المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها - تاريخ ابن خلدون - جـ ٢

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌الكتاب الثاني ويشتمل: أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة الى هذا العهد

- ‌المقدّمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

- ‌المقدّمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

- ‌القول في أجيال العرب وأوّليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها

- ‌برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها

- ‌الطبقة الاولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإمام بملكهم ودولهم على الجملة

- ‌الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه الى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم

- ‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

- ‌ملك الحبشة اليمن

- ‌غزو الحبشة الكعبة

- ‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

- ‌الخبر عن ملوك بابل من النبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة

- ‌الخبر عن القبط وأوّلية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والإلمام بنسبهم

- ‌الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الأرض المقدّسة بالشام وكيف تجدّدت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال

- ‌الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع الى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت

- ‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

- ‌الخبر عن افتراق بنى إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين الى انقراضه

- ‌الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم الى حين انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأوّل وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيردوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى

- ‌ابتداء أمر انظفتر [1] أبو هيردوس

- ‌انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه

- ‌الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الاقسة على تدوين شريعته

- ‌الخبر عن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم الى تمامه وانقراضه

- ‌الطبقة الاولى من الفرس وذكر ملوكهم وما صار اليه في الخليقة أحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم

- ‌الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم الى نهايتها

- ‌الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية والخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي

- ‌الخبر عن دولة يونان والروم وأنسابهم ومصايرهم

- ‌الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان الى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن اللطينيين وهم الكيتم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل إفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

- ‌الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية الى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم

- ‌الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس الى حين الفتح الإسلامي وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر افاريقهم وأنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلافها والبادية والرحالة منهم وملكها

- ‌الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

- ‌الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها

- ‌الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الّذي كان فيها

- ‌الخبر عن بطون كهلان من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها

- ‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيِّئ من بعدهم

- ‌ملوك كندة الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم

- ‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

- ‌الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن بني عدنان وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك اليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة

- ‌أمر النبوّة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الاباية والحرب

- ‌المولد الكريم وبدء الوحي

- ‌بدء الوحي

- ‌هجرة الحبشة

- ‌ العقبة الثانية

- ‌الهجرة

- ‌الغزوات

- ‌الأبواء:

- ‌بواط:

- ‌البعوث:

- ‌غزوة بدر الثانية:

- ‌غزوة الكدر:

- ‌غزوة السويق:

- ‌ذي أمرّ:

- ‌نجران:

- ‌قتل كعب بن الأشرف:

- ‌غزوة بني قينقاع:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

- ‌قتل ابن أبي الحقيق:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌بعث الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الصغرى الموعد:

- ‌غزوة دومة الجندل:

- ‌غزوة الخندق

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌غزوة الغابة وذي قرد

- ‌غزاة بني المصطلق:

- ‌عمرة الحديبيّة

- ‌إرسال الرسل الى الملوك

- ‌غزوة خيبر

- ‌فتح فدك ووادي القرى

- ‌عمرة القضاء

- ‌غزوة جيش الأمراء

- ‌فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌حصار الطائف وغزوة تبوك

- ‌إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف وهدم اللات

- ‌الوفود

- ‌ حجة الوداع

- ‌العمال على النواحي

- ‌خبر العنسيّ

- ‌بعث أسامة:

- ‌أخبار الأسود ومسيلمة وطليحة:

- ‌مرضه صلى الله وسلم عليه:

- ‌خبر السقيفة

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الرّدة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

- ‌بعث الجيوش للمرتدين

- ‌خبر طليحة

- ‌خبر هوازن وسليم وبني عامر

- ‌خبر بني تميم وسجاح

- ‌البطاح ومالك بن نويرة

- ‌خبر مسيلمة واليمامة

- ‌ردّه الحطم وأهل البحرين

- ‌ردة أهل عمان ومهرة واليمن [2]

- ‌بعوث العراق وصلح الحيرة

- ‌فتح الحيرة

- ‌فتح ما وراء الحيرة

- ‌فتح الأنبار وعين التمر وتسمّى هذه الغزوة ذات العيون

- ‌الوقائع بالعراق

- ‌بعوث الشام

- ‌بعوث الشام

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌فتح دمشق

- ‌خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد الى الشام

- ‌ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق ومقتله

- ‌أخبار القادسية

- ‌فتح المدائن وجلولاء بعدها

- ‌ولاية عتبة بن غزوان على البصرة

- ‌وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها

- ‌وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس

- ‌مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وارمينية

- ‌غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبي موسى

- ‌بناء البصرة والكوفة

- ‌فتح الأهواز والسوس بعدهما

- ‌مسير المسلمين الى الجهات للفتح

- ‌مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس

- ‌فتح مصر

- ‌وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات

- ‌فتح همذان

- ‌فتح الريّ

- ‌فتح أذربيجان

- ‌فتح الباب

- ‌فتح موقان وجبال ارمينية

- ‌غزو الترك

- ‌فتح خراسان

- ‌فتوح فارس

- ‌إصطخر:

