المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الردة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة - تاريخ ابن خلدون - جـ ٢

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌الكتاب الثاني ويشتمل: أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة الى هذا العهد

- ‌المقدّمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

- ‌المقدّمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

- ‌القول في أجيال العرب وأوّليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها

- ‌برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها

- ‌الطبقة الاولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإمام بملكهم ودولهم على الجملة

- ‌الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه الى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم

- ‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

- ‌ملك الحبشة اليمن

- ‌غزو الحبشة الكعبة

- ‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

- ‌الخبر عن ملوك بابل من النبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة

- ‌الخبر عن القبط وأوّلية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والإلمام بنسبهم

- ‌الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الأرض المقدّسة بالشام وكيف تجدّدت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال

- ‌الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع الى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت

- ‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

- ‌الخبر عن افتراق بنى إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين الى انقراضه

- ‌الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم الى حين انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأوّل وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيردوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى

- ‌ابتداء أمر انظفتر [1] أبو هيردوس

- ‌انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه

- ‌الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الاقسة على تدوين شريعته

- ‌الخبر عن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم الى تمامه وانقراضه

- ‌الطبقة الاولى من الفرس وذكر ملوكهم وما صار اليه في الخليقة أحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم

- ‌الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم الى نهايتها

- ‌الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية والخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي

- ‌الخبر عن دولة يونان والروم وأنسابهم ومصايرهم

- ‌الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان الى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن اللطينيين وهم الكيتم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل إفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

- ‌الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية الى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم

- ‌الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس الى حين الفتح الإسلامي وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر افاريقهم وأنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلافها والبادية والرحالة منهم وملكها

- ‌الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

- ‌الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها

- ‌الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الّذي كان فيها

- ‌الخبر عن بطون كهلان من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها

- ‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيِّئ من بعدهم

- ‌ملوك كندة الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم

- ‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

- ‌الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن بني عدنان وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك اليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة

- ‌أمر النبوّة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الاباية والحرب

- ‌المولد الكريم وبدء الوحي

- ‌بدء الوحي

- ‌هجرة الحبشة

- ‌ العقبة الثانية

- ‌الهجرة

- ‌الغزوات

- ‌الأبواء:

- ‌بواط:

- ‌البعوث:

- ‌غزوة بدر الثانية:

- ‌غزوة الكدر:

- ‌غزوة السويق:

- ‌ذي أمرّ:

- ‌نجران:

- ‌قتل كعب بن الأشرف:

- ‌غزوة بني قينقاع:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

- ‌قتل ابن أبي الحقيق:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌بعث الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الصغرى الموعد:

- ‌غزوة دومة الجندل:

- ‌غزوة الخندق

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌غزوة الغابة وذي قرد

- ‌غزاة بني المصطلق:

- ‌عمرة الحديبيّة

- ‌إرسال الرسل الى الملوك

- ‌غزوة خيبر

- ‌فتح فدك ووادي القرى

- ‌عمرة القضاء

- ‌غزوة جيش الأمراء

- ‌فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌حصار الطائف وغزوة تبوك

- ‌إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف وهدم اللات

- ‌الوفود

- ‌ حجة الوداع

- ‌العمال على النواحي

- ‌خبر العنسيّ

- ‌بعث أسامة:

- ‌أخبار الأسود ومسيلمة وطليحة:

- ‌مرضه صلى الله وسلم عليه:

- ‌خبر السقيفة

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الرّدة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

- ‌بعث الجيوش للمرتدين

- ‌خبر طليحة

- ‌خبر هوازن وسليم وبني عامر

- ‌خبر بني تميم وسجاح

- ‌البطاح ومالك بن نويرة

- ‌خبر مسيلمة واليمامة

- ‌ردّه الحطم وأهل البحرين

- ‌ردة أهل عمان ومهرة واليمن [2]

