الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غزوة أحد
وكانت قريش بعد واقعة بدر قد توامروا [1] وطلبوا من أصحاب العير أن يعينوهم بالمال ليتجهزوا به لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعانوهم، وخرجت قريش بأحابيشها وحلفائها وذلك في شوّال من سنة ثلاث، واحتملوا الظعن التماسا للحفيظة وأن لا يفرّوا، وأقبلوا حتى نزلوا ذا الحليفة قرب أحد ببطن السبخة مقابل المدينة على شفير واد هنالك، وذلك في رابع شوّال. وكانوا في ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومائتا فرس وقائدهم أبو سفيان ومعهم خمس عشرة امرأة بالدفوف يبكين قتلى بدر.
وأشار صلى الله عليه وسلم على أصحابه بأن يتحصنوا بالمدينة ولا يخرجوا وإن جاءوا قاتلوهم على أفواه الأزقة، وأقر [2] ذلك على رأي عبد الله بن أبي بن سلول، وألحّ قوم من فضلاء المسلمين ممن أكرمه الله بالشهادة فلبس لامته وخرج، وقدم أولئك الذين ألحّوا عليه وقالوا: يا رسول الله إن شئت فاقعد. فقال: ما ينبغي لبني إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل. وخرج في ألف من أصحابه، واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بقية المسلمين بالمدينة. فلما سار بين المدينة وأحد انخزل عنه عبد الله بن أبي في ثلث الناس مغاضبا لمخالفة رأيه في المقام، وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّة بني حارثة ومرّ بين الحوائط وأبو خيثمة من بني حارثة يدل به حتى نزل الشعب من أحد مستندا إلى الجبل، وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع المسلمين وتهيأ للقتال في سبعمائة فيهم خمسون فارسا وخمسون راميا، وأمّر على الرماة عبد الله بن جبير من بني عمرو بن عوف والأوس أخو خوّات، ورتبهم خلف الجيش ينضحون بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من خلفهم، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير من بني عبد الدار، وأجاز يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ورافع بن خديج من بني حارثة في الرماة وسنهما خمسة عشر عاما، وردّ أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر بن الخطّاب ومن بني مالك بن النجار زيد بن ثابت وعمرو بن حرام ومن بني حارثة البراء بن عازب وأسيد بن ظهير، ورد عرابة بن أوس وزيد بن أرقم وأبا سعيد الخدريّ سن جميعهم يومئذ أربعة عشر عاما. وجعلت قريش على ميمنة الخيل خالد بن الوليد،
[1] ربما قصد المؤرخ تآمروا.
[2]
وفي نسخة اخرى: وافقا.
وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل. وأعطى عليه السلام سيفه بحقه إلى أبي دجانة سماك بن خرشة من بني ساعدة وكان شجاعا بطلا يختال عند الحرب. وكان مع قريش ذلك اليوم والد حنظلة غسيل الملائكة أبو عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك ابن النعمان في طليعة [1] وكان في الجاهلية قد ترهّب وتنسّك، فلما جاء الإسلام غلب عليه الشقاء وفرّ إلى مكة في رجال من الأوس وشهد أحد مع الكفّار، وكان يعد قريش في انحراف الأوس إليه لما أنه سيدهم، فلم يصدق ظنه، ولما ناداهم وعرفوه، قالوا: لا أنعم الله لك علينا يا فاسق. فقاتل المسلمين قتالا شديدا.
وأبلى يومئذ حمزة وطلحة وشيبة وأبو دجانة والنضر بن أنس [2] بلاء شديدا، وأصيب جماعة من الأنصار مقبلين غير مدبرين واشتدّ القتال وانهزم قريش أوّلا، فخلت الرماة عن مراكزهم، وكرّ المشركون كرّة وقد فقدوا متابعة الرماة فانكشف المسلمون واستشهد منهم من أكرمه الله، ووصل العدوّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتل مصعب بن عمير صاحب اللواء دونه حتى قتل، وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر، وهشمت البيضة في رأسه، يقال إن الّذي تولى ذلك عتبة بن أبي وقاص وعمرو بن قميئة الليثي. وشدّ حنظلة الغسيل على أبي سفيان ليقتله فاعترضه شدّاد بن الأسود الليثي من شعوب فقتله وكان جنبا، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة غسلته.
وأكبت الحجارة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقط من بعض حفر هناك، فأخذ علي بيده واحتضنه طلحة حتى قام، ومصّ الدم من جرحه مالك بن سنان الخدريّ والد أبي سعيد، ونشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه صلى الله عليه وسلم فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح فندرت ثنيتاه فصار اهتم [3] . ولحق المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرّ دونه نفر من المسلمين فقتلوا كلهم، وكان آخرهم عمّار بن يزيد بن السكن. ثم قاتل طلحة حتى أجهض [4] المشركون وأبو دجانة يلي النبيّ صلى الله عليه وسلم بظهره وتقع فيه النبل فلا يتحرك [5] ، وأصيبت عين قتادة
[1] وفي نسخة ثانية: من ضبيعة.
[2]
وفي النسخة الباريسية: النضر بن شميل.
[3]
ويقال: اثرم بدل اهتم أهـ.
[4]
اجهض: بمعنى أبعد المشركين.
[5]
وفي نسخة ثانية: فلا يترك.
ابن النعمان من بني ظفر فرجع وهي على وجنته، فردها عليه السلام بيده فصحت وكانت أحسن عينيه.
وانتهى النضر بن أنس إلى جماعة من الصحابة وقد دهشوا وقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه. ثم استقبل الناس وقاتل حتى قتل ووجد به سبعون ضربة. وجرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج منها. وقتل حمزة عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قتله وحشي مولى جبير بن مطعم بن عديّ، وكان قد جاعله على ذلك بعتقه فرآه يبارز سبّاع بن عبد العزى فرماه بحربته من حيث لا يشعر فقتله.
ونادي الشيطان ألا أنّ محمدا قد قتل، لأنّ عمرو بن قميئة كان قد قتل مصعب بن عمير يظن أنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وضربته أم عمّارة نسيبة بنت كعب بن أبي [1] مازن ضربات فتوفي [2] منها بدرعيه وخشي المسلمون لما أصابه ووهنوز لصريخ الشيطان. ثم إنّ كعب بن مالك الشاعر من بنى سلمة عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى بأعلى صوته يبشّر الناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له:
أنصت، فاجتمع عليه المسلمون ونهضوا معه نحو الشعب، فيهم أبو بكر وعمر وعليّ والزبير والحرث بن الصمة [3] الأنصاري وغيرهم، وأدركه أبي بن خلف في الشعب، فتناول صلى الله عليه وسلم الحربة من الحرث بن الصمة وطعنه بها في عنقه فكرّ أبي منهزما، وقال له المشركون ما بك من بأس، فقال: والله لو بصق عليّ لقتلني وكان صلى الله عليه وسلم قد توعّده بالقتل فمات عدوّ الله بسرف [4] مرجعهم الى مكة. ثم جاء عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء فغسل وجه ونهض فاستوى على صخرة من الجبل وحانت الصلاة فصلى بهم قعودا. وغفر الله للمنهزمين من المسلمين ونزل:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ 3: 155 (الآية) وكان منهم عثمان بن عفان وعثمان بن أبي عقبة الأنصاري.
[1] وفي نسخة ثانية: من بني مازن.
[2]
وفي نسخة ثانية: توفي.
[3]
وفي النسخة الثانية: الصامت.
[4]
سرف القوم جاوزهم (القاموس) وسرف مكان بين مكة والمدينة. والمرجّح انه سقطت كلمة أثناء في الجملة.