- ‌بسا ودرابجرد:

- ‌كرمان:

- ‌سجستان:

- ‌مكران:

- ‌خبر الأكراد

- ‌مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه

- ‌نقض أهل الاسكندرية وفتحها

- ‌ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح أرمينية وأذربيجان

- ‌ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية

- ‌فتح قبرص

- ‌ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان

- ‌ولاية سعيد بن العاص الكوفة

- ‌غزو طبرستان

- ‌غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

- ‌مقتل يزدجرد

- ‌ظهور الترك بالثغور

- ‌بدء الانتقاض على عثمان رضي الله عنه

- ‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

- ‌بيعة علي رضي الله عنه

- ‌أمر الجمل

- ‌انتقاض محمد بن أبي حذيفة بمصر ومقتله

- ‌ولاية قيس بن سعد على مصر

- ‌مبايعة عمرو بن العاص لمعاوية

- ‌أمر صفين

- ‌ أمر الحكمين

- ‌أمر الخوارج وقتالهم

- ‌ولاية عمرو بن العاص مصر

- ‌دعاء ابن الحضرميّ بالبصرة لمعاوية ومقتله

- ‌ولاية زياد على فارس

- ‌فراق ابن عبّاس لعلي رضي الله عنهم

- ‌مقتل علي

- ‌بيعة الحسن وتسليمه الأمر لمعاوية

الفصل: ‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

لما نقم بنو إسرائيل على يؤال وأبيا ابني شمويل ما نقموا من أمورهم، واجتمعوا إلى شمويل، وسألوه من الله أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه أعداءهم ويجمع نشرهم ويدفع الذل عنهم، فجاء الوحي بأن يولي الله طالوت ويدهنه بدهن القدس، فأبوا بعد أن أمر شمويل بأن يستهموا عليه، فاستهموا على بني آبائهم، فخرج السهم على طالوت وكان أعظمهم جسما فولوه، واسمه عند بني إسرائيل شاول بن قيس بن أفيل، بالفاء الهوائية القريبة من الباء، ابن صاروا بن نحورت بن أفياح، فقام بملكهم، واستوزر أفنين ابن عمه نير بن أفيل. وكان لطالوت من الولد يهوناتان وملكيشوع وتشبهات وأنبياداف. وقام طالوت بملك بني إسرائيل، وحارب أعداءهم من بني فلسطين وعمون ومؤاب والعمالقة ومدين فغلب جميعهم، ونصر بنو إسرائيل نصرا لا كفاء له. وأوّل من زحف إليهم ملك بني عمّون ونازل قرية بلقاء فهجم عليهم طالوت، وهو في ثلاثمائة ألف من بني إسرائيل فهزمهم واستلحمهم، ثم أغزى ابنه في عساكر بني إسرائيل الى فلسطين فنال منهم، واجتمعوا لحرب بني إسرائيل فزحف إليهم طالوت وشمويل فانهزموا واستلحمهم بنو إسرائيل، وأمر شمويل أن يسير إلى العمالقة وأن يقتلهم ودوابهم ففعل، واستبقى ملكهم أعّاع مع بعض الأنام، فجاء الوحي الى شمويل بأنّ الله قد سخطه وسلبه الملك فخبره بذلك، وهجره شمويل فلم يره بعد.

وأمر شمويل أن يقدس داود، وبعث له بعلامته فسار إلى بني يهوذا في بيت لحم، وجاء به أبوه أيشا فمسحه شمويل، وسلب طالوت روح الجسد، وحزن لذلك ثم قبض شمويل وزحف جالوت وبنو فلسطين الى بني إسرائيل فبرز إليهم طالوت في العساكر وفيهم داود بن إيشا من سبط يهوذا، وكان صغيرا يرعى الغنم لأبيه، وكان يقذف بالحجارة في مخلاته فلا تكاد تخطىء. قال الطبريّ: وكان شمويل قد أخبر طالوت بقتل جالوت، وأعطاه علامة قاتلة، فاعترض بني إسرائيل حتى رأى

ص: 109

العلامة فيه فسلمه وأقام في المصاف. وقد احتمل الحجارة في مخلاته، فلما عاين جالوت قذفه بحجارة فصكّه في رأسه ومات، وانهزم بنو فلسطين، وحصل النصر.