- ‌بعوث العراق وصلح الحيرة

- ‌فتح الحيرة

- ‌فتح ما وراء الحيرة

- ‌فتح الأنبار وعين التمر وتسمّى هذه الغزوة ذات العيون

- ‌الوقائع بالعراق

- ‌بعوث الشام

- ‌بعوث الشام

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌فتح دمشق

- ‌خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد الى الشام

- ‌ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق ومقتله

- ‌أخبار القادسية

- ‌فتح المدائن وجلولاء بعدها

- ‌ولاية عتبة بن غزوان على البصرة

- ‌وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها

- ‌وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس

- ‌مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وارمينية

- ‌غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبي موسى

- ‌بناء البصرة والكوفة

- ‌فتح الأهواز والسوس بعدهما

- ‌مسير المسلمين الى الجهات للفتح

- ‌مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس

- ‌فتح مصر

- ‌وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات

- ‌فتح همذان

- ‌فتح الريّ

- ‌فتح أذربيجان

- ‌فتح الباب

- ‌فتح موقان وجبال ارمينية

- ‌غزو الترك

- ‌فتح خراسان

- ‌فتوح فارس

- ‌إصطخر:

- ‌بسا ودرابجرد:

- ‌كرمان:

- ‌سجستان:

- ‌مكران:

- ‌خبر الأكراد

- ‌مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه

- ‌نقض أهل الاسكندرية وفتحها

- ‌ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح أرمينية وأذربيجان

- ‌ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية

- ‌فتح قبرص

- ‌ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان

- ‌ولاية سعيد بن العاص الكوفة

- ‌غزو طبرستان

- ‌غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

- ‌مقتل يزدجرد

- ‌ظهور الترك بالثغور

- ‌بدء الانتقاض على عثمان رضي الله عنه

- ‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

- ‌بيعة علي رضي الله عنه

- ‌أمر الجمل

- ‌انتقاض محمد بن أبي حذيفة بمصر ومقتله

- ‌ولاية قيس بن سعد على مصر

- ‌مبايعة عمرو بن العاص لمعاوية

- ‌أمر صفين

- ‌ أمر الحكمين

- ‌أمر الخوارج وقتالهم

- ‌ولاية عمرو بن العاص مصر

- ‌دعاء ابن الحضرميّ بالبصرة لمعاوية ومقتله

- ‌ولاية زياد على فارس

- ‌فراق ابن عبّاس لعلي رضي الله عنهم

- ‌مقتل علي

- ‌بيعة الحسن وتسليمه الأمر لمعاوية

الفصل: ‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الردة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

أن سعدا بايع يومئذ، وفي أخبارهم أنه لحق بالشام فلم يزل هنالك حتى مات وأن الجن قتلته وينشدون البيتين الشهرين وهما

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده

فرميناه بسهمين فلم نخط فؤاده

‌الخلافة الإسلامية

‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الرّدة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أمر السقيفة كما قدمناه، أجمع المهاجرون والأنصار على بيعة أبي بكر ولم يخالف إلا سعد إن صحّ خلافه فلم يلتفت إليه لشذوذه. وكان من أوّل ما أعتمده إنفاذ بعث أسامة، وقد ارتدت [1] العرب إمّا القبيلة مستوعبة وإمّا بعض منها، ونجم النفاق والمسلمون كالغنم في الليلة الممطرة لقلّتهم وكثرة عدوّهم وإظلام الجوّ بفقد نبيّهم، ووقف أسامة بالناس ورغب من عمر التخلف عن هذا البعث والمقام مع أبي بكر شفقة من أن يدهمه أمر، وقالت له الأنصار فإن أبي إلّا المضي فليول علينا أسنّ من أسامة. فأبلغ عمر ذلك كله أبا بكر فقام وقعد وقال: لا أترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخرج وأنفذه. ثم خرج حتى أتاهم فأشخصهم وشيّعهم وأذن لعمر في الشخوص، وقال: أوصيكم بعشر فاحفظوها عليّ: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الطفل ولا الشيخ ولا المرأة ولا تفرقوا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلّا للأكل، وإذا مررتم بقوم فرّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وإذا لقيتم أقواما فحصوا أواسط رءوسهم وتركوا حولها فتل العصاب فاضربوا بالسيف ما فحصوا عنه، فإذا قرب عليكم الطعام فاذكروا اسم الله عليه وكلوا ترفعوا باسم الله يا أسامة اصنع ما أمرك به نبي الله ببلاد قضاعة ثم أتت آفل ولا تقصر في شيء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم» . ثم ودّعه من الجرف ورجع.

