الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها
لما انهزم الروم بفحل سار أبو عبيدة وخالد إلى حمص واجتمعوا بذي الكلاع في طريقهم وبعث هرقل توذر البطريق للقائهم فنزلوا جميعا مرج الروم، وكان توذر بإزاء بخالد وشمس [1] بطريق آخر بإزاء أبي عبيدة وأمسوا متباريين [2] . ثم أصبح فلم يجدوا توذر وسار إلى دمشق واتبعه خالد، واستقبله يزيد من دمشق فقاتله، وجاء خالد من خلفه فلم يفلت منهم إلا القليل وغنموا ما معهم.
وقاتل شمس [3] أبو عبيدة بعد مسير خالد فانهزم الروم وقتلوا واتبعهم أبو عبيدة إلى حمص ومعه خالد، فبلغ ذلك هرقل فبعث بطريق حمص إليها وسار هو في الرهاء، فحاصر أبو عبيدة حمص حتى طلبوا الأمان فصالحهم، وكان هرقل يعدهم في حصارهم المدد، وأمر أهل الجزيرة بامدادهم فساروا لذلك. وبعث سعد بن أبي وقاص العساكر من العراق فحاصروا هبت وقرقيسيا فرجع أهل الجزيرة إلى بلادهم. ويئس أهل حمص من المدد فصالحوا على صلح أهل دمشق، وأنزل أبو عبيدة فيها السمط بن الأسود في بني معاوية من كندة الأشعث بن ميناس في السكون والمقداد في بلي وغيرهم، وولى عليهم أبو عبيدة عبادة بن الصامت وصار إلى حماة فصالحوه على الجزية عن رءوسهم والخراج عن أرضهم، ثم سار نحو شيزر فصالحوا كذلك، ثم إلى المعرة كذلك ويقال معرة النعمان وهو النعمان بن بشير الأنصاري. ثم سار إلى اللاذقية ففتحها عنوة ثم سليمة أيضا، ثم أرسل أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى قنسرين فاعترضه ميناس عظيم الروم بعد هرقل فهزمهم خالد وأثخن فيهم، ونازل قنسرين حتى افتتحها عنوة وخربها. وأدرب إلى هرقل من ناحيته، وأدرب عياض بن غنم لذلك، وأدرب عمر بن مالك من الكوفة إلى قرقيسيا، وأدرب عبد الله بن المعتمر من الموصل، فارتحل هرقل إلى القسطنطينية من أمدها، وأخذ أهل الحصون بين الإسكندرية [4] وطرسوس وشعبها أن ينتفع المسلمون بعمارتها. ولما بلغ عمر صنيع خالد قال: «أمّر
[1] وفي نسخة ثانية: شمر.
[2]
وفي نسخة ثانية: مستترين.
[3]
وفي نسخة ثانية: ششس.
[4]
هي الاسكندرونة مع مقتضى السياق.
خالد نفسه يرحم الله أبا بكر هو كان أعلم مني بالرجال» . وقد كان عزل خالدا والمثنى بن حارثة خشية أن يداخلهما كبر من تعظيم فوكلوا إليه، ثم رجع عن رأيه في المثنى عند قيامه بعد أبي عبيد، وفي خالد بعد قنسرين فرجع خالد إلى إمارته.
ولما فرغ أبو عبيدة من قنسرين سار إلى حلب وبلغه أن أهل قنسرين غدروا فبعث إليهم السمط الكندي فحاصرهم وفتح وغنم، ووصل أبو عبيدة إلى خناصر [1] حلب وهو موضع قريب منها يجمع أصنافا من العرب، فصالحوا على الجزية ثم أسلموا بعد ذلك. ثم أتى حلب وكان على مقدّمته عياض بن غنم الفهري فحاصرهم حتى صالحوه على الأمان، وأجاز ذلك أبو عبيدة، وقيل صولحوا على مقاسمة الدور والكنائس، وقيل انتقلوا إلى انطاكية حتى صالحوا ورجعوا إلى حلب.
ثم سار أبو عبيدة من حلب إلى أنطاكية وبها جمع كبير من فل قنسرين وغيرهم ولقوة قريبا منها فهزمهم وأحجرهم وحاصرهم حتى صالحوه على الجلاء أو الجزية ورحل عنهم، ثم نقضوا فبعث أبو عبيدة إليهم عياض بن غنم وحبيب بن مسلمة ففتحاها على الصلح الأول وكانت عظيمة الذكر، فكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يرتب فيها حامية مرابطة ولا يؤخر عنهم العطاء [2] . ثم بلغ أبا عبيدة أن جمعا بالروم بين معرة مصرين وحلب فسار إليهم فهزمهم وقتل بطارقتهم، وأمعن بل وأثخن فيهم، وفتح معرة مصرين على صلح حلب. وجالت خيوله فبلغت سرمين وتيري وغلبوا على جميع أرض قنسرين وأنطاكية، ثم فتح حلبة ثانية.
وسار يريد قورس، وعلى مقدمته عياض، فصالحوه على صلح أنطاكية. وبث خيله ففتح تل نزار وما يليه، ثم فتح منبج على يد سلمان بن ربيعة الباهلي، ثم بعث عياضا إلى دلوك وعينتاب فصالحهم على مثل منبج واشترط عليهم أن يكونوا عونا للمسلمين.
وولى أبو عبيدة على كل ما فتح من الكور عاملا وضم إليه جماعة وشحن الثغور المخوفة بالحامية. واستولى المسلمون على الشام من هذه الناحية إلى الفرات، وعاد أبو عبيدة إلى فلسطين.
وبعث أبو عبيدة جيشا مع ميسرة بن مسروق العبسيّ، فسلكوا درب تفليس إلى بلاد الروم فلقي جمعا للروم ومعهم عرب من غسان وتنوخ وإياد يريدون اللحاق بهرقل
[1] وفي نسخة ثانية: حاضر.
[2]
وفي النسخة الابريسية: ولا يجبي منهم العطاء.