فاستخلص طالوت حينئذ داود وزوّجه ابنته، وجعله صاحب سلاحه، ثم ولاه على الحروب فاستكفى به. وكان عمره حينئذ فيما قال الطبريّ ثلاثين سنة. وأحبه بنو إسرائيل، واشتملوا عليه، وابتلي طالوت وبنوه بالغيرة منه، وهمّ بقتله ونفذ لذلك مرارا، ثم حمل ابنه يهونتان على قتله، فلم يفعل لخلة ومصافاة كانت بينهما ودس إلى داود بدخيلة أبيه فيه، فلحق بفلسطين وأقام فيهم أياما، ثم إلى بني مؤاب كذلك، ثم رجع الى سبطه يهوذا بنواحي بيت المقدس، فأقام فيهم يقاتل معهم بني فلسطين في سائر حروبهم، حتى إذا شعر به طالوت طلب بني يهوذا بإسلامه اليه، فأبوا فزحف إليهم فأخرجوه عنهم، ولحق ببني فلسطين وقاتلهم طالوت في بعض الأيام فهزموه، واتبعوه وأولاده يقاتلون دونه حتى قتل يهونتان ومشوى وملكيشوع وبنو فلسطين في اتباعه حتى إذا أيقن بالهلكة قتل نفسه بنفسه. وذلك فيما قال الطبريّ لأربعين سنة من ملكه.

ثم جاء داود إلى بني يهوذا فملكوه عليهم، وهو داود بن إيشا بن عوفذ، بالفاء الهوائية، ابن بوغر واسمه أفصان بالفاء، الهوائية والصاد المشمة. وقد قدّمنا ذكره في حكّام بني إسرائيل بن سلمون الّذي نزل بيت لحم لأوّل الفتح ابن نحشون سيد بني يهوذا عند الخروج من مصر ابن عميناذاب بن إرم بن حصرون بن بارص بن يهوذا، هكذا نسبه في كتاب اليهود والنصارى، وأنكره ابن حزم قال: لأن نحشون مات بالتيه وإنما دخل القدس ابنه سلمون، وبين خروج بني إسرائيل من مصر وملك داود ستمائة سنة باتفاق منهم، والّذي بين داود ونحشون أربعة آباء، فإذا قسمت الستمائة عليهم يكون كل واحد منهم إنما ولد له بعد المائة والثلاثين سنة وهو بعيد.

ولما ملك داود على بني يهوذا نزل مدينتهم حفرون بالفاء الهوائية، وهي قرية الخليل عليه السلام لهذا العهد، واجتمع الأسباق كلهم إلى يشوشات بن طالوت، فملكه في أورشليم وقام بأمره وزير أبيه أفيند وقد مرّ نسبه.

وفي كتاب أسفار الملوك من الإسرائيليات أنّ رجلا جاء الداود بعد وفاة طالوت، فأخبره بمهلكه ومهلك أولاده في هزيمتهم أمام بني فلسطين، وأمر هذا الرجل أن يقتله لما أدركوه، فقتله وجاء بتاجه ودملجه إلى داود، وانتسب الى العمالقة، فقتله

ص: 110

داود بقتله، وبكى على طالوت، وذهب الى سبط يهوذا بأرض حفرون بالفاء القريبة من الباء، وهي قرية الخليل لهذا العهد، وأقام شيوشيات [1] بن طالوت في أورشليم، والأسباط كلهم مجتمعون عليه، وأقامت الحرب بينهم وبين داود أكثر من سنتين، ثم وقع الصلح بينهم والمهادنة، وأذعن الأسباط الى داود وتركوه، ثم اغتاله بعض قواده وجاء برأسه الى داود فقتله به. وأظهر عليه الحزن والأسف وكفل أخواته وبنيه أحسن كفالة.