وقد كان بعث معه من القبائل من حول المدينة الذين لهم الهجرة في ديارهم وحبس من بقي منهم فصار مسالح حول قبائلهم ومضي أسامة مغذّا وانتهى لما أمر النبي صلى

[1] وفي نسخة ثانية: أرادت.

ص: 489

الله عليه وسلم وبعث الجنود في بلاد قضاعة وأغار على أبني [1] فسبى وغنم ورجع لأربعين يوما وقيل لسبعين، ولم يحدث أبو بكر في مغيبه شيئا، وقد جاء الخبر بارتداد العرب عامّة وخاصة إلا قريشا وثقيفا، واستغلظ أمر مسيلمة واجتمع على طليحة عوام طيِّئ وأسد وارتدت غطفان وتوقفت هوازن فأمسكوا الصدقة، وارتد خواص من بني سليم وكذا سائر الناس بكل مكان. وقدمت رسل النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن واليمامة وبنى أسد ومن الأمراء من كل مكان بانتقاض العرب عامّة أو خاصة، وحاربهم بالكتب والرسل وانتظر بمصادمتهم قدوم أسامة، فعاجلته عبس وذبيان ونزلوا في الأبرق ونزل آخرون بذي القصة ومعهم حبال [2] من بني أسد ومن انتسب إليهم من بني كنانة، وبعثوا وفدا إلى أبي بكر نزلوا على وجوه من الناس يطلبون الاقتصار على الصلاة دون الزكاة، فأبي أبو بكر من ذلك، وجعل على أنقاب المدينة عليا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود، وأخذ أهل المدينة بحضور المسجد. ورجع وفد المرتدين وأخبروا قومهم بقلّة أهل المدينة فأغاروا على من كان بأنقاب المدينة، فبعثوا إلى أبي بكر فخرج في أهل المسجد على النواضح، فهربوا والمسلمون في أتباعهم إلى ذي خشب، ثم نفروا إبل المسلمين بلعبات اتخذوها فنفرت ورجعت بهم وهم لا يملكونها إلى المدينة ولم يصبهم شيء، وظن القوم بالمسلمين الوهن فبعثوا إلى أهل ذي القصة يستقدمونهم.

ثم خرج أبو بكر في التعبية وعلى ميمنته النعمان بن مقرّن وعلى ميسرته عبد الله بن مقرّن [3] ، وعلى الساقة سويد بن مقرن، وطلع عليهم مع الفجر واقتتلوا فما ذرّ قرن الشمس إلا وقد هزموهم وغنموا ما معهم من الظهر وقتل حبال، واتبعهم أبو بكر إلى ذي القصة فجهز بها النعمان بن مقرن في عدد ورجع إلى المدينة، ووثب بنو ذبيان وعبس على من كان فيهم من المسلمين فقتلوهم وفعل ذلك غيرهم من المرتدين، وحلف أبو بكر ليقتلن من المشركين مثل من قتلوه من المسلمين وزيادة. واعتز المسلمون بوقعة أبي بكر وطرقت المدينة صدقات. وقدم أسامة فاستخلفه أبو بكر على المدينة، وخرج في نفر إلى ذي خشب [4] وإلى ذي القصة ثم سار حتى نزل على أهل

[1] قوله أبنى بضم الهمزة: موضع بناحية البلقاء أهـ.

[2]

وفي نسخة ثانية خبال.

[3]

وفي النسخة الباريسية: معرور.

[4]

وفي النسخة الباريسية: ذي حسا.

ص: 490

الرَّبَذَة بالأبرق وبها عبس وذبيان وبنو بكر من كنانة وثعلبة بن سعد ومن يليهم من مرة، فاقتتلوا وانهزم القوم، وأقام أبو بكر على الأبرق، وحرم تلك البلد على بني ذبيان ثم رجع إلى المدينة.

