الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكرامة وروده. فقبل النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك منهم ونزل قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ 49: 6 الآية.
عمرة الحديبيّة
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السادسة وفي ذي القعدة منها معتمرا بعد بني المصطلق بشهرين، واستنفر الأعراب حوالي المدينة فأبطأ أكثرهم فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار، واتبعه من العرب فيما بين الثلاثمائة بعد الألف إلى الخمسمائة، وساق الهدي وأحرم من المدينة ليعلم الناس أنه لا يريد حربا. وبلغ ذلك قريشا فأجمعوا على صدّه عن البيت وقتاله دونها، وقدّموا خالد بن الوليد في خيل إلى كراع الغميم، وورد خبرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان، فسلك على ثنية المرار حتى نزل الحديبيّة من أسفل مكة وجاء من ورائهم، فكر خالد في خيله إلى مكّة.
فلما جاء صلى الله عليه وسلم إلى مكة بركت ناقته، فقال الناس خلأت، فقال: ما خلأت وما ذاك لها بخلق [1] ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والّذي نفسي بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها. ثم نزل واشتكى الناس فقد الماء فأعطاهم سهما من كنانته غرزوه في بعض القلب [2] من الوادي، فجاش الماء حتى كفى جميع الجيش، يقال نزل به البراء بن عازب.
ثم جرت السفراء بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفّار قريش، وبعث عثمان بن عفّان بينهما رسولا، وشاع الخبر أنّ المشركين قتلوه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وجلس تحت شجرة فبايعوه على الموت وأن لا يفرّوا، وهي بيعة الرضوان، وضرب عليه السلام بيسراه على يمينه وقال هذه عن عثمان. ثم كان سهيل ابن عمرو آخر من جاء من قريش فقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ينصرف عامه ذلك ويأتي من قابل معتمرا ويدخل مكّة وأصحابه بلا سلاح حاشا السيوف في القرب، فيقيم بها ثلاثا ولا يزيد، وعلى أن يتّصل الصلح عشرة أعوام يتداخل فيه الناس ويأمن بعضهم بعضا، وعلى أنّ من هاجر من الكفّار إلى المسلمين من رجل أو امرأة أنّ يرد إلى قومه ومن ارتدّ من المسلمين إليهم لم يردوه.
[1] وفي نسخة ثانية: وما هو لها بخلق.
[2]
وفي نسخة ثانية: بعض القلوب.
فعظم ذلك على المسلمين حتى تكلم فيه بعضهم، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم علم أنّ هذا الصلح سبب لأمن الناس وظهور الإسلام، وأنّ الله يجعل فيه فرجا للمسلمين وهو أعلم بما علمه ربه. وكتب الصحيفة عليّ، وكتب في صدرها هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبي سهيل عن ذلك وقال لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا أن يمحوها، فأبى وتناول هو الصحيفة بيده ومحا ذلك وكتب محمد بن عبد الله. ولا يقع في ذهنك من أمر هذه الكتابة ريب فإنّها قد ثبتت في الصحيح، وما يعترض في الوهم من أنّ كتابته قادحة في المعجزة فهو باطل، لأنّ هذه الكتابة إذا وقعت من غير معرفة بأوضاع الحروف ولا قوانين الخطّ وأشكالها بقيت الأمية على ما كانت عليه، وكانت هذه الكتابة الخاصة من إحدى المعجزات انتهى.
ثم أتى أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده وكان قد أسلم، فقال سهيل: هذا أوّل ما نقاضي عليه. فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيه وعظيم ذلك على المسلمين، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل أنّ الله سيجعل له فرجا، وبينما هم يكتبون الكتاب إذ جاءت سرية من جهة قريش قيل ما بين الثلاثين والأربعين يريدون الإيقاع بالمسلمين، فأخذتهم خيول المسلمين وجاءوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقهم فإليهم ينسب العتقيون [1] .
ولما تم الصلح وكتابه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحروا ويحلقوا فتوقفوا، فغضب حتى شكى إلى زوجته أم سلمة فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج وانحر واحلق فإنّهم تابعوك [2] . فخرج ونحر وحلق رأسه حينئذ خراش بن أمية الخزاعي، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وما فتح من قبله فتح كان أعظم من هذا الفتح. قال الزهري: لما كان القتال حيث لا يلتقي الناس [3] . فلمّا كانت الهدنة ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس بعضهم بعضا فالتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد بالإسلام أحدا يفعل شيئا إلّا دخل عليه [4] ، فلقد دخل في ذينك السنتين في الإسلام مثلما قبل ذلك أو أكثر.
[1] وفي نسخة ثانية: العتيقيون.
[2]
وفي نسخة ثانية: متابعوك.
[3]
وفي النسخة الباريسية: إنما كان القتال حيث يبتغي الناس.
[4]
وفي نسخة ثانية: دخل فيه.