واستبدّ داود بملك بني إسرائيل لثلاثين سنة من عمره وقاتل بني كنعان فغلبهم، ثم طالت حروبه مع بني فلسطين، واستولى على كثير من بلادهم، ورتب عليهم الخراج. ثم حارب أهل مؤاب وعمّون وأهل أدوم وظفر بهم وضرب عليهم الجزية، ثم خرّب بلادهم بعد ذلك، وضرب الجزية على الأرمن بدمشق وحلب، وبعث العمّال لقبضها. وصانعه ملك انطاكية بالهدايا والتحف، واختط مدينة صهيون وسكنها واعتزم على بناء مسجد في مكان القبة التي كانوا يضعون بها تابوت العهد ويصلون إليها. فأوحى الله الى دانيال نبيّ على عهده أنّ داود لا يبني وانما يبنيه ابنه ويدوم ملكه فسرّ داود بذلك. ثم انتقض عليه ابنه ابشلوم، وقتل أخاه أمون غيرة منه على شقيقه بأمان وهرب. ثم استماله داود ورده، وأهدر دم أخيه وصيّر له الحكم بين الناس. ثم رجع ثانيا لأربع سنين بعدها وخرج معه سائر الأسباط، ولحق داود بأطراف الشام وقيل لحق بخيبر وما إليها من بلاد الحجاز، ثم تراجع للحرب فهزمه داود وأدركه يؤاب وزير داود وقد تعلق بشجرة فقتله، وقتل في الهزيمة عشرون ألف من بني إسرائيل، وسيق رأس قشلوط لوليّ أبيه داود فبكى عليه وحزن طويلا، واستألف الأسباط ورضي عنهم ورضوا عنه. ثم أحصى بني إسرائيل فكانوا ألف ألف ومائة ألف، وسبط يهوذا أزيد من أربعمائة ألف. وعوتب في الوحي لأنه أحصاهم بغير اذن، وأخبره بذلك بعض الأنبياء لعهده.

وأقام داود صلوات الله عليه في ملكه والوحي يتتابع عليه، وسور الزبور تنزل. وكان يسبح بالأوتار والمزامير، وأكثر المزامير المنسوبة إليه في ذكر التسبيح وشأنه. وفرض على الكهنونية من سبط لاوى التسبح بالمزامير قدّام تابوت العهد اثني عشر كوهنا لكلّ

[1] وهكذا بالأصل. وفي مكان آخر يشوشات وفي الشجرة: أشوشان.

ص: 111

ساعة. ثم عهد عند تمام أربعين سنة من دولته لابنه سليمان صلوات الله عليهما، ومسحه مابان النبي وصادوق الخبر مسحة التقديس، وأوصى ببناء بيت المقدس.

ثم قبض صلوات الله عليه ودفن في بيت لحم، وكان لعهده من الأنبياء نامان وكاد وآصاف. وكان الكهنون الأعظم افيثار بن أحيلج من عقب عالي الكوهن الّذي ذكرناه في الحكام، وكان من بعده صادوق.

ثم قام بالملك من بعده من بني إسرائيل ابنه سليمان صلوات الله عليه وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، فاستفحل ملكه وغالب الأمم، وضرب الجزية على جميع ملوك الشام مثل فلسطين وعمون وكنعان ومؤاب وأدوم والأرمن، وأصهر إليه لملوك من كل ناحية ببناتهم، وكان ممن تزوّج بنت فرعون مصر. وكان وزيره يؤاب بن نيثرا وهو ابن أخت داود اسمها صوريا، وكان وزيرا لداود فلما ولي سليمان استوزره فقام بدولته ثم قتله بعد ذلك، واستوزر يشوع بن شيداح [1] ، ولأربع سنين من ملكه شرع في بيت المقدس بعهد أبيه إليه بذلك، فلم يزل إلى آخر دولته بعد ان هدم مدينة انطاكية وبنى مدينة تدمر في البرية وبعث إلى ملك صور ليعينه في قطع الخشب من لبنان، وأجرى على الفعلة فيه في كل عام عشرين ألف كرّ [2] من الطعام ومثلها من الزيت ومثلها من الخمر. وكان الفعلة في لبنان سبعين ألفا ولنحت الحجارة ثمانين ألفا وخدمة المناولة سبعون ألفا، وكان الوكلاء والعرفاء على ذلك العمل ثلاثة آلاف وثلاثمائة رجل.

ثم بنى الهيكل وجعل ارتفاعه مائة ذراع في طول ستين وعرض عشرين. وجعل بدائرة كله أروقة وفوقها مناظر، وجعل بدائر البيت ابريدا من خارج، ونمقه وجعل الظهر مقوّرا ليودع فيه تابوت العهد. وصفّح البيت من داخله وسقفه بالذهب، وصنع في البيت كروبيين من الخشب مصفحتين بالذهب وهما تمثالان للملائكة الكروبيين، وجعل للبيت أبوابا من خشب الصنوبر، ونقش عليها تماثيل من الكروبيين والنرجس والنخل والسوسن وغشاها كلها بالذهب. وأتمّ بناء الهيكل في سبع سنين، وجعل لها بابا من ذهب، ثم بنى بيتا لسلاحه أقامه على أربعة صفوف من العمد من خشب الصنوبر في كل صف خمسة عشر عمودا، ووضع فيه مائتي

[1] وفي التوراة: يشوع بن شيراخ.

[2]

الكرّ: مكيال قيل انه أربعون اردبا (قاموس) .