ردّة اليمن: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى مكة وبني كنانة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف وأرضها عثمان بن أبي العاص على المدر، ومالك بن عوف على الوبر، وعلى عجز هوازن عكرمة بن أبي جهل، وعلى نجران وأرضها عمرو بن حزم على الصلاة، وأبو سفيان بن حرب على الصدقات، وعلى ما بين زمع وزبيد إلى نجران خالد بن سعيد بن العاص، وعلى همدان كلها عامر بن شهر الهمدانيّ، وعلى صنعاء فيروز الديلميّ ومسانده دادويه وقيس بن مكشوح المرادي رجعوا إليها بعد قتل الأسود، وعلى الجنديعلي بن أمية، وعلى مأرب أبو موسى الأشعري، وعلى الأشعريين وعكّ الطاهر بن أبي هالة، وعلى حضرموت زياد بن لبيد البياضي وعكاشة بن ثور بن أصفر الغوثي، وعلى كندة المهاجر بن أبي أمية، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب عليه في غزوة تبوك فاسترضته له أم سلمة وولاه على كندة، ومرض فلم يصل إليها، وأقام زياد بن لبيد ينوب عنه. وكان معاذ بن جبل يعلم القرآن باليمن يتنقل على هؤلاء وعلى هؤلاء في أعمالهم.

وثار الأسود في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربه بالرسل وبالكتب فقتله الله وعاد الإسلام في اليمن كما كان، فلما بلغهم الموت انتقضت اليمن وارتدّ أهلها في جميع النواحي وكانت الفالة من جند العنسيّ بين نجران وصنعاء لا يأوون إلى أحد، ورجع عمرو بن حزم إلى المدينة واتبعه خالد بن سعيد، وكان عمرو بن معديكرب بالجبال حيال فروة بن مسيك وابن مكشوح وتحيل في قتل الأبناء فيروز ودادويه وخشنش والاستبداد بصنعاء، وبعث إلى الفالة من جيش الأسود يغريهم بالأبناء ويعدهم المظاهرة عليهم فجاءوا إليه، وخشي الأبناء غائلتهم وفزعوا إليه فأظهر لهم المناصحة، وهيأ طعاما فجمعهم له ليغدر بهم فظفر بدادويه وهرب فيروز وخشنش وخرج قيس في أثرهما، فامتنعا بخولان أخوال فيروز وثار قيس بصنعاء وجبى ما حولها، وجمع الفالة من جنود الأسود إليه. وكتب فيروز إلى أبي بكر بالخبر، فكتب له بولاية صنعاء، وكتب إلى الطاهر بن أبي هالة بإعانته، وإلى عكاشة بن ثور بأن يجمع أهل

ص: 491

تهامة ويقيم بمكانه، وكتب إلى ذي الكلاع سميفع [1] وذي ظليم حوشب وذي تبان شهر بإعانة الأبناء وطاعة فيروز وأن الجند يأتيهم. وأرسل إليهم قيس بن مكشوح يغريهم بالأبناء، فاعتزل الفريقان واتبعت عوامّهم قيس بن مكشوح في شأنه، وعمد قيس إلى عيلات الأبناء الذين مع فيروز فغرّبهم وأخرجهم من اليمن في البرّ والبحر وعرضهم للنهبى، فأرسل فيروز إلى بني عقيل بن ربيعة وإلى عكّ يستصرخهم، وفاعترضوا عيال فيروز والأبناء الذين معه فاستنقذوهم وقتلوا من كان معه، وجاءوا إلى فيروز فقاتلوا معه قيس بن مكشوح دون صنعاء فهزموه، ورجع إلى المكان الّذي كان به مع فالة الأسود العنسيّ.

وانضاف قيس إلى عمرو بن معديكرب وهو مرتد منذ تنبأ الأسود العنسيّ، وقام حيال فروة بن مسيك، وقد كان فروة وعمرو أسلما وكذلك قيس، واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم قيسا على صدقات مراد، وكان عمرو قد فارق قومه سعد العشيرة مع بني زبيد وأحلافها وانحاز إليهم فأسلم معهم وكان فيهم فلما انتقض الأسود، واتبعه عوام مذحج كان عمرو فيمن اتبعه، وأقام فروة فيمن معه على الإسلام فولى الأسود عمرا وجعله بحياله.

