلال، واتصلت الفتن باليمن أربعين سنة. ومن بعده وليعة بن مرثد تسعا وثلاثين سنة. ومن بعده أبرهة بن الصبّاح بن وليعة بن مرثد، ويدعى شيبة الحمد ثلاثا وتسعين سنة، وكانت له سير وقصص. ومن بعده عمرو ذو قيفان تسع عشرة سنة. ومن بعده لخيتعة ذو شناتر ومن بعده ذو نواس.

وأمّا ابن الكلبيّ والطبريّ وابن حزم فعندهم أن تبّع أسعد أبي كرب هو ابن كليكرب بن زيد الأقرن ابن عمرو بن ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار الرائش بن قيس بن صيفي بن سبا الأصغر. وقال السهيليّ انه أسقط أسماء كثيرة وملوكا. وقال ابن الكلبيّ وابن حزم: ومن ملوك التبابعة أفريقش بن صيفي، ومنهم شمر يرعش ابن ياسر ينعم بن عمرو ذي الأذعار، ومنهم بلقيس ابنه اليشرح بن ذي جدن بن اليشرح بن الحرث الرائش بن قيس بن صيفي. ثم قال ابن حزم بعد ذكر هؤلاء من التبابعة: وفي أنسابهم اختلاف وتخليط وتقديم وتأخير ونقصان وزيادة، ولا يصح من كتب أخبار التبابعة وأنسابهم إلّا طرف يسير لاختلاف رواتهم وبعد العهد أهـ.

وقال الطبريّ لم يكن لملوك اليمن نظام وإنما كان الرئيس منهم يكون ملكا على مخلافه لا يتجاوزه، وان تجاوز بعضهم عن مخلافه بمسافة يسيرة من غير أن يرث ذلك الملك عن آبائه ولا يرثه أبناؤه عنه إنما هو شأن شدّاد المتلصّصة يغيرون على النواحي باستغفال أهلها، فإذا قصدهم الطلب لم يكن لهم ثبات، وكذلك كان أمر ملوك اليمن يخرج أحدهم من مخلافه بعض الأحيان ويبعد في الغزو والإغارة فيصيب ما يمر به، ثم يتشمّر عند خوف الطلب زاحفا إلى مكانه من غير أن يدين له أحد من غير مخلافه

ص: 67

بالطاعة أو يؤدّي إليه خراجا أهـ.

وأمّا الخبر عن ذي نواس وما بعده فاتفق أهل الأخبار كلهم أنّ ذا نواس هو ابن تبان أسعد واسمه زرعة، وأنه لما تغلب على ملك آبائه التبابعة، تسمى يوسف وتعصب لدين اليهودية، وحمل عليه قبائل اليمن، وأراد أهل نجران عليها، وكانوا من بين العرب يدينون بالنصرانية ولهم فضل في الدين واستقامة. وكان رئيسهم في ذلك يسمّى عبد الله بن الثامر، وكان هذا الدين وقع اليهم قديما من بقية أصحاب الحواريين من رجل سقط لهم من ملك التبعيّة يقال له ميمون نزل فيهم، وكان مجتهدا في العبادة، مجاب الدعوة، وظهرت على يده الكرامات في شفاء المرضى، وكان يطلب الخفاء عن الناس جهده، وتبعه على دينه رجل من أهل الشام اسمه صالح، وخرجا فارّين بأنفسهما، فلما وطئا بلاد العرب اختطفتهما سيارة فباعوهما بنجران، وهم يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم، ويعلقون عليها في الأعياد من حليهم وثيابهم، ويعكفون عليها أياما. وافترقا في الدير على رجلين من أهل نجران، وأعجب سيد ميمون صلاته ودينه وسأله عن شأنه، فدعاه إلى الدين وعبادة الله، وأنّ عبادة النخلة باطل، وأنه لو دعا معبوده عليها هلكت. فقال له سيده إن فعلت دخلنا في دينك. فدعا ميمون فأرسل الله ريحا فجعفت النخلة من أصلها، وأطبق أهل نجران على أتباع دين عيسى صلوات الله عليه. ومن رواية ابن إسحاق أنّ ميمون نزل بقرية من قرى نجران، وكان يمرّ به غلمان أهل نجران، يتعلمون من ساحر كان بتلك القرية، وفي أولئك الغلمان عبد الله بن الثامر، فكان يجلس إلى ميمون، ويسمع منه فآمن به واتبعه، وحصل على معرفة اسم الله الأعظم، فكان مجاب الدعوة لذلك، واتبعه الناس على دينه، وأنكر عليه ملك نجران وهمّ بقتله. فقال له: لن تطيق حتى تؤمن وتوحد فآمن ثم قتله، فهلك ذلك الملك مكانه [1] . واجتمع أهل نجران

[1] العبارة هنا غير واضحة تماما وهي أوضح عند الطبري في كتابه تاريخ الملوك والأمم الجزء 2 ص 105:

«

لم يبق أحد بنجران به ضر إلا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي حتى رفع شأنه إلى ملك نجران فدعاه فقال له: أفسدت عليّ أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي لأمثّلن بك، قال: لا تقدر على ذلك.

فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح عن رأسه فيقع على الأرض ليس به بأس فلما غلبه قال عبد الله بن الثامر: إنك والله لا تقدر على قتلي حتى توحد الله فتؤمن بما آمنت به فإنك ان فعلت ذلك سلطت عليّ فقتلتني، فوحد الله ذلك الملك وشهد بشهادة عبد الله بن الثامر ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله، فهلك الملك مكانه

»

ص: 68