ص: 112

ترس من الذهب، في كل ترس ستمائة من حجر الجوهر والزمرد، وثلاثمائة درقة من الذهب، في كل درقة ثلاثمائة من حجر الياقوت، وسمى هذا البيت غيضة لبنان.

وصنع منبرا لجلوسه تحت رواق وكراسي كثيرة كلها من العاج ملبسة من الذهب. ثم بنى من فوق هذا البناء بيتا لابنة فرعون التي تزوج بها، وصنع بها أوعية النحاس لسائر ما يحتاج إليه بالبيت، واسترضى الصناع لذلك من مدينة صور. وعمل مذبح القربان بالبيت من الذهب، ومائدة الخبز الوجوه من الذهب، وخمس منابر عن بمين الهيكل، وخمسا عن يساره بجميع آلاتها من الذهب، ومجامر من الذهب.

وأحضر موروث أبيه من الذهب والفضة والأوعية الحسنة فأدخلها إلى البيت، وبعث إلى تابوت العهد من صهيون قرية داود إلى البيت الّذي بناه له، فحمله رؤساء الأسباط والكهنونية على كواهلهم حتى وضعوه تحت أجنحة التمثالين للكروبيين بالمسجد. وكان في التابوت اللوحان من الحجارة اللذين صنعهما موسى عليه السلام بدل الألواح المنكسرة، وحملوا مع تابوت العهد قبة القربان وأوعيتها إلى المسجد.

وأقام سليمان أمام المذبح يدعو في يوم مشهود، اتخذ فيه وليمة لذلك ذبح فيها اثنتين وعشرين ألفا من البقر، ثم كان يقرّب ثلاث مرات من السنة قرابين وذبائح كاملة، ويبخر البخور وجميع الأوعية لذلك كلها ذهب. وكانت جبايته في كل سنة ستمائة قنطار وستة وستون قنطارا من الذهب، غير الهدايا والقربان إلى بيت المقدس.

وكانت له سفن بحر الهند تجلب الذهب والفضة والبضائع والفيلة والقرود والطواويس، وكانت له خيل كثيرة مرتبة تجلب من مصر وغيرها تبلغ الفا وستمائة فرس معدة كلها للحرب. وكانت له ألف امرأة لفراشه ما بين حرة وسرية منها ثلاثمائة سرية. وفي الأخبار للمؤرخين أنه تجهز للحج فوافى الحرم واقام به ما شاء الله، وكان يقرب كل يوم خمسة آلاف بدنة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة. ثم سما إلى ملك اليمن وسار إليه فوافى صنعاء من يومه، وطلب الهدهد لالتماس الوضوء، وكانت قناقنه أي ملتمس الوضوء له في الأرض فافتقده، ورجع إليه بخبر بلقيس كما قصه القرآن. ودافعته بالهدية فلم يقبلها، فلاذت بطاعته ودخلت في دينه وطاعته، وملكته أمرها ووافته بملك اليمن، وأمرها بأن تتزوج فنكرت ذلك لمكان الملك فقال لا بدّ في الدين من ذلك. فقالت زوّجني ذا تبّع ملك همدان فزوّجها إياه وملكه على اليمن واستعملها فيه ورجع إلى الشام. وقيل تزوّجها وأمر الجنّ فبنوا لها سليمين

ص: 113

وغمدان. وكان يزورها في الشهر مرّة يقيم عندها ثلاثا، وعلماء بني إسرائيل ينكرون وصوله إلى الحجاز واليمن، وإنما ملك اليمن عندهم بمراسلة ملكة سبإ، وانها وفدت عليه في أورشليم، وأهدت إليه مائة وعشرين قنطارا من الذهب، ولؤلؤا وجوهرا وأصنافا من الطيب والمسك والعنبر فأجازها وأحسن إليها. وانصرفت، هكذا في كتاب الأنساب من كتبهم.

ثم انتقض على سليمان آخر أيامه هدرور ملك الأرمن بدمشق، وهداد ملك أدوم، وكان قد ولى على ضواحي بيت المقدس وجميع أعماله يربعان بن نباط من سبط أفرايم، واستكفى به في ذلك، وكان جبارا فعوتب بالوحي على لسان أخيا النبي في توليته فأراد قتله، وشعر بذلك يربعان فهرب إلى مصر، فأنكحه فرعون ابنته وولدت له ابنه ناباط وأقام بمصر.

وقبض سليمان صلوات الله عليه لأربعين سنة من ملكه، وقيل اثنتين وخمسين، ودفن عند أبيه داود صلوات الله عليهما. وافترق ملك بني إسرائيل من بعده كما نذكره إن شاء الله تعالى.

ص: 114