وكانت كندة قد ارتدوا وتابعوا الأسود العنسيّ بسبب ما وقع بينهم وبين زياد الكندي في أمر فريضة من فرائض الصدقة أطلقها بعض بني عمرو بن معاوية بعد أن وقع عليها ميسم الصدقة غلطا، فقاتلهم زياد وهزمهم، فاتفق بنو معاوية على منع الصدقة والردّة إلا شراحيل بن السمط وابنه، وأشير على زياد بمعاجلتهم قبل أن ينضم إليهم بعض السكاسك وحضرموت وأبضعه وجمد ومشرح ومخوس وأختهم العمرة، وهرب الباقون ورجع زياد بالسبي والغنائم، ومرّ بالأشعث بن قيس وبني الحرث بن معاوية واستغاث نساء السبي فغار الأشعث وتنقذهم، ثم جمع بني معاوية كلهم ومن أطاعه من السكاسك وحضرموت وأقام على ردّته.

وكان أبو بكر قاد حارب أهل الردة أولا بالكتب والرسل ولم يرسل إلى من ارتد وابتدأ بالمهاجرين والأنصار، ثم استنفر كلا على من يليه حتى فرغ من آخر أمور الناس لا يستعين بمرتد، وكتب إلى عتاب بن أسيد بمكة وعثمان بن أبي العاص بالطائف بركوب من ارتد بمن لم يرتدّ وثبت على الإسلام من أهل عملهما. وقد كان اجتمع

[1] وفي نسخة ثانية: سميقح.

ص: 492

بتهامة أو شاب [1] من مدلج وخزاعة، فبعث عتاب إليهم ففرّقهم وقتلهم. واجتمع بشنوءة جمع من الأزد وخثعم وبجيلة فبعث إليهم عثمان بن أبي العاص من فرّقهم وقتلهم. واجتمع بطريق الساحل من تهامة جموع من عكّ والأشعريين فسار إليهم الطاهر بن أبي هالة ومعه مسروق العكّي فهزموهم وقتلوهم، وأقام بالأجناد ينتظر أمر أبي بكر ومعه مسروق العكي. وبعث أهل نجران من بني الأفعى الذين كانوا بها قبل بني الحرث وهم في أربعين ألف مقاتل، وجاء وفدهم يطلبون إمضاء العهد الّذي بأيديهم من النبي صلى الله عليه وسلم، فأمضاه أبو بكر إلا ما نسخه الوحي بأن لا يترك دينان بأرض العرب.

ورجعت رسل النبي صلى الله عليه وسلم الذين كان بعثهم عند انتقاض الأسود العنسيّ وهم: جرير بن عبد الله والأقرع ووبر بن يحنس [2] فرد أبو بكر جريرا، ليستنفر من ثبت على الإسلام على من ارتدّ ويقاتل خثعم الذين غضبوا لهدم ذي الحليفة فيقتلهم ويقيم بنجران، فنفذ ما أمره به ولم يمر به أحد إلّا رجال قليل تتبعهم بالقتل، وسار إلى نجران وكتب أبو بكر إلى عثمان بن أبي العاص أن يضرب البعوث على مخاليف أهل الطائف، فضرب على كل مخالف عشرين وأمر عليهم أخاه، كتب إلى عتاب بن أسيد أن يضرب على مكة وعملها خمسمائة بعث وأمر عليهم أخاه خالدا وأقاموا ينتظرون، ثم أمر المهاجر بن أبي أمية بأن يسير إلى اليمن ليصلح من أمره ثم ينفذ إلى عمله وأمره بقتال من بين نجران وأقصى اليمن ففعل ذلك، ومرَّ بمكة والطائف فسار معهم خالد بن أسيد وعبد الرحمن بن أبي العاص بمن معهما، ومرّ بجرير بن عبد الله وعكاشة بن ثور فضمهما إليه، ثم مر بنجران وانضم إليه فروة بن مسيك، وجاءه عمرو بن معديكرب وقيس بن مكشوح فأثقهما وبعث بهما إلى أبي بكر، وسار إلى لقائه فتتبعهم بالقتل ولم يؤمنهم فقتلوا بكل سبيل. وحضر قيس عند أبي بكر فحظر قتل دادويه ولم يجد أمرا جليلا في أمره، وتاب عمرو بن معديكرب واستقال فاقالهما وردّهما.

وسار المهاجر حتى نزل صنعاء وتتبع شذاذ القبائل فقتل من قدر عليه وقبل توبة من رجع إليه وكتب إلى أبي بكر بدخوله صنعاء، فجاءه الجواب بأن يسير إلى كندة

[1] وفي نسخة ثانية: وشباب.

[2]

وفي نسخة ثانية: بن مخنس.

ص: 493